| |
من آثار ونتائج الغزو المشرقي
البغيض لمنطقة شمال قارتنا الإفريقية الأمازيغية
العنفُ والإرهابُ في "الكُتَّاب القرآني"/تيمزكَيدا:
نموذج كتاتيب منطقة "سوس" بالجنوب المغربي.
بقلم: أسافو (تيزنيت)
منذ الاحتلال الأموي (القرن السابع الميلادي) للشمال الإفريقي،
وطنِ TAMAZIGHT، أضحى هذا الوطن العزيز مطرحاً للنفايات العربية المشرقية الأموية
والناصرية والبعثية الأمازيغوفوبية، فتعرض ـ ظلماً وعدواناً ـ للتعريب والاستعراب،
ولا يزال، فكاد أن يصبح مشرقا آخر (من الدرجة الثانية طبعا)، بعد أن أُرغم بوسيلة
أو بأخرى على نزع جلده الأمازيغي الإفريقي وإحلال الجلد العربي المشرقي الأسيوي
الأجنبي/ الأمازيغوفوبي مكانه ضدا على الأصل والهوية والذات والتاريخ والواقع ...
فتم تحويل المغرب الكبير إلى مغرب (عربي)!! واغتيال الهوية الأمازيغية لمنطقة شمال
قارتنا الإفريقية (تامازغا)، فصار المغاربة والأفارقة يندفعون وراء "مشرق" العرب
أكثر من المشارقة أنفسهم، فساروا وراء أفكاره وتقاليده، شبراً بشبر وذراعاً بذراع،
وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وفعلا، فحاربوا ـ وما زالوا ـ أنفسهم بأنفسهم وهم لا
يعلمون ولا يشعرون!!!
فماذا كانت النتيجة؟! طبعا، نتيجة ذلك لم تكن إلا كارثة مهلكة للحرث والنسل وكل
شيء، أرضاً وإنساناً ولساناً (akal, afgan, awal)، دمرت كل ما أتت عليه وجعلته
كالرميم.
فبعد إبادة واغتيال العالم الأمازيغي (شمال قارة إفريقيا) بالتعريب والاستعراب،
صرنا ـ نحن المغاربة والأفارقة ـ نعاني من "الارتماء في أحضان كل ما هو مشرقي،
واحتقار وتبخيس كل ما هو مغربي أصيل؛ نستعمل لغة المشرق ونتبنى هويته وندافع عن
قضاياه، ونقلده في كل شيء، حتى في التطرف والإرهاب وحجاب الرأس والعقل"(1).
وباختصار: لقد أصبحنا "مشارقة" أكثر من المشارقة بكثير وكثير. فهل أصبح المشارقة
مغاربة؟! كلا، فهم يحترمون هويتهم المشرقية ويعضون عليها بالنواجذ، ولم ولن يقبلوا
تقديم "سخرة" وخدمات لمغربنا، بل لمشرقهم العربي، لا غير. فلماذا، إذن، يقدم
المغاربة في كل وقت وحين خدمات وخدمات مجانية للمشرق وأهله مع أن المغرب والمغاربة
في حاجة ماسة جدا إلى مثل هذه الخدمات؟! لماذا تفعلون ذلك أيها المتمغربون؟ هل
تعتقدون أن المشرق أفضل من المغرب؟
إن المشارقة يخدمون مشرقهم، فلماذا لا يخدم المغاربة مغربهم ويتركوا المشرق
لأصحابه؟ لماذا يتنكر المغاربة لمغربهم ومغربيتهم؟ المشرق له مشارقته، والمغرب في
حاجة إلى مغاربته الغيارى، وبعبارة أخرى: المغرب للمغاربة وحدهم، والمشرق للمشارقة
وحدهم، ولن يصبح المشرق مغرباً ولا المغرب مشرقاً. ولكلٍ وجهة هو موليها.
ومن يريد من المغاربة أن يكون مشرقياً فقد ظلم نفسه ومغربيته، ولن ينال مراده، بل
سيظل شاذا لا هو بمغربي ولا هو بمشرقي. أليس كذلك أيها المتمغربون؟ إننا نقول:
المغرب أولاً، ولو قال "عملاء المشرق العربي" من "المغاربة": المشرق قبل كل شيء"!!!
فهل المغرب "جحيم" والمشرق "نعيم"؟!
إن هذه الشرقانية التي يعاني منها المغاربة والأفارقة قد أدتْ إلى تخلي كثير منهم
عن تحصين ذاتهم الأمازيغية وصيانة عقولهم وكل ما هو مغربي إفريقي والدفاع عنه...
الشيء الذي جعلهم يفتحون الأبواب على مصاريعها أمام النفايات المشرقية (التخلف،
التطرف، الإرهاب) في شتى الميادين، وفي مقدمتها "التربية" و"الثقافة" و"الفكر"،
فاستباح بذلك الغزو الفكري والثقافي المشرقي مناطقنا وعقولنا، ونجح ـ على حين غفلة
من المغاربة والأفارقة ـ في تحويل وجهتهم بجعلهم يرغبون في كل ما هو مشرقي مهما كان
ضراً، ويرغبون عن كل ما هو مغربي إفريقي ولو كان نفعا ونفعاً، فالمضرة المشرقية "منفعة"
والمنفعة المغربية "مضرة"!!!
وهكذا استطاع كل من الثقافة والفكر المشرقيين الأجنبيين الجاهليين ـ المغلفين بغلاف
"إسلامي"، فكر وتربية الإرهابيين المشارقة كأبي لهب وأبي جهل والنضر بن الحارث وأبي
بن خلف (الملقب بالشيطان) وزميله المرتد عقبة بن أبي معيط (الظالم) وغيرهم كأحفادهم
(المسلمين): الأمويين والبعثيين الدمويين... أقول: استطاع فكر وتربية هؤلاء
الجهنميين أن يحاربا كل ما هو وطني، وأن يخترقا جميع الأماكن بما فيها أماكن
العبادة كمؤسسة المسجد أو المسيد/ الكُتَّاب القرآني (تيمزكَيدا) والمدارس القرآنية
و"العلمية" العتيقة.
ويعتبر العنف والإرهاب داخل مؤسسة المسجد، في منطقة شمال إفريقيا الأمازيغية، من
أبرز مظاهر التربية والفكر المشرقيين الجاهليين. فلقد تحولتْ هذه المؤسسة إلى ساحة
جهنمية لممارسة أقصى درجات وأشكال وألوان العنف والإرهاب المشرقيين في حق الصبيان
والتلاميذ الأمازيغيين. فماذا عن هذه "البركة"، "بركة" العنف والإرهاب العربيين
الإسلاموييْن المستورديْن من مزبلة المشرق العربي الإسلاموي؟!
إنه ألوان وأشكال وأنواع كثيرة من العنف والإرهاب (الفَلَقَة، الضرب بالحبال
والعصي، اللطمات، اللكمات، الركلات، القرصات، "الزركَاء"،...) يتعرض لها الأطفال
والتلاميذ (إيمحضارن بالاصطلاح "السوسي") داخل مؤسسة المسجد/المسيد من قبل مُعلّمهم
ومؤدبهم (المسمى باصطلاح "السوسيين" الطَّالْبْ)، هذا الأخير الذي يضرب عُرض الحائط
بالرحمة والرأفة والرقة والشفقة وكل ما يمتاز به الإنسان العاقل السليم، فيضرب
الصبيان ضربا عنيفا ولا يبالي أي موضع يضرب من جسم الضحية، متفننا في استعمال آلات
الضرب من حديد وخشب وحبل وحجر ...إلخ
ونذكر من هذا العذاب والعقاب وهذا العنف والإرهاب ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
ـ القرص: يأخذ الطَّالْبْ جلد الطفل بإبهامه وجنب سبابته أخذاً مؤلماً مرارا حتى
كشط جلده. ومن أنواع القرص ما يكون تحت الذقن وجانبي العنق؛ يأخذ (الطَّالْبْ)
الإرهابي بظفريْ سبابته وإبهامه قليلا من جلد الصبي، تحت ذقنه، فيقطعه ثم يأخذ ...
ثم يأخذ ... حتى يسيل عنق الطفل كله دماً، ولأجل هذا العمل الإرهابي الجبان لا يقوم
(الطالب) بقلم أظافر كل من سبابته وإبهامه، وقد يفرش الإرهابي "الأموي" على سبابته
عند القرص شيئا عريضاً كرأس المفتاح (تاساروت) أو رأس القلم ـ القصبي ـ العريض،
فيضغط جلد الطفل بكل ما أُوتي من القوة ثم يجذب جذباً، قبل أن يعض على جلد الضحية
المسكين ثم يلتجئ إلى الركض والركل واللكز والرفس ...(2)
ـ الضرب على الرأس أو الظهر أو غيرهما بالقلس: وهو حبل يُتخذ من ليف مفتول مراراً
حتى يغلظ ويشتد، ويُجعل عقدا متراصة كعقد ذنَب الضَّبِّ (أكَجيم)، وقد يوضع في
الماء مدة، وفي بعض الأحيان يستعمل الإرهابي بدل القلس قضيباً من الشجر كالزيتون
واللوز، فيُضرب الطفل على ثيابه أو يجرد منها، ويشد قبل أن يشبع ضرباً على ضرب وفي
ضرب، ثم يرفعه تلاميذ آخرون ـ بأمر من الإرهابي المجنون ـ برجليْه ويديْه ثم يُضرب،
من قبل المتعطش للعنف والإرهاب والعذاب، ضرباً متتاليا مدة طويلة، وبعد انتهاء
الضرب يأمر عاشق الإرهاب والعقاب التلاميذَ أن يرفعوا المضروب في الهواء ثم يطلقوه
بسرعة فيسقط على الأرض، ظلما وعدوانا وإرهاباً(3).
ـ "الزركَا" (بتفخيم الزاي والجيم المصرية): الزركَاء لها صفات عجيبة وغريبة يعدها
من لم يرها من المستحيلات، ومن هذه الصفات أن يؤخذ حبل متين يربط جانباه في خشبة في
سقف المسجد يُعلق فيها التلميذ: يحمل ويُلزم أن يشبك بأصابعه وسط طرفي الحبل
المعلق، ثم يطلقه من حمله إليها، فتلتقي أشاجع أنامله وهي ناتئة فوق الحبل، فيثقله
جسمه فيبقى معلقاً بين السماء والأرض ككبش ذبيح أريد سلخه، ولا يستطيع المسكين أن
يخلص يديه من ذلك الحبل المتين، لأن ثقل بدنه قد هوى به إلى الأرض، فلا تنفتح
أنامله ما لم يرفعه رافع لتعلو أصابعه وبالتالي يمكنه أن يفصل بينها ...(4).
وبعد تعليقه يُضرب المعلَّق بضربات متواليات، فلا تكفي أربعون ولا تسعون والصيحات
العالية والاستغاثات قد بلغت عنان السماء والاسترحامات التي تلين الجلاميد ويرق بها
الفولاذ، لم تجد رحمة ولا شفقة ولا رقة في فؤاد الطَّالْبْ الحنق المحتدم ... ولا
أحد يرحم الضحية المسكين أو ينقذه ويغيثه(5).
ـ عقوبة "الكبل": إذا كان الصبي يهرب من المسجد ـ نتيجة ما يتعرض له من عنف وعدوان
وعذاب وإرهاب ـ فإنه يعاقب بعقوبة "الكبل": يأتي والد أو ولي الصبي بكبل من حديد
فتصفد به رجلا الصبي أو يداه أو رجله ويده، ويبقى على تلك الحالة أياماً(6). وقد
ذاق هذه العقوبة كثيرون منهم الفقيه محمد المختار السوسي وهو ابن تسع سنين، حين كان
يقرأ عند شيخه إبراهيم أولحاج في مسجد "إفريان" بأشْتُوكْنْ.[انظر كتاب: "مدارس سوس
العتيقة" للمختار السوسي، ص: 24].
هذه هي بعض أنواع وألوان العنف والإرهاب الأمويين اللذين يتعرض لهما التلاميذ
الأمازيغيون داخل مؤسسة المسجد بمنطقة شمال إفريقيا الأمازيغية (سوس نموذجاً)، وكم
من تلميذ وصبي مات تحت هذا العنف والعذاب وهذا "التأديب" الإرهابي العنيف الذي
يرتكبه الطّلْبَة "الأمويون" ويرتضيه الآباء والأولياء ـ الأمويون ـ الذين يشجعون
الطالب الأموي ويؤيدونه في إرهابه، ويقولون: "جزى الله عنا الطالب خيرا فإنه قد قام
بواجبه في أولادنا"!!!(7).
أما من لم يَمُتْ من الضحايا تحت هذا العذاب الأليم فإنهم يصابون بأمراض نفسية
خطيرة من قلق واضطراب وخوف وأمراض أخرى متعددة ومختلفة، ومنهم من فقد وعيه وعقله
فضاعت حياتهم وخسروا مستقبلهم وصحتهم وملكاتهم وقدراتهم...، ومنهم من أقدم على
الانتحار بإلقاء نفسه في بئر أو من أعلى السطح ـ سطح المسجد أو البيت ـ أو بتناول
سم، وذلك ليستريحوا من محنتهم ويضعوا حداً للإرهاب الأموي الممارس عليهم ليل نهار،
صباح مساء، ظلما وعدوانا.
ورغم خُبث هذا العنف والإرهاب فإنه يستمد "مشروعيته" من استحسانه من قبل الأمويين "المغاربة"
من "فقهاء" وغيرهم، كالفقيه المرحوم العلامة سيدي الحاج محمد المختار بن الحاج علي
بن أحمد السوسي (ت.1963) الذي دعا لهؤلاء "الطلبة" الجلادين قائلا: "فرحم الله أهل
ذلك العصر، وجعل الله أصحاب تلك الهمم في أعلى عليين"!!!(8).
فماذا يعني هذا الدعاء؟ أليس عملا بالمبدأ المشرقي القائل: "انصر أخاك ظالما
ومظلوما"؟
أليس دعوة إلى استمرار الإرهاب العروبي الإسلاموي الأمازيغوفوبي ضد الشعب الأمازيغي
المسلم؟!
(أ. أ، في 05/07/2005، بمنطقة سوس الإفريقية)
الهوامش:
(1) الأستاذ محمد بودهان، شهرية "ثاويزا" الأمازيغية، دجنبر 2004، فبراير 2005.
(2) كتاب: "المدرسة الأولى" للفقيه العلامة سيدي صالح بن عبدالله الإلغي، ط:1، 1998
مطبعة النجاح/البيضاء ص: 105، بتصرف.
(3) نفسه، ص: 106، بتصرف.
(4) نفسه، ص: 106-107، كتاب: "مدارس سوس العتيقة: نظامها ـ أساتذتها"،لمحمد المختار
السوسي، ط. الأولى 1987-طنجة-ص: 23، بتصرف.
(5) مدارس سوس العتيقة، للمختار السوسي، ص: 22.
(6) المدرسة الأولى، مرجع مذكور، ص: 107.
(7) نفسه.
(8) مدارس سوس العتيقة، ص: 25.
|