صيحة ضمير
الملك يوبا الثاني لم يكن لوحده
عباقرة مغاربيون قدامى كثر يغفلهم التاريخ
الرسمي
بقلم: رشيد نجيب سيفاو
قرأت باهتمام كبير ما نشره الصحفي حسين مجذوبي
في صفحة آفاق في العدد 302 من أسبوعية الأيام. وأود في البداية أن أنوه، كقارئ ليس
إلا، بالمجهود الهام الذي بذله في سبيل إعداد ذلك المقال الشيق الذي خصصه للملك
المغربي العالم يوبا الثاني الذي يغفله التاريخ الرسمي. كما أود تقديم بعض الإضافات
التي أراها مفيدة لعموم القراء بعد التأكيد على أن الملك يوبا الثاني لم يكن
العبقري والمفكر الوحيد الذي عرفه التاريخ المغربي القديم، حيث إن هذه الفترة
التاريخية شهدت إسهامات فكرية متنوعة للعديد من المغاربة الأقدمين الذين ظل معظمهم
في طي النسيان.
من المعلوم أن الثقافة اليونانية تمكنت من فرض نفسها بقوة على شعوب البحر الأبيض
المتوسط، وذلك بسبب المكانة الأساسية للفكر الإغريقي انطلاقا من القرن الخامس قبل
الميلاد. ونجد أن الملك الأمازيغي ماسينيسا (240-148 قبل الميلاد)، كما ورد في
مجموعة من كتب التاريخ القديم، قد عمل على استقدام كثير من العلماء والفنانين من
اليونان إلى عاصمة مملكته قيرطا. وهذا ما جعل حفيده يوبا الثاني يحتك بهم على
المستوى الفكري ونبغ بالتالي في مجموعة من الحقول المعرفية مثل: التاريخ،
الجغرافيا، الفلسفة، الأدب، فقه اللغة حسبما بينه الباحث محمد شفيق في كتابه "لمحة
عن 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين" الصادر سنة 1989 عن دار الكلام. والغريب أنه أثار
بهذا النبوغ حسد وغيرة عدد من معاصريه الذين تعجبوا من كون "بربري نوميدي يصبح أكثر
الأدباء ظرفا ورهافة حس" على حد ما جاء في موسوعة الأفارقة الصادرة سنة 1977 عن
منشورات مجلة جون أفريك. ومن أهم الأعمال الكبرى التي خلفها الملك يوبا الثاني نجد
كتابه المسمى "ليبيكا" وهو موسوعة عني فيها بتاريخ الأمازيغ.
وعند رجوعنا إلى الفترة التاريخية القديمة، يمكن لنا التوقف عند كثير من المغاربة
الأقدمين الذين تصدروا مصاف المفكرين والأدباء. من هؤلاء نجد تيرنتيوس أفر Terntius
Afer الذي ألف باللاتينية في الأدب المسرحي، وهو صاحب الأعمال المسرحية التالية:
الأخوة- معذب نفسه- الخصي. وله مقولة مشهورة هي: "أنا إنسان ولا يخفى عني أي شيء
مما هو إنساني". وهناك أفولاي Apuleius(125-170 قبل الميلاد) الذي وضعه التاريخ في
مقدمة الكتاب العالميين الكبار الخالدين، من مؤلفاته كتاب "التحولات" ذو الحمولات
الفلسفية والصوفية المكثفة وهو مترجم إلى العربية من طرف الليبي علي فهمي خشيم.
ينضاف إلى هؤلاء كاتبان أمازيغيان قاما بالدعوة إلى الديانة المسيحية وجعلا منها
سلاحا لمواجهة الاستعمار الروماني لمنطقة شمال إقريقيا، ويتعلق الأمر بكل من:
تارتولي Tertullianus (155-225 ميلادية) الذي كان يدعو الناس إلى التمسك بالعقيدة
المسيحية والتخلي عن الطبقية التي تفرضها الكنيسة، كما كان ينادي إلى رفض الخدمة
العسكرية في الجيش الروماني. ويعد كتاب "دفاعا عن الدين" Apologeticus من أهم
إسهاماته الفكرية التي حاول فيها معالجة قضايا الأخلاق في الديانة المسيحية. ثم
أرنوبي Arnobius المزداد في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، والذي يعتبره
بعض المسيحيين أحد آباء الكنيسة. ومن مؤلفاته كتاب "ضدا على الوثنيين" Advesrsus
nationes والذي خاض فيه، كما يبدو ذلك جليا من خلال عنوانه، حربا على عبادة الأصنام
داعيا إلى الإيمان بالله.
ولا يمكن هنا إغفال القديس أوغوستينوس (354-430 ميلادية) والذي بلغ مرتبة كبرى
تتمثل في وصوله إلى منصب عمدة للكنيسة الرسمية. من مؤلفاته: مدينة الله- اعترافات
التوبة- المراسلات...
|