| |
افتتاحية:
متى
ستنظم جلسات استماع عمومية إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأمازيغية؟
بقلم: محمد بودهان
عندما كانت حقوق الإنسان تنتهك يوميا بمغرب الاستقلال منذ 1956
إلى أواخر التسعينات ـ وهل توقفت اليوم؟ ـ، لم يخطر ببال المسؤولين أن ما يأمرون به
من اختطاف وتعذيب واحتجاز واغتيال لمن يعبرونهم معارضين لسياستهم، هو شيء خارج
القانون، وإنما كانوا يجهرون، بل يتبجحون، بأنهم، بأفعالهم تلك، كانوا يطبقون
القانون للحفاظ على الأمن وحماية الدولة والمجتمع من انحرافات المجرمين والخارجين
عن القانون. كانوا ينظرون إذن إلى أفعالهم تلك على أنها واجب وطني وتصرف قانوني
سليم ليس فيه شطط في استعمال السلطة ولا خروج عن القاعدة القانونية.
نفس هذا «الواجب الوطني» ونفس هذه الأفعال «القانونية» أصبحت تعدّ اليوم انتهاكات
جسيمة لحقوق الإنسان اعترفت بها الدولة ودفعت عنها تعويضات للضحايا أو ورثتهم،
ونظمت جلسات استماع عمومية نقلتها التلفزة، حكى خلالها الضحايا عن بعض ما اقترف
ضدهم من أعمال إجرامية من طرف السلطة، تجسّد أبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان، تلك
الأفعال التي كان المسؤولون عنها يتبجحون بأنها تطبيق للقانون وحماية للأمن
والمجتمع والمواطنين من الجريمة.
لماذا استحضار هذا التحول من اعتبار نفس الأفعال تصرفا قانونيا وواجبا وطنيا إلى
اعتبارها جرائم جسيمة في حق الإنسان؟ لنوضح بذلك أن الطريقة التي تتعامل بها السلطة
مع الأمازيغية، والتي تعتبر اليوم، كما تكرر ذلك الصحافة الرسمية والحزبية ـ وحتى
الصحف الأمازيغية ـ اعترافا رسميا بالأمازيغية وردا للاعتبار لها واستجابة لمطالب
الحركة الأمازيغية، قد لا تعدو أن تكون انتهاكا جسيما لحقوق الأمازيغية ستعترف به
الدولة في مرحلة تاريخية لاحقة، قريبة أو بعيدة، تماما كما حصل مع الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان التي كانت تعتبر زمان اقترافها أعمالا وطنية جليلة وتصرفات
قانونية سليمة.
ويمكن أن نتصور أن نفس أسلوب «المصالحة والإنصاف» المتبع لتصفية ملف الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان، سيتكرر لتصفية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأمازيغية.
وقياسا على ما جرى مع الملف الأول، ستعقد جلسات استماع عمومية تحكي فيها الأمازيغية
عن بعض ما تعرضت له من انتهاكات جسيمة في «العهد الجديد». لنستمع إليها وهي تتحدث
عن ذلك:
منذ الاستقلال وحقوقي تتعرض لانتهاك متواصل من طرف المسؤولين، فكان ذلك سببا لظهور
جمعيات أشرف عليها، تدافع عني وتطالب باحترام حقوقي والاعتراف بها، حتى أضحت قضية
انتهاك حقوقي معروفة في الداخل والخارج، وجهت بشأنها مذكرات وملتمسات إلى الملك
والبرلمان والحكومة، وأصبحت تنظم أنشطة وتعقد ندوات للتعريف بقضيتي وفضح الانتهاكات
التي تتعرض لها حقوقي. وهذا ما كان يضايق السلطة ويحرجها كثيرا. وهو ما حدا بها إلى
التفكير، ابتداء من سنة 2000، أي مع ما يسمى بـ»العهد الجديد»، في خطة ذكية
لاعتقالي واحتجازي لإسكات صوتي المزعج لها، وبصفة نهائية. ولتنفيذ خطتها هذه، لجأت
إلى بعض أبنائي، خصوصا من كانوا يحظون بالاحترام والمصداقية، لاستدراجي للوقوع في
يد السلطة باستعمال خدعة ما أصبح يعرف بـ»البيان الأمازيغي».
وقد نجحت الخطة وتم اختطافي واعتقالي، ليس ليلا كما حدث لمعتقلي تازمامارت، بل في
واضحة النهار، ووضعي تحت الإقامة الإجبارية بفيلا زجاجية بحي الرياض بالرباط تسمى «المعهد
الملكي لاحتجاز الأمازيغية». وقد رحبت كل القوى السياسية العروبية بالبلاد بهذا
الإجراء التحفظي الذي رأت فيه عملا وطنيا شجاعا وجريئا. وحتى تنجح الخطة بشكل كامل،
وتجنبا لأية مفاجآت، أقنعت السلطة مجموعة من أبنائي كذلك، أن من مصلحتي ومصلحتهم أن
أوضع تحت الحِجر والإقامة الإجبارية، حماية لي من مخاطر العمل السياسي الذي بدأتُ ـ
حسب زعمها ـ أتعاطى له. ولتوريطهم في المؤامرة كلّفتهم، بعد إغرائهم بالوعود والمال
والمناصب، بحراستي بمعتقل إقامتي الإجبارية، حتى يبدو الأمر كما لو أنه يتعلق
بمسألة عائلية تخصني أنأ وأبنائي الذين قرروا وضعي تحت الحِجر، وليس انتهاكا لحقوقي
واعتقالا لشخصي وتقييدا لحريتي.
وهكذا بدأت مرحلة جديدة من انتهاكات حقوقي بشكل أخطر من الذي سبق، لأنه انتهاك
يمارس بموافقة وتزكية الجميع، بمن فيهم تلك المجموعة من أبنائي الذين نصب عليهم
وغُرِّر بهم وجُنِّدوا كجلاديّ بمعتقل إقامتي الإجبارية.
فحتى حروفي منعت من أن تكتب على علامات المرور بالمبرر الباطل أنه لا يجوز
استعمالها خارج أسوار معتقلي، لأن الاعتقال يشمل كل ممتلكاتي الخاصة.
أما مشروع تدريس لغتي، بشكله الهزلي الكاريكاتوري، فقد كان إهانة كبيرة لي،
واستخفافا إلى حد السخرية بحقي في التعليم بشكل سليم ومعقول. فقد أدخلوني إلى بعض
الأقسام بلا أية نية صادقة وجدية لتدريس جدي للغتي وثقافتي، مما جعل هذا المشروع
يفشل قبل ولادته لغياب الإرادة السياسية لدى المسؤولين.
نفس الشيء فعلوه بي في الإعلام العمومي حيث خصصت لي دقائق معدودة، بالإضافة إلى
برنامج نصف شهري يسمى «تيفاوين» (النور) لكنه يبث في الظلام، أي عندما يكون الناس
نياما حتى لا يشاهده أحد، مع إنشاء قنوات تلفزية عروبية جديدة لنشر الفكر الشرقاني
وتعريب أبنائي، بعد أن أسكتوا صوتي وتخلصوا مني ومن احتجاجاتي بوضعي تحت الإقامة
الإجبارية.
إلا أن الانتهاك الجسيم لحقوقي، والذي آلمني كثيرا، هو أنه منذ وضعي تحت الإقامة
الإجبارية، تفرغت الدولة المغربية لتعريب واستعراب ما تبقى من الأمازيغيين دون
اعتراض أو مقاومة من أحد. وهكذا أعلنت وزارة الثقافة الرباط عاصمة للثقافة العربية
في تحدِّ مقصود لمشاعري ورغبة في استفزازي وأنأ تحت الاحتجاز والاعتقال لا حول لي
ولا قوة. واستمر هذا التحدي والاستفزاز باستضافة منتدى الفكر العربي بالمغرب،
وإغداق مليار من مال المغاربة على اللبنانية نانسي عجرم لتغني بمراكش الأغاني
العربية المشرقية، كما أنشأت القناة الثانية برنامجا خاصا يسمى «أستوديو 2M» لمنح
جوائز تشجيعية للمتفوقين في حفظ وتقليد الأغاني المشرقية، مدشنة بذلك مرحلة جديدة
من تعريب أبنائي، أخطر بكثير من ذلك التعريب الذي قامت به المدرسة العمومية، لأن
الأول يمس الجميع، بمن فيهم الأميون وسكان الجبال والبوادي الأمازيغية الذين لم
تفلح المدرسة في تعريبهم.
مع تزايد هذه الانتهاكات لحقوقي، ثار سبعة رجال من أبنائي المخلصين، الذين سبق أن
غرر بهم للانضمام إلى مجموعة حراسي بمعتقل إقامتي الإجبارية، فانتفضوا وانسحبوا من
المعتقل، وفضحوا ما يمارس علي من تعذيب داخل المعتقل، محملين كل المسؤولية للسلطة
الحاكمة.
وقد شكل هذا الانسحاب فضيحة حقيقية لكل الأطراف المتورطة في مؤامرة وضعي تحت
الإقامة الإجبارية، من سلطة وحرس وجلادين ينحدرون من صلبي ـ ياحسراه ـ، ومهندسي «البيان
الأمازيغي» الذين أعدوا الخطة لاحتجازي واختطافي لوضعي تحت الإقامة أللإجبارية.
وحتى تخفف السلطة من وقع هذه الفضيحة التي فجرها امتناع سبعة رجال عن مواصلة حراستي
بمعتقل الإقامة الإجبارية، كلّفت مسؤولي «المعهد الملكي لاعتقال الأمازيغية» بإرشاء
عدد من الجمعيات الأمازيغية، لشراء صمتها عن فضيحة احتجازي وتعذيبي بمعتقل إقامتي
الإجبارية. فشرع هؤلاء المسؤولون في إغداق المال على هذه الجمعيات من ميزانية
المعتقل، وتمويل أنشطتها بعد تحويلها، وبشكل ممسوخ، إلى مهرجانات «ورقص شعبي
أمازيغي»، وهو ما يشكل انتهاكا جسيما وسافرا لحقوقي التي كان واحد منها، الذي كنت
أطالب به بإلحاح، هو وضح حد لفلكلرة ثقافتي ومسخ فنوني وتشويه إبداعاتي.
لهذا كنت، طيلة احتجازي، أفضل معتقل «تازمامارت» الرهيب على الفيلا الزجاجية التي
أجبرت على الإقامة المحروسة بها، لأن «تازمامارت» كانت على الأقل موضوعا تتحدث عنه
وتستنكره جمعيات حقوق الإنسان. أما أنا فلا يتحدثون عن سجني إلا للتنويه به كمعلمة
تاريخية ووطنية استردت به الأمازيغية حقوقها كما يزعمون ويدعون. إنها خدعة وعملية
نصب انطلت على الجميع، لكن ضحيتها هي أنأ وحدي.
هذه بعض فقط من آخر الانتهاكات التي تعرضت لها حقوقي، لم أتطرق خلالها لكل المسلسل
الطويل لهذه الانتهاكات منذ 1956، مثل العدوان العسكري على أبنائي وإبادة الآلاف
منهم في بعض المناطق، والسطو على عقاراتي وممتلكاتي في البر والبحر، والاستيلاء على
غاباتي من أشجار الأركان الأمازيغية، والحكم على أحد أبنائي البررة، ظلما وعدوانا
وانتقاما مني، بسنة سجنا نافذا، وهو ابني الفقيد علي صدقي ازايكو، واعتقال مجموعة
أخرى من أبنائي بكلميمة في ماي 1994... إلخ. لم أتحدث عن هذه الانتهاكات لأنها
تحتاج إلى ألف ليلة وليلة لسرد وقائعها والحكي عنها.
ما أطالب به اليوم، هو معرفة الحقيقة، كل الحقيقة، لا شيء غير الحقيقة، والكشف عن
كل المتورطين في انتهاكات حقوقي، سواء كانوا مسؤلين في السلطة والحكومة، أو
أمازيغيين خانوني وشاركوا في التآمر علي، وخصوصا منهم جلادو معتقل الرياض الذي
كانوا يحرسونني بإقامتي ألإجبارية.
|