جمعية «إغبولا» تحتفي
بعملاق آيث سادّن
نظمت جمعية "إغبولا" بمريرت، يوم السبت 9 يوليوز 2005، ملتقى
وطنيا لتكريم المناضل الأمازيغي الدكتور عبد المالك أوسادّن، تحت شعار "الدكتور
أوسادّن: ذاكرة وتاريخ". حضر هذا الملتقى التكريمي عدد كبير من الجمعيات والفعاليات
الأمازيغية من مختلف مناطق المغرب، من أكادير، من الرباط، من البيضاء، من ورزازات،
من النيف، من الرشيدية، من كلميمية، من الناظور، من مراكش...
انطلق الحفل على الساعة العاشرة بإلقاء شهادات وكلمات في حق الدكتور أوسادّن، مع
التذكير بمسيرته النضالية من أجل الأمازيغية التي بدأت (المسيرة) منذ أزيد من ستين
سنة. بعد كلمة جمعية "إغبولا" المنظمة للحفل التكريمي تلتها كلمة/شهادة الأستاذ
محمد شفيق ثم كلمات جمعيات وفعاليات أمازيغية أخرى.
بعد مأدبة الغذاء، انطلق الحفل الغنائي ابتداء من الرابعة مساء حيث تعاقبت على
المنصة مجموعات رائعة من الفرق الفنية والغنائية، المنتمية إلى مناطق متعددة، والتي
أمتعت الحاضرين بمختلف أصناف الفنون الغنائية الأمازيغية وعلى رأسها فن أحيديوس
الخالد.
وتجدر الإشارة إلى أن كل سكان "مريرت"، وكذا مجلسهم البلدي، شاركوا، بجانب جمعية
إغبولا، بحماس في الإعداد لهذا الملتقى الوطني التكريمي، الشيء الذي جعل نجاحه
مزدوجا: نجاحا على مستوى تكريم وطني كبير لشخصية أمازيغية، نجاحا على مستوى التنظيم
المحكم لهذا الحفل الرائع الذي استمر إلى العاشرة ليلا. فهنيئا للدكتور اوسادّن،
وهنيئا لجمعية إغبولا، وهنيئا لسكان "مريرت" المناضلة.
نص الكلمة التي ألقاها
بالمناسبة مدير "تاويزا" بعد ترجمتها إلى العربية
هذا يوم كبير وعظيم، لأننا نجتمع فيه للاحتفاء بشخص كبير
وعظيم، كبير بكبر مبادئه ومواقفه، وعظيم بعظم نضاله وقناعاته. إنه المناضل
الأمازيغي الدكتور عبد المالك الحسين اوسادّن.
لقد حمل هم الأمازيغية منذ أربعينات القرن الماضي، أي في وقت وظروف كان العداء فيها
للأمازيغية ـ خصوصا مباشرة بعد الاستقلال ـ يعتبر برهانا على الوطنية الحقة
والإيمان الصادق. وبالتالي فقد كان مجرد الكلام بالأمازيغية في مكان عمومي يؤول على
أنه محاولة لإحياء "الظهير البربري" ومؤامرة ضد الوطن والعروبة والإسلام. أما الجهر
بالمطالبة بالاعتراف بالأمازيغية كلغة وثقافة وهوية وتاريخ، فقد كان يساوي الخيانة
والعمالة للاستعمار والمس بأمن الدولة، يعرض صاحبه لسخط المجتمع وانتقام السلطة
واتهام الأحزاب. فلا ننسى أن المرحوم علي صدقي أزايكو حكم عليه في 1982 بسنة سجنا
نافذا لمجرد نشره لمقال يدعو فيه إلى ضرورة الاهتمام بالأمازيغية وإعادة النظر في
قراءة تاريخنا، وهو ما اعتبر مسا بأمن الدولة وأدين بناء على هذه التهمة. في هذه
الظروف، إذن، المعادية بشدة للأمازيغية ولكل ما هو أمازيغي، كان الدكتور أوسادّن
يناضل من أجل الأمازيغية ويدافع للاعتراف بها ورد الاعتبار لها.
وقد لا نصدق إذا عرفنا أن ما كان يؤلمه كثيرا، ليس موقف المعادين للأمازيغية من ذوي
الإيديولوجيا العروبية والشرقانية، لأن مهمتهم هي محاربة الأمازيغية، بل موقف بعض
الأمازيغيين المستلبين الذين كانوا يمثلون كره الذات بامتياز.
في الحقيقة يشكل الدكتور أوسادّن كمناضل أمازيغي حالة نادرة واستثنائية لسببين:
لأنه أولا كان ذا وعي أمازيغي في مرحلة معادية لكل ما هو أمازيغي، مع غياب تام لكل
حركة مطلبية أمازيغية كالتي نعرفها اليوم. وثانيا لأنه طبيب، وهي مهنة يندر، بل
ينعدم، أن تجد منتميا إليها يناضل من أجل الأمازيغية في تلك المرحلة باستثناء
الدكتور أوسادّن. بل حتى اليوم لا زال أصحاب هذه المهنة قليلين في الحركة
الأمازيغية. إذن كل من المهنة والمرحلة الزمنية كانا سيمنعان الدكتور أوسادّن أن
يكون مناضلا أمازيغيا. ومع ذلك فهو من عمالقة المناضلين الأمازيغيين. إنه يمثل حالة
فريدة ونادرة واستثنائية.
ورغم تقدمه في السن، وما يرتبط بذلك من متاعب صحية تتطلب منه الركون إلى الراحة
وتجنب كل ما من شأنه أن يشغل البال ويكدّر الجسد، إلا أنه لا زال مواصلا الطريق
الذي بدأه منذ ثمانٍ وسبعين سنة، وهو طريق الأمازيغية، والمؤدي إلى الأمازيغية.
ويجدر التذكير هنا أنه، بعد قضائنا سنتين كأعضاء بإدارة المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية، وبدأنا نفكر في ما يجب القيام به إزاء غياب إرادة سياسية حقيقية للنهوض
بالأمازيغية لدى الحكومة، وطرحت فكرة الانسحاب، كان الدكتور أوسادّن من المرحبين
بها والمتحمسين لها حتى أن القرار النهائي بالانسحاب اتخذ بمنزله بفاس وبه حرر كذلك
النص النهائي لبيان الانسحاب. وكما تعلمون جميعا، فقد كان الدكتور أوسادّن أول
الموقعين على هذا البيان حيث يأتي اسمه على رأس لائحة الموقعين. كل هذا يؤكد أن ثقل
السنين ومتاعب الهرم لم تنل شيئا من عزيمة الدكتور وإصراره على مواصلة النضال
والدفاع عن هويته الأمازيغية.
فإذا كان متقدما في العمر، فهو لا زال دائما شابا عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية
والدفاع عنها والمطالبة برد الاعتبار لها. وهذا ليس بعزيز على من يحمل اسم "أوسادّن"
الذي يعني في الأمازيغية "ذو الأنوار"، وهو اسم يطابق أفعال المسمى تماما: ألم يكن
الدكتور أوسادّن، بمواقفه وقناعاته وإيمانه بالقضية، ينير الأمازيغية وسط الظلمة
التي كانت تلفها وتخفيها؟
ولهذا لا يسعني إلا أن أنوه بجمعية "إغبولا" وكل سكان "مريرت" المناضلة على هذه
المبادرة الكريمة، مبادرة تنظيم ملتقى وطني للاحتفاء بالدكتور أوسادّن كاعتراف
بمساهمته النضالية ومواقفه المبدئية في سبيل الأمازيغية. ونتمنى أن يصبح مثل هذا
التكريم عادة متأصلة لدينا، نحن الأمازيغيين، لأننا لا نهتم ولا نعترف بالمناضلين
والكتاب والفنانين والمبدعين الأمازيغيين الذين أعطوا الكثير للأمازيغية دون انتظار
مقابل. فالكثير منهم يعيش مهمشا من طرف ذويه الأمازيغيين الذين لا يكترثون به ولا
يعترفون له بما أعطى وقدم إلا بعد مماته.
ويمكن القول، نظرا لحجم الرجل الذي نكرمه ومكانته وسبقه للدفاع عن الأمازيغية، إن
موضوع التكريم اليوم ليس هو الدكتور أوسادّن، بل نحن الذين كرّمنا الدكتور بحضوره
وتوفيره لنا فرصة التكلم عنه والتذكير بمواقفه ونضاله. إنه في الحقيقة تكريم لنا
نحن، وتلك هي خصال الكبار والعظماء الذين قال فيهم جبران خليل جبران وهو يتحدث عن
تكريمهم: «إذا أردتم أن تكرّموا الرجل العظيم فخذوا منه ولا تعطوه». فلنأخذ من
الدكتور أوسادّن القدوة والمثال في النضال والثبات على المبدأ والإصرار على مواصلة
الطريق رغم الأشواك والعوائق.
وأخيرا لا أريد أن أنهي هذه الكلمة القصيرة دون التنويه بدور السيدة أوسادّن، زوجة
الدكتور المحتفى به. إذا كان هذا الأخير مناضلا معروفا كعلم في رأسه نار، فذلك لأن
وراءه مناضلا في الخفاء غير معروف هو الذي يقدم له العون والسند. هذا المناضل
المجهول، جندي الخفاء، هي عقيلته السيدة أوسادّن، التي قبلت الأمازيغية ضرة لها
تعيش معها تحت سقف واحد. لقد صدق من قال: «كل عظيم وراءه امرأة».
(ألقيت هذه الكلمة بالأمازيغية)
|