| |
تحريك حروف العلة – 1 -
الثنائية اللغوية في المجتمع المدني
الليبي
بقلم: tarwa n tmura nnes (ليبيا)
إن طرح هذه المسألة يجب أن يتم بعيداً عن الحماس المشاعري،
أوالتحامل السيسيوقراطي الزائف، فكل حركة اجتماعية كانت أوسياسية أوثقافية المتجه،
تسعى من خلال السرد النضالي إلى التواجد وسط كينونة المجتمع المدني، فعند النظر إلى
المفهوم الكيميائي للمادة ـ علمياً ـ، نرى أن تعريفها المبسط يقول إنها كل ما يشغل
حيزاً من الفراغ وله كتلة، أي أن هذه الحركة الثقافية تريد في سعيها الوجودي، أن
تشغل حيزا من فراغ في هذا المجتمع المدني، أي أن تمثل مادة يمكن أن تكون لها ملامح
واضحة. وملامح الحركة الثقافية الأمازيغية كما هوحال الحركة السياسية لم تزل غير
واضحةًً، هذه الحركة التي يجب أن تستمد مبادئها من قيم الحداثة، كقيم النسبية
والعقلانية والديمقراطية وقبول الآخر المختلف، فنرى أن ملامح هذه الحركات تبدوجليةً
فقط في بعدها اللغوي.
هنا نسأل عن مسألة قبول البعد اللغوي، والثنائية اللغوية في المجتمع الليبي. فعقدة
اللغة تبدوجلية عند الجانب العربي والمستعرب ـ الغير الناطق بالأمازيغية ـ، وهي
عقدة تسعى لتكوين هوية خيالية، ضمن منطق دائري، يدور حول فلك لغوي. فمن تكلم
العربية هوعربي، حسب حديث نبوي، وبناء على ذلك، من تكلم الأمازيغية فهوأمازيغي،
ويبقى السؤال أين يأتي تعريف الانتماء الهوياتي للمجتمع المدني ـ الليبي ـ حينها؟
فنحن كليبيين ندور في حلقة مفرغة، غير واضحة المعالم، حيث تسيطر عقدة اللغة في
المجتمع الليبي، وتجعل مسألة تعدد اللغات في المجتمع الواحد مسألة غير مقبولة
البتة، اللهم في كتب السيسيولسانيات.
هنا نسأل عن اللغات الموجودة في القطر الليبي، دون الخوض في اللغات المندثرة، التي
إما انقرض ناطقوها، أوتلك التي انقرضت بسبب كره الذات واليأس ـ وهوما نخشى أن تكون
الأمازيغية في طريقها إليه ـ، فمسألة الأحادية اللغوية مسألة تفرض ذاتها بقوة،
فاللغة العربية لا تعترف بالآخر الموجود كنظير لغوي، لأن عقدة اللغة لدى المواطن
الليبي متجذرة في العقلية الليبية، بسبب عدم قبول مسألة الثنائية اللغوية في
المجتمع المدني الليبي، ولأن الخوف يأتي من الأمازيغية السياسية الكامنة وراء
الأمازيغية الثقافية.
كلنا يعرف قصة قابيل وهابيل، حيث قتل أحدهما الآخر ـ كما تقول الكتب السماوية ـ من
أجل حب امرأة، وبقى القاتل يفكر كيف يواري سوءة أخيه، فأرشده الغراب إلى دفن أخيه،
لتختفي عقدة الذنب تحت التراب، وهذا ما يسعى له المنضمون في طائفة العروبومونيا،
بدفن وجود الثنائية اللغوية في المجتمع المدني الليبي، بفرض كون الأولى ليست سوى
امتداد تاريخي للأخيرة، والأولى هنا هي الأمازيغية والأخيرة هي العربية، الأب
والابن، فلمن يجب أن ينسب الحفيد، إلى أبيه أم أنه يستحق أن يحمل اسم جده؟ إن الطرح
العروبي يصطدم بحقائق التاريخ التي يسردها هونفسه: فإذا كان الأمازيغي هوالعربي
أصلاً، ألا يجب أن يعاد إحياء لغة الأب؟ لكن المعضل الحقيقي يتعدى مسألة الطائفية
اللغوية، فيصل إلي حدود الوصول بالعاملين في المسأل الأمازيغي إلى حدود تآكل الذات،
فالعاملون في المسأل الأمازيغي لم يحددوا بعد حتى اللحظة أبعاد الوجود اللساني
الأمازيغي، وابسط شأن هوتحديد بقرار حازم حرف الكتابة الأمازيغية.
إن التعدد اللغوي داخل النطاق الجغرافي الذي يحوي الدولة الليبية اليوم، لا يتعدى
ثنائية العربية والأمازيغية، ونرى أن النظر للمسأل الثنائي ينظر للمسأل بمنظور ـ
مقابل ـ أوـ نظير ـ ولا ينظر له بمنظور ـ بموازاة ـ أوـ بجوار ـ، فنرى تجلي رؤيا
الذات الليبية لدى المواطن الليبي، لا يتم من خلال بعده الهوياتي الوطني ـ الثقافي
والسياسي واللغوي وحتى الاقتصادي مجتمعاً ـ بل يتم من خلال البعد اللغوي فقط، فأنت
ليبي، إذن أنت عربي لأنك مسلم، أو أنت ليبي فأنت إذن أمازيغي لأنك ترتدي الجرد.
فيحبس المنظور الديني والثقافي في المنظور اللغوي، دون محاولة توسيعه ليتم استيعابه
داخل البعد الوطني، بمنظور يحوي ثنائية اللغة. فلماذا لا تكون: أنت ليبي إذنً أنت
ببساطة ليبي.
إن العقليتين السائدتين اليوم، تفتحان باب كراهية الآخر على مصراعيه، عقليتي الآخر
اللغوي. فرغم كون اللغة الليبية، ليست بأي شكل من الأشكال عربية فصيحة، بل أن
العربية الفصيحة لا يمكن أن يتكلمها الليبي بالسليقة دون العودة لوسائل التعليم
والإعلام، فاللغة الفصيحة بقيت ممنوعة من التداول العامي في ليبيا لأسباب التداخل
الحاصل بين الثنائية اللغوية ـ بين العربية والأمازيغية، كما أن العربية الفصيحة
حبست في إطارها الديني. فكتابة اللغة العامية يعتبر أمراً ممنوعاً لأن الربط بين
الكتابة والفصيحة ربط ديني، وعند الحديث عن اللغة الأمازيغية ـ الجانب الموازي
الآخر ـ، نجد أنها هي أيضاً ليست فصيحة ـ ليست كلاسيكية ـ عند الحديث عن اللغة
المنطوقة، مع الاعتراف بالفوارق الفونولوجية حسب تعريفات علماء اللسانيات.
إن الدولة الوطنية الليبية لم ترث مسمار جحا إلا من ذاتها، فلم ترث دولة خلافة أو
دولة كولونيالية كما يقول عبد الله بونفور، كما هو الحال في المغرب التي خضعت
لسياسة فرنسة لغوية، قامت بفرنسة وتعريب المغرب في ذات الوقت، لكن ليبيا عربت ليبيا
ذاتها، بذاتها، لأن سياسة التابع والمتبوع تجلت وبقوة، واستحوذت على طاقة تفكير
الأنا الأمازيغية أو لأن الأمازيغية فشلت سياسياً فتحولت إلى لهجة فقط كما يقول
louis jean calvet حيث يقول إن اللغة هي لغة عندما تنجح سياسياً وهي لهجة عندما
تفشل سياسيا.
|