| |
السينما والدراما والأمازيغ
إعداد: تاكني حميد (إنزكان)
تبدو المخرجة المغربية "فاطمة بوبكدي" محتارة بين أن تقدم
نفسها كمخرجة مغربية أمازيغية وبين أن تبقى على صلة بأصحاب القرارات المخزنية في
دواليب التلفزيون والسينما. والمخرجة، كما عودتنا، متميزة في سلوكها الفني وملتزمة
بخط درامي متفرد؛ وأعمالها التلفزيونية تشهد لها بالمهنية والتروي في معالجة
المواضيع الدرامية، زيادة على اهتمامها الواسع بالتراث المغربي الأمازيغي. وقد شاءت
الأقدار هذه الأيام أن تقدم لنا "طبخة" غريبة درامية احتار في تسميتها نقاد الدراما
والتلفزيون، ووقف الجمهور الذي تابع هذه "العصيدة" التلفزية هائما حائرا لا يعرف
ماذا أصاب مخرجتنا التي راهن الكثير من الأمازيغيين على أعمالها للوصول إلى
الجماهير المغربية التي تعودت على خط واحد ووحيد في الأعمال الدرامية المغربية.
شاهدنا أعمالها الرمضانية وكنا متأكدين من أن المناظر الطبيعية التي تشرفت بالتصوير
فيها مواقع أمازيغية، أما الملابس فأنا لا أعرف من أين أتت بها وعلى أي شيء استندت
حتى تُلبس ممثليها هذه الأزياء التي لم نرها إلا في"الوصايا العشر". أما مربط الفرس
فكانت اللغة الحوارية التي أرغمت المخرجة قسرا على تحويلها إلى"العربية" أو"العروبية"
في الوقت الذي كان ينتظر الجمهور الأمازيغي أي عمل فني من المخرجة يبقيه على اتصال
بواقعه ومعيشه بعدما عجت البرامج التلفزية بكل ما هو عربي. ولكن المخرجة، ولأسباب
تعلمها هي وحدها، آثرت أن تقدم لنا هذا الكوكتيل الذي أضحكنا وأبكانا في نفس الوقت.
وحقيقة، فتاريخ "بوبكدي" الدرامي وطريقة تعاملها مع الممثلين الأمازيغيين، كل هذا
معروف. والكل يعرف أنها تنادي على عدد من الممثلين ـ خصوصا من مدينة "إنزكان" التي
شهدت أول النشاطات المسرحية الأمازيغية وأول فيلم أمازيغي ("تامغارت أوورغ") على
مستوى المغرب كله ـ لترميهم في أدوار ثانوية لا يقبلها حتى المبتدئون في عالم
الدراما، بينما يضطر هؤلاء المبدعون لقبولها لدواعي مادية، وهم الذين سبقوا "لالا
فاطمة بوبكدي" في الذود عن كل أصناف الدراما الأمازيغية بسنوات عديدة.
ثمة عدوان كبير على النشاطات الأمازيغية المسرحية والسينمائية والدرامية. ومثال
السيد "محمد عسلي"، الذي أذهل العالم بفيلمه "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق"،
يؤكد هذا التضييق الذي يطال الأعمال الغير الناطقة بلغة المخزن. فهذا المخرج
المغربي الذي نبه السينمائيين المغاربة إلى أن هناك لغة مغربية أصيلة اسمها "الأمازيغية"
وحاول، وبدون أي تمييز ولا عنصرية، أن يدمجها إلى جانب اللهجة المغربية حتى يقدم
إلى المغاربة المغرب الحقيقي الذي يجب أن يحيا فيه الكل من غير تحيز ولا تمييز، هذا
المخرج الذي دأب على صنع صور سينمائية تشبهنا ولا تحاول التطبيل لأية قضية إلا
القضية المغربية التي مال عنها المبدعون المغاربة وتعلقوا بقضايا بعيدة عن هواجسنا
ومشاكلنا اليومية، بات هذا المبدع يواجه في كل الملتقيات أشكالا وألوانا من
التضييق، لا لشيء إلا لأنه أراد لهذه السينما المغربية شيئا من التميز والواقعية.
كان على السيد مدير المركز السينمائي المغربي أن يساند السيد محمد عسلي ويدعمه
ويعطي المثال بفيلمه الذي انتزع كل الجوائز السينمائية التي استعصت على السينمائيين
المغارية لسنين عديدة، والذين كانوا يلتهمون دعمها من غير أن يقدموا أية إضافات
للسينما المحلية... كان يجب على قائد المركز السينمائي أن يفهم إشارات السيد محمد
عسلي، وأن يفكر بعمق وتروٍّ وعقلانية قصد تخصيص نصف المنح السينمائية السنوية
للأعمال السينماية الناطقة بلغة المغرب الأصلية. ولكن هيهات! فقد قلنا ونبهنا آلاف
المرات إلى أن هذه المواقع المخزنية لا يمكن أن تشتغل إلا إذا أخذت المشورة
والأوامر من جهات لا يربطها بالفن إلا الخير والإحسان. ومن ثم يجب أن يعرف ويعلم
جميع الأمازيغيين أن هؤلاء لا زالوا يتعاملون مع قضاياهم بشكل قدحي وبطيء وكأننا
أقلية متناثرة هنا وهناك نترجى عطفا ورحمة من هذه الأغلبية المطلقة. في حين أن
العالم مازال يتعجب من أن المغرب هو البلد الوحيد في العالم الذي تحكمه الأقلية.
وعودة إلى النشاط الفني الأمازيغي، نحاول أن نهمس في أذن المسؤولين الأمازيغيين
عموما بأن الطريقة التي يتحدث بها الفنانون الأمازيغيون عن مدى تعامل الإعلام
الرسمي عموما مع أعمالهم لا زال فيها شيء من الاستجداء والتسول والتوسل، في حين كان
لزاما أن يكون تعاملهم مع هذه الأجهزة الإعلامية أكثر حزما وحدة حتى وإن اقتضى
الأمر أن يعلن كل الأمازيغيين إضرابا شاملا أمام مقرات التلفزيون، خصوصا التي
مازالت تتمادى في نشر وترويج فضلات الفنانين المشارقة الذين يصلون إلى المغرب عبر
طائرات خاصة ثم يبيتون لياليهم على "كنطورات" فنادق 5 نجوم وبعدها يطيرون إلى
بلدانهم بدولارات القناتين بعد أن يكونوا غنوا لمدة 5 دقائق فقط.
الحقيقة أن الوضع الفني في هذا المغرب، الذي لا يشبهنا في شيء، مزرٍ إلى حد التقزز،
وسواء أكان الفنان أمازيغيا أو عربيا فقد تأكد بأنه ليس بإمكانه أن يثبت ذاته في ظل
إصرار المسؤولين على سياسة يراد بها تقزيم الفنان وصرفه عن هذه المهنة التي أحبها
وضحى من أجلها. ونحن نؤكد بأن الوضع بالنسبة للأمازيغيين هو أكثر من خطير، إذا نحن
تمعنا في كيفية تعامل البرامج التلفزية المغرية الرسمية مع هؤلاء المبدعين. لذلك
وجب إعادة النظر في هذه السياسة الإقصائية ومحاولة تأسيس منابر إعلامية خاصة
بإبداعاتنا حتى يمكننا أن نشاهد واقعنا وذاتنا في الوقت الذي نشتهيه نحن وليس كما
يريدون هم، وإلا فلينتظر الفنانون الأمازيغيون حتفهم خلف أسلاك شائكة في محمية قد
تحقق حلم الدولة في جلب العشرة مليون سائح.
|