| |
أبو بكر القادري والحنين
إلى أسطورة "الظهير البربري"
بقلم: عبد المطلب الزيزاوي (طالب باحث -وجدة-)
يقول أحد المفكرين الفرنسيين: "تستطعون أن تخدعوا الشعب
لبعض الوقت، لكن لن تستطيعوا أن تخدعوا الشعب لكل الوقت".
لقد شكلت القضية الأمازيغية –ولا زالت تشكل- بالنسبة للعديد من "المثقفين"، و"الفاعلين"،
و"المهتمين"...عقدة وشيطانا يجب محاربته بشتى الوسائل. ما دام أنه إلى غاية وقت
قريب، كان مجرد الحديث عن الأمازيغية كقضية وجود، être ou ne plus être، على حد
تعبير المرحوم موحى أبحري. وليس كمطلب لغوي جامد، كما يختزله البعض. كان ذلك بمثابة
"فزاعة للثوابت"، وإحياء للظهير "البربري"، الذي لا زال أعضاء حزب "الإستقلال"،
يرددون هذه الأسطوانة المهترئة، خلال طقوسهم(*)، وهذا شيء طبيعي، ما دام أن وطنيو
الكلام لم يكن لهم وجود إلى غاية سنة 1930.
سأحاول في هذه المقالة مناقشة بعض الأفكار، والمعطيات التي جاءت في تصريح أبو بكر
القادري لجريدة الأسبوعية الجديدة، العدد 42. خاصة عدم استساغته للقراءات الجديدة،
حول الظهير "البربري"، ومن خلالها تعامل كتلة العمل الوطني، وكافة إفرازاتها
التنظيمية، والفكرية مع الأمازيغية، خلال تلك المرحلة، إلى غاية ما بعد سنة 1956.
والتي كان فيها لأعضاء حزب "الإستقلال" اليد الطولى.
1- حول الإستقلال: يقول أبو بكر القادري(*∗) "... حقيقة قبل اليوم في كفاحنا الوطني
الأولي كنا نعرف أنفسنا إلى أين ذاهبون، وماذا نريد، كنا نريد تحرير بلادنا من قبضة
الإستعمار، كنا نريد لبلادنا أن تكون متقدمة وعصرية للسير في مسار الدول المتقدمة...".
ما يهمني هنا، هو تعرية طبيعة هذا الإستقلال الذي يتحدث عنه، أي الإحتقلال على حد
تعبير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
من المعلوم أن وفد من حزب "الإستقلال" شارك في مفاوضات إيكس لي بان، خلال غشت من
سنة 1955. يقول عبد الرحيم بوعبيد هو الناطق الرسمي باسم وفد هذا الحزب: " لقد
بقينا أربعة عشر قرنا مستقلين حتى في ظل الإسلام، والجانب الإيجابي للحماية يكمن في
ربطنا مع العالم تحية لفرنسا ولتقنييها. ما قامت به فرنسا من أعمال هو الذي يطرح
قضية العلاقات الفرنسية المغربية فبفضلها تأكدت شخصيتنا ما تزال ترغب في مزيد من
الإشعاع والإنفتاح. نطلب التطور في ظل دولة حرة وذات سيادة. وهذه إحدى مهمات فرنسا.
إننا واعون بعدم كفاءتنا على الصعيد الإقتصادي والتقني. نعرف خطر العزلة. مغرب
مستقل لا يمكن أن يعيش منعزلا ووحيدا. مع فرنسا إخترنا أن نعيش إستقلالنا المتداخل.
لقد ولى عهد الحماية والتفكير في المستقبل. الإستقلال المتداخل والمتفاوض في شأنه
بكل حرية. أما فيما يخص المراحل والوتيرة فيسهل تحديدها ونحن مع المصالحة إننا نعرف
تخوفات فرنسا ويجب طمأنتها عن طريق الضمانات، وهذا سيكون على رأس المبادئ "(1).
ومما جاء في مذكرة حزب "الإستقلال" إلى حكومة الجمهورية الفرنسية كذلك، "وإذا ما
تركنا جانبا قضايا التحرر السياسي، فإنه ليس في نيتنا نكران العمل الفرنسي-المغربي
الذي أنجز خلال تلك الفترة. بالفعل، فقد تم فك العزلة عن المغرب التي دامت أكثر من
مائة سنة، كما تم تزويده ببنيات اقتصادية تمكنه من استغلال ثرواته المادية بفضل
المساعدة التقنية والمالية لفرنسا"(2). أما محمد الزغاري وهو مندوب حزب الإستقلال
فقد قال " لقد عهدنا إلى الحضارة الفرنسية بتنشئة أبنائنا. إذن فصداقتنا لفرنسا لا
حدود لها. إن ثقافتكم جاءت لتحرير الإنسان"(3). هذه مجرد أمثلة فقط، لوصف العلاقات
التي كانت تميز هؤلاء الذين كانوا يعتبرون أنفسهم، الممثلين الحقيقيين للشعب
المغربي، مع المستعمر الفرنسي، الذي قام بمجازر بشعة خلال عمليات "التهدئة"، التي
كانت تتم باسم السلطان. دون أن يحركو ساكنا. وكانت النتيجة هي اندلاع عدد لا يحصى
من المعارك في مختلف المناطق المغربية، واستشهاد عشرات الآلاف. ملاحم نقشت بدماء
تيمازيغين، وإيمازيغن. هذا التاريخ الذي لازالت العديد من صفحاته لم تفتح بعد،
ولانعرف الشيء الكثير عن هذه الفترة، و هذا ما يتجلى من خلال ما يلقن في المؤسسات
التعليمية، حيث أصبح التلميذ المغربي يعرف عن الآخر أكثر مما يعرفه عن نفسه وعن
تاريخ وطنه، يعرف معارك داحس والغبراء، والأوس و الخزرج، والثورة الفرنسية، و يجهل
ملاحم آيت مرغاد ، وآيت عطا ، وآيت باعمران، أدهار أوبران، وأنوال وثورة أكتوبر1955،
وغيرها من المحطات الموشومة في ذاكرة الشعب المغربي، والتي لا يزال جزء كبير منها
لم يتعرض للتدوين. ربما لأن التاريخ يصنعه الشعوب، و يكتبه المنتصرون حسب هواهم،
كما تفصح وتفضح هذه التصريحات حقيقة الاستقلال الأعرج الذي يتبجح به هؤلاء.
2- فزاعة الظهير "البربري": نشر في الجريدة الرسمية في عددها 919 بتاريخ 6 يونيو1930
، ظهير 16 ماي المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية و التي لا توجد
بها محاكم لتطبيق الشريعة.
Dahir du 16 mai 1930(17 Hija 1348) réglant le fonctionnement de la justice dans
les tribus de coutume berbère non pourvues de mahkamas pour l’application du
chrâa.
وقد جاء هذا الظهيرلتتميم سلسلة من الإجراءات المقيدة للتنظيم الإداري بالمغرب،
الذي كان تحت الحماية، ووضع أسس دولة عصرية حسب تصور الفرنسيين طبعا. وكان ظهير11
شتنبر 1914 أول من قنن تنظيم القبائل الخاضعة للسيطرة الفرنسية، وقد سبقته دورية 15
يونيو 1914 التي توصي ضباط الشؤون الأهلية بالمحافظة على الأعراف الأمازيغية "الأمر
الذي سيسهل تطورهم نحو (حضارتنا). حسب ما أعلنه ليوطي بعد إخضاع قبائل آيت مكليد و
آيت نضير، عن طريق الجنرال هنريس Henrys.
مع هذا الظهير وبعد إخضاع القبائل المقاومة للهيمنة الفرنسية، دشنت سلطات الحماية
التنظيم الإداري في هذه القبائل بوضعها للجماعات الإدارية في مرحلة أولى، والجماعات
القضائية في مرحلة ثانية. هذه الجماعات تحولت ابتداء من سنة 1924 إلى محاكم لها
صلاحيات البث في القانون الشخصي، الميراث و العقار، " غيرأن سيرها [المحاكم
الجماعية] تعرض لمشكل جوهري يكمن في أن الأحكام التي تصدرها الجماعات لا تتمتع في
نظر المصالح العمومية، بقوة الشيء المقضي به في حالة رفضها من طرف أحد
المتقاضين،لاعتبار أن تنظيم المحاكم الجماعية مبني فقط، على تدابير إدارية، وينقصها
سند قانوني، خلافا لمحاكم القواد و الباشوات، التي أحدثت منذ سنة 1914 بنصوص
تشريعية. وقد وضعت هذه الوضعية السلطات أمام ثلاث اختيارات. - العمل على استصدار
ظهير يعطي الصبغة القانونية للجماعات القضائية.
- نقض الإلتزام، وإلغاء مقتضيات ظهير 11 شتنبر1914، وذلك ما قد يثير غضب القبائل
التي ستدافع عن حقوقها المكتسبة.
ترك الحالة على ما هي عليها، وما ينتج من مشاكل. وتم اللجوء في النهاية إلى اختيار
الحل الأول"(4). فظهير 16 ماي 1930 لم يأت بجديد لأن القضاء العرفي كان موجودا
بالمغرب قبل الحماية. وقام فقط بإعطاء الصبغة القانونية للجماعات القضائية، إضافة
إلى أنه لم يكن أول ظهير بل سبقته ظهائر أخرى، ونخص بالذكر ظهير 15 يونيو1922الذي
يسمح بنزع الأراضي من مالكيها الأصليين، وتفويتها للأجانب بالقبائل ذات العوائد
الأمازيغية، لكن لم يقم أحد بقراءة اللطيف، مع العلم أنه بمقتضى هذا الظهير سيتم
انتزاع آلاف الهكتارات لصالح المعمرين، والتي سيتم تفويت البعض منها إلى الأعيان،
والبعض الآخر سيتم تأميمها بعد "الإستقلال"، ثم سيستولي عليها أصحاب النفوذ خلال
عمليات الخوصصة.
لا أخفي القراء سرا، أنني لما اخترت أن يكون موضوع بحثي لنيل الإجازة في التاريخ،
حول الظهير "البربري"، كانت مفاجأتي كبيرة، وأنا أكتشف الاستغلال السمج الذي بلوره
الوطنيون المحميون لهذا الحدث، لكسب المشروعية عن طريق الكذب على ذقون المغاربة،
واستغلال الدين، -كما يستغله آخرون- للوصول لمآربهم. وهذا ما اعترف به أبو بكر
القادري: ""ولأن الظهير البربري صدر في ماي، و كان الفصل صيفا حارا وأغلب الشباب
قصد شاطئ البحر للإستجمام، فإن عبد اللطيف الصبيحي توجه إلى الشباب في الشاطئ وأخذ
يؤنبهم لأنهم يلهون ويسبحون في حين أن المغرب مهدد في كيانه، وكان شابا فصيحا.
فالتف حوله بعض الشباب ممن تمكن من إقناعهم بخطورة الظهير البربري، وأخذوا يفكرون
في كيفية مواجهته وطرحت فكرة التركيز على أن الإستعمار يريد إزالة النفوذ للملك.
فتم الإعتراض عليها، لأن أغلبية الناس سوف لن تتصدى للظهير فقط لهذا السبب، فهذه
الفكرة وحدها غير كافية لإستنهاض الهمم وحشد الطاقة الوطنية… وبعد أخذ ورد اتفق
شباب المجتمع على القول بأن الغاية من الظهير هي تحويل المغاربة إلى نصارى. وينبغي
البحث عن وسيلة لإبلاغ هذه الفكرة إلى المغاربة"(5).
أما القول بأن الحركة الوطنية التي جاءت مع الظهير "البربري" كانت لها غيرة على
البرابرة أو الأمازيغ، على حد تعبيره، والتي تتجلى في شعار اللطيف الذي أبدعه
المرحوم عبد الله الجيراري الذي " كان إماما لأحد المساجد في الرباط، وفي خطبة
الجمعة تحدث عن الظهير البربري وحذر من عواقبه(...) وطلب من المصلين ترديد اللطيف،
وهو الذي هيأ الصيغة التي ظلت تردد في المساجد وخارجه والتي كانت تقول:
اللهم نسالك اللطف فيما جرت به المقادير*** لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر.
ففي البداية المصلون يكتفون بالقول، يا لطيف، يا لطيف، إلى أن أعد المرحوم هذه
الصيغة التي كانت سهلة الحفظ وحلوة أثناء الترديد"(6).
الآن يتحدثون عن "إخوانهم البرابر"! أية أخوة هذه؟! متى كان الأخ يخذل أخاه ويتخلى
عنه في الجبال يتعرض للإبادة من طرف المعتدي الغازي وهو (الأخ الأول) يبارك ويهنئ
هذا المعتدي الغازي على ما يفعله بأخيه؟ أهذه هي الأخوة؟ ألا يمثل هذا الموقف قمة
الحقد والكراهية والعداء لذلك "البربري" الذي حوله "اللطيف" إلى "أخ" قصد ابتزاز
المشاعر الدينية والوطنية للمغاربة والمسلمين؟ إن هذه "الأخوة" العجيبة تذكرنا
بأبناء يعقوب – وقد كان هؤلاء إخوة حقيقيين- الذين، بعد أن دفنوا أخاهم يوسف في
البئر، عادوا إلى أبيهم يبكون أخاهم وينتحبون عليه متهمين الذئب بافتراسه. فكذلك
أصحاب "اللطيف": بعد أن تخلوا عن "إخوانهم" البرابر لفرنسا تفتك بهم وتقتلهم،
أغلقوا الأبواب داخل المساجد وبدأوا يتباكون عن "إخوانهم"، متهمين فرنسا بالتفريق
بيتهم وبين هؤلاء "الإخوان"(7).
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نتج عن التأويل المغلوط للظهير في كونه يهدف إلى
تنصير "البربر"، كتابة مقالات عديدة خصوصا بصحيفة "الفتح" التي كان مقرها بالقاهرة
وكانت في ملك محب الدين الخطيب. وكانت ترسل إليها مقالات بأسماء مستعارة. فيالها من
شجاعة نادرة!.
" لما رفعت هذه الصحيفة الصغيرة(الفتح) أول صوت لها بالعالم الإسلامي منذرة بما
يجري بالمغرب الأقصى، وجعلت تكرر النداء والهتاف حتى سمع الناس صوتها، كان كثيرون
من المسلمين يسألوننا أين هي المستندات على صحة ما تقولون أنه قد وقع في المغرب؟
ونحن إنما كنا نعتمد فيما ننشر على ما يكتب إلينا به أصدقاؤنا وموضع ثقتنا من رجال
المغرب مستصرخين مستنجدين، ولو بحنا بأسمائهم لكان ذلك سبب في خراب بيوتهم"(8).
نستتنتج إذن أن الذين كانوا يتسلمون هذه المقالات لم يطلعوا على ظهير 16 ماي 1930،
بل وصلهم فقط الظهير/ الأكذوبة الذي اختلقه عبد اللطيف الصبيحي وأنصار فكرته. إذا
كانت السلطات الفرنسية قامت ببناء الكنائس لتنصير "البربر"، فقد لقيت سياستها فشلا
ذريعا، اللهم إذا استثنينا اعتناق المسيحية من طرف محمد بن عبد الجليل، أخ عمر بن
عبد الجليل أحد قادة حزب الإستقلال. الذي سيصبح قسيسا سنة 1935، تحت إسم جون محمد
بن عبد الجليل. وللإشارة فقط، فإن الماريشال ليوطي هو الذي سيساعده للذهاب إلى
باريس لمتابعة دراسته في جامعة السوربون. هذا المسيحي سيلعب دورا مهما خلال
الخمسينيات، لتنسيق اتصالات وطنيو الكلام مع الأوساط الباريسية.
ثم لماذا لم يخبرنا أحد، لما كنا تلاميذ عن اللطيف الذي قرأه جمهور من سكان فاس،
وفي مقدمتهم أعيان المدينة، وعلمائها، وأئمتها حاملين الأعلام تحت نافذة غرفة نوم
ليوطي بقصر بوجلود، لما أصيب بمرض خطير سنة 1922 ودخول إمام مسجد مولاي إدريس،
لغرفة ليوطي واضعا له الشموع بجانب فراشه معلنا له تيقنه من الشفاء، لأن الشعب
المغربي طلب منه الإتيان بهذه الشموع من ضريح مولاي إدريس، لتكون هذه أول مرة في
تاريخ المغرب والإسلام، يقرأ فيها المسلمون اللطيف للتضرع إلى الله ليأخذ بعنايته
ويشفي قائد جيوش صليبية تحتل تراب دار الإسلام أو ما كان يسميه الأمازيغ: لعزو ن
ربي درسول. وهذا الحدث في الواقع هو بمثابة شهادة بيعة أهل فاس للماريشال ليوطي،
وموافقتهم على احتلال وطننا، والتأييد للمجازر التي ترتكبها الجيوش الغازية ضد
إخوانهم "البربر" بالمناطق الجبلية(9).
أريد أن أسأل أبو بكر القادري، أين كان هو وباقي المحميين، والمتجنسين بالجنسيات
الأجنبية، اللاهون في عقد صفقات تجارية مع الأوربيين، حينما كان "إخوانهم البرابر"
يقاتلون في الجبال؟ لماذا لم يقم أحد بتلاوة اللطيف؟. لماذا لم يساندوا "إخوانهم
البرابر"، ولو بشكل سري؟. هذه الأسئلة يمكن أن نجد لها الإجابات، في دفتر
"الإصلاحات المغربية" الذي قدم للسلطات الفرنسية. وقد جاء في ديباجة هذه الوثيقة
تهنئة السلطات الفرنسية لقضائها على المقاومة المسلحة التي اعتبرت "تمردا". ونص
المطلب الخامس على احترام اللغة العربية، لغة البلاد الدينية والرسمية والإدارات
كلها بالإيالات الشريفة وكذلك سائر المحاكم. وعدم إعطاء أية لهجة من اللهجات
البربرية أية صفة رسمية. ومن ذلك عدم كتابتها بالحروف اللاتينية. رغم أن هذا المطلب
يغيب في النسخة الفرنسية عكس النسخة العربية.
إذا افترضنا جدلا، أن هذه الأخوة التي يتحدث عنها هؤلاء الناس، الفخورون بأصولهم
العربية-الأندلسية، كانت تقتضي في تلك المرحلة عدم تدريس الأمازيغية، فما هو السبب
في الاستمرار في ذلك إلى غاية ما بعد "الاستقلال"؟!. رغم أن حزب أبو بكر القادري
كانت له حقيبة وزارية في التعليم، لكنه لم يقم بأي خطوة لصالح الأمازيغية؟. والآن
يقول " كنا نريد دائما الحفاظ على القيم الأساسية للهوية المغربية، والحفاظ على
الشخصية التاريخية المغربية التي لها أعمدة أساسية وهي الإسلام والعروبة والمغربية
وأعني بالمغربية لا فرق بين العربي والبربري...". رغم أن شعارهم المركزي هو العروبة
والإسلام، ووطنية هؤلاء التي لا تستوعب الشعب الأمازيغي، لا يقول لنا أحد سبب
غيابها كل هذه المدة لتتفتق فجأة مع الظهير؟!. يقول محمد العربي المساري " إن
يقضتنا الوطنية المعاصرة وقعت بالذات ردا على الإستعمار الفرنسي للتمييز بين العرب
والبربر. ففي 16 ماي 1930 حينما صدر(المرسوم) البربري الذي يفرض إنفصال المغرب عن
الكيان العربي الإسلامي للمغرب انتفض الشعب المغربي بقوة ضد ذلك القانون (...)
وبذلك فإن يقضة الشعب المغربي كانت في الأساس غيرة على انتمائه العربي. ومنذ سنة
1930 تأججت الحركة في الشارع، وصهرت الشعب كله، وضحى كثير من الشهداء، رحمة الله
عليهم، إلى أن توج ذلك الكفاح بإسقاط النظام الإستعماري. وقد أصبح مستقرا في
الأذهان أن الإستعمار الفرنسي كتب وثيقة وفاته يوم نشر الظهير البربري"(10). ويزيد
قائلا " وفي كل مرة كان خطاب الحركة الوطنية متميزا بشيئين: الأول أن الهاجس العربي
الإسلامي ظل قويا. وفي الجوهر احتفظت الوطنية المغربية بمفهوم ثابت لا يفصل العروبة
عن الإسلام" (11).
فحسب هذا المنطق هل يجب أن نقدس القصائد التي كانت تكتب لمدح المستعمر باللغة
العربية، حين كان الناطقون ب "اللهجات البربرية" يذودون في الدفاع عن أرضهم دون
مساومة، يقول عبد الرحيم الكتاني في مدح المقيم العام:
مقيم لا يريد سوى نجاح *** لهذا القطر فهو له خفير.
أما محمد الشنجيطي فقال:
كان المشير " ليوطي" حازما فطنا *** وقائدا غير رعديد ولا وكل
بنى بعهد اضطراب الأمر منفردا *** من الحماية سرحا شامخ القلل
وكان للمغرب الأقصى به مقة *** سارت بشهرتها الأسلاك في الدول
و يقول محمد العلمي في هجاء المقاومة المسلحة:
نكره العنف والتقاطع فينا *** إذ حياة الفوضى حياة البهائم
لا تنال الآمال بالقهر طبعا *** إنما نيلها بكسب المكارم(12).
إضافة إلى أن وطنية هذه النخبة ذات مضمون متعال عن الأرض، ومنفصل عنها. ويتجلى ذلك
في دفاعها عن العروبة، ومن ثم يمكن فهم ارتباطها بالمشرق ليس فقط فكريا أو وجدانيا،
بل حتى سلاليا باعتبار افتخار العديد من أعضاء هذه النخبة كونها عربية. وتؤكد هذا
بإنباتها لغابة من شجيرات الانتماء إلى الدوحة النبوية، أو الإنتماء للعائلات
النازحة من الأندلس كأبي بكر القادري مثلا. في حين أنه بمجرد الجهر بالإنتماء
الأمازيغي للمغرب، يتم الضغط على زرالعرقية/الإثنية، ليس هناك عربي قح أو بربري
قح... على الرغم من أن قطرة الماء هي التي تذوب في البحر، وليس العكس. ويبدو أن
وطنية هؤلاء لم تستطع لحد الآن أن تستوعب المغرب العميق، الذي لا ينسجم مع صورتهم
الذهنية الجاهزة حوله.
هكذا أصبحت الأمازيغية خارج الوطنية، وتحول نضال تيمازيغين، وإيمازيغن ضد المستعمر
إلى مجرد عمل مسلح، أما الوطنية فهي خاصية من قرأ اللطيف بالمساجد. أما الذين
أرادوا إنقراض اللغة الأمازيغية عن طريق التعريب بواسطة التعليم والإعلام... وتمنوا
نهاية هذه اللغة مع نهاية القرن العشرين، فالنتيجة كانت عكسية تماما فقد ظهرت
الحركة الثقافية الأمازيغية كامتداد لحركة المقاومة المسلحة وجيش التحرير، وكامتداد
تاريخي لكافة أشكال مقاومة الشعب المغربي لجميع أنواع الاستيلاب والاستعمار. وتزايد
الوعي بالهوية الأمازيغية للمغرب.الأمر الذي يقلق راحة النخب المتحكمة في شؤون
البلاد. نظرا لفضح محمد بودهان، وعبد المطلب الزيزاوي، المنتمين إلى الريف، ومحمد
منيب، المنتمي لسوس لهذه المغالطات، التي كان حزب "الاستقلال" يعتقد أنها ستنطلي
لوقت أطول، لكن حبل الكذب قصير.
في الأخير لا يجوز أن يطالب البعض بإغلاق ملفات الماضي والنظر إلى المستقبل، وفي
نفس الوقت يوجهون الحاضر ويحكمونه ببديهيات الماضي ونتائجه وتداعياته حسب فهمهم
وقراءتهم له.
الإحالات:
- * قال عباس الفاسي في المهرجان الوطني لإحياء الذكرى 31 لوفاة علال الفاسي: "...
وإثر صدور ما أسمته الإقامة العامة ب (الظهير البربري) سنة 1930، كان في مقدمة
المواطنين من أمازيغ وعرب، الذين انتفظوا ضد لمقاومة الأهداف الاستعمارية لهذا
الظهير، ومن أجل أن تبقى الشريعة الإسلامية موحدة لجميع المغاربة دون ميز عرقي،
ونظم الزعيم والشاعر علال الفاسي في هذا الموضوع قصيدة أصبحت نشيدا يردده الشباب في
جميع أنحاء المغرب، مما جاء فيها:
صوت ينادي المغربي من مازغ ويعرب
يحدو الشباب المغربي للموت من دون الوطن
لا نرضى بالتفرقة ولو علونا المشنقة
ولو غدت ممزقة أشلاؤها فدى للوطن
واعتقل زعيم التحرير مع عدد من المواطنين بسبب تنظيمهم لحملة قراءة اللطيف في
المساجد، وتصدرهم للمظاهرات الصاخبة التي انطلقت في مدينة فاس لتعم بعد ذلك عدة مدن
مغربية، احتجاجا على سياسة (فرق تسد) التي أرادت سلطات الاحتلال أن تكرسها عن طريق
(ظهيرها البربري)".
جريدة العلم، العدد:076 20، 16 ماي 2005.
*∗ - هو من سلالة عبد القادر الجيلالي وجده الأكبر الكيلاني من بغداد، أسرته أتت
إلى المغرب عن طريق الأندلس أواخر الدولة السعدية. تصريح أبو بكر القادري لبرنامج
"أقوس" الذي بثته القناة الأولى، بتاريخ: 14 أكتوبر 2002 .
- «مفاوضلت إيكس لي بان المحضر الرسمي غشت 1955"، مجلة الملفات المغربية الكبرى،
العدد1، الرباط، أبريل 1996، ص:10.
2- نفسه.
3- نفسه.
4- أحمد أرحموش، القوانين العرفية الأمازيغية، مطبعة أمبريال-الرباط، الطبعة
الأولى، نونبر2001، ص:53.
5- أنظر نص حوار مع أبو بكر القادري، جريدة الأحداث المغربية، العدد الموافق ليوم4
دجنبر2000.
6- نفسه.
7 تقديم محمد بودهان، لكتاب محمد منيب: الظهير البربري أكبر أكذوبة سياسية في
المغرب المعاصر
8 - الحسن بوعياد، الحسن بوعياد، الحركة الوطنية والظهير البربري لون آخر من نشاط
الحركة الوطنية في الخارج، دار الطباعة الحديثة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى،
1979 ص:113-114.
9- ينظر في هذا الصدد نص الدعوى التي رفعتها حركة تيضاف، إلى السيد الرئيس الأول
للمجلس الأعلى والسادة رئيس الغرفة الإدارية والمستشاري – المجلس الأعلى-الرباط-،
جريدة أكراو أمازيغ، ع.147، 07 يونيو 2005.
0- محمد العربي المساري، المغرب بأصوات متعددة، سلسلة شراع2،أبريل 1996، ص:48-49.
1- نفسه، ص:60.
2- إبراهيم السولامي، الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية، نشر وتوزيع دار الثقافة
(د-ت)، صص:162-164.
بيبليوغرافيا:
-Mohamed Boudhan, "Le Dahir berbère: mythe ou réalité?", Tidmi n° 74 du
28.06.1996.
ـ الظهير"البربري" أكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر. دار أبي رقراق للطباعة
والنشر، الرباط، 2002.
ـ عبد المطلب الزيزاوي، أوهام الظهير البربري السياق والتداعيات. إصدارات
فيديبرانت، الرباط، 2004.
-ELQADERI (Mustapha), L’état national et les Berbères le cas du Maroc. Mythe
colonial et négation nationale. thèse pour l’obtention du doctorat nouveau
régime en histoire contemporaine, université Montpellier III, 1995.
-LAFUENTE (Gille), La politique berbère de la France et le nationalisme
marocain. l'harmattan, Paris, 1999.
|