|
|
«الربيع العربي» أم «الربيع الديمقراطي» بقلم: حسن أبراهيم
لا أحد ممن لا تخدعه حواسه، ولا تحركه عاطفة رقيقة تتشرب من قومية ما، أو إيديولوجية مقيتة، أن ينكر أن شرارة الربيع الديمقراطي، الذي أطلقه «بطل 2011» الثائر البوعزيزي الذي أيقظ الضمائر النائمة في سبات عميق، والتي توالت عليها )الضمائر( سنوات من الاحتيال والكذب والافتراء وتزوير الحقائق وطمس هويات الشعوب التي تقطنها تارة تحت رداء القومية العربية وتارة تحت رداء الديانة الواحدة، لم تشتعل مجانا ولم يشعلها لأنه عربي أو مسلم، بل أطلقها انتفاضا على ظروف اجتماعية قاهرة، وبحثا عن أمل وحياة تسودها ظروف العيش الكريم. إن تسمية الربيع الديمقراطي في شمال إفريقيا بالربيع العربي لهو افتراء وكذب وبهتان، إذ أن هذه الثورات والشعوب التي قامت بها، لم تقم على أساس إقامة أنظمة عروبية أو قام بها «عرب» دون غيرهم من الشعوب الأخرى- إذا خلصنا أن الأنظمة الموجودة بها سلفا هي شعوب عربية بفعل التزوير وردم خصوصيات شعوب هذه الأرض- هذا يعني أن هذا الربيع الذي قام بتعريبه من لا زال يهيم في إقامة «الوطن الواحد» من الخليج إلى المحيط، ارتكبوا جنحة في حق هذه الأرض وفي حق شعوبها التي انتفضت –ليس باسم القومية أو الدين- بل باسم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وضد الاستبداد، العبودية، الغطرسة والتجبر. وإن يكن كذلك فقد أطاحت (الشعوب) بديكتاتوريات معروفة بنهجها العروبي وعدائها لكل من يعتز بأصله وتقاليده، هذا الربيع الذي يصح تسميته «الخريف العربي» لأنه أسقط أوراق الديكتاتورية العروبية وألقى بها في مزبلة التاريخ. دعونا نفسر قليلا: البوعزيزي عندما ثار وأشعل النار في جسده لم يفعل فعلته، النابعة من مواطن أحس بالحكرة، باسم الدين أو باسم العروبة، البوعزيزي أحرق ذاته لأنه لم يرض بالواقع المزري الذي يعيشه وهو يحاول جاهدا ضمان لقمة عيشه «حلالا» من خلال الاشتغال والتجارة في عربة متنقلة، فثار ضد الحكرة، الشيء الذي جعله لا يرضى بقلب مصدر عيشه وضربه من طرف قوى القمع التونسية، مما أثار حفيظته وجعلت منه «بطل 2011» وأصبح حديث كل مقام ومقال. والبوعزيزي عندما قلب عربته المهترئة قلب معه أنظمة وانقلب معها كل شيء. استطاع إذن سكان شمال إفريقيا وفي ظرف وجيز الإطاحة ب»الديكتاتورية العروبية» في تونس، مصر وأخيرا وليس بآخر ليبيا التي خلنا أن الشعب الأمازيغي في هذه الأرض الأمازيغية انقرض ولم يعد له وجود بفعل سياسة الإبادة التي نهجها «القدافي» والتي امتدت لأربعة عقود، لكن إرادة هذا الشعب العريق حالت دون إتمام المخطط الفاشل وعلى إثرها تم إخراج القدافي من حجره كالجرذان. وكإشارة أخرى فشعوب شمال إفريقيا لم تنتفض باسم العروبة، لكن باسم العدل والمساواة والحرية والاعتراف بكل مكونات المجتمع في نظام ديمقراطي يصون كل الحقوق الهوياتية والثقافية... إن الثورات التي قامت على صعيد الأرض لم تقم على أساس عرقي أو ديني، لكنها قامت على أساس بناء نسق ديمقراطي، تضمن حق العيش لكافة أطراف الشعب وتجعل أسمى القيم الإنسانية فوق كل اعتبار، والتي قدم لها الإنسان عبر التاريخ أرواحا طاهرة، وشهداء وضحايا بالملايين... إن الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم هي من حرك كل هذه الشعوب التي سئمت العيش في أنظمة «أوليكارشية» و»استبدادية»، أنظمة لا تعير أهمية لنداءات شعوبها، لا تعرف إلا جوع الأنا المريضة والمصالح الشخصية الضيقة بعيدا عن معاناة الشعب. إن الذي ما زال يهيم ويسبح ضد تيار الديمقراطية ويعرب ثورات الشعوب ويلبسها لباسا غير لباسها الحقيقي وهوية غير هويتها، لا ضير إن صنفناه في أحد الخانات التالية: إما أن يكون جاهلا، متجاهلا، مستلبا أو انسلخ من هويته تقربا من «البركة» التي تتصدق بها تلك الأنظمة، أو تم العبث بعقله وتم استنساخه بعقلية البعثيين التي تنسب كل شيء إلى العروبة، وتحاول الركوب على الأحداث التاريخية التي تصنعها الشعوب باسم الديمقراطية. وفي النهاية لا بد أن نشير إلى أن «الربيع الديمقراطي» أو «ربيع الحرية» الذي يجب تسميته بهذا الاسم، -لأن الشعوب التي ثارت لم ترفع يوما بيانا أو لافتة أو حتى شعارا ينادي بالعروبة- ، بعيدا عن النزوات العرقية وعن السمفونيات التي لم تعد تطرب إلا ذوي العقول الضيقة ممن يطبلون لهذه الإديولوجية التي أطاح بمعاقلها في شمال إفريقيا، قام به شعوب شمال إفريقيا من أمازيغ وزنوج وعرب وأقباط... بحثا عن أوطان ديمقراطية تسودها الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
|
|