|
قراءة في معالم المشروع المجتمعي للحركة الأمازيغية: مستجداته ورهاناته*. بقلم: اليماني قسوح، آيت عبد الله، الحسيمة. يتضمن عنوان المداخلة مفاهيم أرى من الضروري – في إطار منهجي – الوقوف عندها لرفع أي لبس قد يعتري فهم المتلقي. تؤطر موضوع هذه المداخلة إشكالية تتفرع عنها مجموعة أسئلة. تتمثل الإشكالية التي تحاول المداخلة مقاربتها في الكشف عن طبيعية المشروع المجتمعي للحركة الأمازيغية، الذي بدأت معالمه في التجلي والبروز والتميز في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفها ويعرفها المغرب في ارتباط بمتغيرات إقليمية ودولية. أما الأسئلة المتفرعة عن الإشكالية والمرتبطة بها، فيمكن صياغتها كالتالي: - ما المقصود بالمشروع المجتمعي، والحركة الأمازيغية؟ - هل بالفعل، الحركة الأمازيغية تمتلك مشروعا مجتمعيا كاملا من شأنه أن يضفي على الحركة صفة الفاعل في المشهد العام بالبلاد، والذي يمكن التعويل عليه لإيجاد وطرح الحلول لعدد من القضايا والمشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي؟ - أم أن الحركة الأمازيغية في طريق بناء وتملك مشروع مجتمعي؟ - وبالتالي، ماذا تحقق في هذا الجانب؟ وما معالم هذا المشروع في ظل ما تم بناؤه وصياغته؟ وهل من مستجدات في هذا المشروع؟ - ما الرهانات المطروحة على الفاعلين الذين يهمهم الأمر؟ منهجية مقاربة هذه الأسئلة تنطلق من محاولة القيام بقراءة – مثلما جاء في عنوان المداخلة – من الداخل. أي: من داخل الحركة الأمازيغية، قراءة تعتمد على متابعة الشأن الأمازيغي، فاعلة ومنفعلة بأحداثها ومحطاتها منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، واضعة رهن إشارتها الوثائق والأدبيات والمواقف التي راكمتها الحركة،قراءة تحاول ما أمكن التخلص من الآراء الوثوقية، والأحكام المطلقة، والتصورات القبلية، والرؤى الذاتية المؤدلجة التي لا أنفي وجودها، وإنما طبيعة المقاربة تحتم ترك مسافة فاصلة بين اعتقاد الذات ورؤيتها للعالم، والموضوع الذي أشتغل عليه هنا. ومع كل هذه الشروط والاحتياطات، فالقراءة المقدمة هنا تظل نسبية، ولا تعني بأي حال غياب أو حجب قراءات أخرى قد تتكامل وتتلاقى، وقد تختلف وتتعارض في إطار سعي حثيث للفهم والمعرفة والكشف والتحقق. ومن خصائص هذه المقاربة: تجنب استخدام والحذر من استعمال بعض المفاهيم والمصطلحات التي يبدو لي أنها تترك انطباعات سلبية لدى المتلقي/ الفاعل داخل الحركة الأمازيغية أو خرجها. أولا: المفاهيم. -الحركة الأمازيغية: مفهوم الحركة الأمازيغية بالمغرب مفهوم تجميعي، يحيل على مجموعة من التنظيمات التي تستهدف الدفاع عن الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وأرضا وإنسانا، فضلا عن الفعاليات المختلفة الفنية والأكاديمية والمبدعة..التي تشكل الأمازيغية بكل أو بعض أبعادها موضوع اشتغالها واهتمامها. -المشروع المجتمعي: يراد بهذا المفهوم، نسق من الأفكار، والتصورات، والمواقف، والمبادئ، والرؤى، والبرامج، المبنية والمصاغة من مرجعية تنطلق من الواقع للإجابة وتقديم حلول لمجمل القضايا والمشاكل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والبيئية الراهنة والمستقبلية التي تهم شعبا من الشعوب. يمكن التمييز في إطار المشروع المجتمعي بين ما هو نظري، تجسده المنطلقات والمبادئ والمرجعيات التي يستند إليها المشروع، وبين ما هو تطبيقي عبارة عن برامج وخطط عمل قابلة للتطبيق والأجرأة تهم سير المؤسسات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وكيفية التعاطي مع المشاكل المطروحة ومواجهتها. فهل استطاعت الحركة الأمازيغية إنجاز مشروعها المجتمعي؟ أم أنها ما تزال تراكم جوانب منه في أفق إنجاز مشروع مجتمعي متكامل في مغرب أصبح جليا فيه أن أغلبية الفاعلين المستحوذين على السلطة، يفتقدون لمشروع مجتمعي ديموقراطي حداثي نابع من تربة هذا الوطن و واقعه الذي يفيض بالمتناقضات؟ ومن ثمة، ماذا حققت الحركة الأمازيغية في هذا الإطار؟ وما هي المعالم البارزة في هذا المشروع؟ ماذا استجد فيه؟وما الرهانات المطروحة آنيا ومستقبليا؟ ثانيا: الحركة الأمازيغية ظروف الانطلاق وتطور الخطاب.قد لا يختلف إثنان حول ارتباط الأمازيغية في المغرب بالهامش والمهمش، نتيجة سياسة إقصائية واستبعادية من قبل نظام تشكل في ظل ظروف تميزت بانتصار الاستعمار على الوطنيين الحقيقيين الذين كانوا يحملون مشروعا تحرريا تحريريا للإنسان والمجال والثقافة والفكر. ومن ثمة، كانت انطلاقة الفاعلين في الحركة الأمازيغية محكومة بمجموعة من الظروف، غايتها إثارة الانتباه إلى ما تتعرض له الذاكرة التراثية من مسخ واستلاب وتهميش، قبل أن يتسع الخطاب للاشتغال حول الهوية المغربية وما تتعرض له بعض عناصرها وأبعادها من نسيان وإقصاء بفعل سياسة إيديولوجية أحادية، تتحكم فيها هواجس أمنية لا مبرر لها إلا في مخيلة أصحابها. انطلقت الحركة الأمازيغية من دافع ووازع إنساني حضاري، يرمي إلى إعادة الاعتبار للإنسان والمجال والتراث الذي غيبته الايدولوجيا الأحادية المتبعة من قبل العابثين بشؤون الشعب. وأمام التطورات والتحولات التي طرأت على الساحة الوطنية والدولية، استطاع الفاعلون في الحركة من بلورة إجابات واقتراحات واقعية وعلمية بصدد المشكل اللسني وإشكالية التعدد الثقافي بالمغرب. في الوقت الذي ظل فيه أغلب الفاعلين ووالممثلين في المشهد الاجتماعي والمسرح السياسي، يفتقدون لأية معالجة أو طرح ينقذ الموقف، سوى تعميق وتجذير الأحادية الثقافية والازدواجية اللغوية المستندة على تعريب الأوساط الشعبية، وفرنسة أوساط النخبة وذويها. ثالثا: تشكل المشروع المجتمعي للحركة الأمازيغية و مستجداته. استطاعت الحركة الأمازيغية بمختلف توجهاتها إلى حدود أواخر القرن الماضي مراكمة عدد من المواقف والمطالب الديمقراطية حول الوضع اللسني والهوياتي والثقافي بالمغرب، هذه التراكمات مؤطرة بمرجعيات حقوقية وعلمية وواقعية تستند على مجموعة من المبادئ. المتفحص لهذا التراكم من المؤكد أنه سيخلص إلى إمكانية القول بأن ذلك يشكل طرحا متميزا وواقعيا من جانب الحركة في إطار مشروع مجتمعي قيد التشكل والبناء. ومما لا شك فيه، أن عيون الخصوم التي لا تنام، أشعرت فارتأت أن تراقب التطور الحاصل في خطاب الحركة عن كثب، ولما استشعرت بأن الحركة مقبلة على تطورات تمس هياكلها التنظيمية، ومطالبها المجتمعية المشروعة، أوعزت لذوي القرار والسلطة في النظام وحلفائه بالتدخل سريعا لفرملة خطاب الحركة واحتوائه وتدجينه وحبسه في مستويات لن تخل بتوازناتها ومصالحها وحساباتها ومعادلاتها. وهو ما تم بالفعل من خلال مقاربات فوقية وقطاعية لم تستطع أن تلامس أي مطلب للحركة ولو في الشق الثقافي اللسني. وللقارئ المتتبع المستقل أن يقيم وضعية الأمازيغية في التعليم، والإعلام، وما حققه المعهد باسم الأمازيغية من تبذير للمال، وحبس للطاقات البشرية التي كان بإمكانها أن تغني عمل الحركة وتنشطه. إذا كانت العديد من الأطر والفعاليات المحسوبة على الحركة الأمازيغية في الماضي، قد سقطت في مصيدة المخزن، وقبلت بمقاربته للأمازيغية، وارتمت في مؤسساته التي وضعها لحبس الأمازيغية فيها، فالخطة لم تنطل على الكثير من القواعد والفاعلين في الحقل الأمازيغي الذين عملوا ويعملون ما في وسعهم لتجاوز الوضعية الدونية والهامشية للأمازيغية لغة وحضارة وهوية وإنسانا ومجالا، من خلال صياغة مجموعة من المطالب والمواقف والرؤى و الأرضيات، والعمل على خلق إطارات جديدة بغية الدفاع عما طرح وما لم يطرح في السابق، والعمل على صياغة مطالب جديدة تمس الإنسان المغربي في شموليته. تمكنت هذه المبادرات من إعادة الروح والدينامية للحركة الأمازيغية من خلال مجموعة من العناصر والقضايا، التي أصبح المتتبع والمهتم يلاحظها مثارة من قبل الفاعلين في الحركة الأمازيغية الذين رفضوا سياسة الاستيعاب والإدماج اللامشروط من قبل النظام، والتي تتمحور حول المشروع المجتمعي الديموقراطي المنشود. هكذا، يلاحظ في خطاب الحركة الأمازيغية مستجدات تتمثل في: التركيز على قضايا التنمية الشاملة بدل البشرية، والتحديث والديموقراطية الفعلية والواقعية بدل الشعارات الرنانة و الممكيجة، لأن ثقافة القهر والقمع والتنفير لا تنتج إلا مواطنين مقهورين، ٍينقصهم الإحساس بالشخصية الجماعية، ولا يمكن التعويل عليهم في إحداث التغيير. من مستجدات المشروع المجتمعي وخطاب الحركة، المطالبة بدستور ديموقراطي شكلا ومضمونا يقر برسمية ووطنية الأمازيغية لغة وهوية وحضارة، وينص على مبدأ العلمانية التي تشكل تميزا في خطاب ومشروع الحركة عن باقي الحركات الاٍجتماعية في المشهد السياسي بالمغرب، والتي لم تستطع أن تكسر هذا» الطابو» رغم جذرية وحداثة طروحات وشعارات بعضها، أما تفسيرات الحركة لهذا المطلب / المبدأ فتتمثل بعضها في كون هذا الأخير،» يضمن التعدد والااختلاف والتعايش بين مكونات المجتمع المغربي» حسب ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف، و»يرسي مفهوما جديدا للأمة، والتمثيل في دلالتها الحداثية ويعقلن النص الدستوري خارج محددات الإجماع» حسب ميثاق المطالب بشأن مراجعة الوثيقة الدستورية. من المستجدات أيضا، رفع بعض تنظيمات الحركة الأمازيغية و فعالياتها لمطلب الحكم الذاتي، و اٍقرار النظام الفدرالي، ودولة الجهات، لدمقرطة الحريات العامة بالشكل الذي يتيح للمواطنين تحمل تسيير شؤونهم عن قرب من دون وصاية المركز أو توجيهه أو تحكمه، بيد أن هذا الأخير، لم ينتج في الواقع إلا التهميش، والتفقير، والتهجير، والأمية، والبطالة... مطلب سيسمح بتوزيع عادل للثروات بدل تركيزها واحتكارها في محور انجذب إليه المهمشون والمنسيون ليشكلوا جيشا من العاطلين والمعطلين، وساكني أحياء قصديرية أو لمزابل أو لمراحيض، أدى ويؤدي بهم الوضع إلى تبني أفكار، واعتناق إيديولوجيات، تصنع الموت من خلال الدفع بمعتنقيها إلى تفجير أنفسهم، مستغلة استلابه وفقره الثقافي والقيمي. ومن المؤكد أن أجرأة هذا المطلب واقعيا سيعيد الااعتبار للمغرب العميق المنسي من خلال تنمية فعلية وشاملة من قبل أبنائه وبناته. من مستجدات الخطاب الأمازيغي، الدعوة والمطالبة بمقاطعة الاانتخابات البرلمانية الماضية والمسقبلية المزمع تنظيمها في:7 شتنبر2007. ففي الوقت الذي انخرطت أغلبية الأحزاب ومعها إدارة الداخلية وأعوانها، وبعض الجمعيات المحسوبة على المجتمع المدني (2007 دابا أنموذجا) في تشجيع الإقبال على التسجيل في اللوائح الاٍنتخابية، والمشاركة في التعبير عن» اختيار» المترشحين، وفي الوقت الذي لم تسجل على مستوى المرجعية القانونية أية مراجعة أو تغيير للترسانة القانونية المؤطرة بدستور 1996، التي من شأنها أن ترسم المطالب والمبادئ الديمقراطية المطالب بها، وتعيد الاٍعتبار للمؤسسة التشريعية، والمساواة في حق الترشح بين الجميع، والتصويت اعتمادا على الااستحقاق والقناعة، بدل العائلة والقبيلة والمال والنفوذ.. جاءت بيانات المقاطعة تحمل موقف بعض التنظيمات الجمعوية والحزبية الأمازيغية... من المستجدات التي تعرفها الحركة الأمازيغية، بروز أرضيات فكرية وأيديولوجية تؤسس لخيارات تنظيمية ينتظر منها إثراء المشروع المجتمعي للحركة بمبادراتها ورؤاها ومقترحاتها، مما سيساهم في تحيين مطالب الحركة ومشروعها، وتجديد ديناميتها في ضوء التحولات التي تجري. ومن ثم لا نملك إلا أن نشيد بمثل هذه المبادرات التي قد تسهل - بدون شك – إمكانية تجميع الجهود في الأفق المستقبلي القريب، و تعزيز موقع الحركة في المشهد الااجتماعي والسياسي الوطني. رابعا: من عراقيل خصوم وأعداء مشروع الحركة الأمازيغية.الملاحظ أن خصوم الحركة وأعدائها، خصوم التحديث، وأعداء التغيير، الحريصين على إبقاء الوضع على ما يخدم مصالحهم، ما فتئوا يقومون بمناوشات وتحريضات ومعارضات للتشويش والتصدي والحيلولة دون التملك الاجتماعي لخطاب الحركة الأمازيغية، رغم الطابع والخيار الحضاري والإنساني الذي التزمت به هذه الأخيرة. في هذا الإطار يمكن أن أسرد مجموعة من الوقائع والأحداث، من ذلك: -تجاهل حركة المطالبة بدستور ديموقراطي لمقترحات ومطالب تنظيمات الحركة الأمازيغية، التي كانت قد انضمت إلى الأولى وشاركت في اجتماعاتها دون جدوى. -تجاهل المؤسسة العليا للمبادرة التي قامت بها قيادة الحزب الديموقراطي الأمازيغي بخصوص المذكرة التي همت قضية الدستور. -مناوشات وتحريضات ووشايات مغرضة أسفرت عن اعتداءات همجية واعتقالات ومتابعات في صفوف الحركة الثقافية الأمازيغية بالعديد من المواقع الجامعية. - حملة إعلامية شرسة، تستهتر وتستخف بمطالب الحركة الأمازيغية، وتبعث برسائل التخويف والتهويل منها إلى السلطات العليا أو ذوي السلطة والقرار. ومن ثمة، تحجيم وتخويف الناس/ الشعب من الإقبال على فهم ما تنادي به الحركة الأمازيغية. خامسا: الخطوط العريضة للرهانات المنتظرة من الحركة الأمازيغية. -العمل على مواصلة استكمال بناء المشروع المجتمعي، الذي يبدو من خلال معالمه السابقة أنه مشروع تحرري تحريري، يتوخى بناء مجتمع حداثي ديموقراطي قوي بتسامحه وتعدده، ومساهمة جميع أبنائه و مناطقه في الحكم والتسيير والمشاركة القائمة على احترام الإرادة، وتحفيز الهمم. و من الضروري تحقيق تراكم في هذا المستوى، وتحيين جوانب المشروع وطروحاته مع التحولات التي يعرفها المجتمع والمشهد السياسي والثقافي والحقوقي، وأجرأة إجابات موضوعية وعلمية بصدد القضايا التي ظلت عامة أو معلقة أو مؤجلة إلى حين، استنادا إلى تحليل وتشريح علميين وواقعيين للوضع العام و الخاص. -ترتيب وتحديد قضايا وإشكالات هذا المشروع من خلال تحديد أولوياته واستراتيجياته، حسب رزنامة زمنية مضبوطة تبين الآني والمستقبلي، مع وضع منهجية للعمل والنضال تنسجم والتحديات المفروضة على الحركة الأمازيغية، وتأخذ بعين الاعتبار الشروط والظروف الذاتية و الموضوعية. -صيانة مكتسبات هذا المشروع من القرصنة والإغارة الخارجية واحتواءاتهم، صيانة عبر الدفاع عن قضايا المشروع وإٍشكالاته المثارة، والتي كانت الحركة سباقة إلى طرحها على الساحة. -حسم أو تأجيل بعض الاختلافات القائمة بين الفاعلين في الحركة الأمازيغية و تنظيماتها، إلى حين حسم الصراع. وفي هذا الصدد، على الفاعل الأمازيغي تجنب ما من شأنه تعكير وحدة الصف والمصير من خلال إطلاق الأحكام المسبقة أو الدخول في حرب الإشاعات والمزايدات الكلامية التي لا تخدم إلا الخصوم، ولا تجني منها الذات سوى التشرذم والتفرقة وإضاعة الجهود. -تجذير الممارسة النضالية الجماهيرية من خلال الدخول في معارك مشتركة وطنيا، وجهويا، وإقليميا.... * - نص المداخلة التي تمت المشاركة بها في ندوة حول مستجدات القضية الأمازيغية ورهاناتها من تنظيم جمعية بويا للثقافة والفنون بآيت بوعياش-: 3-6-2007.
|
|