| |
حول التكاسل الأمازيغي
بقلم: مبارك بلقاسم (هولندا)
لاشك أن الكتابة أقوى سلاح وأشرفه للدفاع عن أية قضية عادلة.
وفي الحالة الأمازيغية، نزع الأمازيغ بعد استقلال دول العالم الأمازيغي دائما إلى
الكتابة كوسيلة حضارية للحوار والتغيير والدفاع عن وجودهم، مؤكدين بذلك رفضهم لأي
أسلوب من أساليب العنف والغوغائية والإرهاب. وهكذا أسست مجموعة من الصحف والمجلات
والمئات من مواقع الإنترنت المتخصصة في الشأن الأمازيغي. إلا أن ما يلاحظ هو اقتصار
الجزء الأكبر من كاتبي المقالات الأمازيغ، سواء في الصحف المطبوعة أو على الإنترنت،
على استعمال اللغة المساعدة للتعبير عن آرائهم ووصف الأمازيغية لغة وثقافة وتاريخا.
ومن المؤكد أن لهذا ظروفا معروفة للجميع تتلخص في بقاء الأمازيغية شفوية لقرون في
معظم أجزاء ثامازغا، وأيضا في التآكل المتسارع الذي تعرض له استخدام هذه اللغة في
عهد الإستعمارين الإسباني والفرنسي. ولم يتوقف هذه التآكل، بل ربما أسرع أكثر بعد
الاستقلال السياسي للمغرب. وتسببت السياسة التعليمية في تجهيل الأمازيغ بلغتهم
وجعلهم يتقنون لغات أجنبية عنهم. هذه الأسباب تفسر بشكل مباشر لماذا يكتب الأمازيغ
اليوم في الصحف والمواقع الإنترنتية غالبا بغير لغتهم. إلا أن الملاحظ أنه لا توجد
أي إستراتيجية لدي الناشطين الأمازيغ والكتاب الصحفيين للانتقال إلى الأمازيغية.
ويبدو بوضوح أن استعمالهم للفرنسية والعربية شيء اعتيادي (regular). أما الكتابة
باللغة الأمازيغية وبحرف ثيفيناغ فهو الشيء اللاعتيادي (irregular)!!
طبعا هذه مرحلة انتقالية من المفروض أن تتجه إلى مرحلة جديدة تكون فيها الأمازيغية
جزء طبيعيا من المجتمع. في المرحلة الجديدة من المفروض أن ينتفي الصراع اللغوي
والثقافي ويلتفت فيها الأمازيغ إلى شؤونهم، مستعملين لغتهم بشكل جد طبيعي وبدون أية
حساسيات مثلهم مثل أي شعب آخر في العالم. وسينظر العالم إليهم ببساطة كأمازيغ لهم
لغتهم الخاصة بهم والقابلة للتعلم والانتشار في العالم والتداول عبر وسائل الاتصال.
أما المرحلة الانتقالية فهي (على الأرجح) هذه التي نعيشها. في المرحلة الانتقالية
يجري تنميط اللغة الأمازيغية ومعيرتها وتوليد الكلمات الناقصة ثم نشر هذا اللغة على
أوسع نطاق ممكن.
الأمازيغية داخل الأنبوب
ولكن يجب أن نستوعب أن هذه المرحلة الانتقالية قد تأخذ وقتا طويلا أكثر مما قد
نتصور. فخطط الوزارة لدمج الأمازيغية في النظام التعليمي التي أعلن عنها تعطي فكرة
لا بأس بها عن مدى طول هذه الفترة الانتقالية للأمازيغية. فالوزارة اختارت البدء
بالتعليم الابتدائي دون الإعدادي والثانوي. وحتى الإدماج على مستوى الابتدائي يتم
على "جرعات" بطيئة لن تكتمل إلا حوالي سنة 2010. فماذا عن التعليم الإعدادي
والثانوي؟ وماذا عن الجامعات والمدارس والعليا؟
إذا عدنا إلى قضية الكتاب والناشطين الأمازيغ، فـ"سنفهم" ضمنيا أن استعمالهم
للفرنسية والعربية بشكل شبه كامل هو مشاركة في هذه المرحلة الانتقالية وتعريف
بالأمازيغية وإعداد للأجيال الصاعدة التي ستتعلم الأمازيغية في المدرسة بشكل طبيعي
وتخرج للكتابة والتعبير بالأمازيغية بكل تلقائية. هذا فقط إذا افترضنا حسن نية
الوزارة والسلطة عموما في إدماج الأمازيغية في التعليم وتمام الإدماج في ظروف
مقبولة.
ولكن كم سيمر من الوقت لكي يتم تطبيع علاقات الأمازيغية بشكلها الممعير المكتوب مع
المجتمع ومؤسساته؟
وكم سيمر من الوقت حتى يصعد جيل مغربي جديد يتقن اللغة الأمازيغية المكتوبة ليأخذ
بيدها وينتج بها؟
في تقديري الشخصي، وعلى أساس ما تقوله الوزارة، وبالنظر إلى وتيرة إدخال الأمازيغية
في المدرسة الابتدائية فقط منذ 2003، فستمر مابين 15 و25 سنة بعد الآن ليصعد جيل
مغربي جديد، ولكن محدود العدد، يتقن بدرجة ما اللغة الأمازيغية المعيارية المكتوبة.
وهذا علما أن هذا الجيل الجديد ذا التعداد المحدود سيتقن بجانب الأمازيغية بالضرورة
اللغتين الإجباريتين "الشريفتين" الفرنسية والعربية. ولن يتجه هذا الجيل المنتظر (ذو
التعداد المحدود أصلا) بالضرورة كله إلى ممارسة أنشطة ذات علاقة باللغة الأمازيغية
(إعلام، صحافة، أدب، ترجمة..) وستكون ميول جزء مهم من هذا الجيل الجديد إلى ميادين
أخرى لا علاقة خاصة للأمازيغية بها.. وهكذا سيتجه جزء كبير منه إلى قطاعات الاقتصاد
والتجارة والعلوم والتعليم والعمل السياسي...إلخ
أما الشيء الثابت، فهو أن الأمازيغية في الوضع الحالي السيئ أصلا والمؤثث بـ"إهمال"
النشطاء الأمازيغ للكتابة بالأمازيغية، ستستمر في لعب دور التابع المشكوك حتى في
أحقيته بهذه التبعية!! خصوصا بعد أن أصبحت الثنائية التحالفية اللغوية
العربية-الفرنسية من بديهيات المشهد السياسي والاقتصادي والإعلامي المغربي.
الحل
التحدث عن حل يعني وجود مشكلة. والمشكلة هي عدم استخدام الأمازيغية حتى من طرف من
يدافع عن الأمازيغية. هل فطن جميع النشطاء الأمازيغ لهذه المشكلة؟ وهل يحاولون
حلها؟
إنه لمثير للاهتمام أن نطالب بحقوق اللغة الأمازيغية ونحن لا نستخدمها إلا شفويا في
الغالب ولا نبذل أي جهد لتعلم مختلف التنوعات (اللهجات) الأمازيغية.
ولا يكثر في المشهد الثقافي الأمازيغي المكتوب إلا الشعر، ربما لأن الشعر بطبيعته
لا يحتاج إلى لغة غزيرة ولا إلى كلمات دقيقة بل يكتفي بالمجاز والرموز والتعميمات.
ولا توجد أية صحيفة أمازيغية ولا موقع يستعمل اللغة الأمازيغية كلغة وحيدة أو رئيسة.
ويمكن الرد على هذا بأن الجمهور غير قادر على قراءة ثيفيناغ وغير عارف بالكلمات
الأكاديمية غير اليومية... ولكن : " أحد ما يجب أن يبدأ.. أحد ما يجب أن يخرق جدار
الصمت وعدم الجرأة.."
إن خرق "جدار الصمت وعدم الجرأة" يبدأ من الخروج من دائرة التكاسل الذي أصابنا
والتوقف عن الاعتماد فقط على الكتابة باللغات الأخرى، وتعلم ثيفيناغ واقتناء ما
توفر من الكتب والقواميس من أجل الكتابة بلغتنا وتحقيق تراكم محترم من المطبوعات
الأمازيغوفونية ينفعنا كدليل ملموس على عدالة القضية وكهدية للأجيال الحالية
والصاعدة.
|