|
|
في أن القضاء العرفي الأمازيغي كان أرقى وأضمن لحقوق الناس من القضاء المخزني بقلم: مونيب محمد
(عرض ألقاه السيد مونيب محمد في ندوة الجامعة الشتوية التي نظمتها جمعية ئيسمون يومي 30 و31 يناير 2009 ) من أبرز أهداف اختيارنا لعرض هذا الموضوع ضمن مواد هذه الندوة ما يلي : 1- إلقاء نظرة وجيزة على وضعية القضاء وتصرفات القواد المسؤولين عنه بالقرى المغربية المتواجدة بالأطلس الكبير والحوز وسوس في بداية القرن العشرين والخاضعة للنظام المخزني، وتحديدا خلال زمن نفوذ من كانوا ينعتون يومها بالقواد الكبار، وهم: الكلاوي والعيادي الرحماني والمتوكي وعيسى بن عمر العبدي والكندافي. 2 - تفنيد مزاعم المناوئين للأعراف الأمازيغية، أولئك الذين يتخذون الشريعة الإسلامية مطية للطعن في هذه الأعراف، وإيهام الناس بأن مغرب ما قبل الحماية كانت تحكمه الشريعة الإسلامية، وينعم في ظلها بالعدل والإنصاف، ويسوده الأمن والاستقرار، خلافا للقبائل العرفية الأمازيغية غير الخاضعة للنظام المخزني التي تتبع في اعتبارهم، عادات جاهلية وتحكم بغير ما أنزل الله، وينعتونها قدحا ببلاد السيبا أو بعبارة أخرى بلاد لا تحترم فيها أية قوانين. وكأن تطبيق الشريعة الإسلامية بالمناطق المخزنية كان أمرا واقعيا، لا جدال فيه ويتولاه قضاة نزهاء يمارسون مهامهم في استقلالية تامة عن السلطة الإدارية، ودون الخضوع لأية أوامر أو ضغوطات من أي كان. في حين يمكن لأية دراسة موضوعية في هذا المجال، إثبات عكس هذا الادعاء، لأن الذين كانوا يتولون القضاء في الحقيقة بالقرى المخزنية، هم القواد لتمتعهم كممثلين للسلطان، بالسلطات المطلقة بمناطق نفوذهم. ويحصل تعيينهم من بين الشيوخ ذوي النفوذ في القبائل بعد تقربهم من القصر والتنافس في تقديم الهدايا له؛ الهدايا التي كانت في تلك الحقبة ضمن موارد الصندوق المخزني1. ولا تشترط فيهم دراية بالشريعة الإسلامية ولا حتى معرفة القراءة والكتابة، بل يكفي أن يبرهنوا على جدارتهم بتركيز النفوذ المخزني وتنفيذ أوامره وتلبية جميع مطالبه من الموارد. وبديهي أن البحث عن السلطة بهذا السلوك، لا يمكن أن تنبعث دوافعه من الغيرة على الصالح العام أو الرغبة في إنصاف المواطنين، بل من التطلع إلى إرضاء الطموحات الأنانية. وليس أدل على ذلك من أن أول ما يفكر فيه القائد من هؤلاء بمجرد تقلده للمنصب، هو استرجاع ما أنفقه لبلوغ مراده2 ومواجهة متطلبات الوظيفة المنوطة به، ومن هنا بناء قصبة كمركز للسلطة وإعداد حركة من الخيالة لإظهار الأبهة والهيبة، وتشييد رياض بمراكش3 ، والاستعداد لاستقبال المحلة السلطانية عند تنقلها بالبلاد استقبالا يليق بها بمنطقة نفوذه. ويقتضي تحمل أعباء هذه الوظيفة، بطبيعة الحال، الاعتماد على أعوان تسند إليهم مختلف المهام، وفي مقدمتها القضاء الشرعي، شعار النظام المخزني.. وقد جاء في ما كتبه روبير منتاني في الموضوع، إن أول ما يخطر ببال القائد عند تلقيه التعيين السلطاني، هو أن يختار من بين رفقائه الأوائل، من يسند إليه القضاء خدمة للحكم الجديد، وفي الوقت نفسه يتخذه كاتبا خاصا له. وفي غالب الأحيان يبدي هذا القاضي عداءه الشديد للقضاء العرفي، ويفصل في القضايا وفق تعليمات سيده4 وفي مقدمة هذه القضايا مساعدته على الاستيلاء على أملاك الناس.. أما القضايا المدنية والجنائية فيعهد بها لمقرب آخر يعينه خليفة له. وإذا كانت المناطق العرفية تتوفر على الألواح التي هي بمثابة قوانين جنائية أعدت بمساهمة سكان القبائل بمختلف شرائحهم، من أجل ضمان الأمن والطمأنينة للجميع، ولا تسن العقوبات الجسدية ولا السجن، بل تكتفي بالتنصيص على العقوبات المادية فقط. كما تعتمد مبدأين أساسيين في القانون الجنائي هما: لا جناية ولا عقوبة بدون قانون وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أضف إلى ذلك أنه بواسطتها يتولى قضاء جماعي منتخب إصدار الأحكام القابلة للاستئناف في حالة عدم الحصول على موافقة ثلثي أعضاء الجماعة، وبها يكون المتهم على بينة مما ينتظره من عقوبة عند إدانته، إذ لا يحق للقضاة أن ينطقوا بما هو غير منصوص عليه في الألواح التي تترك القضايا المدنية والأحوال الشخصية للتحكيم، حيث يمكن للمتنازعين اختيار من يفصل فيما بينهم من بين رجال الدين أو أعيان القبيلة، ثم تتولى الجماعة تقييد ما توصل إليه التحكيم5. كما أنه اعتمادا عليها تعين القبيلة من بين شيوخها من يراقب القضاة الجماعيين (إينفلاس) ويحاسبهم6. إذا كانت المناطق العرفية تتوفر على الألواح التي ذكرنا والتي هي بمثابة قوانين، فإن ما نود الإشارة إليه هو أن الذي يتولى النظر في القضايا المدنية والجنائية بالقبائل المخزنية لم يكن يستند في ممارسته للقضاء إلى أي تشريع، سماويا كان أو وضعيا، وإنما يكتفي بالنطق شفويا وحتى بمجرد الإشارة بأحكام – إن كان يمكن نعتها بأحكام - هي ابتدائيا ونهائيا، مزاجية تتم بطريقة اعتباطية وفق أهوائه وأغراض منتدبه، دون مراعاة لأية مسطرة ولا لأبسط حق من حقوق الناس. لا، بل إنه كثيرا ما لا يتحمل الممارس للقضاء حتى عناء الاستماع إلى من يمتثل أمامه للدفاع عن نفسه؛ إذ يهرول أعوانه توا لتنفيذ تلك الأحكام الشفوية المزاجية الظالمة التي لا شك ستؤلم كل ذي ضمير حي. ومما جاء في هذا الباب ما ذكره كوستاف بابان حين قال: "لما أوتي للقائد الطيب الكندافي ببئيس تجهل التهمة المنسوبة إليه، وكان القائد وقتها يسبح ولا يريد قطع تسبيحه، فأشار إلى الحكم فحسب، بتمرير أصبعه على رقبته، فكان أن ذبح الشخص فورا وفي رمشة عين حتى قبل أن تنتهي آخر حبة من مسبحته بين أصبعيه7 ". وروى محمد المختار السوسي أن أكبر عيوب القائد عيسى بن عمر العبدي ميوله للتخلص من رجال قبيلته باغتيالهم، وأن من أسهل الأمور لديه قتل الإنسان. من ذلك أن قائدا صغيرا زاره يوما مع أصدقائه، وبعد أن قدم إليهم وجبة غذاء، خرج معه إلى خارج القرية فأعدمه رفقاؤه بإذن هذا الأخير8. أما محمد بن عبد الله الروداني، فقد حكى في تحقيقه لكتاب إليغ قديما وحديثا، أنه " لما رجع حيدة ولد ميس من حرب أبي حمارة، صار أعيان رأس الوادي يتوافدون عليه في قرية أولاد برحيل لتهنئته، ومن بينهم القائد أحمد الغرابي من أعيان قبيلة المنابهة، فرأى عليه حيدة جلبابا أهداه له ولد هذا الأخير أحمد، لما حوصرت دارهم. فلما استقر به المجلس دخل عليه حيدة وصاحبه اليزيد ولد عيوش المقتول في دار بوعكاد بهوارة، فقال له أنذهب نحن لمعاونة السلطان وتنهبون ديارنا، وتأتيني أنت لابسا جلبابي. ففهم القائد ما يريدان، فقال له الرجل أيها الباشا إذا أردت أن تعمل شيئا، فأخرج ولدي الصغير حتى لا يرى شيئا. وكان له ولد صغير يضعه في حجره على بغلته، فقال له حيدة فلنقدمه إذن قبلك لألا يراك. فذبحه له اليزيد في حجره، ثم ألحقه به9. كانت هذه الجرائم التي يأباها الضمير الإنساني وغيرها مما لا يرتكبها حتى قطاع الطرق، كالزج بأناس أبرياء في السجن، مغلولين فيه حتى الموت لا لشيء سوى لإجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم10، كانت هذه الجرائم عادية عندهم ولا تؤثر في نفوسهم أي تأثير، بل إنهم يعتبرون اللجوء إلى العنف والاغتيال ضروريا؛ أولا للتخلص ممن تخشى منافسته وثانيا لفرض احترام السلطة المخزنية وتحذير كل من سولت له نفسه مخالفة أوامرها أو مناوأتها. إن الجمع بين السلطتين الإدارية والقضائية وضع القواد موضع الخصم والحكم بالنسبة للسكان، فلا أحد يستطيع رفع الرأس لمواجهة طغيانهم مخافة أن يجلب عليه وعلى ذويه ما لا تحمد عقباه، وهو ما حدا بفقهاء فاس ليدرجوا من بين مطالبهم، في عقد البيعة الذي رفعوه للسلطان مولاي عبد الحفيظ، ضمان استقلالية القضاة ضد ترامي العمال والقواد المستغلين للخلط بين الاختصاصات لفرض جبروتهم11. إلا أن الملتمس بقي حبرا على ورق واستمر الوضع على حاله، ومكنتهم هذه الوضعية من إطلاق العنان لجشعهم ولاستيلاء على أموال الناس، لأنهم قبل كل شيء، طلاب ثراء وبسط نفوذ. ولقد تساءل روني أولوج بصدد هؤلاء قائلا: كيف يمكن لقائد أن يحيى حياة مترفة تفرضها عليه حظوته وضرورة استقباله يوميا للعديد من الضيوف كما يليق، إن لم يبتز من القبيلة المال واللحوم وغيرهما من المواد الغذائية اللازمة لولائمه. إنه ليستحيل على قائد لا يأكل قبيلته أن يظهر بمظهر لائق في بلاط الإيالة الشريفة. كما أن عجزه عن تقديم هدايا من مستوى رفيع، من شأنه أن يثير سخط القصر عليه ويؤدي حتما إلى تنحيته بعد فترة وجيزة12.كما أشار كوستاف بابان بدوره، إلى أن أول ما اعتنى به قواد أولاد عنينة عند توليهم قيادة قبائل مسيوا، هو بناء قصبة حصينة، وصاروا يجتزون نعاجها، وتمكنوا في فترة وجيزة من الاستيلاء على أراض شاسعة بالزج بأصحابها في السجن. ولم يتمكن المسيويون من التخلص من هؤلاء الطغاة واسترجاع أراضيهم إلا بعد أن ثاروا ضد الحكم المخزني وتخريب قصبة أولاد عنينة إثر وفاة السلطان مولاي حسن13. غير أن السكان لم يتمتعوا بهذه الأراضي سوى فترة وجيزة، أي قبل أن يتسلط عليهم الكلاوي ويجردهم من جل أراضيهم تقريبا بعد الزج بهم في السجون وتزوير عقود أملاكهم، كل ذلك بتزكية من خادمه وشريكه القاضي مولاي مصطفى. وأدى هذا الجور إلى تهجير أكثر من عشرة آلاف أسرة مسيوية أي ما يعادل ستين في المائة من سكان القبيلة14 بصرف النظر عن العديد من الجرائم الأخرى التي كان يرتكبها كحرمان ما بين ألف ومائتين وألف وخمسمائة فلاح من حرث أراضيهم أثناء كل موسم فلاحي وإرغامهم على المشاركة في عملية تاويزا لاستغلال أراضيه15. ولعل خير ما يستشهد به هنا بخصوص معاناة سكان القبائل من جبروت القواد وجشعهم الذي لا يترك للسكان لا مواشي ولا بهائم للحرث وحتى البذور للزرع16.شكوى أوردها روني أولوج عن أحد سكان قبائل تالواة التابعة للقائد حمو بن عم الكلاوي، جاء فيها ما يلي : " إلى أين نذهب ؟ لا فرق بين قبيلة وقبيلة، أعند الكندافي ؟ فقد استولى على كل أراضي وأشجار الزيتون والجوز واللوز بقبيلته. وحول أصحابها إلى خماسين بئيسين لا يحصلون من الغلال سوى على ما يكفي لإبقائهم على قيد الحياة. ثم اختتم المؤلف حديثه بهذه العبارة "، لا أحد أشبه بقائد سوى قائد آخر17 ". والقائد الكندافي هذا، هو الذي حكم في ما بعد مدينة تيزنيت ونواحيها كخليفة للسلطان. وكتب عنه محمد بن عبد الله الروداني في تحقيقه لكتاب إليغ قديما وحديثا، أنه استبد وابتز الأموال ما شاء له الابتزاز وربى طغيانه على طغيان من قبله، حتى صار الناس يترحمون على بن دحان. فلم يبق لأحد سبدا ولا لبدا، ومن أبى فالسجن، حتى أعفي من تزنيت سنة 181939. وكان ابن دحان طاغية حكم تزنيت وما حواليها عدة أعوام قبل الكندافي "وكم نكب بها بها من أفاضل وانتهب من أموال وخرب من بيوت بحجة انحراف أهلها عما جاء من أجله19. وختم المحقق تعليقه عن قواد سوس بهذه الآية " فتلكم بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ". وكان يعتمد هؤلاء القواد المتصرفون كإقطاعيين على العديد من المقدمين والأعوان لتنفيذ أوامرهم وإرغام السكان المستعبدين على تحمل ما لا طاقة لهم به؛ من دفع زكوات وأعشار كانوا يحرصون على تخصيصها للمؤسسات الدينية والمحتاجين، وضرائب مفرطة للصندوق المخزني، والفريضة للقائد، والسخرة للأعوان20.. ناهيك عن غرس الأراضي والاعتناء ببساتين شاسعة أنجزت بأجود أراضي القبيلة المنتزعة من سكانها الذين يكدون بها كخماسين، بالإضافة إلى المساهمة في عملية تاويزا لإنجاز البنايات والحرث والدرس وجمع المحصول الزراعي ووضعه في المطامير إلى غير ذلك من الأشغال التي يلزم السكان بالقيام بها دون الحصول على أية مؤونة. ويواجه القائد كل اعتراض من القبيلة لأعوانه بشريعة الغاب، وذلك بإرسال حركة الخيالة للقتل والنهب وهدم الدور وقطع الأشجار وإتلاف المزروعات والاستيلاء على الحبوب والمواشي وأسر السكان وهتك الحرمات21، يحدث كل هذا من قبل القواد بينما لا تسمح الأعراف السوسية لأي كان بوضع يده على امرأة حتى في حالة وقوع انهزام، إلى درجة أنها تمكنها من أن تأخذ معها كل ما تستطيع أخذه، من حلي وأشياء قيمة وعقود للأملاك لتنقذها من يد الغالب22. وأدى تصرف القواد المجحف والمفرط في التكرار23 إلى إفقار القبائل وتجويع سكانها وتشريدهم والدفع بهم إلى التمرد خاصة في عهد السلطان مولاي عبد العزيز. وكان ذلك من أهم العوامل التي أدت بالمغرب إلى فقدان حريته واحتلاله24. وقد لاحظ عبد الله العروي بصدد حديثه عن هذه الفترة ما يلي : إن التمرد القروي هو جانب آخر من جوانب الأزمة المخزنية بمعناها الأوسع. ولا أدل على ذلك من أن كل الاضطرابات الحادثة ببلاد المخزن هي التي كانت مسرحا لها، لا تلك المناطق التي تنعت ببلاد السيبا25. وليس خفيا أن السر في ذلك هو أن القبائل المخزنية كانت تئن تحت جبروت القواد ولا تترقب سوى فرصة التخلص منهم، على عكس القبائل العرفية التي كانت تعيش بفضل نظامها المساواتي وقضائها الجماعي في مأمن من الظلم والجور. وثمة دليل آخر أورده محمد المختار السوسي عن المناطق العرفية السوسية غير الخاضعة للمخزن حين قال : "إن أهل سوس أسسوا قواعد وحتموا اعتبارها وقوانين أيدوا بها أعمالها وإقرارها. ورتبوا جنايات الأموال في من تعرض لأحد ذهب لأسواقهم أو مواسمهم أو حصون المخزون فيها مؤونتهم وأمتعتهم، أو تعرض ليهودي في ملاحه أو في طريقه أو سرق أو جنى جرحا أو سفك دما أو غير ذلك، وشددوا في ذلك وعينوا النفاليس أعضاء الجمعية في كل قبيلة تجتمع في مدرستها عند وقوع تلك النوائب. ويكون الفقيه في المدرسة هو الحاكم المرجوع إليه في أمور الشريعة. وعلى هذا النمط بنيت أحوال سوس الأقصى كله في أوله وآخره، فانجبرت أحوال سوس وامتلأت المدارس بأنواع العلوم والفنون26. أما عمر أفا، فقد كتب عن الألواح التي تستند إليها بعض تلك الجماعات القبلية في إصدار أحكامها ما يلي : "وبقدر ما تسعى هذه الألواح إلى ضمان الحقوق الجماعية والفردية واستقرار الأمن، وضمان الملكية الفردية والجماعية وتحقيق التكافل الاجتماعي فإنها في نفس الوقت تشكل صورة أمينة وأصيلة للحياة الجماعية في مظاهرها الجغرافية والاقتصادية والسياسية، وتعكس الواقع الاجتماعي لتلك القبائل في صورة ما تعانيه من مشاكل، وما تعيشه من ديمقراطية جماعية27. وخشية القبائل العرفية من الوقوع في قبضة القواد وجبروتهم وما سيترتب عنه ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة إليها، هي التي جعلتها تناوئ النظام المخزني وتشترط عند الاضطرار إلى الانضمام إليه، خاصة في بداية الحماية، الاحتفاظ بقضائها العرفي الذي تطمئن إليه. ومن بين هذه القبائل : كونفدرالية قبائل أيت مكيلد التي استجاب السلطان مولاي يوسف لرغبتها في الحفاظ على أعرافها بظهير 11 شتنبر 281914. وجاء في الفصل الأول منه "إن القبائل البربرية الموجودة بإيالتنا الشريفة تبقى شؤونها جارية على مقتضى قواعدها الخصوصية تحت مراقبة ولاة الحكومة. وكذلك قبائل أيت محمد، بقيادة مرابط زاوية أحنصال التي تمسكت بالحفاظ على مؤسساتها وعدم إلحاقها بمنطقة نفوذ الكلاوي. وألحت على الالتزام بالحفاظ على أعرافها في اتفاق مكتوب قبل هدنة 1922 والخضوع للنظام المخزني29. واتخذ المجاهد أوعسو باسلام كذلك وهو متزعم مقاومة قبائل أيت عطا نفس الموقف، وأصر على التنصيص على الحفاظ بأعراف قبيلته في الاتفاق المبرم بعد معركة بوكافر، بجبل صغرو، التي اندحرت فيها القوات الفرنسية في ربيع 1933. وتوفق بدوره بهذه الاتفاقية، من إنقاذ قبائل أيت عطا من قضاء الكلاوي وجوره30. والخلاصة أن القبائل العرفية الأمازيغية لم تكن كما يروق للبعض زعمه قبائل بدائية لا تراعي أية قوانين أو هي عديمة الأمن والاستقرار، بل هي قبائل لها ألواح عرفية حظيت بإجماع السكان بما فيهم رجال الدين ويسهر قضاء جماعي منتخب ومراقب على احترام مضمونها خدمة للصالح العام. وهذا ما لم تتمتع به القبائل المخزنية التي كانت تعاني في نفس الحقبة من تسلط القواد على القضاء لخدمة أطماعهم على حساب من يتحكمون في رقابهم وباسم الدين. وهذا استنتاج يسمح بالجزم بأن القضاء العرفي الأمازيغي كان أرقى وأضمن لحقوق الناس من القضاء المخزني. المرجع والإحالات: 1- Robert Motagne – les berbères et le Makhzen – collection Archives P 414. 2 - Robert Montagne – les berbères et le Makhzen – collection archives – P. 414. 3 - Ibid - P. 370. 4 - Ibid – P. 373. 5 - محمد العثماني – ألواح جزولة والتشريع الإسلامي – منشورات وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية ص 164. 6 - نفس المرجع ص 174. 7 - Gustave Babin – le Maroc sans masque – imprimerie de Fédala – P. 28. 8 - Mohamed Mokhtar As-soussi Autour d'une table d'hôte – centreTarik Ibn Zyad – P. 146. 9 - محمد المختار السوسي – إيليغ قديما وحديثا المطبعة الملكية – الرباط ص 309. 10 - René Euloge – les derniers fils de l’ombre – Editions de la Tighermet– Marrakech – P. 177. 11 - Abdallah Laroui – les origines sociales et culturelles du nationalismemarocain – centre culturel arabe – P. 396. 12 - René Euloge – les derniers fils de l’ombre – Edition de la Tighermt –Marrakech - P. 25. 13 - Gustave Babin – le Maroc sans masque – Imprimerie de Fédala –page 110. 14 - Ibid – P. 99. 15 - Ibid – P. 141. 16 - Ibid – page 106. 17 - René Euloge – les derniers fils de l’ombre – Editions de la TighermtMarrakech – P. 183. 18 - محمد المختار السوسي إليغ قديما وحديثا المطبعة الملكية الرباط ص 308. 19 - Robert Montagne – les berbères et le Makhzen – collection Archives – P. 409.20 - نفس المرجع ص 309. 21 - Robert Montagne – les berbères et le Makhzen – collection archivesP. 130. 22 - Mohamed Mokhtar – As-soussi – Autour d’une table d’hôte – centreTarik Ibn Ziad – P. 82. 23 - Robert Montagne – les berbères et le Makhzen – collection archives –P. 403. 24 - Ibid – P. 414. 25 - Abdallah Laroui – les origines sociales et culturelles ou nationalismemarocain – centre culturel arabe – P. 367. 26 - عمر بن عبد الكريم الجيدي – العرف والعمل – مطبعة فضالة المحمدية ص 255. 27 - عمر أفا – تاريخ المغرب المعاصر – منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط - ص 147. 28 - Gilles Lafuente – la politique berbère de la France et le nationalismemarocain l’Harmattan – P. 22. 29 -30– Mustapha El Qadery – politique berbère et lecture du XXe siècle marocain – IRCAM. Rabat – P. 13.
|
|