|
|
الشرق الأوسط أم غرب آسيا؟! بقلم: مبارك بلقاسم تطلع علينا يوميا وسائل الإعلام الغربية والمروكية والعربوفونية بتسميات ومصطلحات جيوبوليتيكية قلما تحترم حقائق جغرافيا وتاريخ هذا الكوكب الذي نعيش فيه. وبالمنطق الجغرافي، فإن مصطلح «الشرق الأوسط» أو The Middle East لهو ربما أغرب مصطلح نسمعه يوميا في وسائل الإعلام، والأكثر تواترا على ألسنة الصحافيين والساسة. إلا أن أكثر ما يثير نفور المرء هو أن يجد بلده وقد تم إقحامه، بقدرة قادر، في قارة أخرى تبعد عنه آلاف الكيلومترات. نعم، هذا ما يحدث حينما يتم إقحام المروك والدزاير مثلا في قارة آسيا عبر “شبه قارة الشرق الأوسط” العجيبة من طرف فطاحلة وجهابذة الجغرافيا والجيوبوليتيكا من الساسة والإعلاميين. وبسبب التأثير الطاغي للإعلام الأميريكي خصوصا على مستوى العالم، فإن بقية العالم لا تملك إلا أن تردد وراءهم كالببغاوات المصطلحات والتصنيفات الخاطئة التي يخرجونها من قبيل “الشرق الأوسط” و”الشرق الأوسط الكبير” آخر التقليعات الجيوبوليتيكية. والملاحظ أن الأمريكيين لا يستعملون لفظ “العالم العربي” أبدا ويفضلون عليه “الشرق الأوسط” عكس البريطانيين (الذين اخترعوا “العالم العربي” أصلا). البريطانيون يتعمدون استعمال “الشرق الأوسط” حينما يتحدثون عن بلدان غرب آسيا ومصر فقط، بينما يستعملون دائما “شمال أفريقيا” North Africa حينما يركزون على شؤون بلدان تامازغا بالتحديد. حكاية الشرق الأوسط هو مصطلح انتشر في النصف الثاني من القرن العشرين لدى الأوروبيين والأميريكيين ليعوض مصطلحا أقدم هو الشرق الأدنى Near East الذي لم يكن يشمل مصر مثلا. أوروبا كانت تعتبر أن الشرق بسحره الخرافي يبتدئ من دمشق وبغداد وينتهي في الصين واليابان والفلبين حيث يوجد الشرق الأقصى Far East. ولم يكن لا الأوروبيون ولا المؤرخون الأمازيغ والعرب يعتبرون بلاد الأمازيغ شرقا. بل إن العرب أنفسهم يعتبرون بلاد الأمازيغ مغربا وليس مشرقا! إلا أن ضجيج ودعاية القومية العربية في الستينات والانقلاب الإيراني ساهما في أن يبدأ الأوروبيون في توسيع مفهوم “الشرق” في مخيالهم ليشمل شمال أفريقيا أيضا. فأصبحت مراكش وطنجة وأنفا ووهران “شرقا” أيضا رغم أنها تقع غرب باريس وأمستردام وبرلين وفيينا!خرافة الشرق الأوسط الكبير في العقد الأخير بدأ الأميريكيون والأوروبيون يطلقون اسم “الشرق الأوسط الكبير” على كل ما يقع بين إسلام أباد والرباط. بل إن البعض يقحم حتى بلدان آسيا الوسطى مثل كازاخستان في هذا الشرق الأوسط الكبير. هذا التصنيف العشوائي مرتبط بكون هذه البلدان إسلامية الدين (باستثناء إسرائيل) وغير ديموقراطية ينتشر فيها الإرهاب والتطرف والأصولوية والاحتقان الاجتماعي والأزمات والحروب وكراهية أميريكا وتملك الكثير من النفط والغاز وتعشش فيها القاعدة ومشتقاتها. مما يجعلها تستدعي تصنيفها كـ”شرق” قابل للانفجار في وجه “الغرب” ويستدعي التعامل الحذر معه. هاهم الأمازيغ إذن وقد أصبحوا عضوا مقبولا في عائلة “الشرق الأوسط الكبير” يدخلون في استراتيجيات الغرب لمحاربة الإرهاب والتطرف من جهة، ويتم إقحامهم في حروب ونزاعات غرب آسيا التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، من جهة أخرى. ومن المؤكد أن الأمازيغ لن يحصدوا من كل ذلك سوى التخلف وانتشار الإرهاب في بلدانهم والتبعية للأجانب الأوروبيين والآسيويين. رؤية الأمم المتحدة قام قسم الإحصائيات لدى منظمة الأمم المتحدة بتطوير تقسيم جغرافي مبسط للعالم اسمه: United Nations Geoscheme. يقسم هذا النظام العالم إلى 7 قارات هي: أفريقيا، أوروبا، آسيا، شمال أميريكا (بما فيها دول أميريكا الوسطى وغرين لاند)، جنوب أميريكا، أستراليا، وأنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية). أما تقسيم الأمم المتحدة للمناطق الإقليمية (جهات العالم) فهو جغرافي بحت أيضا. حيث لا يوجد شرق مطلق ولا غرب مطلق ولا تسميات عرقية ولا لغوية ولا دينية. فبالنسبة لأفريقيا لدينا 5 جهات: 1)أفريقيا الشمالية (المروك، الدزاير، تونس، ليبيا، مصر والسودان). 2)أفريقيا الغربية (موريتانيا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال...). 3)أفريقيا الوسطى (تشاد، الكونغو، انغولا، رواندا...). 4)أفريقيا الشرقية (الصومال، كينيا، تنزانيا...). 5)أفريقيا الجنوبية (جنوب أفريقيا، ناميبيا...). أما أوروبا فمقسمة إلى شمال وجنوب وشرق وغرب. ثم هناك جهة أميريكا الشمالية (أميريكا وكندا)، وجهة جزر الكاريبي، وجهة أميريكا الوسطى، وجهة أميريكا الجنوبية. وفي آسيا هناك خمس جهات جغرافية مثل أفريقيا. وهكذا تنتمي بلدان العراق وتركيا وسوريا والسعودية والأردن إلى منطقة غرب آسيا وليس “الشرق الأوسط”. ولا تعتبر الأمم المتحدة “الشرق الأوسط” و”العالم العربي” مصطلحات رسمية لذا فهي لا تستخدمها في وثائقها وإصداراتها الرسمية. مصطلحات استعمارية لمشاريع استعمارية إذن ليس هناك “شرق أوسط” ولا “عالم عربي” ولا “عالم فرنكوفوني” ولا “أميريكا اللاتينية”! هذه المصطلحات العرقية والشمولية والاستعمارية لا يقبلها العقل المحايد الموضوعي العلمي. هذه المصطلحات يستخدمها وينشرها ذوو الأحلام الاستعمارية الذين يريدون إخضاع الشعوب والثقافات العريقة لمشاريعهم الاستعمارية التوسعية الإدماجية. إن من يستخدم ويروج لهذه المصطلحات الخاطئة يقوم بالتشطيب على هويات وثقافات شعوب هي الأعرق في العالم، من الأمازيغ إلى هنود كندا وأميريكا والمكسيك، إلى الأكراد، إلى النوبيين، إلى الأقباط، إلى الدارفوريين، إلى سكان الأمازون وبوليفيا، إلى أمم أفريقيا العريقة جنوب الصحراء، إلى سكان أستراليا الأصليين، إلى الكورسيكيين والبروتونيين والأوسيتانيين والباسكيين وسكان التيبت والأويغور، واللائحة طويلة جدا. فلنقم بنفض هذه المصطلحات الاستعمارية عن تفكيرنا ولنبدأ في رؤية العالم كما هو بدون مسميات متكلفة، إقصائية، أو عرقية.
|
|