| |
الجنوب الشرقي والمؤامرة الصامتة
بقلم: إيزري آماليك
تعتبر منطقة الجنوب الشرقي من بين المناطق التي لها من
الإمكانيات والمؤهلات ما يجعلها تتبوأ مركز الصدارة في ما يتعلق بالإقبال السياحي،
حيث تتمتع بمؤهلات سياحية متنوعة جعلت النشاط السياحي يفرض نفسه سواء على طول
السنة، أو حسب الفصول، وذلك لوجود مقومات عدة كالطبيعة (جبال، خوانق وواحات....)
وحضارية ثقافة (قصبات، قصور، عادات تقاليد...) وكذلك أسلوب عيش السكان الذي يتميز
بالبساطة وكرم الضيافة. لكن رغم دلك لم تصل بعد إلى مستوى المدن الكبرى كأكادير
ومراكش وطنجة نظرا لغياب دور المخزن في تشجيع الاستثمارات السياحية. ويعزى هذا إلى
السياسية الممنهجة من طرف المخزن العروبي المتمثلة في التهميش و الإقصاء و ترسيخ
سياسة المغرب النافع والغير النافع، نظرا لطبيعة العلاقة بين المخزن والقبائل
الأمازيغية.
إن المتبع لتاريخ المغرب مند القرن 19 سيجد أن فيه عنصرين أساسين وهما المخزن
والقبائل الأمازيغية، أو ما يسمى في أدبيات المخزن بـ»بلاد السيبة»، وإن كان هذا
المصطلح لم يعد له أي معنى في ظل التحولات التي عرفها البحث التاريخي حيث تم تعويضه
من قبل مجموعة من الباحثين بمصطلحات أخرى «كالبلاد الطليقة» كما أشار إلى ذلك
الاستاذ المرحوم علي صدقي أزيكو في كتابه «تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة».
وبعد مجيء المستعمر الفرنسي أو ما يسمى بالحماية، وهنا يطرح سؤال هو حماية من ضد
من؟ كرس هذا الانقسام داخل المجتمع المغربي، وبعد الاستقلال الشكلي أو ما سماه
المقاوم محمد عبد الكريم الخطابي «الاحتقلال» وبقاء السلطة في يد الأليكارشية
الموريسكية العروبية الذين سيعملون على تكريس وإعادة نفس الأسطوانة التي ورثوها من
المستعمر الفرنسي (المغرب النافع و الغير النافع). ولسوء حظ منطقة الجنوب الشرقي
أنها تتواجد ضمن المناطق الأمازيغية المغضوب عليها (كالريف والأطلس و إحاحان وسوس...)
لذلك كان التهميش والإقصاء ممنهجا من طرف المركز، ولولا الروح والهم الذي يحمله
أبناؤها لما وجدنا ما هو كائن الآن. إن دور المخزن في هذه المنطقة يتمثل فقط في نهب
ثرواتها الطبيعية دون محاولة تنميتها، لا اقتصاديا ولا اجتماعيا و لا ثقافيا، وكذلك
في خلق صراعات بين القبائل من أجل إلهائها عن همومها الحقيقية. وما يمكن أن نؤكد به
ما نقول هو المخطط الإعدادي السياحي لسنة 1965 الذي يستهدف فقط خمس مناطق عبر
المغرب في إطار ما يسمى Zone d’aménagement prioritaire ((ZAP. وهذه المناطق هي
خليج طنجة، شواطئ تطوان، خليج الحسيمة، خليج أكادير والجنوب الكبير. هذا الأخير رغم
تصنيفه ضمن المناطق ذات الأولوية في الإعداد السياحي إلا أنه لم يحظ باهتمام المخزن
ومسؤوليه. حيث نجد أنه لم يتم أي إعداد في هذا المجال إلا توسيع ثكنات عسكرية
بالمنطقة. وهنا يطرح السؤال.
ليعرف القطاع بعد ذلك ارتجالا إلى أن تدخل القطاع الخاص عن طريق أبناء المنطقة
الذين قاموا بإنجاز مشاريع سياحية محتشمة كان لها الدور الكبير في الإقلاع بالقطاع
في المنطقة ولو نسبيا رغم محاولة المخزن للحد من حيوية هؤلاء عن طريق الضرائب،
ومجموعة من العراقيل والمشاكل التي تتخبط فيها المنطقة (الفقر المدقع، انعدام
البنية التحتية، الجفاف...). وهذا يستوجب البحث عن بدائل من شأنها إخراج المنطقة
وساكنتها من الفقر والتهميش. ومما لا شك فيه أن قطاع السياحة أهم قطاع يمنح أفاقا
مستقبلية بالنسبة للتطور، والنمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأي بلد أو منطقة
ما في ظل توفر مؤهلات طبيعية وتاريخية وثقافية، إذ لا يمكن الحديث عن سياحة بدون
وجود بنية تحتية (طرق، كهرباء، فنادق، ماء، أطر فعالة...) تستجيب لتطلعات ساكنة
المنطقة التي تعيش الويلات والقهر، ومن هنا فإن المخزن يتحمل مسؤولية ما تعيشه
المنطقة من تهميش منظم.
هكذا صنع المخزن الحواجز والعراقيل، وجعلها سدا منيعا أمام تطوير المؤهلات
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والطبيعية المحلية في إطار النهوض بالجهة من أجل
خلق تنمية محلية مستديمة مما يستدعي ضرورة إيجاد إستراتيجية تأخذ الموضوع من جميع
النواحي وتراعي كل خصوصيات المنطقة وحاجيات السكان الضرورية (كالفقر، البطالة،
الهجرة السرية...)
فرغم اقتصارنا في هذه المقالة على الجانب السياحي فقط، فإن كل القطاعات الأخرى تعرف
تهميشا منظما لا تحقق حتى الاكتفاء الذاتي لأصحاب المنطقة، ويبقى مصدر عيشهم الوحيد
هو عائدات المهاجرين بالخارج، ولكنها غير كافية لتحقيق تنمية محلية شاملة خصوصا وأن
للمنطقة ما يؤهلها لتحقيق ظروف عيش كريمة لأبنائها.
( Izri Aamalik ; Ughighuc n Tezagurt)
|