|
|
موعد مع يوم منسي بقلم: محمد مغوتي (قاسيطة)
كلما حل اليوم الثاني من شهر أكتوبر في كل سنة، أجدني غارقا في أسئلة لا تنتهي بخصوص معاني هذا اليوم في الذاكرة الشعبية للمغاربة. والسؤال الذي يثير قلقي أكثر هو: ما الذي يعرفه جيل ما بعد الاستقلال عن هذا اليوم؟ الجواب عن السؤال المطروح لا يحتاج منا كبير عناء. فهو عند السواد الأعظم منا ليس إلا يوما كسائر الأيام يداولها رب الخلائق بين الناس. ولكي لا نظلم الجيل الجديد لجهله بقيمة هذا اليوم في تاريخ المغرب، سنضمّن هذا المقال مجموعة من الملاحظات هي أعذار يحق لكل من لا يعرف أن يحتج بها (من الحجة) كمبرر لغفلته تلك. في اليوم الثاني من أكتوبر سنة1955، انطلقت الشرارة الأولى لحرب جيش التحرير ضد المستعمر الفرنسي من منطقة أكنول، حيث لقن أبناء قبيلة اجزناية الأبطال درسا لا ينسى في التضحية والنضال لفيالق الاستعمار الفرنسي عندما قادوا هجمات منظمة على المراكز العسكرية الفرنسية بتيزي وسلي وأكنول وبورد وهي العملية التي ألحقت بالمستعمر هزيمة قاسية امتدت آثارها في عدد من مناطق المغرب عبر ايموزار مرموشة، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، فكانت مقاومة فاجأت المستعمرين لدقة تنظيمها وإستراتيجية تنفيذها، وهي مفاجأة جعلت الخبراء العسكريين الفرنسيين أنفسهم يعترفون بالدور الأساسي لقبيلة اجزناية في بناء جيش التحرير عندما أطلقوا على منطقة أكنول مفهوم مثلث الموت (تيزي وسلي_ أكنول _ بورد.) إن ارتباط تأسيس جيش التحرير بهذا اليوم، يجعل من الثاني من أكتوبر محطة أساسية في تاريخ المغرب الحديث، إلا أن التنكر الذي يطبع علاقة المغرب بماضيه في عدد من تجلياته، يطال هذا اليوم أيضا، وهو ما يجعل ذكراه تمر علينا مرور الكرام. وفي الوقت الذي تحتفل فيه كل بلاد الدنيا بتاريخها ورموزها التاريخيين حتى يظل عملهم راسخا في ذاكرة الشعوب، نجد المغرب الرسمي لا يولي مثل هذه المناسبة أي اهتمام يستحق الذكر. وهكذا بات الثاني من أكتوبر من كل سنة محطة يصطف فيها عشرات من الناس أمام مقبرتي الشهداء في تيغزراتين وأجدير، في انتظار وصول ممثلي السلطات المحلية والإقليمية لقراءة الفاتحة والترحم على أرواح الشهداء. والحال أن مثل هذه المناسبة تستحق بجدارة بالغة أن تكون عيدا وطنيا وعطلة رسمية نظرا لدورها الحاسم في حصول المغرب على استقلاله. طبعا لم يكن من الممكن، في ظل ما حدث من تطورات سياسية واجتماعية في المغرب غداة الاستقلال، أن يعلو صوت رصاص الثاني من أكتوبر على وثيقة الحادي عشر من يناير. وهكذا تم اختزال كل التضحيات التي قدمها المغاربة في مختلف جهات المغرب ـ وخصوصا في جبال الريف والأطلس ـ في استرجاع ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال والاحتفال بها باعتبارها القوة التي ردعت المستعمر. وكان هذا التوجه جزءا من إستراتيجية عامة تغلفها رؤية ممنهجة ما زال المغرب يعيش تداعياتها إلى اليوم، حيث توارى أبناء المقاومة عن الشأن العام، وورثت العائلات الفاسية التي تتباهى بنسبها العربي ما بدأه أقطاب حزب الاستقلال، وهو خطاب ما يزال مستمرا حتى يومنا هذا قولا وفعلا.إن تحجيم دور جيش التحرير في طرد المستعمر جاء في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد الاستقلال من جهة، ولعلاقة هذا الجيش بحركة مولاي محند في أنوال الخالدة من جهة أخرى. ومن ثم فإن سؤال المشروعية النضالية والتاريخية ضد الاستعمار الأجنبي هو الأفق الذي أسس على هديه منظرو (الحركة الوطنية) مشروعهم السياسي الذي يتغذى بالولاء للانتماء العربي بدل الالتفاف حول الهوية الحقيقية للمغرب. تلك الهوية التي كانت حاضرة بقوة في وجدان وعقول المقاومين الأمازيغ البسطاء في أقاصي الجبال، فبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على هويتهم من الخطر الاستعماري الذي يتهددها. وهكذا كان الثاني من أكتوبر1955 بمثابة إعلان فعلي للتحرر من الاستعمار. واليوم وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تأسيس جيش التحرير، ما زال الزمان والمكان في حاجة ماسة إلى جبر الضرر، فتاريخ الثاني من أكتوبر يستحق أكثر من مجرد كلمات تلقى على عجل مرة كل سنة . إنه إحدى المحطات النضالية البارزة التي ينبغي أن تكون عيدا وطنيا لكل المغاربة. أما المكان... آه من هذا المكان إإإ. إنه ببساطة: مثلث التهميش. حقا يعجز اللسان عن التعبير. وحتى يتحرر اللسان من عقدة السكوت، سيظل ثاني أكتوبر مجرد اسم مكتوب على باب ثانوية أكنول. ولكن التاريخ لا يمكن أن يمحى من الذاكرة حتى ولو أصبح مجرد قصص يلقنها الآباء للأبناء. محمد مغوتي، قاسيطة في 02 ـ 10 ـ 2009 med_maghouti@hotmail.fr.
|
|