|
|
الأمازيغية وحرب السياقات بقلم: شكري عمر (خنيفرة) أعتقد أن النضال داخل الحركة الأمازيغية يقتضي فيما يقتضيه، أولا التسلح بمنهج نضالي علمي خاضع لحسابات دقيقة، ومنضبط لجملة من القواعد الصارمة، تفاديا للانحسار من جهة ودرء للصدمات القاتلة من جهة أخرى. إن الإرهاصات الجنينية التي بدأت تطل علينا بين كل فينة وحين لما يمكن تسميته بحرب السياقات الخفي منها والمعلن تدعونا أكثر من أي وقت مضى إلى المزيد من الاحتراس والحذر. خاصة وأن هذه الحرب تتوسل فيها التنظيمات المعادية بكل أساليب التضليل وتهييج المشاعر وتأليب الضمائر والتشويش على خطاب الحركة الأمازيغية، وبالتالي محاصرة ما هو محاصر أصلا. الصراع و القوالب المنمّطة: لا يمكن لذي عقل وفكر سليمين إلاّ أن يشجع ويثمن الصداقة بين شعوب العالم، باعتبارها أمرا محمودا مفعما بالنبل والشهامة ومبتغى كان و لا يزال هاجس البشرية منذ فجر التاريخ، كحلم يبدو غارقا في "اليوتوبية" تتوق الإنسانية جاهدة إلي تحقيقه ونقله من إطاره النظري إلى ممارسة معاشة. إن مد جسور الصداقة بين الأمازيغ وباقي شعوب العالم ما هي في حقيقة الأمر إلا امتدادا واستمرارا لما أسسه الأجداد عبر جغرافيا وتاريخ تامازغا، فكانوا فعلا نموذجا للتفاعل بين ثقافات وشعوب الشمال والجنوب كما الشرق والغرب، دون أدنى مركب نقص؛ ما لم يمس هذا التفاعل بسيادتهم على أرضهم وثقافتهم وما يعزز هذا المذهب قولهم: Da ittawi udghar ayt wulawen أي إنما يحتمل الحيز الصغير أهل القلوب، قلوب المحبة والتسامح و الحوار بطبيعة الحال.إلاّ أنه، وفي هذا الصدد وجب الإشارة إلى أمر يحتل صلب هذه العلاقة كما أسّس لها الأجداد، مفادها أن بناء صرح المحبة بين الأمازيغ و شعوب العالم لا يجب البتة أن ينبني على دوافع مصلحية ضيقة كما لا يجب أن ينبني على ردود أفعال وحسابات سيّاسية أو إيديولوجية تفسد عليه طابعه النبيل، وتزيل عنه نقاوة وعذرية الأحاسيس وأصالة المحبة الصادقة. إن هذه المقالة لا تسعى إلى التشكيك في نوايا دعاة التطبيع مع كل شعوب العالم أيا كانت ملّتها، لأننا نحن معشر بني مازغ ندين بدين الحب والحرية ؛ فهما عقيدتنا وملتنا الراسخة والصالحة لكل زمان ومكان. كما أنني لا أسوّق هنا لخطاب مثبط للعزائم والهمم، لكن هذا لا يمنع من الدعوة إلى التوقف مليّا عند بعض الأمور مع إحسان الإصغاء لها، ووضعها في سياقاتها الصحيحة دون اندفاع ولا عاطفة، فثمة أمور يجب وضعها تحت مجهر المجريات السوسيوثقافية، قصد قيّاس درجة حرارتها ومدى تأثيرها السلبي أو الإيجابي. صحيح أن هناك قانونا شهيرا في الدراسات النفسية يؤكد على أنه لا توجد جماعة بشرية يمكن أن يتفق أفرادها جميعا على موقف فكري واحد، بيد أن هذا النوع من القوانين يسري فقط على المجتمعات التي تخطت عتبة الوصاية والحجر، وكسرت منطق الولاءات المصطنعة وأعلنت تحررها وأسست تعاقدا مبنيا على الاختلاف والتعدد الممأسسين. أما مجتمعات الدرجة الصفر، والتي تشتغل وفق مبدأ الوفاق الأسطوري والديني والتي لا تزال تستظل باللاهوت وعقلية القطيع، من قبيل أمة واحدة، دين واحد، وطن واحد، زعيم واحد... فتصور هذا الاختلاف على أنه فتنة والفتنة أشد من الكفر إلى آخر الأسطوانة المهترئة. فكل صيحة خارج هذا القالب الواحد تعد خيانة عظمى ومؤامرة ما بعدها مؤامرة... في هذا الإطار وهذا النحو تستثمر الجهات المعادية بالدعاية المغرضة العلاقات التي يسعى الأمازيغ إلى إعادة توطينها في بلاد تامازغا، قصد النيل من الحركة الأمازيغية وتقويض مراميها وذلك كما قلنا بمحاولة الزج بها في سياقات منتقاة بكل خبث ودهاء سياسيين، خاصة أن الناس يميلون للحكم وفقا لأنماط جاهزة ومسبقة؛ فتخلق بذلك لدى الجمهور وعيا شقيا ملؤه الضغينة والحقد ويصبح معه الألم عملة لتسديد دين الأخطاء.لماذا السياقات؟ لقد تأسست العديد من اتفاقيات التوأمة بين مناطق في المغرب ونظيرتها في الخارج، كما تأسست العديد من جمعيات الصداقة المغربية وأخرى أجنبية ومنها على سبيل الذكر لا الحصر جمعية الصداقة المغربية الفرنسية والمغربية الإسبانية، دون أن تلقى أي معارضة تذكر، والكل يعلم حجم وطعم الويلات التي ذاقها المغاربة في ظل هذين الاستعمارين الغاشمين، ناهيك عن حجم الدمار والفساد الذي راح الشعب المغربي ضحية له ؛ بل الأنكى أن هاتين الدولتين أبادتا البلاد والعباد. فإسبانيا مثلا رشّت أمازيغ الشمال بالمواد الكيماوية المحظورة على مرأى ومسمع من العالم، والتي ما زالت آثاره جاثمة على الضحايا إلى يومنا هذا. وبدون زوابع – لأن الضحايا أمازيغ - إسبانيا سلبت منا سبتة ومليلية ومجموعة من الجزر عنوة وتستنزف خيراتنا البحرية وتحاصر منتوجاتنا الفلاحية وتدعم الكيّان الوهمي في صحرائنا ومع ذلك تبدو الأمور عادية جدا، أو لنقل تصنع الأحداث لتبدو على نحو طبيعي، وبدون زوابع. فلماذا الصداقة مع إسبانيا والعداوة مع إسرائيل مع العلم أن إسرائيل لم ترش يوما الأمازيغ بالغازات السامة ولم تخلق أو تدعم كيانا أشبه بالعلقة الذي مص اقتصاد الدولة لأزيد من 30 سنة. حزب اللحى المغربي من أكبر الدعاة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية جهرا، ومن الزبناء الأوفياء المتهافتين على منتجات إسرائيل سرا وهذا ما قام به عمدة مدينة مكناس والمحسوب على هذا الحزب في زيارته الأخيرة لجلب بذور "الطماطم" من إسرائيل. وبدون زوابع. اليساريون البعثيون في "العالم العربي" كذلك أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وندّدوا واستنكروا، لكن هل تناسوا بأن ملهمهم وقائدهم ومعلّمهم ونبّيهم كارل ماركس من أصول يهودية، نفس ما قيل ينطبق كذلك على زعيم حركة إلى الأمام المغربية فهو من أصول يهودية. وبدون زوابع. إذن إذا مدّ الإسلامي يده للإسرائيلي لقضاء مآربه الشخصية فلا حرج ولا إثم عليهم و لا هم يحزنون، ما دامت هناك أخوة الرسالة الربانية. والبعثي العروبي إذا استلهم خارطة طريقه وفلسفة وجوده من اليهودي فذلك مستساغ في إطار الأممية الاشتراكية، والرفاقية الإيديولوجية. لكن أن يمد الأمازيغي يده في إطار علاقة إنسانية نبيلة متعالية، تقوم القيامة، وتثار الزوابع. وهذا ما حدث بالفعل عند الإعلان عن تأسيس جمعية سوس العالمة للصداقة الأمازيغية اليهودية وجمعية الذاكرة المشتركة. لقد تفتقت إثرها عبقرية العروبيين البعثيين والإسلامويين، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها متوسلين في ذلك خطاباتهم التضليلية وعزفهم على الأوتار المرهفة للمغاربة، مستغلين الوضع المأساوي الذي يرزخ تحته فلسطينيو غزة جراء الحرب الدّائرة بين فلسطينيي حماس والقوات الإسرائيلية. نحن إذن نعيش زمن الخوصصة بامتياز، خوصصة العلاقات الإنسانية، خوصصة الصداقة و النبل والحب والمشاعر. أي نعم، نحن نعيش زمن إيديولوجيا باسبارتو Passe par tout نسمّيها: الإشترأسلامية، فهي تصادر حق الحب وتحتكر إنتاجه. وتنتزع منّا وسائل إنتاج الأحاسيس والعواطف وتحولنا إلى بروليتاريا، إي إلى عموم الكادحين. كما تنتزع منا كذلك كل وسائل إنتاج رأسمالنا الرمزي اللغوي والحضاري وتحاول إخراجنا من حزب الحب والحرية الذي أسسناه وانخرطنا فيه منذ ملايين السنين، لتمنح لنا بطاقة الانتماء إلى معسكر الكراهية والضغينة والإرهاب؛ وهذا ما لن نقبله أبدا.خلاصة القول، ليست الصداقة في حد ذاتها هي الموضوعة موضع تساؤل، وإنما الأمازيغية. (شكري عمر خنيفرة)
|
|