| |
الجامعة المغربية تحتفي
بالأمازيغوفوبي علي فهمي خشيم
بقلم: ميمون أمسبريذ
في حمأة النقاش السياسي في المغرب حول الشأن الأمازيغي، ارتأت
الأوساط البعثية في الجامعة المغربية الإدلاء بدلوها في هذا النقاش بطريقتها الخاصة:
«الاحتفاء بالدكتور خشيم".
إن ما جعلني أقف عند هذا الخبر الوارد في جريدة "الصباح" (عدد 1776- ص 7) ليس هو
مضمون "الحوار" مع "الدكتور والمفكر الليبي"، ولا شخصية "المتحاورين": فالهذيان
العنصري الأمازيغوفوبي لخشيم معروف معهود، ولم يعد يقنع حتى ولي نعمته الذي يبدو
أنه يتآمر هذه الأيام مع "خونة" الكونغرس العالمي الأمازيغي لضرب وحدة الشعب العربي
البطل! (أشير إلى استقبال العقيد معمر القذافي لوفد الكونغرس، الشهر الماضي)؛ ولا
استوقفني اسم "المحاور": فحسن العطافي، وإن لم يكن نجما إعلاميا، فهو معروف لدى
متصفحي "الصباح" بخرجاته الأمازيغوفوبية.
إن ما جعلني أقف عند هذا الخبر إذن ليس لا هذا ولا ذاك؛ وإنما توقفت عنده لأتذرع به
إلى مساءلة الإستراتيجية التلفظية الملتوية التي اعتمدتها الجامعتان المغربيتان
المحتفيتان بالأمازيغوفوبي المذكور. هذه الإستراتيجية تتمثل في التعبير عن موقف
الجامعتين من القضية الأمازيغية عن طريق استعمال (استئجار) طرف ثالث، وإحاطة موقف
أمازيغوفوبي فج بهالة أكاديمية (إدراجه ضمن التقليد الجامعي المتمثل في الاحتفاء
بالشخصيات العلمية المشهود لها بعطائها العلمي).
إن وظيفة الجامعة في البلدان المتحضرة هي بلورة تفكير هادئ، موضوعي، رصين في
القضايا الإستراتيجية لمجتمعاتها، ليستنير به الفاعلون السياسيون في صياغة مشاريع
قابلة للتنفيذ، لأنها تكون مبنية على بحث علمي يدرس الوقائع ويستشرف تحولاتها، لا
على أبنية إيديولوجية جوفاء من نسج الخيال الجموح لفئة تتخذ رغباتها وقائع. وبغض
النظر عن الوظيفة الطبيعية للجامعة داخل مجتمعها، فان الجامعة التي تحترم ذاتها،
باعتبارها مؤسسة علمية، تنأى بنفسها عن تزكية المواقف الإيديولوجية المثيرة للجدل
أو الأطروحات التي تتنكب عن المنهجية العلمية، فبالأحرى الدعوات الأمازيغوفوبية
الصريحة؛ ولا تتردد في إنهاء عقد عمل من سولت له نفسه من أساتذتها الدعاية لأفكار
لا سند لها من العلم. والجامعة التي لا تعمل بهذا تحكم على نفسها بفقدان المصداقية
العلمية، وتتحول إلى مجرد بوق للدعاية، نظير الجامعة في الأنظمة الديكتاتورية
الشمولية.
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة ربط الجامعة المغربية بمحيطها
السوسيو-اقتصادي والثقافي. فهل الاحتفاء برجل نذر حياته لمعاداة الأمازيغية (التي
هي هوية و ثقافة ولغة أغلبية المغاربة) والأمازيغيين (الذين هم أغلبية المواطنين
المغاربة)- أقول: هل الاحتفاء بمثل هذا الشخص يندرج في ربط الجامعة بمحيطها¡؟ أم
لعل الاحتفاء به تجسيد"لسياسة القرب" الجديدة التي أبلت وسائل الدعاية الحكومية
أسماعنا بها هذه السنين! لا، بل هي الجامعة المغربية تشارك في إنجاز "برنامج
التنمية البشرية" مستنيرة بالحصيلة العلمية والفكر الثاقب لعميد معاداة الأمازيغية
التي هي لغة الشعب الأمازيغي الذي هو الشعب المغربي: أي هذا "البشر" الذي يراد في
زعمهم تنميته! حقا: إن المهزلة لا تقتل!
إن ما يثير الاستغراب – إن كان بالمغربي بقية قدرة على الاستغراب – هو هذا الشرخ
المريع بين الموقف الرسمي المعلن للدولة المغربية، متمثلة في أعلى سلطات البلاد (تراجع
الخطب الملكية في هذا الباب)، وبين "السياسات الأمازيغية" للحكومة والمؤسسات
العمومية وشبه العمومية. فبينما تعلن الأولى مواقف مبدئية ايجابية من الأمازيغية (وإن
كانت لا تتجاوز الإعلان عنها إلى ترجمتها قانونيا)، نجد الثانية تنتهج سياسات هي
على النقيض من إعلان البادئ ذاك. فهي، من جهة، تمتنع عن أن تفسح المجال للأمازيغية
لكي تعبر عن نفسها وتمارس عبقريتها في الفضاء العمومي، حتى تتمكن من توسيع حدود
عالمها الدلالي عبر توسيع مجالها التداولي (الكتابة الأمازيغية مغيبة من المجال
الحضري؛ الأمازيغية تختزل إلى أدنى تعبيراتها في وسائل الإعلام؛ تعليم متلعثم
للأمازيغية... )، ومن جهة ثانية تواصل، بل تضاعف، حربها الإيديولوجية على
الأمازيغية بطرق شتى ظاهرة وباطنة. فالمغرب في وسائل دعايتها عربي، والمغاربة، كل
المغاربة، عرب. أما الأمازيغية فلا تعدو أن تكون تراثا متحفيا أو فلكلورا غرائبيا،
أو لهجات يرطن بها أناس لم يكتب لهم بعد السمو إلى مقام العروبة الأسمى.
وكأن الممارسة وحدها لا تكفي، يحرص معادو الأمازيغية على التنظير لمعاداة
الأمازيغية؛ فيوقع هذا مقالا، ويمنح ذاك حوارا صحفيا؛ وتصطنع هذه المؤسسة الجامعية
أو تلك "حدثا أكاديميا" لتحتفي ببعض رؤوس معاداة الأمازيغية...
هكذا يحرم المواطن الأمازيغي من حقه المبدئي، كذات حضارية، في الحفاظ على هويته
الحضارية عبر سياسة تعريب الحياة العامة؛ ويحرم من حقه الطبيعي، كذات مواطنة، من
التواصل مع المرافق العمومية في لغته. وإذا رفع صوته برفض الظلم والاحتقار، يجد سيف
التهمة بالعمالة والخيانة مسلطا على رقبته. فإما أن يستمر في تجرع الهوان في صمت
ليفوز بصفة "الشلح الطيب"، وإما أن يرفض الظلم واللامساواة، فيواجه التشكيك في
وطنيته والطعن في شرفه. إن الأمازيغي الجيد، في نظر العروبيين، هو الأمازيغي الذي
فقد هويته وتنازل عن حقوقه؛ و إلا فهو انفصالي أو عميل أو خائن؛ بل هو- بالقلب
للأدوار! - عنصري معاد للعرب؛ بل وكافر يحارب الإسلام! هكذا يجد الإنسان الأمازيغي
نفسه، وهو الذي تاريخه تاريخ مقاومة الغزاة والمحتلين، يعطى الدروس في الانتماء
والوطنية!
كتب خالد الجامعي، هذا الصحفي الذي فهم أن مهنته هي قول الحقيقة لا طمسها أو
تحريفها إرضاء لعصبية أو حزب، مقالا يندر أن يقرأ مثله في صحافة مغربية يسودها
الفكر الوحيد والإجماع المترهل. عنوان المقال ذاته كاف، شاف في تعبيره عن حقيقة "السياسة
البربرية" للدولة المغربية: "الأبارتايد اللغوي" (« Apartheid linguistique » in
Le Journal hebdomadaire du 21 juillet 2005). ولولا قيود حقوق التأليف لنقلته
هاهنا كاملا ليقرأه قراء "تاويزا" ممن فاتهم هذا العدد أو لا يقرأون الفرنسية. وليس
ذلك لأن الأمازيغيين يجهلون الحقائق الواردة في ذلك المقال أو أن الكتاب
الأمازيغيين لم يلتفتوا إليها: فقد قالوها وكتبوها وأعادوها. لكن كلما فعلوا انبرى
لهم من القوم من يتهمهم بالعمالة للإمبريالية والاستعمار، والتآمر ضد العروبة
والإسلام (هذان سواء عند هؤلاء!).
يبتدئ خالد الجامعي مقاله مستنكرا: "عار، فضيحة، أمر غير مقبول". ثم يتخذ هذه
العبارات الثلاث لازمة يستهل بها كل فقرة من فقرات مقاله. لقد صدم الرجل مما يعانيه
مواطنوه الأمازيغيون، تحت دولة الاستقلال، من ميز ولا مساواة وقهر نفسي واجتماعي
واضطهاد رمزي (كثيرا ما يتحول إلى اضطهاد مادي). لنعد إلى المقال. "عار، فضيحة، غير
مقبول. إني لا أجد كلمات أصف بها ما لا يوصف. وهذا الذي لا يوصف يستمر، ليس منذ
أيام أو أسابيع أو شهور. إنه يستمر منذ سنين. منذ أكثر من أربعة عقود. منذ أربعين
سنة. منذ الاستقلال. استقلال كان عليه أن يضمن حرية التعبير، حرية الرأي، المساواة
أمام القانون، توزيعا أعدل للثروات. و... تعددية ثقافية ولغوية". ويكرر الكاتب
اللازمة أعلاه: "عار، فضيحة، أمر غير مقبول" ويضيف: "وميز". ثم يسوق قصة امرأة
أمازيغية من الأطلس المتوسط تستدعى إلى المحكمة في قضية نفقة، فلا تجد بدا من
اللجوء إلى أختها، لا طلبا للرفقة أو الدعم أو التأسي، وإنما لتكون لها...
ترجمانا."والسبب، إنها أمازيغية ولا تعرف كلمة واحدة من العربية". ويعلق خالد
الجامعي: "يقع هذا في يوليو2005 . في المحكمة لا وجود لترجمان. لا أثر لمترجم في
أية محكمة في المملكة، في أي مستشفى في المملكة، في أية إدارة في المملكة، في أي
مخفر للشرطة في المملكة، في أي مقر للدرك في المملكة." رغم أن هناك ملايين (لا
آلافا فحسب، كما كتب) من الأمازيغيين الذين لا يتكلمون العربية. "مع ذلك، فإنهم في
بطاقات هويتهم المحررة بالعربية والفرنسية يعتبرون مواطنين ومواطنات كاملي المواطنة
مبدئيا. إنهم في الواقع مواطنون ومواطنات من الدرجة الثانية. حقوقهم مداسة لأنه
يستحيل عليهم أن يتواصلوا وأن يفهموا عن أنفسهم في دولة لا تتواصل مع مواطنيها إلا
بالعربية". ويستطرد الكاتب الصحفي منددا بمؤامرة الصمت التي انخرط فيها كل المغرب
الرسمي: حكومة وبرلمانا وأحزابا... "لا أحد أو يكاد واتته الشجاعة ليطالب بتبني
قانون يقضي بأن يوجد في دواليب القضاء والصحة والإدارة، الخ... مترجمون يتيحون
للذين واللائي لا ينطقون بالعربية أن يتواصلوا ويعبروا عن أنفسهم، وأن يكونوا
قادرين على الدفاع عن أنفسهم أمام الشرطة والدرك، أمام المحكمة وأمام غيرها من
مصالح ومرافق الدولة؛ مع أن الأمر يتعلق بالحياة اليومية للآلاف من مواطنينا. حياة
يومية تغدو مستغلقة بل كابوسية عندما لا يتكلم المرء بالعربية. إنه لظلم إضافي يسلط
على هذه الشريحة من شعبنا". ثم يتساءل خالد الجامعي مرعوبا: "وإذا استيقظت ذات
صباح في مغرب لغته الرسمية هي الأمازيغية وأنا لا أتكلم غير العربية! سيكون ذلك
بالنسبة لي كابوسا وعزلة وسأشعر أني أجنبي في أرض كنت أعدها بلادي. سأشعر أني مواطن
من الدرجة الثانية. هل فكرتم في ذلك أبدا؟ لو بذلتم جهد تمثل أنفسكم في هذه
الوضعية، ستفهمون ما يستشعره جزء كبير من مواطنينا ومواطناتنا الذين لا يتكلمون غير
الأمازيغية".
يدرك خالد الجامعي بحدة الصبغة الاستعجالية لقضية التواصل بين المواطنين الناطقين
بالأمازيغية ومرافق الدولة. ذلك ما يجعله يقترح حلولا استعجالية، لا يتطلب تنفيذها
سوى الإرادة السياسية، في انتظار ترسيم اللغة الأمازيغية، الذي يعتبر أن "النضال من
أجله قضية نبيلة". من هذه الحلول العملية إلحاق مترجمين بالمرافق العمومية وتعيين
مسئولين وأطباء وقضاة يتكلمون اللغة الأمازيغية في المناطق الأمازيغية.
أسارع إلى القول: إن ما يجعل المرء يقبل، أو على الأقل لا يستاء من مقترح الترجمة
كحل لمسألة التواصل، هو تسليم الكاتب بالصبغة الاستعجالية والمؤقتة لهذا الحل. وإلا
فإنه سيكون إهانة أخرى للمواطنين الأمازيغيين: فإنما يتخذ المترجمون للأجانب! وما
أظن المواطنين المغاربة الناطقين بالأمازيغية أجانب! اللهم إلا في أذهان الفئة
المعلومة.
لعل القارئ يتساءل: "لم كان التعريج المطول على مقال خالد الجامعي وموضوع الحديث
إنما هو احتفاء جامعتين مغربيتين بالأمازيغوفوبي علي فهمي خشيم؟". الجواب أن هذا
الاحتفاء يجسد ذروة التناقض بين خطاب رسمي يدعي إعادة إدراج الجامعة في محيطها
وجعلها قاطرة القيادة لقطار التنمية البشرية الخ ... من جهة، وبين ممارسة مؤسساتية
لم أجد أفضل من تشخيص مقال خالد الجامعي لها. وذلك من وجوه: أولاها أن المقال يصف
بتركيز وموضوعية واقع الملايين من المغاربة الناطقين بالأمازيغية؛ وثانيها أن كاتب
المقال ليس من عتاة المناضلين الأمازيغيين الذين يتلقون أجورهم مباشرة من "الكي
دورصي" أو"الموصاد" أو منهما معا!؛ وثالثها صدق لهجة الرجل: فخالد الجامعي الذي لم
يعش التجربة الكافكاوية للمواطنين الناطقين بالأمازيغية مع الإدارات والمحاكم
والمستشفيات، استطاع مع ذلك أن يستشعرها بعمق لا مزيد عليه. هذا يعني أن كل إنسان
نزيه، لم تشل العصبية ملكة العقل عنده، يستطيع أن يهتدي إلى نفس الموقف الذي تدافع
عنه الحركة الأمازيغية.
إذا كان "البشر" الذي يزعمون أنهم يريدون "تنميته" هم المغاربة وليس جنسا آخر، فإن
أولى أولويات الجامعة المغربية هي أن تنكب على إنتاج معرفة موضوعية عن الجغرافية
البشرية للبلاد، بأبعادها المجالية واللغوية والثقافية؛ معرفة يفترض أن تستعين بها
الحكومة والطبقة السياسية ومنظمات المجتمع المدني في صياغة مقاربات واقعية لإشكالية
التخلف / التنمية. لكن يبدو أن الجامعة المغربية تفضل، عوض ذلك، أن تستمر في تنمية
الإيدولوجيا التي كانت وراء خمسين سنة من التخلف. هذا على الأقل ما توحي به
مبادرتها للاحتفاء بعلي فهمي خشيم. إن الأمر هنا لا يتعلق بشخص: فالرجل أجنبي
وتكريم الجامعتين المعنيتين له شيء عابر لم يسمع به إلا قلة من المغاربة؛ لكن ما
يتعلق به الأمر هو ما تنم عنه هذه المبادرة: أي نمط التفكير السائد في الجامعة. إن
اختيار هذه الشخصية أو تلك للاحتفاء بها ليس شيئا اعتباطيا أو بريئا، وإنما هو تبن
وتكريس لفكر الشخصية المحتفى بها من طرف الجامعة.
وجامعة يسود فيها فكر خشيم يستحيل عقلا أن تقود تنمية البلاد. إنها، على العكس من
ذلك، تكون عامل عرقلة بسبب ما تسقطه على الواقع المغربي من أطروحات إيديولوجية تمنع
بناء أي معرفة علمية به.
لقد أوجزت أعلاه قصة السيدة الأمازيغية مع المحكمة كما رواها خالد الجامعي في
مقاله. وأحب أن أضيف إليها حكايتين أمازيغيتين أخريين من بين آلاف الحكايات التي
يجبر الأمازيغيون والأمازيغيات المغاربة على أن يكونوا أبطالها. أما الحكاية الأولى
فهي عن والدتي التي عاشت وماتت ولم تعرف كلمة واحدة من العربية (ومع ذلك فهي
عربية!). كنا جالسين وأمامنا التلفزيون، فانتبهت إلى أنه يعرض وصلة إرشادية لوزارة
الصحة تنصح فيها سكان البادية بضرورة غلي الماء أو وضع شيء من سائل "جافيل" فيه قبل
شربه. وكانت الوصلة بالدارجة المغربية. فقلت لأمي، أمازحها: ماذا يقول هؤلاء (عنيت
شخوص الشريط الإرشادي)؟ فتبسمت ضاحكة وقد أدركت قصدي، وقالت : أتسخر مني! إنما
يخاطب التلفزيون أهل العلم وما أنا منهم. (دون تعليق).
أما الحكاية الثانية فقد كنت شاهدها قبل حوالي شهرين في أحد مقرات الدرك الملكي
بالريف. دخل رجل مسن، وعلى ملامحه غير قليل من الحيرة والارتباك؛ سأله دركي عن
حاجته فرد بكلمة واحدة: "باصابورطي". فعبس له الدركي: "مالو الباصابورطي؟". ولم يحر
الشيخ جوابا، وجعل يهتف بخليط من الألفاظ المحرفة، فيها الأسباني والعربي
والأمازيغي. هكذا كان باب المقر كافيا ليحول رجلا فطنا، فصيحا إلى شخص بليد، لا
يبين.
هذه الوقائع والمواقف وأمثالها (ومنها ما يقع تحت قبة البرلمان أحيانا!) تجعل المرء
يتساءل: عن أي تنمية بشرية يتحدثون؟! أية تنمية لأي بشر؟!
تذييل
قبل أسابيع حل ببلادنا زعيم حزب "فلامس بولانغ" اليميني المتطرف، الفلاماني فيليب
دوينتر؛ وقد عبرت الطبقة السياسية، حكومة وبرلمانا وإعلاما عن استهجانها هذه
الزيارة بمختلف الأساليب: من مساءلة كاتبة الدولة المكلفة بالجالية المغربية
بالخارج في البرلمان عن حيثياتها، مرورا بمقاطعة الحكومة و الأحزاب والإعلام
لصاحبها. ولئن تكن مثل هذه "الانتفاضات" الوطنية (التي غالبا ما تكون غير ذات غداة)
محمودة على كل حال، فإن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من ملاحظة قاعدة الكيل
بمكيالين التي تحكم مواقف العروبيين المغاربة. إن هؤلاء الذين يقيمون الدنيا ولا
يقعدونها (أو على الأقل هذا ما يريدون تبليغه لمغاربة الخارج) لأن رئيس حزب معاد
للأجانب، كل الأجانب، وفي بلاده، زار المملكة المغربية دون أن يخرق خلال هذه
الزيارة قوانينها أو يمس بمشاعر مواطنيها– إن هؤلاء هم أنفسهم الذين يستقبلون
بالأحضان عنصريين آخرين لكن بدون لباقة اليميني البلجيكي: فهؤلاء، خلافا له، يطلقون
العنان لعنصريتهم ضد الشعب المغربي في بلاده، وهم على أرضه، وفي ضيافته!؛ وتتكفل
وسائل الإعلام الممولة أو المدعومة من مال الملزم الأمازيغي بنشر ونقل شتائم
وإهانات الضيوف للشعب المغربي تعميما للفائدة!
|