| |
لجنـة إعلان الريف
بيـان
لقد شكل ميلاد لجنة إعلان الريف في 30 يناير 2005 كتتويج
لأعمال المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بالريف، حدثا حقوقيا
متميزا تمكن من لحم مختلف تموجات الأطياف السياسية والحقوقية والفكرية المحلية
والجهوية والوطنية في بوتقة شعار مركزي حملته المناظرة كعنوان عريض لصرخة الريف: من
أجل الكشف الكامل لحقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالريف وتحديد
المسؤوليات، شعار جرى تأصيله بتصورات مبتكرة لأبعاد النضال الذي تأهبنا جميعا
لخوضه، على ما ينطوي عليه من تحديات كبرى، لم نكن أبدا نزعم أننا سندخل غماره
لوحدنا، بل الأمر كان يتطلب تحقيق التحام جماعي لتكوين قوة ضغط حقيقية لجعل الشمس
تسطع على بقاع الريف لتكشف مطمورات فظاعات الجرائم المرتكبة في حقه على مر السنين،
وفضح الأسباب التي جعلته يتأخر عن الركب الوطني رغم ما يتوفر عليه من إمكانيات لا
يستهان بها على عدة أصعدة. ولا نبالغ في شيء إذا قلنا بأن المناظرة بلورت تشخيصا
للملامح الأساسية للوضعيات الناجمة عن حقب طويلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان بالريف وقدمت، فضلا عن ذلك، ما تعتبره مقاربة للإنصاف والمصالحة وجبر مختلف
الأضرار الفردية والجماعية كثفتها مرجعية إعلان الريف ومذكرة المطالب الملحقة به.
وعملت لجنة إعلان الريف، بكل جهد ومثابرة، على تنفيذ هذه التصورات عبر إطلاق العديد
من المبادرات والحوارات المتعددة الأقطاب وخصوصا مع هيئة الإنصاف والمصالحة في مسعى
للإقرار بالحد الأدنى من الحقائق التي طبعت التاريخ السياسي المتميز للريف بغية
إعادة الاعتبار للإنسان والكيان الجمعي والطبيعة، ولقيت تصوراتنا ترحيبا من كل
الهيآت الحقوقية الوطنية وعبرت هيئة الإنصاف من جهتها عن أهمية ما توصلت إليها
المناظرة الوطنية المنعقدة بالحسيمة يوم 29 يناير 2005 وتعهدت، عبر نوايا معلنة
ومدونة بشكل صريح في تقاريرنا، على العمل من أجل استدماجها في استراتيجية الحل
المرتقب لإشكالية الريف. وإذا كنا مقتنعين منذ بدء انطلاق تجربة هيئة الإنصاف
والمصالحة على أنها لن تذهب بعيدا في الكشف عن الحقائق وتحديد المسؤوليات، بالنظر
للمداخل القانونية المؤسسة لها والتي لا يترك لها مجالا واسعا للتحرك المستقل، ومع
ذلك لم نكن نتوقع أن تنزل إلى مستويات الحضيض في تعاطيها مع ملف الريف.
والآن قد أصدرت هيئة الإنصاف والمصالحة موجزا لتقريرها الختامي، والذي يشكل جوهر ما
يمكن أن تقدمه كحصيلة لتجربتها، رغم بعض التلويحات عن وجود تفاصيل أخرى ستقدم
لاحقا، وهي لا تعدو أن تكون محاولة لشد انتباه الرأي العام وإلهائه في انتظارات
فارغة، ومع ذلك فإن أعضاء لجنة إعلان الريف المجتمعين يوم الجمعة 23 دجنبر 2005
اتفقوا على عدم التسرع في إصدار أحكام نهائية واكتفوا بإبداء بعض الملاحظات الأولية
نوجزها في النقط التالية :
أولا= تقييم عام لموجز التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة:
لا بد من الإقرار بأن التقرير في شموليته ينطوي على بعض الايجابيات التي لا تنكر
تتجسد في القضايا التالية:
1 ـ كشف حقائق مرتبطة بمجهولي المصير والمختطفين وتحديد أمكان الاعتقال السري
وتسجيل بعض أصناف التعذيب وكشف مجموعة من المقابر الجماعية ومباشرة عملية تحديد
هويات الرفات وإبلاغ عائلاتهم،
2 ـ تحديد لوائح بعض الشهداء والمتوفين عقب الأحداث الاجتماعية وتحميل المسؤولية
بشكل واضح للأجهزة الأمنية،
3 ـ الدعوة إلى مباشرة إصلاحات دستورية وتشريعية وقضائية كفيلة بتأمين مناخ تحصين
حقوق الإنسان،
4 ـ الإقرار باستمرارية تستر أجهزة الدولة وعدم تعاونها الكامل مع الهيئة، وهو ما
يعتبر قناعة من الهيئة واعترافا بأن جزء آخر من الحقائق ما تزال عالقة،
5 ـ الإقرار بمسؤولية الدولة وبعض الفاعلين غير الدولتيين في ارتكاب جرائم
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،
6 ـ توسيع نطاق جبر الأضرار ليشمل الجماعات والمناطق وإدراج الريف في هذا المسلسل.
إذا كانت الموضوعية اقتضت منا، بكل لياقة، تسجيل أهمية بعض الإجراءات الايجابية
الواردة في التقرير فإنها، تظل مع ذلك، دون انتظارات حركات الضحايا والحركات
الحقوقية ولم تتجاوز عتبة ما كان متوقعا بالنظر لمحدودية السلطات التي تتمتع بها
والتي انعكست حينا كسلبيات وضعت الهيئة في عنق الزجاجة، يتجلى ذلك في عدة مستويات
نذكر على سبيل المثال لا الحصر المستويات التالية:
1 ـ عدم التأكيد على مطلب اعتذار الدولة للضحايا وللشعب المغربي على ما اقترفته
أجهزته من جرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،
2 ـ النزوع المتعمد نحو التقليل من هول الجرائم وفظاعتها والمصادرة على أرقام
وتقديمها بنوع من الوثوقية المنافية تماما للحقائق المدونة في سجلات الهيآت
الحقوقية الوطنية والدولية،
3 ـ سيادة غموض وتشويش بل واستهتار بالمفاهيم الحقوقية السامية وتحريف معانيها
واستعمالها بشكل ديماغوجي في بعض الأحيان من قبيل الدعوة إلى سمو القانون الدولي
على القوانين المحلية دون أن يرافقها توضيح وتفسير مقنع لمسطرة تنفيذ مثل هذه
الوعود على أرض الواقع،
4 ـ وجود مفارقة في التقرير بين دعوته إلى إعمال مبدأ عدم الإفلات من العقاب في
الجرائم المستقبلية وبين مناهضة الهيئة لنفس المبدأ وعدم تطبيقه على ماضي
الانتهاكات ـ موضوع اشتغال الهيئة حاليا ـ
5 ـ عدم تنصيص التقرير بشكل دقيق على طبيعة الإصلاحات التي تدعو لها الهيئة،
ولاسيما على الصعيد القضائي ولم ترد عبارة واحدة تدعو إلى استقلال القضاء كسلطة،
مما يجعل خطابها يرتطم من جديد في نوع من المزايدات الشعاراتية والتي لا تتعدى سقف
استنساخ ما هو رائج في مطالب القوى الديمقراطية.
ثانيا = موقع الريف في التقرير:
لا يشير موجز التقرير مطلقا إلى أحداث الريف 1958-1959، وفي ذلك نوع من التنكر
والاستخفاف بما ظل عالقا في ذاكرة أبناء المنطقة من بشاعة الجرائم التي اقترفت
بحقهم وبحق منطقتهم، ومما يدل على ذلك ـ فضلا عن عدم الإشارة بالاسم إلى أحداث
الريف ـ أن التقرير عندما يتحدث عن ملف الاعتقال التعسفي يقول بالحرف: «وعليه يكون
الاعتقال التعسفي بوصفه كذلك قد مورس في بلادنا بكيفية ممنهجة منذ بداية الستينات
خاصة في قضايا تدخل نطاق اختصاص المحاكم العادية..»؟؟ وهنا يحق للجنة إعلان الريف
أن تطرح استفهامات عريضة حول موقف الهيئة مما حدث إبان انتفاضة عام 58/59 من
اعتقالات تعسفية ذهب ضحيتها مئات الأبرياء؟ ما مصير آلاف من الضحايا الذين لم
يتمكنوا من تقديم ملفاتهم؟ وما قيمة الجهد الذي بذلته الهيئة على صعيد التحريات
الميدانية وعلى صعيد البحث الوثائقي ودراسة السجلات والوثائق، والذي طالما تتبجح
وتفتخر به في الصفحات الأولى من تقريرها؟ كما أن الهيئة لم تقل شيئا عن خلاصات
البحث الذي أجرته أو يفترض أن تكون قد أجرته بشأن الانتهاكات الأخرى التي حدثت
بالريف، وهي من الفظاعة والهول ما يجعل السكوت عنها جريمة أخرى في حق المنطقة من
قبيل الإعدامات خارج القانون والقصف العشوائي لمداشر وقرى الريف والاغتصابات وبقر
البطون والحرق المتعمد للممتلكات والمقابر الجماعية. إن لجنة إعلان الريف كانت
تنتظر أن تعلن الهيئة عن صحة أو خطأ ما تقوله شهادات الضحايا الذين ما يزالون على
قيد الحياة وبعض نماذج هذه الجرائم تم التصريح بها على رؤوس الأشهاد في الجلسة
العمومية المنظمة من قبل الهيئة بالحسيمة، كما أن الهيئة لم تنبس بكلمة واحدة حول
حقيقة بعض المصادر والوثائق التاريخية (وثيقة عبد الكريم الخطابي الشهيرة المنشورة
في كتاب «دار بريشة» على سبيل المثال)، والعديد من الدراسات والوثائق أو الأبحاث
(كتاب ذ مصطفى أعراب..) حول مسؤولية بعض الأطراف السياسية التي اقترفت جرائم في حق
أبناء الريف، ولم تكن فاعلا غير دولتي كما يزعم التقرير، بل كانت تمتلك سلطات نافذة
في دولة الاستقلال كالمقدمين والشيوخ والعمال والمخابرات والقوات المساعدة..
أما على صعيد جبر الأضرار الجماعية فمقاربة الهيئة استحضرت الريف بواو العطف وخلطت
ما تشاء من المفاهيم بشكل ينم عن الاستهتار بحجم المعاناة والفظاعات التي اقترفت في
حق أبناء المنطقة على مدى عقود، وليست منطقة منكوبة إذا جاز هذا التعبير، وتضررت من
جراء سياسات التهميش والعقاب وإقصائها المتعمد طوال عقود حكم العهد السابق من كل
المشاريع التنموية وحرمانها من حقها في التمتع بالثروة الوطنية. إن لجنة إعلان
الريف تعتبر برامج التنمية السوسيو-اقتصادية المطروحة في إطار جبر الضرر الجماعي لا
تستجيب للحد الأدنى لانتظارات أبناء المنطقة ولا ترقى إلى ما نعتبره في مفاهيمنا
الاستراتيجية بالديْن التاريخي.
انطلاقا من كل ما سبق ذكره يبدو ـ في انتظار صدور التقرير الختامي للهيئة وتحليل كل
مضامينه ـ أن لجنة إعلان الريف تعتبر ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالريف
سيظل، رغم التقدم في المعالجة الجزئية لبعض الجوانب الوطنية للملف، مفتوحا وهو ما
يطرح علينا مواصلة نضالنا والتصدي للمهام الشائكة وللقضايا الكثيرة وللأسئلة
المؤرقة التي يتطلب منا، بتنسيق مع كل حلفائنا، التصدي لها بكل حزم وشجاعة في
المرحلة المقبلة.
(الحسيمة في 23/12/05، عن اللجنة، المنسق: علي بلمزيان)
|