|
بعد خروج تونس بزعامة الحبيب بورقيبة من المعركة بحصولها على الاستقلال السياسي الشكلي في اتفاقية جي مولاي، طبعا بعد تنازلها على عدة مصالح حيوية لفرنسا في تونس، دخل المغرب هو أيضا في مفاوضات مع فرنسا التي جرت أطوارها وكواليسها في إيكس ليبان (Aix-les-Bains) ما بين 22 و 28 غشت 1955 للبحث عن شروط وملامح استقلال المغرب، والتي كانت قد حددت بعض من ملامحها في مدعشقر وفق بعض الشروط التي قبلها محمد الخامس مقابل عودته إلى عرشه. وبعد انكشاف هذه الشروط المجهولة في المفاوضات التي جمعت بين الحكومة الفرنسية والحكومة المغربية برئاسة مبارك البكاي لهبيل صديق الملك ووزير الدولة المكلف بالمفاوضات في إيكس ليبان المشؤومة بالنسبة للريفيين والأمازيغ عامة، وقّع المغرب مع فرنسا تصريحا مشتركا في اتفاقية سان كلود بتاريخ 2 مارس 1956 تعترف فيه الحكومة الفرنسية بالاستقلال السياسي الأعرج للمغرب على أساس الشروط الفرنسية المغربية المتفق عليها في مدينة إيكس الفرنسية. وللإفادة ومعرفة حقيقة هذا الاستقلال الذي يتبجح به المخزن والحركة اللاوطنية، لا بأس أن نذكر شروط «احتقلال» المغرب كما يلي: ـ يمارس محمد الخامس السلطة التشريعية ويطلع ممثل فرنسا على الظهائر والقرارات ويبدي ملاحظاته عندما تمس هذه الظهائر بمصالح فرنسا ومصالح الفرنسيين والأجانب في الفترة الانتقالية. ـ يتصرف سلطان المخزن في جيش وطني وفرنسا على استعداد لمساعدة هذا الجيش. ـ ميادين التسيير التي حافظت عليها السلطات الفرنسية ستبقى على ماهي عليه إلى غاية اتفاق آخر بين الجانبين حول شروط التسليم. ـ سيحافظ المستخدمون والمعمرون الفرنسيون في المغرب على الضمانات التي يتمتعون بها. ـ تواصل الحكومة الفرنسية تسيير علاقة المغرب الخارجية وتمثيل المواطنين المغاربة في الخارج. ـ وضعية الجيش الفرنسي الحالية في المغرب، ستبقى على ماهي عليه في المدة الانتقالية. وكما هو واضح، فشروط اتفاقية سيل سان كلود كانت محسومة لصالح المخطط الذي رسمه الفرنسيون مع المخزن واللاوطنيين في مفاوضة إيكس ليبان السيئة الذكر بدليل أنهم أبقوا على عساكرهم في المغرب بهدف استمرار الاحتلال ومساعدة الجيش المخزني على القضاء والإجهاز على جيش التحرير الأمازيغي وعلى كل المنتفضين الأمازيغ في المغرب غير النافع، كما حافظوا أيضا على مصالح المعمرين الفرنسيين في المغرب وعلى الأراضي التي سرقها من القبائل الأمازيغية، بل أكثر من هذا حافظوا على جميع مصالحهم الحيوية في جميع الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية بالمغرب الأمازيغي. وبعد فترة وجيزة على اتفاقية سيل سان كلود وقّع المغرب مع إسبانيا في مدريد بتاريخ 17 أبريل 1956 على تصريح مشترك تعترف فيه إسبانيا بالاستقلال المنقوص للمغرب، ونسميه بالمنقوص بدليل أن العديد من أجزائه كانت لا تزال تحت الاحتلال الإسباني. وهذه الاتفاقية شبيهة إلى حد ما بالاتفاقية الفرنسية المغربية من حيث الشروط التي بموجبها حصل المغرب على الاستقلال الصوري. إذن بهذه الاتفاقيات المغشوشة والمنقوصة في إيكس ليبان وسيل سان كود ثم مدريد سيوضع حد للمعاهدة الفرنسية الإسبانية لحماية المخزن من القبائل الأمازيغية التي وقعت في فاس في يوم 31 مارس 1912، وأيضا في يوم 27 نونبر 1912 ويحصل بموجبها المغرب النافع على الاستقلال الذي وصف بعدة أوصاف تحيل الى نوعية هذا الاستقلال، وخاصة من طرف مولاي محند من قبيل استقلال منقوص، مغشوش، مطبوخ، صوري، شكلي، مبتور، موهوم، ممنوح، زائف، أعرج، ناقص، لفظي زائف، زائف ناقص، احتقلال ... وغيرها من الأوصاف التي تبين حقيقة هذا الاستقلال الذي هندسه المخزن والحركة اللاوطنية والاقطاعيون ممن كانوا عملاء للسياسة الاستعمارية ولمخططاتها الهادفة إلى استمرار تواجدها بالمنطقة الأمازيغية. وكل هؤلاء المتورطين أصحاب الطرابيش الحمراء الذين شاركوا في المهزلة التاريخية في إيكس ليبان وسان كلود ومدريد في زمن الكفاح المسلح، وفي الوقت الذي كان فيه جيش التحرير في الجبال يدافع عن شرف البلاد كانوا يناضلون في الصالونات الفرنسية الفاخرة كما أشار إلى ذلك الهاشمي عبد السلام الطود في الندوة الفكرية والتاريخية التي نظمت بالحسيمة في يوم السبت 20 يوليوز 2002 تحت شعار: «توحيد قوى الشعب المكافحة سبيلنا لإيقاف النزيف وإنصاف الريف» بمناسبة الذكرى الواحد والثمانين لمعركة أنوال، والذي لوح واشار فيه الهاشمي الطود على وجه الخصوص الى علال الفاسي والقادة الآخرين من حزب الاستقلال. لقد كان هؤلاء الاستقلاليون صانعو «احتقلال» المغرب واستعمار الأمازيغ من جديد، والذي قال عنهم العميل المغربي في جهاز »الكاب« أحمد البخاري في كتابه » السر«: »كان جل زعماء حزب الاستقلال رجالا أغنياء وموسرين، ينتمون إلى بورجوازية مدينة فاس، بشكل خاص، وبورجوازية الرباط والدار البيضاء وأسفي وأكادير، وكان من عادتهم أن يجتمعوا إلى دفء أمسيات الملحون والأكل المنوع، الساهر« (111) يصفون أعضاء جيش التحرير الأمازيغ خلال مفاوضات إيكس ليبان »بالإرهابيين« وكانوا يقولون للفرنسيين »لا علاقة لنا بالإرهابيين« (112). ويوجد مقال منشور في جريدة فرانس سوار (France soir) يتضمن ما صرح به أحد أعضاء حزب الاستقلال إلى الجنرال كونيك، وزير الدفاع آنذاك. بعد تطرقنا لجوانب وملابسات استقلال المغرب الناقص، سنرى كيف كان موقف مولاي محند من هذا الاستقلال ومن صانعيه، لقد كان رده شديد اللهجة وشن هجوما عنيفا على المتفاوضين المغاربة وقد وصفهم بالمتآمرين الخونة وبالعملاء لفرنسا، واعتبر تلك الاتفاقات المغشوشة في فرنسا على أنها في حقيقة أمرها مؤامرة القضاء على ثورة جيش التحرير وعلى ثورة شمال إفريقيا كلها حيث قال: »لقد وصلت بهم الجرأة إلى تحبيذ مفاوضة فرنسا التي تهدف أولا وأخيرا إلى استسلام المجاهدين الأبطال، في الوقت الذي كان يجب علينا أن نشجع إخواننا المجاهدين المناضلين ونمنع الخونة المتآمرين مع الفرنسيين من الجزائريين والتونسيين والمراكشيين. وفي نفس الوقت يجب علينا أن نقوم بعمل ايجابي فعال لطرد الفرنسسين من بلانا ومن شمال إفريقيا كلها (...) أليست مفاوضة إكس ليبان واتفاقية جي مولي – بورقيبة هي التي كانت في حقيقتها مؤامرة القضاء على البلاد. نجح فيها العدو وعملاؤه بتخدير الشعب التونسي والمراكشي حتى يطمئن للاستقلال المزيف« (113). أما الاستقلال الحقيقي الذي أراده مولاي محند وحلم به فهو استقلال بدون شروط ولا تنازلات وأن لا يكون كاملا إلا إذا استقلت دول شمال إفريقيا كلها، وماعدا ذلك فهو استقلال ناقص، فالجزائر كانت لا تزال آنذاك تحت الاحتلال الفرنسي الذي كان يعتبرها هذا الأخير مقاطعة فرنسية في إفريقيا. ولا بأس أن نذكر هنا أن الجزائر لم تحظ باستقلالها إلا في سنة 1961. وبما أن فترة «احتقلال» كل من تونس ومراكش جاء في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تحت نيران القوات الفرنسية، ففي هذا الاطار يندرج موقف مولاي محند الرافض لكل استقلال مشروط ومقيد بدون استقلال الجزائر، وقد وجه في هذا الصدد عدة نداءات إلى شعوب تمازغا يبين فيها أسباب رفضه لما سمي استقلالا لكل من تونس ومراكش. وفي الوقت نفسه يطالب شعوب تمازغا بمساندة ونصرة ثورة الجزائر. ومما قاله في إحدى هذه النداءات: »إخواني وأبنائي لا تصبروا على هوان سمي استقلالا ولا عبودية زعموها حرية ولا تتركوا الاستعمار يفترس أشقاءكم في الجزائر. حققوا الاستقلال بالسيف وبالدم. فما يفهم المستعمر لغة غير هذه اللغة« (114). هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد كانت العديد من المناطق الأمازيغية الأخرى لا تزال تحت الاحتلال. ففي الصحراء الأمازيغية كانت الساقية الحمراء ووادي الذهب تحت الاحتلال الإسباني. ونفس الشيء بالنسبة لمدينة إطرفاين التي لم تحصل على استقلالها إلا في يوم 10 أكتوبر 1958، وأيضا مدينة إفني التي لم يعلن الاستعمار الإسباني عن نهاية احتلالها إلا في سنة 1969 ونفس الشيء بالنسبة للمناطق الصحراوية الأخرى كآيت باعمران. أما بالنسبة لبلاد الريف فإن الاستعمار الإسباني لم ينسحب منه إلا بعد إبرام اتفاق مع الحكومة المخزنية في يوم 3 مارس1961 لكن بدون استرجاع سبتة ومليلية (تمليلت / مريتش) وبدون استرجاع أيضا العديد من الجزر الريفية التي لا تزال حتى يومنا هذا تحت السيطرة الإسبانية كما هو الشأن بالنسبة لجزر تكناريين الأمازيغية في الجنوب، كما أن مدينة طنجة الريفية كانت لا تزال آنذاك تحت الانتداب الدولي تحكمها الولاية المتحدة الأمريكية وسبعة دول أوربية ولم يلغ النظام الدولي إلا في يوم 29 أكتوبر 1956. أما بخصوص منطقة الحماية الفرنسية فإن القوات الفرنسية لم تنسحب منها إلا في يوم 2 مارس 1961 أي بعد مرور خمس سنوات بالكمال والتمام على اتفاقية سان كلو أو ما سمي استقلالا. ولا يفوتني هنا أن أذكر أيضا أن من بين الأسباب التي جعلت مولاي محند يرفض استقلال المغرب هو التواجد العسكري الأجنبي بالمغرب من خلال القواعد العسكرية الأمريكية في القنيطرة وسيدي سليمان والنواصر وبن جرير وبوقنادل التي جاء إنزال هذه القوات الأمريكية في البداية بالدار البيضاء بعد الاتفاق الدي وقع بين محمد الخامس والرئيس الأمريكي روزفيلت في سنة 1942، والتي كان عددها يصل وقتها إلى حوالي 30 ألف جندي أمريكي موزعين على القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة بالمغرب ولم يتم إجلاء هذه القوات الأمريكية إلا بعد سنة 1963، وآخر قاعدة أمريكية تم إجلاؤها كانت بسيدي يحيى في شهر دجنبر 1977. والسبب في تواجد هذه القوات الأجنبية بالمغرب على الأقل حتى بداية الستينات كان بفضل الحكومات المخزنية الحزبية المتعاقبة التي وافقت على إبقاء بعض العساكر الأجنبية وخاصة من حلفائهم الفرنسيين والأمريكيين بهدف حماية مؤسساتهم العروبية العنصرية وإخماد ثورة جيش التحرير وانتفاضة أمازيغ المغرب التي سنتطرق إليها بتفصيل في الفصول القادمة. لاشك أن هذه الأسباب وغيرها، هي التي جعلت مولاي محند يرفض استقلال المغرب ويعتبر »مأساة اتفاقية إيكس ليبان المشؤومة« على حد قوله، على أنها هي التي أجهضت ثورة أمازيغ شمال إفريقيا التي كان بإمكانها أن تحرر المناطق المحتلة، لاسيما وأن الاستعمار الفرنسي والإسباني كان قد بدأ يتلاشى ويفقد المزيد من قواته في مستعمراته وخاصة في شمال إفريقيا أمام الضربات القوية لجيش التحرير والمقاومين الأمازيغ. وفي هذا السياق يقول إدغار فور (Edgar faure): »إن فرنسا لا يمكن أن تواجه انتفاضتين في آن واحد، الأولى في الجزائر والثانية في المغرب، ومن ثم وجب التخلص من المغرب من خلال منحة الاستقلال« (115). أما زكي مبارك فيصف عملية الاجهاز على الثورة الأمازيغية في المغرب كما يلي: »تم إجهاض الثورة المغربية وهي في مرحلة المخاض والتكوين، وتوليد الاستقلال بعملية قيصرية فرنسية مغربية تمت في صالونات باريس وعلى موائد إيكس ليبان« (116). ومما لاشك فيه أن كل ما ذكرناه أعلاه قد زادت من نظرة مولاي محند العدائية تجاه صانعي ما سمي استقلالا، والمتوترة أصلا بالأحزاب المغاربية، وقطع كل علاقته بالانتهازيين المغاربة الذين صنعوا «الاحتقلال» وحاربوا جيش التحرير، لدرجة أن مولاي محند كانت يرفض استقبالهم في بيته أو الحديث معهم، كما حصل مع زعيم حزب الاستقلال المدعو »الأستاذ علال الفاسي الذي كان الأمير الخطابي يرفض استقباله« (117) حسب كلام عائشة الخطابي ابنة مولاي محند في معظم تصريحاتها الصحفية في الصحافة المغربية التي تنم في مجملها عن توجهات عروبية مخزنية. طبعا كان حزب الاستقلال آنذاك ينفي أن يكون مولاي محند يرفض استقبال الانتهازي علال الفاسي. وكان يروج في صحافته وصحف أخرى بين الحين والحين عدة أخبار غير صحيحة من قبيل أن مولاي محند يساند سياسة حزب الاستقلال وتوجهاته وأن علاقته جد طيبة وجيدة مع المدعو علال الفاسي وأنه على اتصال دائم به، وكي يحافظ مولاي محند على سمعته من قذارة الاستقلاليين أصدر بيانا نشرته جريدة »الأيام« المصرية بتاريخ 12 يونيو 1956 ينفي فيه ما نسب إليه من أكاذيب وخاصة في جريدة »الأمة« التي كان يديريها عبد الخالق الطريس، يقول البيان: «علمت أن جريدة الأمة نشرت بتاريخ 7 ماي 1956 خبرا مفاده أنني قابلت علال الفاسي وبعد انتهاء المقابلة صرحت للصحفيين الأمريكيين بأنني أؤيد سياسة حزب الاستقلال، أقول: لم أقابل علال الفاسي ولم أصرح للصحفيين الأمريكيين بشيء بل العكس أنا لا أوافق على سياسة حزب الاستقلال ولن أقابل علال أبدا وما نشرته الجريدة المذكورة في هذا الموضوع يجب تكذيبه في الحين ونشر نص هذه البرقية وإلا اضطررت إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد الجريدة المذكورة، وأن لا تنشر شيئا في المستقبل يمسني بدون الاتصال بي شخصيا«. وعودة إلى نتائج إيكس ليبان أو كعكة إيكس ليبان بالنسبة للجماعة المستفيدة من موائد إيكس ليبان في مدينة إيكس ليبان الفرنسية، التي قال عنها مولاي محند إن»هذه الجماعة باعت الكرامة والشرف والوطن وسلمت البلاد لطائفة قليلة من المستعمرين بثمن بخس، هو تلك المناصب الزائفة والحقيرة والمهنية« (118). في حين يقول اسعيد بونعيلات في جوابه عن سؤال حول موقفه من مفاوضات إيكس ليان »لقد كانت نتائجها في مصلحتها، وساهمت فيها قيادة حزب الاستقلال« (119). طبعا جواب بونعيلات كان في محله، فالاستقلال المغشوش والممنوح كان في صالح فئة من الحزبيين الذين حصلوا على مناصب جد سامية في دولة الاحتقلال. فهذا عبد الرحيم بوعبيد الذي مدح في مفاوضات إيكس ليبان وقال له الاستعماري إدغار فور خلالها: »إن الثقافة الفرنسية هي أنت« (120) حينما اشار بوعبيد إلى البعد الثقافي الفرنسي للمغرب، والذي ذكر أيضا في إحدى الوثائق الفرنسية على أنه خلال مفاوضات ايكس ليبان »أثار انتباه الفرنسيين ـ على مائدة الغذاء ـ إلى الارتباط الذي يمكن أن يحدث بين مغاربة مهتاجين ومتمردين جزائريين. وهو من شأنه أن يؤدي إلى اشتعال نصف المغرب العربي. وعلى ما يبدو كان بوعبيد يخشى هذا الانفجار الذي يمكن أن يفقد فيه المغرب هويته«(121). طبعا كان بوعبيد يخشى أن يفقد المغرب الهوية المخزنية العربية المزعومة وليست الأمازيغية التي هي هوية شعب تمازغا بأكمله. لقد حصل هذا »العرنسي« صاحب مقولة »الأمازيغ رعاة و يكفي تعليمهم ليصبحوا عربا« على منصب سفير المغرب بباريس. وهذا صنم الاتحاديين المهدي بن بركة أصبح رئيس المجلس الاستشاري الذي هو عبارة عن برلمان معين من طرف رئيس الدولة، أما العرباوي من الدرجة الثانية، عبد الهادي بوطالب، فإنه سيتولى فيما بعد منصبا وزاريا كما سيتكلف بعدة مهام ديبلوماسية ونفس الشيء بالنسبة للآخرين صانعي الاستقلال المغشوش الذين سيتولون ويحصلون هم أيضا على مناصب رفيعة المستوى في دولة «الاحتقلال» أو في أحسن الأحوال دولتهم الحزبية المخزنية الذين أقصوا فيها كل من له صلة بالحركة الثورية الأمازيغية آنذاك، ورفعوا لها شعار »المغرب لنا لا لغيرنا«. وتنفيذا لهذا الشعار الذي له حمولة عروبية عنصرية سلكت دولة «الاحتقلال» سياسة القمع والبطش ضد كل من قال لا لهذا الشعار أو عارضه، وقد ارتكبت »حكومية الاستقلال« عدة جرائم في حق أعضاء جيش التحرير والمقاومين الأمازيغ الذين كانوا قد رفضوا الاندماج في الجيش الملكي المخزني وأصروا على حمل السلاح إلى غاية طرد آخر جندي أجنبي من المغرب لاسيما وأن العديد من المناطق الأمازيغية التي سبق أن ذكرناها كانت لا تزال تحت السيطرة الأجنبية الاستعمارية، وهذا ما لم تكن توافق عليه دولة الحزب الوحيد التي كثفت من عملياتها الإرهابية ضد قادة جيش التحرير بهدف إيقاف المعارك المسلحة ضد حلفائها وخاصة الفرنسيين، وكان من ضحايها الأولين حدوأقشيش وعباس لمساعدي هذا دون أن ننسى الزعيم الأمازيغي عثمان رمضان من القبايل الشقيقة الذي يسغتال هو أيضا في المغرب في يوم 27 دجنبر 1957. وطبعا الذين كانوا يغتالون قادة جيش التحرير كانوا من عصابات حزب الاستقلال وعلى رأسهم المهدي بن بركة الذي يسمى في المغرب بعريس الشهداء !!!. يقول جون واتربوري في كتابه »الملكية والنخبة السياسية بالمغرب» : « لقد أراد ابن بركة أن يجعل من حزب الاستقلال التنظيم السياسي الوحيد بالمغرب، ولتحقيق هذا الهدف، لم يترد في دفع الحزب إلى صراع دموي، ضد المقاومة وجيش التحرير، وفي هذا السياق يندرج اغتيال عباس المسعدي مسؤول جيش التحرير في الريف (...) والذي تم حسب ما قيل بأمر من بن بركة، وقد ازداد التوتر بينهما بعد مفاوضات إيكس–لي-بان« (123). وحول عملية اغتيال عباس لمساعدي شهيد جيش التحرير، أحيل القارئ هنا إلى كلام اسعيد بونيعلات الذي يقو: » لا يتحمل أحد مسؤولية اغتياله، إنما هو الخطأ، وقد دعت حركة المقاومة قادة جيش التحرير للاجتماع في الدار البيضاء لاتخاذ قرارات، فسعى عباس لعرقلة ذلك، وكان عليه أن يذهب مع رأي الأغلبية ويكون ديمقراطيا. كانت له أفكاره الخاصة وكان ضد حزب الاستقلال« (124). ولما سئل لماذا عارض عباس لمساعدي حزب الاستقلال أجاب بنعيلات وبكل بساطة قائلا: » أظن أنها مسألة عنصرية، وقد ظهرت الحزازات مبكرا، في الفترة التي كنا فيها في حركة المقاومة في البيضاء قبل الالتحاق بتطوان. ولاشك أنه لا مصلحة ترجى في ان نقول هذا «فاسي» وهذا «عروبي» « (125). طبعا حسب كلام بونعيلات فالأمازيغ غير موجودين على الأرض ما دام يقصد بالعروبي الأمازيغي، وحشا أن نكون نحن الأمازيغ عربا بالتبني ووهميين مثلهم، وقد أوردنا هذه الشهادات حتى نبين للقارئ مدى الحقد الذي يكنه الاستقلاليون وجماعتهم في جيش لعباس لمساعدي ولجيش التحرير وللأمازيغ بصفة عامة. هكذا عاش جيش التحرير الأمازيغي أو ما تبقى منه بعد مأساة إيكس-لي-بان المشؤومة بالنسبة لأمازيغ المغرب وأمازيغ تمازغا بشكل عام، وأصبح عرضة للتشهير وللعمليات الإرهابية المتكررة من طرف الاستعمار الداخلي في دولة الحزب الوحيد التي كان يقودها الحزب الفاسي تحت مظلة القصر. وحول الإرهاب الدموي لحزب الاستقلال بعد «الاحتقلال» يلخص القائد محمد سلام أمزيان ذلك بقوله: » أما زعامة حزب الاستقلال فهي مهمة المهدي بن بركة وبها مارس جبروت سنوات ما بعد استقلال إيكس ليبان 1956 بما في هذا الجبروت من إرهاب أحمر وتسلط أسود، وتحكم أصفر، وصولا إلى السيطرة على الجيش بمعنى القوات المسلحة المغربية، التي كانوا قد أسسوا نواتها بما سماه عبد الكريم الخطابي بجيش التخريب، والسيطرة على الإدارة المدنية لمغربهم الحزبي الذي رفعوا شعاره المعروف: المغرب لنا لا لغيرنا. وهنا يعلنون عن الحقيقة بالاعتبار الذي يفرضه الموقع الجغرافي العالمي بما تعنيه العالمية، لا بما يعنيه الاعتبار السياسي فقط كما هو الشأن في تونس باي قبل تونس بورقيبة توأم علال الفاسي في الحكاية« (126). في سنة 1957 وخلال إحدى الاجتماعات للهيئة التنفيذية لحزب الاستقلال خاطب أحد قادة الحزب المجتمعين قائلا: »... جلاء الجيوش الفرنسية، أيها الإخوة واقع بالضرورة بعد بضع سنوات، وكذلك جلاء الجيوش الإسبانية، والجيوش الأمريكية. إنما مشكلنا المزمن هو مشكل البربر، فكيف جلاؤهم...« (127). أ ـ ماذا حدث بعد إيكس ليبان؟ مباشرة بعد حصول المغرب النافع على الاستقلال المنقوص، وتأسيس الدولة العروية اللاوطنية ذات النموذج اليعقوبي الفرنسي، انتهجت الحكومة الاستقلالية الاليكارشية سياسة الاستبداد والظلم والعنف تجاه الشعب الأمازيغي، وفرضت عليه الثقافة المستعمرة العربية والفرنسية في جميع الميادين وفي كل المناطق الأمازيغية من الريف إلى الصحراء، وأكثر من هذا مارست العنصرية الابارتيدية ليست كما كانت في جنوب إفريقية بسبب اللون الأسود، وإنما بسبب الهوية الأمازيغية، كما قامت الحكومة الاليكشارية بحصار المناطق الامازيغية وتدمير جميع أنظمتها السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية الاجتماعية التي شكلت عبر التاريخ عناصر القوة والمناعة والمقاومة للمجتمع الأمازيغي. وكل هذا كان لغرض تفكيك التحالفات الأمازيغية وتشتيت الشعب الأمازيغي أكثر مما هو عليه في السابق. يقول أوكتاف مرياس (octave marias) » كان العالم الأمازيغي بعد الاستقلال منقسما أكثر مما كان عليه سنة 1912 « (128). (يتبع في العدد القادم)
|
|