| |
تحريك حروف العلّة – 2 –
الذات الليبية والهوية الوطنية
الليبية الخاصة
بقلم: tarwa n tmura nnes (ليبيا)
الثقافة الشعبية الليبية، النسج الحضاري الليبي، مزيج الحضارات
الأمازيغية ـ العربية ـ الإسلامية، هذه هي مكونات الذات الليبية التي نرى أن
المجتمع الليبي اليوم في أشد الحاجة إلى إعادة فهم تاريخه وتكويناته التركيبية
المختلفة، من أجل رسم صورة واضحة لهويته الذاتية، التي اختزلت في هوية قومية،
قبلية، عقائدية في بعض الأحيان، تقابل ما يعرف بالأصولية الأمازيغية التي تتهم بأن
لها ميولاً انفصاليةً لمواجهة سيل الدفع القومي العربي الوافد من خارج القطر
الليبي، الوافد من فكر عبد الناصر العروبي، الذي لا يزال متمثلاً في انتماء القطر
الليبي إلى مجموعة جامعة الدول العربية، التي لا تحوي داخلها كل من هو غير عربي.
هذا الغير عربي الذي يعتبر جزء من الكينونة التركيبية للذات الليبية، كما هو الحال
للذات الجزائرية والمغربية، حيث يتجلى الوجود الأمازيغي للذات الأمازيغية في الهوية
الوطنية بوضوح. هذا الغير عربي ينتمي وفق التقسيم المناطقي لمناطق الوطن العربي،
إلى رقعة جغرافية تعرف اصطلاحاً بــ"المغرب العربي". وهذا التقسيم يقف عائقاً أمام
وضع تعريف للذات الليبية بجلاءٍ ووضوح، فالفكر السياسي الذي أنتجه يحوي في تعريفه
هذا أخطاءً، جغرافية، ثقافية، لغوية، إنسانية، وجودية. فهو يطمس أي اعتراف بوجود
طائفة أو عرقية أو لسان غير عربي في المنطقة التي يحويها، هذا يعني أن الأمازيغ في
ليبيا، إما ليسوا من سكان "المغرب العربي"، أو أن هذا المغرب ليس "عربياً"، فهذا
التعريف يقف حاجزاً آخر أمام تعريف الذات الليبية، بعيداً عن البعد العربي المختزل
لها.
إن الأسماء المكانية للأعلام الجغرافية، تتغير ولا تثبت على مر العصور، فلم يسبق أن
خلد اسم مكان تاريخي أو اسم تقسيم جغرافي سياسي، إلا في ذاكرة كتب التاريخ، وهذا
بالتأكيد ما سيحصل للمسمى "المغرب العربي"، فلا أعتقد أن همنا هو إزالة التسمية،
بقدر ما يهمنا وضع تعريف يمكن أن يملأ الفراغ الذي سيخلفه زوالها، وهذا التعريف لا
يمكن أن يكون أصلح منه تعريف الأنا الليبية لذاتها، كذات هوياتية، منفصلة، تحوي
داخلها نسيجها الحضاري الخاص.
فلقد كانت منطقة شمال إفريقيا تعرف باسم "ليبيا" وبلاد المسيلة، وإفريقيا، وبلاد
البربر، والغرب الإسلامي، والمغرب الكبير، قبل أن يمتد المد القومي العربي الناصري
إلى شمال إفريقيا، المد ذو الفكر الإقصائي، الذي يبقى فكره محبوساً في إطار ضيق،
فلا نجد مثل هذه التسمية في الفكر الحديث الغربي، أو على الصعيد الدولي، الذي يهمل
أية مفاهيم جغرافية موضوعية، ويبقي اعترافه فقط بالدولة القطرية.
هذه الدولة القطرية ـ ليبيا ـ التي تمثل هوية المواطن داخلها، المواطن الليبي، هذه
الهوية التي طمست داخل أحلام العروبيين النرجسية، والرؤيا لأسطورية لتمجيد الأنا
العربية، هذه الرؤيا التي مرت عبر أبعاد لا ورائية دينية إلى تفكير المواطن الليبي
الذي يجب أن يؤمن حسب ثوابت غير قابلة للنقاش، لأن لها بعداً جهنمياً، وآخر
نعيمياً، بأن العربية هي لغة أهل الجنة، قبل أن يطرد منها آدم، وبعد أن يعود لها
الإنسان بعد الحشر، وأن الله اصطفي العرب ليكون منهم آدم، ومحمد، وإبراهيم، وأن
المنتمي لهوية الدولة القطرية، ينتمي قبل هذا الانتماء إلى هوية سماوية، عربية،
تلغي انتماءه الأصغر، انتماءه القطري، بانتماء قومي جماعي.
إن تهميش الوجود الأمازيغي في التركيبة الليبية، أمر يجب وضع حد له، فبعيداً عن
اتهامات الانفصالية والعمالة للصهيونية والإمبريالية، يجب أن يوضع حد لهذا التهميش،
والتزوير المقصود والغير المقصود، لمسألة تعريف الأمازيغية لذاتها، جغرافياً،
لغوياً، تاريخياً، فأهل مكة أدرى بشعابها، فحتى ما روي من الأشعار العربية القديمة
التي تسرد نسب الأمازيغ بإلحافهم بالقبائل العربية، لم يكن مبنياً البتة على معرفة
صحيحة، بل كان مبنياً على رغبات سياسية، لدى العرب والأمازيغ سويةً، وليس المسأل
القومي العربي الذي خلقه الإنجليز بجامعتهم العربية، ليس إلا طابوراً خامساً لخدمة
هوية غربية، بيد داخلية، لكي تطعن الأنا ذاتها مرة ومرتين وثلاثا.
هنا أوجه حديثي عن الطائفة الأمازيغية الليبية، الذي يواجه مد العروبومونيا،
فبعيداً عن عقلية المختلف، أو عقلية الاستبدادية السلفية، نرى أن عقلية العاملين في
المجال الثقافي والسياسي الأمازيغي الليبي، ما زالت في جزء منها تواجه تعريف الأنا
العروبية الملغي لكل أبعاد الهوية الليبية، بتعريف قومي آخر. فالأمازيغ أنفسهم
منقسمون بين منتمٍ لفكرة "تامزغا"، وآخرين ـ وهم الأكثرية ـ مؤمنين بأن الكل الليبي
أمازيغي في الأصل، وأن ليبيا أمازيغية، وهذا يجعلنا ندخل في دوامة أخرى ترفض أن
تكون ليبيا فقط ليبية، فهي تظل سجينة المنظور القومي، فهي تارة عربية وتارة أخرى
أمازيغية.
في ختام مقالتي هذه أسأل سؤالاً محدداً، متى يتصالح الليبيون مع ليبيتهم؟ ومتى يكفي
أن يبرز المواطن جواز سفره، ليعلن عن هويته الوطنية، فلا يضطر إلى أن يقول في مقاهي
روما، أنا عربي ليبي؟.
|