| |
متى سيصدر قانون تجريم
إهانة الأمازيغية؟
بقلم: محمد بودهان
صادق البرلمان مؤخرا، وبالإجماع، على قانون تجريم إهانة العلم
الوطني ورموز البلاد، كشعار المملكة والنشيد الوطني والأوسمة. وحددت العقوبات في
ثلاث سنوات حبسا. أما إذا اقترف الفعل في مكان عمومي أو في اجتماع أو تجمهر مثلا،
فإن العقوبة هي خمس سنوات حبسا، كما يمكن تجريد الفاعل من بعض حقوقه ومنعه من
الإقامة لعدة سنوات.
وإذا كان هذا القانون قد جاء في وقت مناسب ليسد فراغا تشريعيا يخص حماية الرموز
الوطنية مما بدأت تتعرض له من إهانة وسخرية، فالسؤال هو: أليست الأمازيغية، بما
تجسده من هوية وتاريخ وذاكرة جماعية وتميز وخصوصية، أكثر الرموز الوطنية دلالة وقوة
وتعبيرا عن الانتماء إلى المغرب، بل هي أكثر من رمز إلى المغرب والانتماء إليه، إذ
هي المغرب نفسه، وبالتالي ألا تستحق إصدار قوانين زجرية تحميها من الإهانة والإساءة
إليها؟
ومن مظاهر هذه الإهانة والإساءة التي تتعرض لها الأمازيغية يوميا وصف المنتمين
إليها بـ"البربر"، مع ما يتضمنه هذا الوصف من حط وتحقير في حق هؤلاء وهويتهم
الأمازيغية، لما لهذا اللفظ من مدلول معجمي معروف يعني "الهمج" و"المتوحشين".
فلنتصور أننا نعتنا العرب بالقوم الهمجي المتوحش، وهو ما لا يختلف في معناه عن لفظ
"بربري"، فماذا سيكون رد الفعل؟ سيعتبر ذلك قذفا وسبا وإهانة وعنصرية يستنكرها
الجميع، وقد تكون وراء رفع دعاوى قضائية ضد من صدر منه مثل ذلك الكلام المسيء إلى
العرب.
ولا يمكن الاعتراض بأن كلمة "بربر" مستعملة حتى في الفرنسية دون أن يتحرج من ذلك
الأمازيغ. وهذا غير صحيح، أولا لأن الأمازيغيين سبق لهم أن كاتبوا جهات فرنسية
رسمية يطالبونها بالتدخل لوضع حد لاستعمال كلمة "Berbère" واستبدالها باسم "أمازيغ"
الذي هو السم الحقيقي للأمازيغيين. وثانيا لأن اللفظ الفرنسي "Berbère" لا يعني
"بربري" الذي هو Barbare في الفرنسية. ففي جميع المعاجم الفرنسية هناك تمييز واضح
وقاطع بين Berbère الذي يعني "اسم الشعوب الأصلية لشمال إفريقيا" nom de peuples
autochtones de l'Afrique du Nord ، وBarbare الذي يعني "متوحش، همجي، غير متحضر".
أما في العربية فهناك دلالة واحدة معروفة لكلمة " بربر" و"بربري" و"برابرة"، والتي
تعني "الهَمَجِيّونَ، المُتَوَحِّشون" كما جاء في معجم "الوسيط" الذي يعطي، لتوضيح
معنى هذا اللفظ، المثال التالي: "عاثَ البَرابِرَةُ فَساداً في الأرْضِ". فـ"بربر"
هي المقابل العربي للكلمة الأجنبية barbare، والتي لا علاقة لها، من حيث الدلالة
والمعنى، مع اللفظ الفرنسي berbère رغم أن الكلمتين مشتقتان من جذر واحد مشترك.
فاستمرار تسمية الأمازيغ بـ"البربر" هي إهانة لكل المغاربة، وتحريض على الكراهية
والعنصرية. وبالتالي ينبغي تجريم استعمالها داخل المغرب بتحديد عقوبة خاصة لذلك،
كوسيلة وحيدة لوقف هذه الإهانة ووضع حد لهذا السلوك العنصري. كما ينبغي لوزارة
العدل إعطاء تعليماتها للنيابات العامة لتحريك الدعوى، إعمالا للفصول المتعلقة
بالقذف (الفصل 44 من قانون الصحافة)، ضد كل من يستعمل كلمة "بربر" لوصف الأمازيغ.
ونفس الشيء يجب أن يطبق على كل من يسمي الظهير الملكي لـ30 ماي 1930 بـ"الظهير
البربري"، تطبيقا للفصول المتعلقة بترويج أنباء وشائعات كاذبة (الفصل 42 من قانون
الصحافة)، والتي تتوفر شروطها في ما يسمى بــ"الظهير البربري" الذي هو أكذوبة صريحة
كما هو معروف ومؤكد.
وفضلا عن وجود فصول قانونية يمكن إعمالها لزجر مستعملي كلمة "بربر" ومروجي أكذوبة
"الظهير البربري"، إلا أن إصدار قانون خاص، مثل القانون الأخير القاضي تجريم إهانة
العلم الوطني، يجرم صراحة وصف الأمازيغيين بـ"البربر"، أصبح ضروريا ومطلوبا لوضع
حد، بقوة القانون، لهذه الإهانة التي يتعرض لها يوميا الأمازيغيون على صفحات
الجرائد. فغياب مثل هذا القانون هو الذي يشجع على الاستمرار في سب الأمازيغيين
وإهانتهم والتحريض العنصري عليهم في كثير من الجرائد والمنشورات، مثل ما كتبه مؤخرا
(27 /11 /2005) بيومية "ليبيراسيون" الحكومية، والتي يديرها وزير عضو في الحكومة،
المسمى عبد الرحمان شطيبة الذي أشيع الأمازيغيين والأمازيغية سبا وقذفا مع
الاستهزاء بحروف تيفيناغ التي شبهها ساخرا بالدجاج والذباب وقرون الماعز... ولا
ندري كيف تجرؤ السلطات على منع الأسماء الأمازيغية، البريئة، التي لا تقذف في أحد،
ولا تسخر من أحد، ولا تعتدي على عرض أحد، ولا تسيء إلى كرامة أحد، ولا تمنع مثل هذه
الكتابات "الحكومية" التي تقذف في الأمازيغية وتمس كرامة الأمازيغيين؟ ألا يعد هذا
الموقف تحريضا على الفتنة والكراهية والعنصرية؟ بل هو تحريض حكومي ضد الأمازيغيين
ما دامت الجريدة التي نشرت ذلك السبَّ يديرها وزير عضو في الحكومة. فكيف يستقيم
خطاب السلطة حول "المصالحة مع الأمازيغية" و"تنمية الأمازيغية" و"رد الاعتبار
للأمازيغية" مع سكوت هذه السلطة عن هذه الإساءة والإهانة للأمازيغية والأمازيغيين؟
فرد الاعتبار للأمازيغية، ما لم تصاحبه تشريعات زجرية تحمي الأمازيغية وتعاقب
الإساءة إليها والسخر منها والضحك عليها، يبقى مجرد نفاق يخفي الموقف السلبي وسوء
النية تجاه الأمازيغية.
تطالب الحركة الأمازيغية بإصدار تشريعات قانونية ودستورية تلزم المسؤولين الحكوميين
بتنفيذ برامج ومقررات تنمية الأمازيغية، في ما يخص التعليم والإعلام وإدماجها في
مؤسسات الدولة. لكن لم يسبق لمطالب الحركة الأمازيغية أن تضمنت مطلب ضرورة إصدار
قوانين زجرية تجرم إهانة الأمازيغية والأمازيغيين وتمنع استعمال وصف "بربر" كتسمية
تحقيرية ومهينة للشعب الأمازيغي. لقد آن الأوان إذن للمطالبة بهذه الإجراءات
التشريعية الزجرية لصون كرامة الأمازيغية والأمازيغيين ومعاقبة مروجي الحقد
والكراهية والمحرضين على العنصرية ضد الأمازيغية والأمازيغيين.
ولا يتعلق الأمر هنا بالتضييق من حرية التعبير والحق في الاختلاف، بل بحماية هذه
الحرية وضمانها وتوفيرها للجميع، وليس فقط لفئة محدودة تستعملها بشكل أناني وعنصري
للاعتداء على حرية الآخرين ومنعهم من ممارستها على مستوى اللغة والثقافة والهوية.
إن إصدار مثل هذه القوانين الزجرية لحماية الأمازيغية من الاعتداءات الصحفية
والتحقير الذي تتعرض له في بعض الجرائد، مع تجريم استعمال كلمة "بربر"، سيكون
معيارا لقياس حسن النية والجدية للنهوض بالأمازيغية لدى السلطة التي أنشأت المعهد
الملكي للثقافة الأمازيغية.
فمتى ستقدم السلطة إلى البرلمان، قصد المصادقة عليه، قانون تجريم إهانة الأمازيغية،
تكميلا لقانون تجريم إهانة العلم الوطني؟
|