|
|
«السادزم السياسي» وتكريس «المازوشيزم» لدى ساكنة الجبال بقلم: مروان مصطفى
قد تبدو لك من الوهلة الأولى، وأنت تشق طريقك تحت نسمات الجو العليل إلى مناطق الجبلية، القصة تحاكي نفسها سواء تعلق الأمر بمناطق الأطلس الكبير﴿صاغرو، انفكو، أزيغمت، إملشيل، أيت هاني،إمغران، أيت عبدي، تونفيت، وسلسات، إزناكن،بوتغرار...﴾، مناطق سوس ﴿أيت باعمران، أقا...﴾، مناطق الريف ﴿جبل عوام، جبال الريف...﴾، وكل المناطق الأخرى الكثيرة والتي لا يسعنا ذكرها جميعا، تمن النفس بجولة تريحك ولو قليلا من أعباء الحياة التي لا تنتهي، ساعيا وراء الطمأنينة بكل هدوء، ستكتشف وأنت تواري أنظارك في الأرجاء، أن السحر ما سكن غير تلك البلاد، فالمناظر تأسر القلب وتفتن العين، إنها وبكل بساطة جنة من زمان الجمال العذري الأزلي، فالهدوء أحكم قبضته على كل شيء، وهنا قد تهيم طائرا حالما في سماء الحرية التي تؤثث وتزين جنبات الطبيعة في تناسق تام. لكن مع استمرارك في التوغل داخل المناظر الآسرة للقلوب والتي لا مثيل لها، تجد نفسك وبعد هنيهات في مواجهة تاريخية بين موقفين حضاريين متصارعين ومختلفين في زمانهما الحضاري والثقافي، إنها الحياة الطبيعية بدون زخرفة، والغريب أنك بدأت تدخل في نطاق العزلة الاضطرارية من غير إشعار مسبق، هنا ستتشكل لديك مفارقة “العدو₋النموذج” كما تشكلت لدى الصخور التي سبقتك في مبارحة المكان، فجوهر المعاناة هنا هو نفسه جوهر العقلانية الحديثة المملحة، هنا ستصافحك المشاريع الإصلاحية الواهمة والخطابات التنموية المكبوتة وهنا أيضا ويا لها من مصادفة ستراقصك كل رقصات التمزق والتخلف والقهر السياسي الممنهج، مرحبا بكم في بلاط الطغيان الداخلي ومرحبا بكم في بلاد غير الموجودين إلا في سجلات الانتخابات.للذين يقولون إن الراحة مزروعة في قلب الكائن فقط يجب علينا أن نشعر بها في صميم كياننا بالذات فلتسمحوا للفيلسوف غاستون باشلار الذي لا تملأ البشاشة وجهه بالقول “سيكون من واجبكم أن تواجهوا تحررا آخر من الأوهام”. فهنا على أرصفة الصخور الصماء وفي حضرة الجنون المطبق لخزانات صناديق الاقتراع، يقبع الجانب اللاشخصي من الشخص ومعه الرغبة الطائشة في عدم الإقدام على أي شيء، قد تستغربون ومعكم كل الحق في ذلك، وتتساءلون كيف لإنسان أن يرغب في عدم فعل أي شيء؟ وكيف له أن يحيي في داخله كل القوى النافية للروح؟ لكن جريان الأشياء وهروب الزمان من حولك، حتما سوف يحيلك ليس فقط لجواب واحد، بل لأجوبة متعددة لإستفحال الوجود وهيمنة ديمومات العدمية، المختلقة من طرف كل تلاوين “السادزم السياسي، الاقتصادي والثقافي” الذين أنتجوا وخلفوا وضعا شاذا انهارت معه كل الروابط الاجتماعية، النفسية، الثقافية والاقتصادية، لنفهم أكثر الوضع دعنا نعيش جزءا قليلا منه، ها أنت الآن تعيش وعائلتك المتعددة أفرادها في منزل صغير على قمة من القمم الشاهقة لأحد جبال الأطلس، يمر الليل في سكون تام مستنيرين بلهيب نار منكسرة، وببعض الحديث الغير المكتمل، تحس كالغريب وسط عائلتك وفي كثير من الأحيان تلهمك مخيلتك أنك أتيت من فراغ إلى هذه الحياة، فالعقل عجز عن تحمل العبث الثقيل للظروف، يبدأ الديك المتعجرف بالصياح مبكرا. إنه وقت الاستيقاظ، الساعة تشير إلى لا أحد يعلم فقط إنه الصباح، تكون الأم الحنون أول المستيقظين. امرأة طمس جمال ريعان شبابها في تباشير القسوة وملأت وجهها أخاديد الألم، لقد حضرت قليلا من الماء الساخن تسمونه الشاي ومعه كسرة من الخبز الحافي، الأخ الصغير الملتحم جسده بقطعة قماش من الصوف، يستعد ليبدأ رحلته إلى المدرسة البعيدة ببعض الكيلومترات ولكم واسع النظر في حساب المسافة، والتي ليست سوى قسم واحد، أستاذ واحد، مع دمج جميع المستويات، قد يخيل لك من الوهلة الأولى أنه مأوى نظرا للاختلاف البين في أعمار التلاميذ، ومع أن الأخ الصغير لا يعجبه الأمر ولا يستسيغه البتة، إلا أن كلمة الأب لا تناقش فقد قيل لهذا الأخير إنه سيحصل على بعض الدراهم عن كل رأس من أبنائه يدخله المدرسة، لا مشكلة لديه إذن، فالأعمال التي كان يقوم بها الابن الصغير سترجع إلى ما بعد دوام المدرسة، على شرط أنه لن ينتقص منها شيء، فالعمل هو العمل، يودع الأخ الصغير نفسه ويذهب في مشواره الشاق فالقبل هنا “حشومة” ولو كانت للعصافير البريئة، على الأقل هكذا علمتهم الأحجار الصماء، فاتحا الباب على مصراعيه على مستقبل من الغيوم وعلى الكثير من الأزمات النفسية العميقة، والذي سيلقى نفسه في مواجهتها وحده دون مساعدة من أحد، لتلعب الطبيعة دورها في إعادة إنتاج “نموذج الأب/الظروف”، لأنه كما قال فرويد “عجز في طفولته أن يرى الفضيلة بمنظورها الحقيقي، فعجز أن يرى رسالة الحياة على حقيقتها، فالحياة في نظره هي الصورة المشوشة التي رسمتها” الظروف ورسمتها الخريطة السياسة للمغرب النافع/الغير النافع. وهنا ستتبادر إلى ذهنك مجموعة من المفارقات، كيف لمنطقة لا طريق، لا مستوصف، لا كهرباء، ولا شبكة التزود بالماء الصالح للشرب، بالمختصر لا تتوفر على أي شيء يمكن ذكره، أن تتوفر على مدرسة/قسم، لكن بالرجوع إلى كتابات مجموعة من الكتاب ذوي الإيديولوجيات العابرة للقارات كالمرحومين “محمد عابد الجابري” و”علال الفاسي” سيتبدد لديك الغموض، فالأول دعا إلى إماتة اللهجات حين يقول” ـ وهذا من الأهمية بمكان ـ العمل على إماتة اللهجات المحلية البربرية» (الجابري, محمد عابد, أضواء على مشكلة التعليم في المغرب, دار النشر المغربية/الدار البيضاء, 1985,ص:146.)، وأردف قائلا: “ولن يتأتى ذلك إلا “بتركيز”التعليم و”تعميمه” إلى أقصى حد في المناطق الجبلية والقروية و»تحريم»استعمال أية لغة أو»لهجة» في المدرسة والإذاعة والتلفزة غير اللغة العربية الفصحى» ﴿الجابري، مواقف،2003﴾«. والثاني، أي علال الفاسي قال: «إن المشكل إذن هو عدم تعريب المغرب من طرف العرب القدامى (أجداد علال) مما أبقى على وجود «البربرية».(احمد عصيد، الأسس الإيديولوجية للتعريب المطلق). في مقال منشور لعلال الفاسي بمجلة «اللسان العربي» كما أورده احمد عصيد في مقاله المذكور» ﴾. من هنا يتضح أن الذي أوصل تلك الأقسام المهترئة من جراء السنين إلى تلك المناطق في ذلك الوقت، إنما هو جعلها كمطابخ ومختبرات للإيديولوجيات العابرة للقارات، إيديولوجيات مهدت للنسق الاستبدادي الذي يسعى إلى بناء مغرب بخصوصية مستوردة، ما يجعل منه غير وفي لذاته وينفي ركائزه وحقيقته التاريخية المتمثلة في التعددية والاختلاف.يخرج الأب رفقة ابنيه اللذين تجاوزا السن القانوني لكل شيء، فهما منذ ولادتهما لم يعرفا غير مجاورة الأغنام ومعانقة كل الأعمال الشاقة، لقد صارت حياتهما تعيش وتتعايش في تناغم قسري تام مع الانطواء والتقوقع على الذات، فالقلوب المفتوحة هي التي رحلت إلى السماء وودعت هذه الأجساد الهزيلة من غير رجعة، والعيون التي ملأتها الدموع هي نفسها العيون التي اكتسحها العمى وصارت تترجل متكئة على عصا، واقع يحاولان أن لا يهمسا لنفسيهما بذلك، فما الفائدة من مواجهة الحقيقة ومصارعة الواقع مادام الذئب قد أحكم قبضته على الخرفان، إنهما ما زالا صغيرين ساذجين تملأ البراءة اطلع الجفاء فيهما، على الأقل هذا ما أباحوا به لفراشة حين كانا يستمتعان بمطاردتها، دون أن يستمع لهم الأب طبعا، وها هو يشير إليهما أن يسرعا فقد تأخروا ويخشى ألا يدركهم شروق الشمس وهم في العمل، في ممر صغير مليء بالأشواك وبالأحجار الكبيرة والحادة تسمع صوت الأقدام الحافية تصارع المسالك الوعرة والخطرة المحاذية للجبل، الأجسام النحيلة والهامدة أعلنت حربا هوجاء على الصقيع، يستمر المسير ولا أحد يجب أن يتعب فلم نقم بشيء بعد لكي نتعب من أجله يقول الأب، لقد اقتربنا إلى مرادنا فها هي الحقول أمامنا مباشرة على ذلك السفح الجبلي يقول أحد الأبناء، بدون مقدمات يبدأ الثلاثة في العمل في الحقل الذي ليس سوى بضع مترات من التربة ملفوفة بالأحجار من كل جانب، تزرع فيها بعض الخضر التي كتب عليها أن تكون حليفة البرد القارس كالبطاطس والجزر... كم هو صعب أن يحس الإنسان بعدمية الإنسانية فيه، وكم هو أصعب أن تحس بالكرامة تنتزع رغم الكبرياء من أحشائك، وتحس أنك آخر من يفكر فيه في هذه البلاد «السعيدة». نعود إلى الضفة الأخرى، أي الأم وابنتها، فهذه الأخيرة حزمت معها بعض الأمتعة مكونة أساسا من بعض الخبز وقنينة ماء، زاد تأمل أن يؤنس وحدتها هي وكلبها مع الأغنام، لن نتحدث عن الخوف أو التردد أو أي من الصفات الملازمة للمدنية الأفلاطونية الفاضلة التي تطل على رعاياها من برج عالٍ، فهؤلاء أي الذين يسمون أنفسهم بالمدنيين أو المتمدنين أوجدوا هذه الكلمة لغاية تمييز أنفسهم عن الرعاة، المتوحشين غير المتحضرين مثلهم، على حد تعبير «نيتشه»، تخرج البنت ومعها صلوات أمها بالتوفيق، تشق طريقها نحو المجهول دون أن تلتفت إلى الوراء، فأمها بها ما يكفيها من المآسي ولا حاجة إلى زيادة حمل ثقيل آخر يؤدي بأطلال الحنان المتبقية فيها إلى المشنقة، بعد أن ودع الجميع أنفسهم تنكب الأم وفي آن واحد في إعداد ما توفر من الطعام، غسل الأواني، كنس المنزل... تؤنس وحدتها والآماها بعض الأهازيج التي حفظتها من أمها ومن التجمعات النسائية التي تكون قبل مغيب الشمس في الأيام القلائل التي لا يكون فيها الكثير من العمل، الغذاء جاهز لكن عمل الأم لم ينته بعد وما زال عليها القيام بالكثير. فهي «أول من يستيقظ وآخر من ينام»، هذه هي القاعدة وهكذا شاء القدر أن يكون، أو سير ليكون كما هو عليه، الأم في طريقها لإيصال الغذاء إلى الحقل، وعليها ألا تتأخر حتى لا يعاتبها زوجها، يتناول الأربعة طعامهم، يسود الجو المعهود فقد ورثوا عن أجدادهم حكمة تقول «لا أحد يتكلم والناس يأكلون، لا أحد يتكلم والناس يعملون، لا أحد يتكلم حين لا يكون هناك شيء لعمله أو لفعله، وأخيرا وليس آخيرا لا أحد يتكلم ولو كان عنده ما يقوله». إنها إستراتيجية تهدف وتسعى من أجل إسكات وإخراس الجميع، فما الحاجة لكلام لن يسمع قائله غير صداه يرتد إلى أذنيه مطرقة قد تذهب بسمعه، تقوم الأسرة لإنهاء عمل لا ينتهي، تتقدمهم الأم التي تعمل بكل ما أتيت من قوة، فالرجل والمرأة يتساويان هنا حسب الأجندة الرجولية طبعا في شيء واحد ووحيد إنه العمل، تقترب الشمس من الغروب يتأهب الأربعة في العودة فترى الأب يسبق الجميع ووراءه الأم التي تبعد عنه مسافة ليست باليسيرة ومن بعدها الأبناء، طقوس لا بد أن تحترم وألا تنتهك حرمتها فقد نصت عليها مدونة الأحوال للكوابيس الاجتماعية وصادقت عليها الغرفة الثانية «للمازوشيزم»، وقدم المشروع الفريق البرلماني للعصارة والدكاكة ونوقش من طرف الهيأة العليا للأشباح وطبخ من طرف المجلس الوطني «لحقوق من لا حقوق لهم»، بعد هذا السرد الطويل لآليات تشريع الكوابيس الاجتماعية، تصل «العائلة» إلى المنزل وقد حضرت البنت بعد رجوعها من الرعي مع أخيها الصغير بعض من الحساء، مع حلول الليل يرتكن كل فرد إلى زاوية تأويه حتى الصباح، واقع أفرزته السياسات التفقيرية التجويعية الممنهجة، فغدت «العائلة» المشتتة عاجزة عن إيجاد وقت تشعر فيه بشيء من الحب أو الحنان حتى ولو كان الأمر يتعلق بفلذات أكبادها. وغدا يوم جديد لنا مع «العائلة السعيدة والهنيئة» كما يحلو «للساديزم السياسي» أن يتحفوا به آذان أقرانهم الذين يستمتعون ويشعرون بلذة لا يضاهيها مثيل وهم يستمعون إلى شيخهم وهو يلقي بين أيديهم ما تحقق وما سيتحقق على أكتاف «غير المتعلمين والأميين»، يبثون على أثير أبواقهم كل يوم حلقة من مسلسل مغازلة «الغير الموجودين إلا في سجلات الانتخابات» مع سيل من الوعود والالتزامات، إنها الأسطوانة المشروخة والمعهودة التي تعرفون تتمتها، فالساديزم السياسي من خلال Marketing « « السياسوي لمعاناة سكان الجبال المقهورين الذين لا حول ولا قوة لهم، يمنوا أنفسهم بعمر مديد للكراسي التي يجلسون عليها، وبعمر أطول للقرابين البشرية في صناديق الاقتراع، يستمر الشيخ في سرد تقريره لمريديه فيقول: “فما حاجة هؤلاء الريفيين غير المتحضرين إلى الطرقات، المستشفيات وإلى المشاريع التنموية، إن تلك الظروف خلقت من أجلهم وهم خلقوا من أجل التصويت علينا فقط وإن كانوا يحتاجون إلى الطرقات من أجل أن يزحفوا إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت علينا طبعا، فنحن لن نجعلهم يتكفلون العناء وسنرسل إليهم الحوامات “ Hélicoptère” حاملة معها رئيس مكتب التصويت ونائبه ومعهم الصندوق الشفاف من أجل أن يملؤوه بأصوات تضمن حكمنا وسيادتنا نحن”.إن مثل هذه الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة المتمركزة على تمجيد الذات واستغفال العامة الذين لم يبلغ الكثير منهم بعد سن “الرشد السياسي” مآلها الزوال لا محالة وإن غدا لناظره قريب، فالسادزم السياسي الذي نشأ في بيئة طابعها الغموض فنهج استراتيجيات “الإلهاء، خلق المشاكل تم تقديم الحلول لها، إستراتيجية التقهقر من أجل تقبل إجراء غير مقبول، إستراتيجية المؤجل كشر لا بد منه، مخاطبة الرأي العام كأطفال صغار، استخدام المخزون العاطفي لسد التفكير والتغطية عليه، الإبقاء على العامة في الجهل والخطيئة كأسلحة كاتمة من أجل حروب هادئة، تشجيع العامة على استساغة البلادة “الإستراتيجية القذافية”، تعويض الانتفاضة بالشعور بالذنب مما يجعل الفرد يحط من تقديره الذاتي فيثبط الفعل الانتفاضي لديه، معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم باستغلال التقدم العلمي في بعض المجالات كالبيولوجيا العصبية وعلم النفس التطبيقي” ﴿”الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير أو لإخضاع الشعوب”،”لنعوم تشومسكي”﴾. هذه الإستراتيجيات تم تكييفها حسب الخصوصية والمنظور المغربي فقامت النخب الحاكمة بتخدير “العامة/القطيع” في بعض الأحيان وفي كثير من الأحيان انتهجت سياسات القسوة وغلاظة الأساليب من أجل تبديد الغموض الذي يحوم حولها وقطع الشك يقينا، فتم تعذيب “العامة/الذئاب” –حسب منظورهم طبعا– وإذاقتهم المرارة ما أفرز عقليات وذهنيات “مازوشيزيمية” تتلذذ بتعذيب “الذات الذاتية” مع تمجيد “الذات الساذزمية” فتمت عمليات غرس ثقافة الخنوع دون مساءلة في الأذهان، لتعيد حبك أساطير الإنسان البدائي الذي يلجأ كلما شعر بالخوف وأنه مغلوب على أمره إلى أخد الذي تمكن من التغلب عليه كإله يجب عبادته وتقديم القرابين له من أجل أن يشملهم بعطفه، لأنه في نظرهم”الإله /السادزم السياسي” كائن خارق ليس ببشري استلهم قوته من “ما وراء الطبيعة”، مما أدى إلى إفراز ذوات مجتمعية مشتتة ومستأصلة العنصر الجامع لها أمام تفاقم المشاكل/الخنوع السلبي، فغادت “العامة/القطيع” المضطهدة مثبطة العزيمة والإرادة وغير قادرة –بشكل مؤقت– على المقاومة ومواجهة طغيان واستبداد الآلة القمعية “للسادزم للسياسي”. أمام هذا المنظور الإطلاقي الأحادي سيكون لزاما بعثرة الأوراق مهما بلغت قوة أخطبوط “السادزم السياسي” المتحكم بكل المجالات وبكل شرايين الحياة، وذلك بالاعتماد أولا على النفس بإعادة إحياء الآليات الدفاعية/المقاومة المضمرة في الذات، خلق وتعزيز وتقوية “جماعات النضال الداخلي” “جين شارب” ﴿من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، إطار تصوري للتحرر ص:15﴾، وذلك باستخدام النضال اللاعنيف لأنه كما قال جين شارب في نفس المرجع أعلاه ص:12 “إن اللجوء في وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائما بالتفوق فيه”، إن الرهان يكمن بالأساس في “التحدي السياسي” للسادزم السياسي وبالتالي التضييق على المصادر الضرورية للسلطة السياسية لديه، ما يدفعه أي السادزم السياسي إلى استخدام إستراتيجيتين اثنتين وكلاهما تحمل موته، الأولى ترتكز على الخدع بدل المبادئ الأخلاقية، وفي ذلك دماره واندثاره لأن مفعول الخدع ينتهي بمجرد كشف الناس لها، الثانية وهي آخر الحلول لديه وهي القوة، وهنا تجد مقولة أساسها “تكون القوة الاستبدادية قوية فقط في حالة عدم الحاجة إلى استخدام تلك القوة بكثرة، أما إذا كانت بحاجة إلى استخدام قوتها ضد جميع المواطنين بكثرة فإن إمكانية استمرار تلك القوة تصبح ضعيفة “﴿Karl w. Deutsch « cracks in Monolith,” in Carl J. Friedrich »﴾ ولعل أكبر الدلائل والحجج إفرازات ثورات الربيع الديمقراطي للشعوب الثائرة ضد الاستبداد والفساد، المطالبة بالحرية، الكرامة، العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، وأختم هذه الكلمات بمقولة جميلة “لفريدريش نيتشه” حينما قال “نسيان غاية المرء هو أكثر أشكال الغباء انتشاراً”. بتاريخ: 29/12/2011 23:11:17
|
|