|
|
قراءة في
الفيلم
الأمازيغي " تابْرات*"=الرسالة
بقلم: لحسن ملواني قصة الفيلم: في قرية أمازيغية وادعة تحيط بها الفيافي تدور أحداث الفيلم، قرية يعيش أهلها علاقات يطبعها التضامن والوئام وتكامل الأدوار، حرفيون، فلاحون، نساء رجال، يساند بعضهم بعضا... وحدث فجأة أن توصل السكان برسالة من " موغا "فحواها رغبته في اختيار عمال مغاربة، سيعمل على نقلهم إلى فرنسا وهولندا وبلجيكا واعدا إياهم بتحسين أحوالهم، وينتهي الفيلم باكتشاف مؤسف يتعلق بوقوع الكل في حبال النصب والخداع، فصاحب الرسالة الحاضر إلى القرية لتنفيذ مراده لم يكن سوى محتال انتحل شخصية "موغا " وقد فر بسيارته بعد أن جمع من السكان مبالغ مالية كبيرة، ليترك الكل نادما وناقما مما وقع. في الفيلم رسائل: الفيلم يحمل عدة رسائل - علاوة على الرسالة الخادعة التي تمثل عنوان الفيلم- ويصب موضوع هذه الرسائل في ضرورة التمسك بالأرض والموطن بدل التيه والجري وراء السعادة الموهومة. وإذا اعتبرنا كل خطاب رسالة نحاول عبرها البحث عن الدفع بالمخاطب نحو تطبيق فحواها انطلاقا من قرائن إقناعية، فإن الفيلم الذي نحن بصدد قراءته مفعم برسائل من ذا وذاك وتلك، رسائل تخدم الغرض العام الذي يسعى الفيلم إلى تبليغه، ويتعلق الأمر بالعمل على البناء خدمة للموطن انطلاقا من الاعتماد على الجهود الذاتية (فضاء الفيلم المتمثل في القرية القائمة معزولة في قلب صحراء مناسب اعتبارا من كونها تظهر ملمحها المحتاج إلى تضافر الجهود من أجل تحسين مرافقها وزراعة أراضيها). فموضوع الفيلم ومساحته الزمكانية تتقاسمها الأحداث عبر تصرفات ومشاعر وخطابات متبادلة تحمل وجهات نظر مختلفة، وجهات تنتظم في مسارين متقابلين: -المسار الأول: مسار التخلي عن الأرض والسفر نحو بديل أجدى وأنفع، وللمنضوين تحت هذا المسار تبريراتهم الخاصة من قبيل الهجرة من أجل الرفع من مستوى العيش بالقرية، التمكن من مورد مالي يساعد على رغد العيش... -المسار الثاني: مسار التمسك بالأرض وخدمتها انطلاقا من المعطيات المتوفرة وللمنضوين في هذا المسار تبريراتهم من قبيل كون الهجرة للقرية لن يساعد سوى على إضاعتها وإخلائها والسفر نحو ثراء غير مضمون قد يكون البحث عنه طريقا نحو المجهول واللاعودة. من مرتكزات الفيلم: إن ثقل الفكرة المسندة إلى الفيلم من أوله إلى آخره كان مركزا على الشخصيات عبر تصرفاتها وخطاباتها ومظهرها علما أن بعض الأفلام نجد التجسيد للموضوع فيها يتم عبر فضاء مفتوح يتدخل فيه المكان والزمان والتأثيثات والموسيقى بشكل شبه متوازن**. وبدءا نشير إلى أن الشخصيات في الفيلم الأمازيغي غالبا ما تنعمل بخطة الانتفاع والتماسك خدمة وإثمارا لمعززات فكرة الفيلم، فليس في الفيلم شخصيات يمكن خندقتها في جانبيات على حساب أخرى، وإنما نلاحظ ونستشف خطة الترابط الدافعة بالشخصيات نحو تأدية أدوار تتقاطع صوب تحقيق مقصدية مستهدفة بشكل شبه مباشر. والشخصيات في الفيلم الأمازيغي ركيزة لكل منها بناء يتطلب التهيئة ودقة الملمح ومناسبة الدواخل واللغة والأدوار المسندة إليها خاصة وأغلب هذه الأفلام تحاول إحياء عوالم وأحداث مرتبطة بماض ما. كل ذلك يقتضي جهودا إبداعية تجعل الحدث واقعيا مقنعا يجسد المبتغى منه بكل جدارة فيصير بذلك تصويرا لأحداث جرت في قلب الحياة. والحال أن الشخصيات في فيلم "تابرات = الرسالة " ظهرت بنوع من النضج والإتقان في الأداء بشكل مؤثر تأثيرا مبنيا على متناقضات يقاسمها الفرح بالهجرة وحزن التوديع والمغادرة وأسف الفشل والسقوط في الخدعة المحيكة. وسنعرض لتجسيد فكرة الفيلم انطلاقا من الإشارة إلى الشخصيات بشكل تصنيفي استنادا إلى تموقعها ضمن نسيج الأحداث كالتالي: حرفيون: للحرفيين حضور مركزي خاص في الفيلم، فهم المجسدون لليد العاملة التي سيحدو بها الطموح نحو تغيير واقعها المعيش، وهي التي سيقع عليها النصب والاحتيال لتشعر بالندم والاقتناع بمواصلة العمل في قريتها. الحرفيون في الفيلم يتحاورون، يتمازحون، يبادلون الرأي، في حديثهم هموم المهنة، وقد اتخذ ذلك تمهيدا فنيا يجعلهم صنفين، صنف يؤيد الهجرة، وصنف لا يرى فيها سوى التيه والضياع، ويتعلق الأمر بيعقوب الذي فضل المكوث في القرية، واشتراء أملاك من يرغبون في المغادرة، حيث سيضطر بعض الحرفيين إلى بيع ممتلكاتهم من أجل الحصول على مبلغ ألف درهم ثمنا لتذكرة السفر وفق طلب "موغا" شيخ القرية " أمغار": شخصية مترفعة عن العواطف والمحاذير تفكر في المصلحة الجالبة للخير وفق منظورها فحسب. شخصية مركزية حركت أحداث النص انطلاقا من قيادتها وتوجيهاتها على ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون. فهي المشيعة لما ورد في الرسالة وهي المستقبلة لموغا وهي المشرفة على اختيار العمال المرشحين لمغادرة القرية نحو الخارج. وهي أولا وأخيرا المقررة وقرارها هو القابل للتنفيذ. مقارنة بأطراف أخرى. فقد طبعت السرعة موقفها فنفذ المطلوب غير مبال بتدخلات كل من إمام المسجد وصالح الرجل الفلاح ذي العلاقة الحميمية بفلح الأرض والعناية بها. إمام المسجد و"صالح " يعتبر إمام المسجد الشخصية التي لا تكاد تخلو منها الأفلام الأمازيغية، فلها أدوار مختلفة حسب قصة الفيلم، فهي الخادعة أحيانا، وهي المنافقة أحيانا، وهي المشعوذة أحيانا... وهي في هذا الفيلم المتبصرة بأبعاد ما سيقدم عليه أهل القرية. فقد أدت دور الردع والمعارضة، فالإمام من أبرز المعارضين للهجرة سواء عبر حواره مع طلبته، علاوة على حَمْله همَّ ضياع أملاك القرية حين طالب من "صالح " اشتراء الأملاك من أصحابها بدل تركها ليعقوب (المشكوك في حسن نيته ربما) والذي فضل البقاء في القرية معتزا بمهنته (صنع البرادع)، وغرض الإمام من ذلك إرجاعها إلى أصحابها يوم عودتهم من الغرب. وعلى ذكر "صالح " يعتبر الشخصية التي تمسكت بالأرض في خطاباتها وفي سلوكاتها من بداية الفيلم إلى نهايته، وقد انتهت رسالته وموقفه الذي تشبث به بالنصر حين خُدع الكل مخدوعا بمغريات غير مضمونة... وهو المقتنع بما يفعل رادا على كل الساخرين من مواقفه وسلوكاته إزاء القرية ومن بين ردوده على من سأله عما إذا كان سيعيش - وهو الشيخ المتقدم في السن- حتى ينتفع بما يغرسه القولة المشهورة (زرعوا فأكلنا وسنزرع ليأكل من سيأتي بعدنا ). "موغا ": شخصية أدت دورها التحايلي عبر الملبس ونوع السيارة واللغة المازجة بين الأمازيغية والفرنسية، وإظهار الإعجاب بمعالم القرية وموقعها. وقد جعلته كل هذه السلوكات والمواصفات يفلح في النصب على الشيخ ومن هم تحت مسؤوليته. ولم يكتشف أمره إلا بعد فوات الأوان. الشاب وأمه وعشيقته: تنويعا لأحداث الفيلم وخدمة للموضوع الأساسي يقف المتفرج على أحداث مؤثرة خصوصا حين هم َّ الشاب بمغادرة القرية مع المرشحين لذلك حيث تجاذب مع عشيقته التي لا ترى في الهجرة سوى التيه والضياع، وقد تمكن من إقناعها فسلمته بعض الحلي سرا إتماما للمبلغ المطلوب من قبل "موغا"، كما أنه تجاذب مع أمه التي لا تؤيده في مسعاه، إلا أنه – بحكم كونه ابنها الوحيد الذي ليس لها إلا هو بعد موت أبيه – تمكن من أن ينتزع منها حليها وتأييدها المغادرة مع الآخرين. يعقوب: يمثل شخصية حرفي نشيط تعايش بإيجابية مع بقية الحرفيين، ويظهر من خطاباته ذكاؤه وإدراكه قيمة الأرض وأهمية التكامل والتضامن من أجل التضامن والكسب. شخصية لم تغتر بالهجرة، ولم تكن مهتمة بمغادرة القرية، لذلك يعد من الناجين من النصب والاحتيال إلى جانب كل من صالح وإمام المسجد. هكذا نرى أن فكرة التشبث بالأرض تجسدت عبر التفاعلات بين شخصيات بعضها يحمل موقف الاندفاع نحو مغادرة القرية بحثا عن الثراء لتحسين ظروف العيش وشخصيات ترفض المغادرة وتفضل البقاء والتضحية من أجل الرفع من شأن القرية اعتمادا على الجهود الذاتية بدل البحث عن سعادة قد تكلف الكثير فتتحول إلى شقاء. وقد انتصر كاتب القصة لموقف الشخصيات الأخيرة حين جعل مسارها في آخر الفيلم مسار المنتصر الناجي من الغبن والانخداع. الفيلم يقدم رسالة إنسانية وتربوية راقية عن وجوب التمسك بالأرض والموطن بدل الخروج عن مسار الحياة الاعتادية بحثا عن حظوة بسعادة وهمية. نهاية الفيلم نهاية الدموع والسخرية والمفاجآت: لقد كانت خاتمة الفيلم خاتمة درامية لأنها تمثل لحظة الحسم بين من سيودع القرية ومن سيفارق والدته وعشيقته..، وبين من تحدوه الفرحة العارمة للهجرة كبديل مناسب للقرية ووضعها الباعث على التشاؤم، وبين من سيبقى منتظرا إياب المهاجرين في ريبة وشك.. علاوة على اتهام مفاجئ للشاب المدعى "أركاز "، اتهام بسرقة الخنجر المهدى إلى "موغا" تهمة أثرت على أمه وعشيقته، لكن "صالح" المعروف بتعلقه بالقرية وبصلاحه برَّأه من تلك الجريمة... المفاجأة الكبرى تمثلت في إعلان خادم ورسول شيخ القرية أمام الجميع بأن "موغا " لم يكن سوى خادع بوعود كاذبة، لينتهي الفيلم في مشهد يؤكد على وجوب الاعتزاز بالموطن وخدمته. الخاتمة مؤثرة لكونها خاتمة دامعة اعترتها أحداث مفاجئة خدمت حبكة وتشويقية الفيلم. وتبقى الأفلام الأمازيغية مساهمات ينضاف بعضها إلى بعض، وعبر تراكمها تصير نتاجا قابلا لوجهات نظر تبرز مزاياها وهناتها، كل ذلك سيتخذ منفذا لإعادة النظر في فنيتها المحتاجة إلى مزيد من البحث والجهد والإبداع. هوامـش: * فيلم " تابرات " من إخراج: علي أيت بوزيد – سيناريو وحوار: الحسين برداوز- قصة وفكرة علي أيت بوزيد. تشخيص كل من: الحسين برداوز- أحمد ناصيح – مصطفى اباريك زاهية الزاهيري – لحسن شاوشاو – آمنة أشاوي – لحسن اكتير – بيب رديد – سعيد وارداز- الحسين إدهمو – فاطمة بيكركر- الطيب اقديم – زاينة السايح –فاطمة إكيري- محمد جامو. ** لا يعني هذا أن الفيلم المتناول في مقالنا خال من هذه العناصر.
|
|