|
|
مغاربة فقط في السجلات والانتخابات؟ بقلم:حسن أبراهيم لماذا يحرم الأمازيغ من حقوقهم؟ لماذا يصنف الإنسان الأمازيغي دائما في أسفل سلم التراتبية؟ لماذا هذا الركوب على بساطة، واحترام هذا الإنسان لغيره من بني البشر؟ هل الأمازيغ مغاربة فقط ببطاقة التعريف، أو مغاربة في اللوائح الانتخابية؟ أليس لهم من الحقوق ما للآخرين وعليهم من الواجبات ما على الآخرين؟ أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عنها وبتفصيل. معاناة يومية وميز وتحقير، عنوان الأسطوانة المألوفة التي ينشدها الزمان في أعالي الجبال، معاناة يندى لها الجبين ومن يعاشرها يتمنى أن لا يعيدها ولا يراها حتى في أحلامه. حياة بئيسة تغيب فيها أدنى شروط العيش الكريم، حياة لا يحق في حقها إلا عقوبة «سيزيف». مواطنون، وأمام تأخر الدولة وصمتها، حكمت عليهم الظروف الجغرافية القاسية ولعنات التاريخ وإهمال المسؤولين، أن يقضوا حياتهم في انتظار ملك الموت. للإشارة فقط، وكي لا نكون مسئولين أمام محكمة التاريخ، فجل سكان الجبال أمازيغ. مكر التاريخ: بعيدا عن الأساطير والخزعبلات وتزوير الحقائق التاريخية، ولنترك للتاريخ كلمته فهو سيتحدث وبكل صدق: إن الذي حرر هذا الوطن هو جيش التحرير المغربي والمقاومة المسلحة التي وهبت أرواحها قربانا وفداء لهذا الوطن، تركوا الأهل والأولاد والعشيرة، تحملوا الجوع والعطش وقساوة الظروف في الجبال والصحاري، من أجل كرامة الوطن ومن أجل هذه الأرض التي سقيت بدماء الشهداء التي تفوح منها رائحة الشهامة و»الوطنية» الحقيقية والدفاع عن حوزته، التي ركب عليها من يسمي نفسه ب»الحركة الوطنية» التي استغلت تموقعها في جانب المستعمر واستغلالها للخطابات الشعبوية في منابر الكذب والافتراء ولسان حالها يقول: نحن من حرر الوطن وعندما تسألهم عن أولئك الذين يحاربون في أعالي الجبال يقولون: «صعاليك» و»متمردين» يجب تربيتهم. هذه لمحة صغيرة والتي لا تكفي السطور لكتابتها. لكن نتساءل ماذا قدم لهؤلاء المقاومين في المقابل؟ كما نعيشه ولا نتنكره ليس لهم مقابل سوى أنهم حرروا الوطن وسكنوا الجبل ولم يذكرهم أحد فلا التاريخ ذكر تضحياتهم ولا المسئولون عن كتابته خصصوا لهم صفحات من أكاذيبهم، وحتى التعويضات التي تصرف بين الفينة والأخرى لمن يسمون في أدبيات «الحركة الوطنية» قدماء المحاربين والمقاومة المسلحة وجيش التحرير لا تصلهم، ولا يستفيد منها في الغالب إلا الجلادون وعملاء الاستعمار والخونة الذين باعوا المقاومين. أتذكر هنا حديث أحد المشاركين في معركة «بادّو» وهو شيخ هرم متوفى رحمة الله عليه: «إن كانوا يتحدثون عن مقاومة المستعمر الفرنسي فنحن قاومناه، وها هي آثار الرصاصة (وهو يشير إلى مكان غائر في رجله) وإن كانوا يتحدثون عن مقاومة أخرى فنحن لم نعشها». يتضح إذن أن الإنسان الأمازيغي وهب روحه فداء للوطن لكي ينعم بعض الخونة الذين يدعون غيرتهم على الوطن بالرفاهية والكراسي وربطات الأعناق والذين يعتقدون أن الأوطان تتحرر في الصالونات والمساجد وإصدار المنشورات، ناسين ومتناسين أن هناك رجالا مزقتهم الآلة الحربية الاستعمارية، أرامل وأيتام قذفت بهم الأيام في أعالي الجبال حيث يستعصي المكوث ولو ليلة واحدة، حالة لا أنسب لها سوى أن الإنسان الأمازيغي «حطب المحرقة»، فهو يحترق ويحرق ذاته لينعم الوطن بالدفء والكرامة وينعم الخونة بالأمن والسكينة. إن من يدعي أننا في دولة «المصالحة وجبر الضرر» لهو خاطئ أو يحلم، لسبب وحيد أننا لم نواجه ولم نعش «مغامرات» هذا الإنسان ومهما قدمنا من «جبر» فلن نعيد ولو جزءا بسيطا مما تركته الحرب والمعاناة من أهوال وخسائر مادية وبشرية. إن المصالحة مع الماضي تقتضي بالضرورة إعادة كتابة تاريخ الشعب المنسي تارة، المزور والمطموس تارة أخرى، بأقلام موضوعية بعيدا عن مؤرخي السلطة والتاريخ الرسمي الذي يعتريه النقص من كل الجوانب. لعنة الجغرافيا: عندما يذكر أحد ما كلمة «أمازيغ» فأول ما يتبادر إلى الذهن هو الجبل إذ أن الإنسان الأمازيغي بحكم الظروف التي دفعته إلى السكن فيه وانطلاقا من كون الجبل مكانا للتحصين ومواجهة العدو، جعل منه الإنسان ملاذه ومأمنه. وبما أنه طرد المستعمر فلا ضير أن يعود إلى السهل، لكن السياسة التي نهجها حفدة اليوطي، والذين يصرون على حصار الإنسان الأمازيغي في الجبال لأنه سيتحول إلى إنسان واعٍ ويقلب موازين القوى، جعلته محاصرا بين الجبال وفي منأى عن التنمية والعالم الخارجي. الظروف الجغرافية التي يعيشها الإنسان في أعالي الجبال لا يعرفها إلا من حركته غيرته بعد سماع أخبارهم أو من ساقته بعض الظروف لمعاينة «عذاب الدنيا»، قساوة المناخ، معاناة ومأساة جراء البرد القارس والتساقطات الثلجية الكثيفة التي تتهاطل على مساكنهم وتحاصرهم لأيام وأسابيع. أجواء قاسية كرست عزلة هذه المناطق ولا مبالاة السلطات المحلية، وعورة المسالك وانعدام أدنى ظروف العيش، فلا مدارس بمعناها ولا مستشفيات ولا بنيات تحتية وغياب تام لجل الخدمات الأساسية، تنقطع الطريق أسابيع في فصل الشتاء ويموت الأطفال بالبرد والجوع في غياب التدابير اللازمة لوقايتهم من بعض الأمراض والمغرب غني بحالات كثيرة من «أنفكو». إن ما يسمى بتأهيل العالم القروي ليس إلا حبرا على ورق وسياسة للاسترزاق وملء الجيوب باسم ملايين الفقراء إذ أننا لا نرى ما نسمع. إهمال المسؤولين: «نحن لا نراهم إلا عند اقتراب الانتخابات» هكذا تحدثت إحدى النساء، والحقيقة تقال أن هؤلاء «المرتزقة»عند اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية يتفننون في رش السكان - الذين تغلب عليهم الأمية نتيجة لسياسة التهميش والإقصاء الممنهج - بالوعود المعسولة لطلب ودهم لضمان تسجيلهم وتصويتهم، كأن هؤلاء السكان ليسوا مغاربة إلا وقت الانتخابات. ويحكي لي أحد القرويين مستغربا «أن السلطات قامت باستخدام الطائرات لإيصال صناديق الاقتراع في الاستحقاقات الأخيرة إلى أماكن نائية حاصرتها الثلوج وانقطع بها الاتصال والطريق»، ويضيف «لقد كنا نحمل نساءنا على ظهر البغلة لإيصالها إلى أقرب مستشفى والذي يقع على بعد 60 كلم». إن مبدأ الوطنية والمواطنة عند هؤلاء المسئولين الذين ينعمون ويتمتعون في ظروف جيدة وصالونات مكيفة، حاضر فقط وقت الانتخابات ووقت الإحصاء. إذ أنهم لا يولون عناية لما يسمى «تقريب الخدمات من المواطنين» والتنمية الشاملة وإخراج العالم القروي من العزلة، فتهميش الإنسان الأمازيغي وإقصاءه بالنسبة لهم ضرورة أساسية. إن سياسة اللامبالاة والأذن الصماء التي ينهجها المسئولون تنذر بعواقب وخيمة لا يعرف مداها أحد في ظل تواري السلطات بمختلف تفرعاتها عن الأنظار، وما نسبة العزوف التي عرفته الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والمظاهرات المتأججة، إلا دليل على ما يختمر في أعماق هذا الإنسان. إذ أن سياسة التحايل لم تعد تنطلي على أحد، وسياسة التأجيلات والوعود الكاذبة ملّ منها الإنسان وسئم نغمتها، والتعلق بالسراب لن ينقذ البلاد مهما كان لها من بهرجة وجاذبية لا تملك شيئا أمام الحقائق. فالحقيقة تقول «لننزل ولنعش ما يعيشه عامة الشعب ولنسكن معهم ونصاب بما يصابون ونشاطرهم أيام المحنة و»التكرفيس».و في الختام لا بد أن نشير إلى الدور الفعال الذي قام به الهامش، فهو المزود الأساسي للمركز وبفضل سواعده شيدت وبنيت أغلب المدن. لذا وجب إعادة النظر إليه في منظار الرؤيا الصحيحة ومن زواياه المتعددة، وإسقاط الشعارات على الواقع الملموس. «قد تستطيع خداع كل الناس لبعض الوقت، وقد تستطيع خداع بعض الناس كل الوقت، لكن لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.»
|
|