| |
الاحتكاك الأمازيغي العربي
بقلم: ماشر ن آيت جادو (ليبيا)
من يستطيع أن ينكر الاحتكاك الأمازيغي العربي قديما؟ وحتى خلال
العصر الجاهلي العربي أي قبل مجيء الإسلام؟ في البداية سأستعرض مسار الحضارة
الأمازيغية التي بدأت في الصحراء الكبرى، ومن معالمها الموجودة في تاسيلي في جنوب
ليبيا والهجار في الجزائر، والتي لها أكثر من عشرة آلاف سنة، وبالمقابل ماذا كان في
الشرق خلال هذه العشرة آلاف سنة؟ وهل كانت هناك حضارة للفرس أو العرب أو اليهود؟
إن سكان الصحراء كانوا من الأمازيغ. وبعد زيادة التصحر تحولوا إلى مصر حيث نهر
النيل. وهناك أسسوا ما يعرف بالحضارة الفرعونية، في حدود الخمسة آلاف سنة. وما يؤكد
هذا انتقال المعالم الصحرأو ية إلى مصر، والتي تجسدت في محتويات الأهرامات المصرية
والمقابر المصرية القديمة، وهذه الحضارة هي نتيجة التعايش المصري الليبي (الأمازيغي).
ومن كتاب "التاريخ الليبي القديم" للدكتور عبد اللطيف محمود البرغوتي، والذي يدرس
الآن في الجامعات الليبية، نذكر منه بعض المقاطع: لقد وجدت مخلفات أثرية ترجع إلى
عصر ما قبل الأسرات في مصر، وتشهد على قيام اتصال بين الليبيين والمصريين …، وكانت
ليبيا عند هيرودوتس تبدأ من غربي النيل وتمتد حتى شاطئ المحيط الأطلسي، ويقول عن أو
ريك بيتس من أنه خرج من مقارنة بين اللغة الليبية (البربرية) والمصرية القديمة إلى
أن العلاقة بينهما في القواعد والمفردات علاقة وثيقة، وقال بالنسبة للديانة الليبية
القديمة، إننا نجد التشابه أكثر ما يكون بينها وبين الديانة المصرية.
وعليه، نعتبر أن الحضارة الفرعونية هي حضارة مصرية أمازيغية. ومن المعالم التي كانت
في الصحراء، صور للعربة التي تجرها الخيول وهي صناعة أمازيغية، وصور لرقصة (الكسكا)،
والتي ما زالت حتى الآن في أعراسنا، وصورة امرأة تحمل على ظهرها طفلها …، وأن هذه
الصور موجودة في الأهرامات المصرية.
ما سبق ذكره يؤكد انصهار الشعبين في حضارة واحدة، وهذا ما يدعم اعتقادي بأن
المصريين هم أصلاً أمازيغ مثل الليبيين، وإذا كان هناك من يقول بأن أدلة قليلة تؤكد
أن المصريين هم أمازيغ، فنحن نقول بأنه لا يوجد أي دليل يؤكد أن المصريين ليسوا
أمازيغ.وحين نقارن بين الشعوب القديمة في الأزمنة الغابرة نجد أن المصريين
والليبيين كانت لهم أقدم مدنية وحضارة في العالم، وأن حضارة بابل وآشور وتدمر تكونت
في فترة متأخرة عن الحضارة المصرية الليبية.
وفي ذلك الأثناء لا نجد أي معالم مدنية حضارية قديمة للعرب أو اليهود، تبين مدى ما
يملكون من أسباب الحضارة. مثلاً نقارن بين مصر التي كان يسكنها المصريون والأمازيغ
ومدى ما وصلت إليه حضارة النيل، واليهود الذين كانوا يجاورونهم في إسرائيل، وحتى أن
نص التوراة ذكر أن اليهود كانوا بدوا يعيشون في الخيام، وأن أغلب الرسل والأنبياء
اليهود عاشوا في مصر وتكلموا بالتالي اللغة المصرية وحتى الأمازيغية التي كانت
متداولة في مصر.
وعليه، نطرح السؤال: لماذا لم يكن لليهود أية معالم مدنية معمارية قديمة لما يسمى
بالحضارة العبرية؟ وكذلك هذا السؤال يطرح على العرب.
إن كتب التاريخ ذكرت أن العرب سكنوا الجزيرة العربية واليمن وهم بدو، وأن العراق
وسورية والأردن ولبنان، شعوبها ليست عربية وإنما استعربت، وأن آثار بابل وآشور
والبتراء هي ليست آثارا أو معالم عربية، ومن يشك في القول فليذهب إلى كتب التاريخ
ليصحح معلوماته.
ونحن نعلم أن الشعوب البدوية والأقل مدنية تعمل على استجلاب التطور والمدنية من
الأمم التي سبقتها في هذا المجال، وأن في العصر الجاهلي كانت العرب جاهلة ولم تصل
إلى ما وصلت إليه الأمم التي جاورتها، مثل الفرس والمصريين والأمازيغ، ولهذا السبب
أطلقوا عليه عصور الجاهلية.
ومن الأثر الملموس الذي أمامنا ألا وهو اللغة، ومن خلالها نجد أن لغة العرب أخذت
الكثير من الألفاظ من اللغات المجاورة، والسبب هو فقر المجتمع العربي للمدنية
والاستقرار قديماً، لأن التنقل بين الفيافي يتطلب عدم الاستقرار، ووجود سكن متنقل،
وهذا السكن لا يحتاج إلى وجود عناصر السكن الثابت، وعناصر السكن المتنقل يجب أن
تكون قليلة، لأجل تسهيل نقله من مكان إلى آخر، مما يؤدي إلى عدم تأسيس نمط حياتي
مستقر. ونحن نعلم أن من أسباب التطور والمدنية هو الاستقرار، ويكون بتشكيل مدن وقرى
وتجمعات سكنية دائمة، وأن السكن الدائم يتطلب تطوير أساليب وعناصر الحياة داخله،
مثلا الفرن، والمنسج، وأدوات تحضير الأكل وتكون متنوعة، وأدوات الزراعة، ومعاصر
الزيتون، وحظائر الدواب والأغنام … الخ.
وبالرجوع إلى المعاجم العربية نجد بها ألفاظا أعجمية كثيرة، وبالأخص التي تتناول
حاجات لم تكن من أعمال البدو.
ومن هذا التحليل نجد أن اللغة العربية أخذت الكثير من اللغة الأمازيغية، التي كانت
قديماً أكثر تطوراً، هي والمصرية القديمة.
وعن كتاب ابن سلام الأباضي فيما ذكره في باب من فضائل البربر قال:
بلغنا أن عائشة أم المؤمنين رحمها الله، دخل عليها ذات يوم رجل من البربر، وهي
جالسة مع اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، فقامت عائشة عن وسادتها فطرحتها
للبربري دونهم، فانسل القوم غضباً، فاستفتى البربري في حاجته وخرج.
فأرسلت إليهم عائشة تلتقطهم من دورهم، فجاؤوا كلهم فقالت لهم: قمتم علي غضباً ولم
ذلك؟ قالوا: غضبنا من الرجل، إنه دخل علينا رجل من البربر كلنا نزدريه ونبغض قومه
فأثرته علينا وعلى نفسك.
فقالت عائشة: آثرته عليكم وعلى نفسي بما قال فيهم رسول الله. قالوا: وما الذي قال
فيهم رسول الله. قالت: أتعرفون فلانا البربري؟، قالوا نعم، قالت عائشة: كنت أنا
ورسول الله ذات يوم جلوسا إذ دخل علينا ذلك البربري مصفر الوجه غائر العينين، فنظر
إليه رسول الله فقال له: ما دهاك أ أمر أم مرضت شيئاً، فارقتني أمس طاهر الدم صحيح
اللون فجئتني الساعة كأنما نشرت من قبر، فقال البربري: بتُ يا رسول الله بهم شديد.
قال: ما الذي أهمك. قال: ترديدك بصرك فيّ بالأمس، خفت من ذلك أنه نزلت فيّ آية من
الله. فقال له عليه السلام: فلا يحزنك ذلك إنما ترديدي بصري عليك بالأمس من أجل أن
جبريل عليه السلام جاءني فقال: يا محمد أو صيك بتقوى الله والبربر.
قال النبي: قلت: يا جبريل وأي البربر هم قوم هذا؟ فأشار إليك فنظرت، قال النبي:
فقلت لجبريل: ما شأنهم، قال: هم الذين يحيون دين الله بعد إذ يموت ويجدّدونه بعد إذ
يبلى …. الخ.
ولتأكيد ما سبق، وبالرجوع إلى لسان العرب حيث ذكر من غريب الحديث: في حديث النبي
محمد: "أنه صلى الظهر حين زالت الشمس"، وقال ابن الأثير: لكن زوال الشمس لا يبين
إلا بأقل ما يرى من الظل، وان الزوال هو الذهاب والاضمحلال.
وهنا نرى في حديث النبي أنه استعمل اللفظ الأمازيغي (أزال)، أي الظهيرة، ونطقه
زالت، ومن هذا الحديث هناك سؤال يطرح نفسه، وهو لماذا النبي استعمل هنا اللفظ
الأمازيغي زالت ولم يستعمل لفظا آخر عربيا!!؟.
مما سبق نستنتج أنه منذ ظهور الإسلام لم يكن الأمازيغ بعيدين عن حياة الرسول، وأن
هناك تواصلا بين الأمازيغ والعرب من ناحية الدين أو من المعاملات التجارية التي
كانت في المنطقة، وهي كما كانت في السابق زمن الفراعنة والأمازيغ من ناحية، وباقي
الشعوب السامية الأسيوية من ناحية أخرى، ونظراً لوجود المعاملات التجارية بين هذه
الشعوب مما يولد التعاملات الحياتية منها واللغوية. وعليه يحصل تأثر وتأثير البعض
في البعض. ومن المعلوم لدينا أن الأمة الأكثر مدنية هي التي تؤثر في الأمة الأقل
مدنية وهذا ما كان بالفعل منذ الأزمنة الغابرة زمن الحضارة الفرعونية الأمازيغية
وباقي الأمم السامية التي كانت لا تزال متخلفة عن مواكبة هذه المدنية.
|