| |
حوار مع الفنانة التشكيلية
الأمازيغية سعاد شكوتي (الجزء
الثاني والأخير)
حاورها: سعيد بلغربي
وأشير إلى أن المغرب شهد مند أواخر السبعينات
دينامية نسائية، أطرت نفسها في تنظيمات نسائية، استمدت مشروعيتها ومبادئها الأولية،
كونيا: من الموجات النسائية الغربية التي سبقتها إلى الثورة والتمرد على الأوضاع،
ومحليا: من فضاءات ثقافية، حقوقية ونقابية، كانت قد أدرجت المطالب النسائية ضمن
برامجها النضالية، وإن كان بشكل محتشم وغير كاف، وفي أحيان كثيرة بطابع مناسباتي.
وبالرغم من أن هذه الإطارات الجديدة تبنت قضية المرأة بخصوصية صارمة، وركزت أهم
نضالاتها على خلخلة النص القانوني المغربي، والعمل على جعله يطرح وضعية المرأة
المغربية وخصوصا المرأة الأمازيغية، على مستوى الدستور ومدونة الأسرة، وكذا
القوانين الأخرى: قانون الشغل، القانون التجاري، قانون العقود والالتزامات. إلا أن
هذه القوانين ولحد يومنا هذا، تعرف تضاربا بين بنودها، ينم عن عدم اعتمادها لرؤية
واقعية لخصوصية الشعب المغربي، رؤية شاملة واضحة المعالم والأهداف.
في ظل الأنساق الثقافية السائدة المميزة لمجتمعاتنا المغربية، سواء الذكورية
المكرسة لسلطة طبقية مضطهدة للمرأة، أو العروبية التي لا تؤمن بالثقافات المغايرة
لها، هذه الأنساق التي تعمل جاهدة على فرض خطاباتها، لتشكيل نموذج من المواطن
المستلب، والموجه وعيا وتصرفا. استطاعت بعض النخب المثقفة والفاعلة، نساء ورجالا،
أن تفرض نفسها على الساحة السياسية والثقافية بالمغرب، وتطرح إشكالية الهوية
والانتماء في إطارها الصحيح والواقعي، ببلاد ثمازغا، جغرافيا وثقافيا وحضاريا. إلا
أن في ظل هذه الظروف، لا زال الخطاب الإبداعي النسائي مهمشا ومغيبا، لطبيعة العقلية
الناتجة عن مجتمع حامل للسمات التي تطرقنا إليها، مما يربك التواصل بين المرأة
المغربية وخصوصا الأمازيغية المبدعة، وبين المتلقي، إن لم نقل أن هذا التواصل يكاد
يكون منعدما.
لذا توجب على كل امرأة، واعية بخطورة المفاهيم الدخيلة على ثقافتها الأمازيغية،
وكذا الضغوطات الاقتصادية وسمات التمييز بينها وبين أخيها الرجل على أساس الجنس،
وأهمها التناقضات الاجتماعية، أن تعمل على إبراز مكامن الخلل والتناقض، داعية
باستمرار إلى التنقيب والتشبث بالقيم والمعالم الأساسية التي تبرز أصالتها، كخطوة
أولى لاستعادة الهوية الأمازيغية، لتحرير مبادراتها الإبداعية من الجمود والركون،
والممارسات المتخلفة، سواء كانت من صميم تقاليدنا أو مستوردة.
وعندما أتحدث عن النضال من أجل الطرح النسائي وإنصافه، فلا أعني هنا بالضرورة خلق
صراع بين الجنسين، فلا يتعلق الأمر بتطاحن بين العنصرين، لأن تنمية الإنسان والمجال
لن تتحقق بإقصاء جنس لحساب الآخر، بل باتحادهما، والاتفاق على تصور يخدم وضعهما
ككائنين بشريين وكذوات إنسانية. مستحضرين أن لكل أمة خصائصها ومكوناتها، ومناهضين
لكل سياسات التذويب أو التمييع.
وللمرأة الأمازيغية المبدعة، مسؤولية استنطاق صمت فئات واسعة من أدنى موضع في الهرم
الاجتماعي، حيث أوسع مكوناته المؤنثة هي الأكثر عرضة للقهر والتهميش. كما أن لهذه
المرأة تجارب حياتية صادقة وعلى جميع المستويات، تخول لها الاستقلال برؤاها
وتطلعاتها الإنسانية المتشعبة. مسخرة لذلك كل القنوات الشرعية. على رأسها الفنون
التعبيرية.
س: كائن رائع يتجول فينا دائما، الحسيمة، أين تتجلى رمزية هذه المدينة الأمازيغية
في إبداعاتك التشكيلية؟
ج:
Arif d tammurt inu
Nec dayes ixerqegh
Ya a dedwegh ya ad arsegh
Nec ghar s id ghar dewregh
Car nni di nimegh
Dayes ighar nedregh
Di ghar irigh di rehna
Waxxa nec mmutegh
انطلاقا من مغزى كلمات أغنية فناننا الأمازيغي/الريفي “بوعرفة أياون”، سأحاول أن
أختصر دوافع وتجليات تلك البقعة الخزامية في أعمالي وفي كينونتي إجمالا، فكل إنسان
تربطه علاقة حميمية بموطنه ومسقط رأسه، فما بالك المبدع بانفعالاته التي تشده إلى
ملاحظة جمالية الأشياء والقيم، مهما كانت بساطتها، فالحميمية تبزغ من الأعماق، من
حيث مسرح الروح الذي يحتضن حالات وهواجس مختلفة، هذا حال كل مبدعي أوطان العالم،
وهذه حاجة كل إنسان ليستقل بذاته، لاسيما إذا كان وطنه يعرف نوعا من الاحتلال،
عسكريا، سياسيا كان أو ثقافيا. بمقدور هذه الأشكال الاستعمارية تقييد حرية الجسد
لكنه ليس باستطاعتها اغتيال الحرية الفكرية للإنسان، وإن كان هذا لا يعفيه من
الشعور بالاغتراب والضمور.
الحسيمة والريف، عموما هو الحاضنة الأم لوجداننا، ولذاكرتنا المكانية والزمنية
بتنامي مستمر، يعززه نزوعنا الدموي والترابي، على حد قول القائل، “الأماكن هي
مسامير الروح.. وأوتاد الذاكرة”. فرمزية مدينة الحسيمة تتجلى في شرعية الانتماء إلى
جذور وفضاء معين ومميز، يفرض علينا مسؤولية الالتزام بحدود جغرافية ومميزات ثقافية
لها الأولوية على كل المستويات، فشعور رائع وعظيم يشملنا، ونحن في حضرة هذه المدينة
بما تمثله لنا من وجوه شتى، أولها وأهمها، كونها تختزل معاني الأمومة التي سيظل
حنيننا إليها نابضا، وحاجتنا لإراحة رؤوسنا على صدرها، مهما كبرنا واشتدت جذوعنا.
س: غير بعيد عن الفن وضجيج ألونه الصاخبة، تعتبرين من مؤسسي "فرقة أراغي" للفن
التشكيلي التي شعارها الأساسي تسخير الفن من أجل القضية الأمازيغية، هل بإمكانك أن
تقربيننا أكثر من أهداف هذا الإطار الفني؟
ج: في شتاء سنة 2003، تلقيت دعوة من تنسيقة جمعية "تويا" للعمل النسائي بالحسيمة،
وجمعية قدماء ثانوية مولاي علي الشريف بالحسيمة، للمشاركة في معرض للوحات
التشكيلية، والأواني الخزفية الريفية ومنتوجات من مادة الدوم المصنوع بالمنطقة،
كانت مشاركتي هذه إلى جانب ثلاثة فنانين آخرين (شيلا الزموري، ريحانة الموساوي،
وكريم أمغار، بالإضافة إلى الأخ حسين أقلعي المهتم بالتراث)، حيث تعتبر هذه الفقرة
جزءا من البرنامج الذي سطر للاحتفاء باليوم العالمي للمرأة لتلك السنة.
هذا المعرض بمثابة حدث نوعي استقطب العديد من المهتمين، وخصوصا المواهب الشابة وبعض
الأساتذة المحترفين، وقد لاقى إقبالا ملحوظا، ونوقشت الأعمال المعروضة بحماس من
جميع الزائرين، بمختلف مستوياتهم وتوجهاتهم، كان هذا أول معرض يقام لفنانين عصاميين
اعتمدوا الموهبة وبعض الممارسة، و بالرغم من عدم اعتياد أوساطنا لمثل هذه
المبادرات، فهذا المعرض لم يحظ بتغطية إعلامية واسعة، غير ما قامت به الجمعيات
المنظمة من تصريحات إجرائية، لتغطية أنشطة برنامجها المسطر.
إلا أن ما خفي عن أذهانها حينها، هو المكسب الكبير والقيم، الذي سيفضي به هذا العرس
الثقافي، الذي أعتبره اللبنة الأولى التي أسست لتجربة نوعية، أفرزتها الصدفة
والحاجة، بحيث إنها خولت لالتقاء العديد من الوجوه والمواهب الجديدة في هذا المجال،
فتم التعرف والتعارف بين مجموعة من الشباب والشابات، كرروا التردد عل قاعة العرض
طوال مدة العرض، وبعد نقاشات عديدة بين هؤلاء الفنانين، وفعاليات أخرى بمختلف
المجالات، ظهرت فكرة إقامة المعارض الجماعية المنظمة، كما اقترحت إمكانيات تأسيس
جمعية للفنون التشكيلية للفنانين المواهب العصاميين، إلا أن أغلب المعنيين آنذاك،
وأنا من بينهم، فضلوا الاشتغال على شكل مجموعة، أطلق عليها أحد الصحافيين بمعية أحد
الفنانين، مجموعة «أراغي «Araghi، بمعنى «نـداء»، انسجاما مع الهدف الأسمى من وراء
هذا التجمع الذي أفصح عن تطلعاته من مشروعه المرتقب، إيصال النداء للمتلقي. وبعد
العديد من الاجتماعات والنقاشات، أصبحت الخلية الأولى للمجموعة تستقطب المزيد من
الفعاليات في هذا المجال، الذين راحوا ينضمون إلينا بالتدريج. وأصبحت هذه المجموعة
نشيطة جدًّا في الأوساط الفنية والمجتمع المدني، سواء داخل الوطن أو خارجه، وبمرور
الوقت، وبتراكم التجارب، شهدت مجموعة «Araghi» الأمازيغية تغيرات كثيرة، حيث اتخذت
مسارا يؤكد توحد الرؤى والتطلعات بين بعض الفنانين الذين اتسمت أعمالهم أو بعد
احتكاكهم ببعض عناصر المجموعة، بالدعوة لإثارة القضية ومناقشتها، مع الوعي الكامل
بالتغيرات الجارية على الساحة، وكذا التطرق للقضايا الإنسانية الأخرى، ولم تقتصر
أنشطة المجموعة على المعارض فقط، بل تنوعت بين ورشات فنية لفائدة الأطفال أو فئات
معينة، جداريات، لقاءات، وعروض وأبحاث ثقافية بالفن ومجالات أخرى.
س: تذيلين لوحاتك التشكيلية باسم "أسيتّـم" بالنسبة لك ما هي الدلالات الرمزية التي
يختزنها هذا الإمضاء الانفعالي؟
ج: هناك من يعتقد من المبدعين، ومن نقاد هذا الميدان، أن إمضاء الفنان على لوحته أو
عمله الفني، عنصر دخيل على هذين الأخيرين، لما يمكن أن يكون له من أثر سلبي أو
إيجابي على الوضع النهائي للعمل، بحيث إنه حسب ظنهم، بمقدوره أن يقلب أوزانه بكسر
إيقاعه العام أو ضبطه.
بالنسبة لي، أعتبر الإمضاء شيئا بديهيا لأي عمل فني، فمن جهة أولى، لأنه كما سبق لي
الذكر، اللوحة علاوة على كونها عملا فنيا، فهي توثيق وتأريخ، لفترة معينة أو مفتوحة
غير محددة الأمد، لوجه من وجوه حياة مجموعة بشرية، وتوقيع الفنان يقربنا ويساعدنا
على فهم تلك الفترة ويعطي لها شرعية الشهادة، ومن جهة ثانية، فهو إيحاء مباشر وصريح
لحضور مبدعها، وتأكيد على كونه جزءا من مضمونها وحركيتها، ولأن اللوحة في نظري،
تفقد عذريتها بمجرد تجسيدها على شكل أداة بمقاسات معينة، ثم تفقد هويتها وانتماءها
الأحادي، فور خروجها من بوابة المرسم.
كما أن، هناك فنانين اعتمدوا على شخصيات معينة من خلقهم، اتخذوها سفراء يحملون
أصواتهم ويميزون منهجهم ونهجهم عن الآخرين، والإمضاء ينتجه الإدراك "الغير الواعي"
للفنان، ويتزعم ثورة التحريض أو التنوير لغاية معينة. فعلى الإمضاء يعلق المبدع آخر
وصاياه، وهو يودع عمله الفني ويؤهله لمواجهة الآخر، وبالإمضاء يعلن المبدع حق
امتلاكه لبقعة من كون تلك اللوحة، اختارها منفى يحتضنه عندما يعجز الوطن عن ذلك، أو
تحار روحه تحت سماء وطن يخنق الإبداع ويخمد الأصوات.
الفن عموما هو حلم ظل يراود الإنسانية منذ وإلى الأبد، حلم يمنحنا محاكاة المطلق،
استنطاق الواقع وما وراءه، وتوقيع المبدع يحمل أكثر من معنى، أكثر من مجرد تعريف أو
تمييز، إنها تقترن بالرؤيا التي ينطلق منها المبدع ويسير تحت ظلها، في رحلة سيزيفية
بين الشك واليقين. لذا كان على المبدع أن يتسلح بأفضل الزاد وأعتاه: الأمل Assitem
ولا شيء غير الأمل، سيمنح لنا عزيمة المواصلة، والموازنة بين حياة الخلود وحياة
دنيا الأرض. بين القدسي والدنيوي، وبين النسبي والمطلق.
ونحن نمارس الأمل من حيث لا نشعر، في كل تفاصيل حياتنا اليومية، نستبصره في اللمسات
الشاعرية والنورانية الدافئة، التي نصنعها من حيث لا نعلم، فنستضيء قفار ذواتنا
بالأمل، ونتحمل الصعاب على أمل ما! وننتظر بزوغ الفجر بالأمل، وانقشاع الضباب
بالأمل. لذا فرسالتي مكتوبة ومفعمة بالأمل، بهواجسي أعبئها، بأناملي أوقعها. لعلي
أساهم ببصماتي في استنهاض الهمم، وزرع الأمل في ترميم ما يمكن استعادته، وبناء ما
يستوجب النهوض به. فأنا كمبدعة أمازيغية ألتزم بمبدأ: الأمل Assitemوأراه حتى في
الشتات والرماد.
س: تحرصين على المشاركة بمعارض فردية وجماعية في ملتقيات ثقافية أمازيغية، في نظرك
ما هي القيمة المضافة التي تضيفها مثل هذه المعارض للفنان الأمازيغي الذي أصبح
يعاني من إقصاء وتهميش مدقع؟
ج: اعتاد الفنان الأمازيغي بالعالم، ببلاد ثمزغا، وبالمغرب خاصة أن يفرض نفسه
وإبداعه في الأوساط الفنية، بخام موهبته وبدأبه على مواكبة جديد المنظومة الفنية،
محفزا بمنطلقاته التي تموقعه داخل المجتمع المغربي وكذا الساحة التشكيلية. لذا
فالتظاهرات الثقافية والفنية التي تحط الفنان مباشرة أمام المتلقي فهي جد مهمة
بالنسبة لي، فهي أولا إصرار على الحياة وإثبات للكينونة والوجود، بل وحوار دائم
مع/بين كل العناصر المؤثثة لهذا الشكل التواصلي (اللوحة، المتلقي، الفنان،
الفضاء...)، ولذا فإن المعارض تسمح للفنان أن ينخرط في مغامرة الاستمتاع، والتيه
بين أعماله التي يصبح لها مغزى آخر، غير الذي كانت عليه بين أسوار المرسم. فيكتشف
ما خفي عنه، من خلال دهشة العيون، وانشداد الأنظار، وكذا نبرات الارتياب أو الرضا
التي تتناثر بين لوحة وأخرى.
كذلك فإن المعارض هي قناة من قنوات التنفيس... شكل من أشكال نشر الثقافة إلى أوسع
فئة من شرائح المجتمع وعموم الناس، فهي طريقة لتوريطهم وإشراكهم في تحمل مسؤولية
المواضيع المثارة. ومن البديهي أن ينظم أي فنان محترف أو هاو معارض لأعماله قصد
البيع أو على الأقل للتعريف بها، إلا أن هذا لم يكن متاحًا بالنسبة لي إما لعدم
توفري على القدر الكافي من الوقت، أو للظروف الغير المشجعة للعرض وإحياء الأجواء
المناسبة لذلك، لذا فأعمالي زهيدة غالبا ما أهملها بين الزوايا، أو معلقة على أصوار
لا تناسبها.
لكن أرى أنه آن الأوان للتنفيس عن هذه الأعمال والأفكار، وتحويل ذلك إلى ممارسة
تنير عقولنا وقلوبنا، لتحررنا فعليا ونهائيا من عقدة التنكر للذات. نحن بحاجة
لمقاومة الثقافات الدخيلة الناسفة لثقافتنا أكثر من أي وقت مضى، فبالإضافة إلى
أوضاعنا الغير المستقرة والغير المنصفة كمواطنين وكشعب أصيل، فنحن في عصر العولمة
التي تكتسح كل المجالات.
س: من الأكيد ومن المؤسف له أن الفنان الشكيلي الأمازيغي يعاني في وحدة وفي مرارة
تحت سقف وطن ينسى أن يصفق لطيوره المغردة، أنت كفنانة أمازيغية ما هي الصعوبات
والمشاكل التي تصادفك في مشوارك الفني؟
ج: باعتبار نوع العلاقة التي تجمعني بالفن التشكيلي، والتي تحدثت عنها بإسهاب في
مواضع أخرى، لا أظن أنني أمتلك المعايير التي تخول لي وظيفة النقد التقني ولا الفني
الدقيق لوضعية الفن التشكيلي ببلادنا، وبمنطقتي خاصة، إنما كمعنية مباشرة بالأمر،
ممارسة واهتماما، أستطيع أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع. وغير بعيد عن المحراب الذي
يجمعنا في هذه الآونة، يبدو لي أن وزارة الإعلام وكذا الثقافة جد مقصرة في إيفاء
هذا المجال حقه من الاهتمام، وهنا أشير إلى أن الحركة التشكيلية ببلدنا، وخصوصا
الأمازيغية الملتزمة منها، لا تحظى بالتغطية الإعلامية اللازمة، بل تتعرض لتحقير
وتدليس خطير، وإن لزم الأخذ منها فتدمج كعناصر تأثيثية، ورتوش تكميلية، عبارة عن
لقاءات سريعة ومحتشمة عبر التلفزة، أو على صفحة ما لبعض المجلات والجرائد الغير
المتخصصة غالبا، والتي تجيد عملية البتر ولغة التعالي. ويبدو هذا جليا من خلال
الفجوة التي تتنامى بين المواطن المغربي ومبدعي هذا الوطن، حيث تنعدم في ذاكرته
أسماء النخبة المثقفة لوطنه وإن وجدت، تختلط لديه بين فنانين وكتاب وشعراء وممثلين
وسياسيين بل وحتى الرياضيين..، ولتقريب المهتم واللامهتم لوضعية الفنان الأمازيغي
وإعطائه صورة مبسطة على أبرز التحديات التي تواجهه، على مستوى الوطن، وعلى الكيفية
التي تتعاطى بها معه المؤسسات الرسمية والجهات المعنية بالشأن الثقافي، وكذا
السلطات، وليومنا هذا، في عصر الديموقراطية ودولة الحق والقانون وحقوق الإنسان،
نستحضر الاعتقال التعسفي الذي تعرض له فناننا الأمازيغي/الريفي خالد إزري مؤخرا
وبتاريخ 02/08/2007، من طرف السلطات المخزنية مجسدة بهذه النازلة كل إصرارها على
السير على نفس نهج سنوات القهر والرصاص. وهذا في زمن مغرب العهد الجديد، مغرب
المصالحة والإنصاف.
وبالنسبة لي شخصيا فيمكن أن أختزل هذه الصعوبات في كشكول متداخل بين مستويين،
المستوى النفسي الذاتي الإنساني المحض، والمستوى الفكري المعرفي. فكلا المستويين
يلتقيان على أرضية الصراع بين المبدع والواقع... بكل عناصره ومعطياته المتناقضة،
التي ساهمت في إرباك مسيرتي الفنية التي ما هي إلا جزءا لا يتجزأ من حياتي الشخصية
اليومية.
ما يبين أن التحدي الذي يواجهه الفنان الأمازيغي صعب ومزدوج، فهو من ناحية له هويته
التي تميزه وسط وإلى جانب باقي العناصر المكونة للمجتمع المغربي على مستوى الثقافة
واللغة، كما أن التراكمات المأساوية التي وشمته روحا وجسدا، خير خلفية لأعماله
ومنطلقاته بالإضافة إلى المعضلات الاجتماعية والفكرية المعاصرة للمجتمع.
س: في كلمة أخيرة، لو لم تكن سعاد شكوتي فنانة تشكيلية، حينئذ أي اتجاه تعبيري كنت
تختارين؟
ج: سأنطلق من مبدأ إلزامية التحلي بالصدق والالتزام، ثم التسلح بالأمل أثناء
الإقبال على ممارسة جميع تشعبات الفعل الإنساني، ومن أن الأعمال الإبداعية هي
تفاصيل لحقائق صامتة، ترفض الركون إلى الصمت والانزواء القاتل، لأخلص إلى أن
التجربة والصدق في الأداء فضلا عن الإرادة تعبير عن الذات، ووسيلة للكشف عن
الفعاليات الاجتماعية، بعد تجنيد كل المؤهلات والخصائص الذاتية، لقراءة متميزة
ومختلفة للواقع ولمغزى الوجود الإنساني.
لكل نوع من الفنون صانعوه وشخصياته المناسبة، كما لكل ميدان أبطاله وزعمائه،
وبالرغم من هذا، فأنا أومن بأن المبدع إنسان ذكي وصاحب موقف، جدير برسم كل تصوراته،
الفردية والجماعية، أولها الممثلة للهوية الثقافية والاجتماعية. وأن يكشفها لأمم
أخرى، وكسب ودهم وتعاطفهم، بمجرد اهتمامهم واستيعابهم لها. لذا لو لم أكن أرسم،
لمارست الرسم أيضا، ليس هذا إصرارا على هذا النوع من الأشكال الإبداعية، لكن
بممارستي للفن التشكيلي أكون قد احترفت كل ألوان الفنون التعبيرية، فحين أرسم أكون
أكتب، أغني، أرقص، وأقوم حتى بتشخيص أدوار مسرحية معينة، فاللوحة في نظري تصوير
لمشاهد مركبة، تارة متناغمة وتارة أخرى متنافرة فيما بينها، تجمع بين الروحاني
والدرامي والكوميدي...إلخ. معالجة بلغة الألوان والخطوط.
كما أرى أنه بإمكان أي فن من الفنون الأخرى أن يجسد دور اللوحة، وخصوصا أب الفنون
"المسرح"، فكلها تنطلق وتلتقي على ساحة الإبداع الإنساني، والإبداع مقوم من مقومات
الحياة، وللون والكلمة، وكذا الصوت والحركة المقدرة على تجسيد الحياة بكل ديناميتها
وعنفوانها.
فالإبداع حاجة، ومنفى تلجأ إليه الذات بحثا عن نفسها، وهروبا بأحلامها ورغباتها من
واقع يحترف السلب والمساومة، ووأد الآمال في مهدها.
فعلى المبدع الأمازيغي، أن يظل حاملا مشعل الفضيلة والأمل، ملتزما بنقل واقعه كما
هو، من موقعه أينما كان، خارج وداخل بلاد ثمزغا، فمن الوعي والإرادة تولد الحرية،
صارخة في وجه الصمت المعجون بالعجز وبالمعاناة، لتبدد الخوف وتكسر قالب المواطن
المستلب، وتحرك ملكة المبدعين الذين يحترقون لينيروا درب الآخرين، في وطن تصادر فيه
حتى الأحلام. فمزيدا من الاحتراق، ومزيدا من الإبداع!!!
(تقديم وحوار: سعيد بلغربي Amazigh31@hotmail.com)
|