|
|
قراءة في «أرضية الاختيار الأمازيغي». بقلم: محمد مغوتي (قاسيطا) مدخل: بتاريخ 13 يناير 2007، الذي يوافق فاتح السنة الأمازيغية2957، حررت مجموعة «الاختيار الأمازيغي» ما سمته- »أرضية»- لمستقبل نضال الحركة الأمازيغية في سعيها لإحقاق حقوقها الهوياتية،وتغيير سلوك الدولة المغربية في معالجتها لهذه القضية.وقد تضمنت الأرضية المذكورة استعراضا تاريخيا للحضور الأمازيغي في المغرب قبل وأثناء وبعد الحماية الفرنسية. إلا أن أهم ما يثير الانتباه في هذا العمل، هو التركيز على الهوية كبعد أساسي في التعامل مع ملف الأمازيغية ببلادنا. ومن هذا المنطلق تقدم الأرضية ما يمكن اعتباره»خريطة طريق»، لمستقبل العمل النضالي الذي ينبغي السير فيه من أجل تحقيق المطالب المشروعة للحركة الأمازيغية. ونظرا لقيمة وجدة الطرح الذي تحمله هذه «الخريطة»،سأقدم في هذه الورقة قراءة في مضامين وأبعاد الأرضية التي تقترحها (مجموعة الاختيار الأمازيغي) من خلال استحضار سؤالين أساسيين هما: أية فائدة تجنيها الأمازيغية من وراء العودة إلى التاريخ؟وما هي الرؤية التي تحددها الأرضية لمستقبل الأمازيغية؟.نافذة على التاريخ: يحضر التاريخ في»أرضية الاختيار الأمازيغي»بأشكال مختلفة، فهو شاهد على عمق الهوية الأمازيغية وتجذرها بمنطقة شمال إفريقيا من جهة، وعلى الإقصاء السياسي الذي تعرضت له في المغرب من جهة ثانية، وعلى النضالات التي خاضتها الحركة الأمازيغية في مغرب ما بعد الاستقلال من جهة ثالثة. وإذا كان المستوى الأول لاستدعاء التاريخ في هذا المقام، لم يأت بجديد يستحق الوقوف عنده، فإن المستوى الثاني لشهادة التاريخ يحمل بين ثناياه مشروع رؤية مستقبلية تستند مرجعيتها على فهم جديد للتاريخ، إذ لا نجد في خطاب «المجموعة»تلك البكائيات الطللية التي عادة ما وسمت فهم الناشطين الثقافيين الأمازيغيين لتاريخ شمال إفريقيا. وهكذا تتوقف الأرضية عند سنة 1912 كتاريخ مفصلي في مسار السؤال الهوياتي في المغرب، حيث تقرأ في معاهدة الحماية- التي استباحت بموجبها فرنسا أرض المغاربة – استهدافا للشخصية الأمازيغية، إذ ابتداء من هذه السنة إلى غاية 1933 اتجه الفرنسيون إلى»التدمير العسكري للبنيات السوسيوثقافية والاقتصادية والسياسية للقبائل الأمازيغية، بالشمال والجنوب والوسط بدون استثناء.»(1). وبناء على هذا المخطط تعرض المغرب»الأمازيغي»لحملة ممنهجة تواطأ فيها المحتل الأجنبي مع النخب المدينية المغربية في تلك المرحلة، فكان أكبر متضرر من النظام الحمائي، هم الأمازيغ الذين هبوا جميعا لمقاومة الغزاة فعرضوا أجسادهم للنار، وتعرضت مواردهم الطبيعية للمصادرة، واكتفوا بالانغلاق في المناطق التي تعرف في القاموس الاستعماري بالمغرب غير النافع. بينما كان العروبيون المغاربة القاطنون بالمدن يهيئون أنفسهم لاستلام زمام الحكم في مرحلة ما بعد الحماية من خلال الدراسة والتكوين في المدارس الفرنسية . في سنة 1934، دخلت الهوية المغربية نفقا جديدا دشنته النخب السياسية ب»وثيقة المطالبة بالإصلاحات». وهي الوثيقة التي أصبحت فيما بعد تشكل مرجعية تأسيس الأحزاب السياسية في المغرب، حيث تنص على أن»الوحدة الوطنية المغربية تتأسس على الهوية الثقافية العربية الإسلامية.»(2). وهكذا انضم المغرب إلى النادي العربي بجرة قلم، توجت الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي الذي مارسه المستعمر الفرنسي في حق الأمازيغية بإقصاء سياسي خططت له «كتلة العمل المغربي» هذه المرة. ولعل هذا الإقصاء كان أشد وطأة وتأثيرا على الأمازيغية. فجراح الحروب يمكن أن تندمل مع مرور الأيام، فتصبح مجرد صفحة من الماضي، تستعيدها ذاكرتنا بكل فخر واعتزاز. أما جراح الهوية والانتماء ،فهي مستعصية على المداواة لأنها كابوس يطارد الإنسان في كل لحظة وحين. ذلك أن هذا الإقصاء السياسي للأمازيغية في عقر دارها بالشكل الذي أسست له وثيقة 1934، ما زال ساري المفعول في مغرب 2008، على الرغم من كل النداءات والمطالب التي تصدح بها المهرجانات والندوات التي تنظمها الفعاليات الثقافية في كل مناطق المغرب. وبذلك فإن ما عرفه المغرب منذ 1956 في ملف الأمازيغية ليس إلا تنفيذا لبرنامج دقيق يهدف إلى تعريب الشخصية الأمازيغية على كل المستويات والأصعدة. وبعودتنا إلى الأرضية التي نحن بصدد قراءتها سنتوقف عند مظاهر هذا الإقصاء، إذ منذ فجر الاستقلال بدأت النخبة الحاكمة التي تخرجت من رحم «كتلة العمل الوطني»في ردع الطموحات السياسية الأمازيغية، وأمام رفض الفئات الشعبية لهذه السياسة، لجأ المخزن إلى العصا الغليظة التي طالت أبناء المغرب الجديد وانتهت بالأحداث الدامية بالريف سنة 1958 ـ 1959، وبعد المحاولتين الفاشلتين لقلب نظام الحسن الثاني في بداية سبعينيات القرن الماضي، والتي قادها عسكريون (أمازيغ)، توفرت لأعداء الأمازيغية فرصة أخرى للإجهاز عليها في ظل تبني القضايا السياسية العربية والتعامل معها كقضايا وطنية ذات أولوية، في الوقت الذي تواصلت فيه سياسة مصادرة الشخصية المغربية الأمازيغية في التعليم والإدارة ومختلف تفاصيل الحياة العامة للمواطن المغربي...هكذا إذن قدمت»أرضية الاختيار الأمازيغي» تاريخ الأمازيغية في المرحلة الفاصلة بين الحماية الفرنسية والسنوات الأولى التي تلت استقلال المغرب. وقد سبق لي في بداية تتبع هذا المسار التاريخي أن تحدثت عن 1912 بوصفها محطة مفصلية في حضور الأمازيغية ببلادنا. والواقع أن هذا الاستنتاج لا يتعلق بما يقدمه لنا التاريخ من حقائق فحسب، بل يرتبط أيضا بالمشروع الذي تقدمه «مجموعة الاختيار الأمازيغي»، حيث نقرأ في إحدى فقرات الأرضية أن: «ما قبل 1912يشكل الواقع الأمازيغي الأصيل، وما بعد 1912 إلى اليوم، هو نفي لذلك الواقع الأصلي ونقيض له.»(3).وهو ما يعني أن هذا المشروع يتأسس على هذه الخلفية التاريخية التي تعتبر الفترة التي سبقت الحماية هي مرجعيتها السياسية، ومن خلالها يدعو أصحاب الأرضية إلى العودة إلى تلك المرحلة»بشكل جدلي أي أرقى وأكثر تقدما»(4).ومن الواضح أن المحدد الرئيسي لهذه العودة هو مفهوم «الهوية»في عمقه الحقيقي. ولنا في الموضوع قول بعد حين. النقد الذاتي: لم تقدم «مجموعة الاختيار الأمازيغي»مشروعها بمعزل عن السياق العام لتراكمات نضال الحركة الأمازيغية. وهكذا ذكرتنا بأهم المحطات التي ميزت علاقة الحركة بالدولة المغربية،وتوقفت عند بعض اللحظات التي بدأت فيها الأمازيغية تحقق»مكاسب» معينة سواء تعلق الأمر بما تحقق فعليا على المستوى الوطني، أو بما حصل من وعي بالقضية، تجاوز حدود المغرب. ولئن كان هذا التذكير لا يعدو أن يكون مبدئيا مجرد اجترار للتاريخ، فإن موقف»المجموعة»- من النهج الذي اتبعته الحركة الأمازيغية في نضالاتها السياسية والثقافية-يستحق المناقشة. ذلك أننا نطالع في «الأرضية»ما يمكن اعتباره نقدا لأسلوب العمل الذي اختارته الحركة في نضالاتها. وفي هذا المقام،تميزت المطالب بتعددها وتنوعها، الأمر الذي بدت معه الحركة الأمازيغية مفتقرة إلى مشروع سياسي واضح يسيجه سقف محدد، يتم في إطاره مخاطبة الدولة وفق أجندة واضحة ومتينة. ومن هذا المنطلق نخلص إلى أن»تعدد المطالب وتشعبها يكشفان عن حقيقة، مفادها أن الحركة الأمازيغية لم تطرح، بوضوح وبشكل فعال، قضية الهوية الأمازيغية في علاقتها بالسلطة السياسية».(5). ولعل هذا الاستنتاج يشكل إضافة نوعية للمسار النضالي على هذا المستوى، لأنه يحمل ضمنيا دعوة لكل الفاعلين والمهتمين بالوقوف عند نقط الضعف التي ميزت الأداء العام للحركة، ومن تم تحقيق إجماع تام على مشروع حقيقي يمكن الأمازيغية من الانبعاث من رمادها بشكل يقطع مع أخطاء المرحلة السابقة.الهوية هي البديل: إن الدعوة إلى تصحيح أسلوب العمل الأمازيغي، تتأسس على ضرورة التمييز بين المطالب الإستراتيجية والمطالب الظرفية. وهو ما يعني أن النضالات الأمازيغية ظلت حبيسة ما هو عرضي مع إغفال القضية الجوهرية المؤطرة لملف الأمازيغية. وتلك هي قضية الهوية. وفي هذا الشأن تعتبر «الأرضية»أن الانتماء الهوياتي للدولة المغربية والفصل بين الإسلام والعروبة، هما حجر الزاوية في تشكيل إطار مرجعي لمستقبل النضال في هذا الملف. تلح»مجموعة الاختيار الأمازيغي»في أكثر من مناسبة على ضرورة تصحيح التعريف الذي ألصق بمفهوم الهوية.»فهي لا تتأسس على الدم والأصل العرقي للإنسان، بل يكتسبها من الموطن الذي يقيم فيه على وجه الدوام والاستقرار، ويتخذه وطنا له، ولو كان ينحدر من غير عرق السكان الأصليين لذلك الموطن.»(6). وهكذا تصبح المطالبة بترسيم الأمازيغية في بلادنا غير معزولة عن الهوية المغربية، كمرجعية أساسية تبرر هذه العملية. أي أن الانتماء الهوياتي للمغاربة يجعل مسألة الترسيم اللغوي مطلبا بديهيا ولا لبس في طرحه. وفي هذا الإطار ينبغي فهم التعددية في المغرب في مستواها الثقافي وليس في بعدها الهوياتي، إذ أن ربط الهوية بالوطن يجعل كل المغاربة أمازيغيين بالضرورة استنادا إلى منطق التاريخ والجغرافيا. ولكن كون المغرب بلدا أمازيغي الهوية، والدولة مستعربة، يحدث شرخا في العلاقة بين الطرفين، حيث السلطة لا تترجم بذلك الحقائق الجغرافية على أرض الواقع، وإنما تفرض حقيقة إثنية تختزل بها المغرب في العرق العربي. وإذا عدنا من جديد إلى التاريخ لن نبذل كثيرا من الجهد لنتبين أن الإسلام كان مطية رئيسية لفرض العربية كلغة وهوية للمغاربة. وفي هذا الصدد ترى «المجموعة»أن تصحيح واقع الأمازيغية يقتضي»التحييد السياسي الايجابي للدين».(7). وهو ما يجب أن يترجم فعليا من خلال استقلالية هذا الدين عن شوائب العروبة التي علقت به دون وجه حق. والواقع أني أجد في استغلال الدين عاملا رئيسيا في نجاح الحملة التي انتهجت في إطار مخطط إبادة الأمازيغية، إذ يكاد بعض أعدائها من فرط حضور الإسلام إلى جانب اللغة العربية في قاموسهم أن يفرضوا العربية ركنا سادسا من أركان الإسلام، ضدا على مشيئة الله والعباد... وتأسيسا على مركزية «الهوية» في الاختيار المستقبلي للحركة الأمازيغية، تقترح الأرضية ما تعتبره مشروعا مجتمعيا جديدا، يدعو إلى التفكير الأكاديمي والعميق في عدد من القضايا والمحاور، تتعلق بالديمقراطية والحكامة، وإعداد التراب الوطني، وقضايا المجتمع الكبرى، والثقافة والمنظومة التربوية، ومكانة المغرب الدولية. وتلك قضايا تستحق أن تكون موضوعا لمقال جديد على هذه الجريدة في الأعداد القادمة. حتى لا ننسى: يجب الاعتراف في نهاية هذه القراءة أن ما تضمنته «أرضية الاختيار الأمازيغي»من أفكار ودلالات، هو علامة على نضج الحركة الأمازيغية في شخوص أفراد المجموعة. هذا النضج الذي يتجلى في وضوح الخطاب، واستدعاء التاريخ من أجل بناء المستقبل، وفي التعبير على قدرة الأمازيغية على الانخراط الفعلي في مناقشة مختلف المواضيع المطروحة على المستويين الوطني والدولي، والتأثير الفعلي في الانتظارات القادمة من خلال الإعلان عن مشروع سياسي ما يزال جنينيا حقا ولكن ولادته ليست إلا مسألة مخاض نرجو أن يكون يسيرا بكل حال من الأحوال. (محمد مغوتي. قاسيطة في 15/02/2008) الإحالات:(1): أرضية الاختيار الأمازيغي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط.2007.ص:8. الأرضية متوفرة على الرابط التالي: http://www.tawiza.net/Option%20amazighe/Option%20amazighe-%20AR.doc (2: نفســه.ص:12 -13 (3): نفســه.ص:35. (4):نفس.ص:35. (5):نفســه.ص:29. (6):نفســه.ص:30. (7):نفســه.ص:33. (med_maghouti@hotmail.fr) |
|