|
|
افتتاحية: رشيد نيني وخدعة السارق الذي يدعي أنه سُرق للتستر على جرمه بقلم: محمد بودهان أقرأ وأتتبع يوميا، مثل الكثيرين غيري، ما يكتبه السيد رشيد نيني بكثير من الشغف والمتعة إلى درجة أنني لا أقرأ عموده في المقهى كباقي الأخبار والموضوعات الأخرى، بل أحتفظ به إلى المساء، كقطعة حلوى لذيذة ونادرة أخاف أن أزدردها على الفور فتضيع مني وأفقد حلاوتها نهائيا، لأطالعه ببيتي بعد أن أكون قد أنهيت كل أشغالي حتى أتفرغ له وأقرأه بتأنّ وانتباه وشهية. ولا تهمني طبعا المواقف الأمازيغوفوبية للسيد نيني، والتي يضمّنها مقالاته من حين لآخر، بل يهمني تحليله للواقع المغربي، وفضحه للظلم والتسلط، وكشفه عن ناهبي المال العام، وتعريته للممارسات اللاديموقراطية لرجال السلطة والنفوذ، وتهكمه على أحزاب "المساندة النقدية"... وكل ذلك في أسلوب شيق تزيده السخريةُ تشويقا، وفنُّ "اللعب" بالمعنى المزدوج لبعض الألفاظ جمالا وعذوبة. ولا أزال أتذكر بعض عناوين "شوفتشوفاته" البليغة التي تتحدث عن "CD ومولاي" و"القضاء العاري" (كنوع ثالث من القضاء يضاف إلى القضاء الجالس والقضاء الواقف)، وعبارته الشهيرة "المساندة النقدية" (من النقود طبعا)، ومقارنته الدالة بين وضع "بوزوبع" ووضع "بوزبال"... إلخ. هذا ما يجعلني أعتبر السيد نيني مفكرا أصيلا، وكاتبا مبدعا، وناقدا اجتماعيا فذا، ومحللا سياسيا استثنائيا، رغم مواقفه الأمازيغوفوبية، كما سبقت الإشارة، التي أختلف معه فيها على طول الخط.هذه المواقف الأمازيغوفوبية لمفكر أصيل وكاتب مبدع، كما قلت، ظاهرة معروفة بالمغرب لدى الكثير من المثقفين والمفكرين الذين تراهم يحللون الموضوعات التي يتناولونها بكثير من المنطق والعقلانية والموضوعية والتجرد، لكن عندما يتعلق الأمر بموضوع الأمازيغية، تراهم يسقطون في الذاتية والتحيز، ويستندون في أحكامهم وخلاصاتهم حول الأمازيغية إلى الأفكار المسبقة، والبديهيات الكاذبة، والآراء النمطية الجاهزة حول "الشلوح"، والتي تجد مرجعيتها في أكذوبة "الظهير البربري". ويكفي أن نستشهد بمثال الدكتور محمد عابد الجابري الذي يُعرف بتحليلاته المتميزة والجديدة للفكر والدين والسياسة، لكن عندما يتكلم عن الأمازيغية يدعو إلى إماتتها. إلى هذا النوع من المفكرين، الذين يتخلون عن شروط التفكير الموضوعي والتحليل العلمي عندما يتناولون الأمازيغية، ينتمي الكاتب والصحفي السيد رشيد نيني. لقد اعتاد أن يلمّح، من حين لآخر وحسب المناسبات، في عموده اليومي إلى القضية الأمازيغية "يسلّي" بها قراءه بتحويلها إلى موضوع للسخرية والتندر، كالحديث عن "الجمهورية السوسية" بمناسبة مشروع الحكم الذاتي لسوس الذي طالبت به فعاليات أمازيغية بسوس، أو عن "شيشونق" الملك الأمازيغي الذي بعد أن هزم اليهود يعود اليوم إلى زيارتهم والاستنجاد بهم، كما يقول السيد نيني في أحد أعمدته ساخرا ومتندرا بمناسبة زيارة السيد الدغرني لإسرائيل. لكن، هذه المرة، وفي العدد 447 ليوم 26 فبراير 2008، تجاوز السيد نيني أسلوب الهزء والتندر على الأمازيغية "لتسلية" قرائه، إلى أسلوب ترهيبهم بها ومنها، وذلك بربط المطالب الأمازيغية بما سماه "الإرهاب الفكري"، المرتبط بما يدعو إليه «بعض غلاة الأمازيغية ومتطرفيها» من دفاع «عن "استقلال" المغرب من الاحتلال العربي»، كما ينشر ذلك في جرائد أمازيغية مثل "تاويزا" التي يشير إليها السيد نيني بالاسم. ويضيف قائلا: «إن مثل هذه المقالات العنصرية التي تصور المغرب كأرض محتلة لا تقل خطورة عن دعوات التنظيمات المتطرفة لتحرير المغرب العربي من الاستعمار الإسباني والفرنسي، والتي وجدت صداها عند بعض الخلايا والتنظيمات الإرهابية في الداخل». إن السيد نيني يتهم إذن المطالب الأمازيغية بإمكان إفرازها لحركات "إرهابية" تحت ذريعة "تحرير" المغرب من "الاحتلال العربي"، خصوصا أن هذا الاتهام جاء في سياق مقال كتب بمناسبة تفكيك خلية بلعيرج الإرهابية.خدعة السارق الذي يدعي أنه تعرض للسرقة: هنا يبدو السيد نيني، وهو الكاتب المبدع والصحفي المجدد كما سبق أن وضحت، غير مبدع ولا مجدد في "تحليلاته" الأمازيغوفوبية (باستثناء ربطه الأمازيغية بالإرهاب الفكري كما سنرى) لأنه يسير على خطى من سبقوه من الأمازيغوفوبيين. لنوضح ذلك بشيء من التفصيل: 1 ـ إن السيد نيني يعتمد، في اتهامه لمن سماهم «بغلاة الأمازيغية ومتطرفيها»، نفس المنطق ونفس السلاح المستعملين دائما لمحاربة الأمازيغية: اتهامها بما هي ضحية له، بما لا تكفّ الحركة الأمازيغية عن مقاومته والتنديد به. يتهمها بالعنصرية (مقالات عنصرية) مع أنها ضحية للنزعة العنصرية العروبية التي أقصتها ورفضتها. فالعنصرية ليست المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية فوق أرضها وفي موطنها، بل هي رفض هذا الاعتراف وهذه الأمازيغية باسم لغة وهوية دخيلتين تقصيان اللغة والهوية الأصلية للسكان. يتهم السيد نيني، وغيره من الأمازيغوفوبيين، المدافعين عن الأمازيغية بـ"الغلاة و"المتطرفين"، مع أن الغلاة والمتطرفين الحقيقيين هم الداعون ـ والمنفذون لما يدعون إليه ـ إلى تعريب أعمى يأتي على أخضر ويابس الأمازيغية لتهيمين لغة واحدة أجنبية هي اللغة العربية القادمة من الربع الخالي من أي شيء باستثناء الغلو والتطرف. هذا المنطق الذي يستعمل ما تعاني منه الأمازيغية، والذي تعمل على مقاومته ومحاربته باستمرار، كسلاح لمحاربتها ومقاومتها هي نفسها، سبق للكاتب الأمازيغي الجزائري أن عبّر عنه بصيغة بليغة تغني عن أي بيان. إنه منطق " السارق الذي يصرخ، احتيالا وخداعا: أوقفوا السارق، أوقفوا السارق!.." Le voleur qui crie "au voleur! . الكل يمارس "السرقة" ضد الأمازيغية (سرقت لغتها وهويتها وتاريخها وثقافتها...). وعندما يطالب النشطاء الأمازيغيون باسترداد المسروق وإيقاف اللصوص، يصرخ هؤلاء بأعلى صوتهم مشيرين بأصبعهم إلى هؤلاء النشطاء: النجدة، النجدة، هؤلاء لصوص يريدون سرقتنا!!... لكن سيأتي يوم لن يجد فيه هؤلاء اللصوص ـ لصوص الهوية الأمازيغية ولغتها وتاريخها وثقافتها ـ المحتالون الذين يتظاهرون بأنهم ضحية لصوص أمازيغيين، لن يجدوا أمامهم سوى ضحايا سرقاتهم الذين يطوّقونهم متلبسين بسرقة أمتعتهم وممتلكاتهم الأمازيغية فيفتضح أمرهم وتنكشف حقيقتهم.2 ـ إلا أن الجديد عند السيد نيني، رغم اتباعه نهج من سبقه في الأمازيغوفوبيا، هو أنه أضاف إلى تهمة العنصرية والتطرف، التي تلصق دائما بالأمازيغية، عنصر "الإرهاب الفكري"، قصد التهويل والتغويل (من الغول) من الأمازيغية بشكل يبرزها كغول مخيف يهدد المغرب والمغاربة وذلك بربطها بالإرهاب. إنه تجديد ذكي لا يمكن أن يصدر إلا عن كاتب مبدع مثل السيد نيني. لكن لنسأل السيد نيني: من ضحية الإرهاب الفكري، الذي يتهم به المدافعين عن الأمازيغية، ومن يمارسه؟ أليست البرامج الدراسية بالمؤسسات التعليمية إرهابا فكريا يمارس على المتعلمين الأمازيغيين الذين تخضعهم تلك البرامج لغسل دماغهم الأمازيغي وملئه بمضمون عروبي عنصري ونرجسي متخلف؟ عندما يلقن التلميذ في المدرسة، كـ"حقيقة" ثابتة، هذه العبارة: "عقبة بن نافع رضي الله عنه وكسيلة البربري لعنه الله وأخزاه"، رغم أن الأول كان مجرم حرب ومغتصبا للقاصرات، وسابيا للنساء وقاتلا للأبرياء، والثاني وطنيا دافع عن الأرض والعرض، أليس هذا إرهابا فكريا يمارس ضد الأمازيغية وضد التلميذ الأمازيغي الذي يشحن ذهنه بالأكاذيب والأساطير العروبية العنصرية التي تجعله يخجل من انتمائه الأمازيغي؟ وعندما ينهر مسؤول إداري مواطنا تحدث معه بالأمازيغية آمرا له: "تكلم العربية أو اخرج عني"، أليس هذا إرهابا يمارس يوميا ضد الأمازيغيين القرويين والأمازيغيات القرويات اللواتي يترددن على الإدارات لقضاء حوائجهم؟ وبعض خطب الجمعة، الموجهة إلى مئات المصلين، والتي تحذر من الأمازيغية وتربطها بالصهيونية والانفصال والتفرقة، أليس ذلك إرهابا فكريا ودينيا يستهدف الأمازيغية والأمازيغيين؟ وعندما نسمع "أن العربية لغة أهل الجنة"، أليس هذا إرهابا ضد الأمازيغية والأمازيغيين؟ إن تعداد أمثلة الإرهاب الفكري الممارس على الأمازيغية والأمازيغيين لا تعد ولا تحصى لأن مثل هذا الإرهاب أصبح واقعا يوميا نصادفه في الشارع، في المقهى، في المدرسة، في الجامعة، في المسجد، في برامج محو الأمية (أي محو الأمازيغية)، في المستشفى، في المحكمة، في الإدارة، في التلفزة، في الراديو، في الصحف، في الكتب، في الحافلة، في القطار، في الدولة... إلخ. السيد نيني يريد أن ينسب "الإرهاب الفكري" إلى النشطاء الأمازيغيين، مع أنه يعرف أن وسائل ممارسة هذا النوع من الإرهاب هي المدرسة، والجامعة، والمسجد، والإدارة، والتلفزة، والإذاعة، والصحف اليومية... وهذه وسائل لا يملكها الأمازيغيون كما يعرف جيدا. نلاحظ إذن أن السيد نيني، رغم أنه حاول أن "يجدد" على مستوى المبادئ الأمازيغوفوبية بإضافة عنصر "ارتباط" الأمازيغية بالإرهاب الفكري، إلا أنه بقي حبيس البنية المنطقية الموجهة للعداء للأمازيغية: اتهامها ومحاربتها بما هي ضحية له. لا تجديد إذن في الأمازيغوفبيا ولو عند مبدع مثل السيد نيني. مسألة إرهاب الدولة: أشار السيد نيني إلى إرهاب الدولة الذي تمارسه على المواطنين عندما تعتقلهم وتختطفهم. لكن كان عليه، حتى يكون موضوعيا، أن يستشهد بالإرهاب الذي تمارسه هذه الدولة على الأمازيغيين بحظر أسمائهم، ومنع كتابة علامات المرور بلغتهم، والمطالبة بحل حزب يعتبر أمازيغيا، واعتقال الطلبة الأمازيغيين الذين حاولوا الدفاع الشرعي عن أنفسهم ضد "الجانجويد" ببعض الجامعات المغربية... أليس هذا إرهابا تمارسه الدولة على الأمازيغيين فضلا عن الإرهاب اليومي، الذي سبقت الإشارة إليه، في الإدارات والمحاكم والمؤسسات والحدود حيث يمنع استعمال اللغة الأمازيغية؟ وهذا الإرهاب ـ إرهاب الدولة ـ الممارس على الأمازيغيين، اعترف به السيد نيني، وربما دون أن ينتبه إلى ذلك، وهو ما يعتبر شهادة تلقائية وصادقة في مقال يهاجم الأمازيغية: كتب يقول: «ألا يمكن أن نعتبر اعتقال مواطنين في بولمان داداس وتوزيع ثلاثين سنة سجنا عليهم لمجرد أنهم احتجوا على إهمال الدولة لهم بعد أن انقطعت بهم السبل تحت الثلج، إرهابا لسكان تلك المناطق المنكوبة، حتى لا يعودوا إلى رفع أصواتهم بالاحتجاج على الدولة». على السيد نيني أن يجيب على السؤال التالي الذي كان يجب عليه أن يطرحه: لماذا أهملت وهمشت الدولة سكان هذه المنطقة؟ ولماذا عاقبتهم ب34 سنة سجنا لما احتجوا على هذا الإهمال والتهميش؟ الجواب: لأنهم أمازيغيون رفعوا ورددوا شعارات أمازيغية خلال احتجاجهم على تهميش الدولة العروبية لهم.مسألة "الاحتلال" و"الاستقلال": استند السيد نيني في الربط بين الأمازيغية والإرهاب على مقال نشر بالفرنسية بالعدد 131 من شهرية "تاويزا" يرد فيه كاتبه على السيد نيني الذي هاجم، في عموده الشهير، السيد الدغرني بمناسبة زيارته لإسرائيل. ومما جاء في المقال، المقتطف التالي الذي استشهد به السيد نيني: «الأمازيغي المثالي بالنسبة لرشيد نيني ليس هو ذلك الأمازيغي الذي يدافع عن ثقافته ضد المحتلين العرب الجوعانين، ولا ذلك الذي يفضح السلطة المتسلطة للدولة العربية في المغرب التي أرسى قواعدها الاستعمار الفرنسي، بل الأمازيغي المثالي بالنسبة إليه هو خادم الإمبريالية العربية». (لفظ "الجوعانين" لا وجود له بالنص. ومن أراد التأكد من ذلك فليرجع إلى المقال كما هو منشور بالعدد المذكور). ثم شرع في الاستدلال والاستنتاج ليخلص إلى «أن مثل هذه المقالات العنصرية...» (إلى آخر النص المذكور أعلاه)، بعد أن كتب أن «هذه المنابر (وهو يقصد طبعا "تاويزا" التي أشار إليها بالاسم) [...] تدعي الدفاع عن الثقافة الأمازيغية، بينما هي في العمق تدافع عن "استقلال" المغرب من الاحتلال العربي». لقد اختار السيد نيني عباراته بعناية حتى يظهر مدى "الخطورة" التي تمثلها المطالب الأمازيغية عندما تعتبر المغرب بلدا "محتلا"، مما قد يبرر اللجوء إلى "الكفاح المسلح" لتحريره، على غرار التنظيمات المتطرفة الداعية «لتحرير المغرب العربي من الاستعمار الإسباني والفرنسي، والتي وجدت صداها عند بعض الخلايا والتنظيمات الإرهابية في الداخل».ربما لم يخطر ببال السيد نيني أن ما انتقاه من عبارات حول "احتلال للمغرب" والمطالبة "بالاستقلال" قصد التهويل والتغويل هو واقع قائم وحاصل. ـ فالاحتلال العربي للمغرب ـ بلاد تامازغا ـ أمر معروف في التاريخ ـ التاريخ الحقيقي وليس الخرافي ـ عندما جاء العرب بجيوشهم يحملون السيوف والرماح، واحتلوا الأرض الأمازيغية، واغتصبوا وسبوا النساء وقتلوا الأبرياء، واستولوا على الخيرات والثروات. لقد كان ذلك احتلالا لأرض الغير باستعمال العنف والقوة والسلاح. وأسأل السيد نيني هل هناك من تعبير آخر لوصف طريقة دخول العرب إلى البلاد الأمازيغية من غير ألفاظ "الاحتلال" و"الاستعمار" و"الغزو". ـ هذا الاحتلال العربي لا زال قائما ومستمرا في شكله الثقافي واللغوي والهوياتي. فبعد الاحتلال العسكري، يعقبه دائما احتلال العقول والنفوس حتى تتكيف مع الوضع الاستعماري الجديد وتقبله وترضى به وتتجند لخدمته والدفاع عن مشروعيته والعمل على بقائه واستمراره، إلى درجة كبيرة من الاستلاب تصبح معها "الوطنية" ليست هي الدفاع عن الوطن ضد هذا المحتل الأجنبي، بل الدفاع عن هذا المحتل ضد من يقاومه باعتبار هذا المحتل فاعل خير جاء لإنقاذ سكان تلك الأرض التي احتلها. وهكذا نتفرج اليوم على "احتلال" لغتنا وهويتنا وثقافتنا الأمازيغية واستبدالها بلغة وثقافة وهوية أخرى أجنبية حلت محلها. ومن يحاول التنديد بهذا الاحتلال يتهم بالخيانة والصهيونية والتواطؤ مع أعداء الوطن! السلاح الفتاك لهذا الاحتلال، اليوم، ليس هو السيف والرمح كما في مرحلة الاحتلال العسكري، بل التعريب الذي يغتال الهوية الأمازيغية ويقتل اللغة الأمازيغية ويزور التاريخ بالشكل الذي يخدم ذلك الاحتلال نفسه. أما جنود هذا الاحتلال فليسوا سوى الذين "احتلت" أرواحهم وقلوبهم وعقولهم فأصبحوا في خدمة إيديولوجية المحتل، ينفذون مشاريعها ويسهرون على نشرها وترسيخها وتعميمها عن طريق المدرسة والإعلام ومؤسسات الدولة. ـ يقول السيد نيني: «والواقع أن المغرب أصبح في السنوات الأخيرة ليس فقط بلدا تظهر بصمات أبنائه في أغلب العمليات الإرهابية التي تحدث في مختلف بقاع العالم، ولكن أصبح أيضا مختبرا لتجريب أشكال بدائية من العمليات الإرهابية تستعين بأبسط المواد الكيماوية التي تباع في محلات العقاقير». هذا اعتراف منه بتفوق المغاربة، في مجال العمل الإرهابي، الذي أصبحوا يبزّون فيه غيرهم على الصعيد العالمي. فهل تساءل السيد نيني عن مصدر هذا التفوق؟ ولماذا أصبح المغاربة يحتلون قصب السبق العالمي في العمليات الانتحارية والإرهابية؟ إن هذا "النبوغ" المغربي في مجال الإرهاب هو نتيجة للاحتلال الإيديولوجي العروبي الذي تملّك عقول المغاربة، وغزاها واستعمرها وسكنها، بعد أن غسلها جيدا لتصبح أداة طيعة لهذا الاحتلال المشرقي، يلعب أصحابها (العقول) دور الأبطال الذين ينتحرون وينحرون في سبيل قضايا أجنبية عنهم وعن وطنهم. فهؤلاء "الأبطال" مستعدون للموت والقتل، ليس من أجل سبتة ومليلية أو الصحراء المغربة، بل من أجل العراق وفلسطين وأفغانستان التي تبعد عنا بآلاف الكيلومترات. لقد أصبح المغاربة، بفعل الاحتلال الإيديولوجي، الثقافي واللغوي والهوياتي العروبي، جيشا احتياطيا في خدمة إيديولوجية وهابية مشرقية احتلت عقولهم وغسلت أدمغتهم، كنتيجة مصاحبة ومترتبة عن الاحتلال العسكري الأول. ـ إذا كان هناك احتلال، فذلك يستتبع، طبعا، مقاومة هذا الاحتلال والمطالبة بالاستقلال. وهذا ما يخوّف به السيد نيني ويغوّله بشكل خطير عندما يربطه بإمكان القيام «بردود أفعال تدخل في إطار مقاومة الاحتلال وتحرير الوطن الأمازيغي المحتل من الاستبداد العربي».ليعلم السيد نيني أن ما قاله عن مقاومة الاحتلال والمطالبة بالاستقلال فيه الكثير من الصواب ـ وليس كله صوابا. فالحركة الأمازيغية، بمطالبها ودفاعها عن الهوية الأمازيغية ضد السحق العروبي ـ وليس العربي ـ لهذه الهوية، هي امتداد للمقاومة المسلحة بأدوات ثقافية وسلمية. ومقاومة هذا الاحتلال لا يعني طرد المحتل الفيزيقي والمادي الذي لم يبق له وجود بالمغرب، بل يعني طرد الاحتلال اللامادي، أي الاحتلال الثقافي واللغوي والهوياتي والديني، مثل الوهابية وكل التيارات الظلامية والمتطرفة التي غزتنا من الخارج. وهذا الاحتلال ـ لأنه لامادي ـ فهو أخطر وأدوم من الاحتلال العسكري، لأنه لا يستعمر الأرض فحسب كما في الاستعمار العسكري، بل يستعمر الأذهان والوجدان. ولماذا يربط السيد نيني هذه المقاومة الأمازيغية للاحتلال بالتنظيمات الإرهابية؟ فهل من يقاوم الاحتلال الداخلي ويدافع عن وطنه ويحمي هويته يعتبر إرهابيا؟ المستعمر وحده من يعتبر المقاومة إرهابا، كما يعرف ذلك السيد نيني. مرة أخرى يحضر منطق اللص الذي يصرخ: "أوقفوا اللص!". ـ يقول السيد نيني معلقا على النص الذي نقله من "تاويزا" : «إننا أمام رأي يعتبر الدولة المغربية دولة احتلال». وهنا لا بد من تصحيح خطأ وقع فيه السيد نيني: نحن في الحركة الأمازيغية، لا نعتبر الدولة المغربية دولة احتلال، بل نعتبرها هي نفسها ضحية للاحتلال. وعندما نكافح من أجل الاستقلال الهوياتي للمغرب، فإننا نكافح من أجل التحرير الهوياتي لهذه الدولة المغربية التي نعتبرها محتلة (اسم مفعول وليس اسم فاعل) ـ هوياتيا ولغويا وثقافيا ـ وليست دولة احتلال. وهي دولة محتلة لأنها أصبحت عبارة عن إقليم تابع للمشرق العربي في لغتها وانتمائها وثقافتها وتاريخها ولا تتمتع بأي استقلال على هذه المستويات. ولأن هذه الدولة محتلة ثقافيا ولغويا وهوياتيا، فهي تعمل على تأييد وتأبيد هذه الاحتلال ـ رغم أنها ضحيته الأولى ـ والتعاون مع المستفيد الأصلي منه كما في حكومة فيشي الفرنسية التي كانت تعمل ـ رغم أنها كانت ضحية الاحتلال ـ لصالح المحتل الألماني. فيكفي أن نصف المغرب بأنه عربي، وهي عبارة نسمعها عشرات المرات يوميا في المدرسة والتلفزة والإذاعة، ليدل ذلك على أن المغرب هو مغرب للعرب، أي يملكه العرب، ولا يملكه أصاحبه الشرعيون الأصليون الأمازيغ. وهذا احتلال وترامٍ على ملك الغير يحصل بالغزو والاستيلاء والاستعمار. وعندما يكتب السيد نيني بأن «هذه المنابر (يقصد المنابر الأمازيغية) التي تدعي الدفاع عن الثقافة الأمازيغية ... هي في العمق تدافع عن "استقلال" المغرب من الاحتلال العربي»، فهذا صحيح، وصحيح جدا، لأن الدفاع عن الأمازيغية لا ينفصل عن الدفاع عن الاستقلال الهوياتي للمغرب من الاحتلال الهوياتي العروبي، ولا يمكن للأمازيغية ـ لغة وهوية وثقافة ـ أن تسترد حقوقها ومكانتها إلا بالحصول على هذا الاستقلال الهوياتي للمغرب.من يعادي الاختلاف ويمارس الإرهاب الفكري؟ يقول السيد نيني: «هناك نوع آخر من الإرهاب هو الإرهاب الفكري. بحيث يلجأ بعض من تختلف معهم في الرأي إلى محاولة تصفيتك رمزيا عبر وضع اسمك على رأس قائمة المحرضين والمهددين للسلم الاجتماعي وموقدي الفتنة، المطلوب إسكات صوتهم إلى الأبد». مرة أخرى يستخدم السيد نيني منطق السارق الذي يدعي انه تعرض للسرقة: فهو يتحدث عن إرهاب من نختلف معهم. وماذا فعل السيد رشيد نيني في عموده ليوم 26 يناير 2008 مع السيد الدغرني الذي زار إسرائيل، معبرا عن موقف يختلف فيه مع السيد رشيد نيني؟ لقد شيطنه وحرض عليه الأمازيغوفوبيين والعروبيين لأنه زار إسرائيل. فالسيد الدعرني يختلف مع السيد نيني في الموقف من زيارة إسرائيل. ولماذا لم يحترم السيد نيني هذا الاختلاف؟ إذن السيد نيني، هو الذي يمارس الإرهاب الفكري ضد من يعبر عن موقف يختلف عن موقفه. نلاحظ إذن أن السيد نيني يمارس ما يستنكره ويندد به: يندد بالإرهاب الفكري الممارس على من له رأي مختلف، لكنه هو نفسه يمارس هذا الإرهاب على السيد الدغرني بسبب مواقفه التي تختلف عن مواقف السيد نيني.ثم لماذا شيطنة السيد الدغرني لأنه زار إسرائيل؟ مع أن هناك دولا عربية تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل تتبادل فيها الزيارات، ليس لمواطنين عاديين عرب وإسرائيليين مثل السيد الدغرني، بل لمسؤولين وحكام عرب يزورون إسرائيل ويصافحون قادتها أمام كاميرات العالم، وعلى رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية المعني الأول بالصراع العربي الإسرائيلي. لماذا لا يتهم هؤلاء بالخيانة والعمالة وخدمة العدو الصيهيوني كما قيل عن السيد الدغرني؟ ألم يزر إسرائيل كذلك من المسؤولين المغاربة الوزير الأول السابق السيد عبد اللطيف الفيلالي ومحمد السادس عندما كان وليا للعهد (لحضور جنازة إسحاق رابين)؟ لماذا كل هذه الزيارات التي يقوم بها العرب إلى إسرائيل تبدو عادية ولا تثير أي تساؤل، لكن عندما يزورها ناشط أمازيغي ينددون ويستنكرون ويشيطنون كما لو كانت تلك الزيارة هي سبب ما يتعرض له الفلسطينيون من عدوان وحصار؟ لا يمكن فهم هذا الموقف المفارق والمتناقض والمنافق إلا بربطه بالاحتلال الذي سبق أن شرحناه: فالأمازيغي الخاضع للاحتلال الثقافي والهوياتي واللغوي العروبي، لا ينبغي له أن يسافر إلى إسرائيل إلا بإذن وموافقة سلطات هذا الاحتلال، حتى وإن كانت هذه السلطات هي نفسها تزور إسرائيل دون أن تستشير أحدا لأنها ذات سيادة، في حين أن الأمازيغيين الذين يعيشون بلا سيادة، وتحت الحماية الهوياتية العربية، عليهم أن لا يقوموا بأي عمل من شأنه أن يغضب سلطات هذه الحماية التي تحدد لهم ما ينبغي القيام به والامتناع عنه في ما يخص زيارة إسرائيل. إن هذه الحماية العربية ـ الهوياتية والثقافية واللغوية ـ التي تتدخل حتى في الشؤون الخاصة للأمازيغيين، هي ما يجب على هؤلاء الأمازيغيين مقاومته ومحاربته لوضع حد للاستعمار الإيديولوجي الذي لا يرضى على الأمازيغيين إلا عندما يخدمون قضاياه ويموتون من أجل مبادئه وأهدافه. وأذكّر السيد نيني أن أحد الذين سبق لهم أن اتهمونا، وعلى صفحات هذا المنبر الذي نشر للمعني مقاله الذي رددنا عليه في حينه، بنفس ما يتهمنا به هو من عنصرية وتطرف وموالاة لإسرائيل ومعاداة للعروبة والإسلام، هو اليوم معتقل ـ نتمنى أن يفرج عنه ويبرأ مما نسب إليه ـ ضمن خلية بلعيرج الإرهابية. وهذا ما يؤكد، مرة أخرى، أن التعامل مع الأمازيغية يعتمد منطق السارق الذي يدعي، نصبا واحتيالا وقصد التستر على جرمه، أنه تعرض للسرقة. تحريض السلطات ضد الأمازيغية: ولم تكف السيدَ نيني اتهاماتُه المجانية للنشطاء الأمازيغيين بالتطرف والعنصرية وبإمكان قيامهم بعمليات إرهابية لتحرير المغرب من الاحتلال، فلجأ إلى تحريض الدولة في شخص وزير الاتصال ليمنع الجرائد الأمازيغية، مثل "تاويزا"، والتي لا تتعدى ثلاث جرائد تصدر منتظمة مرة في الشهر. يقول السيد نيني: «وكم أستغرب صمت وزير الإعلام عن بعض المنشورات التي تطبع وتباع في أكشاك المملكة والتي تتحدث صراحة عن "الاحتلال العربي" للمغرب. إحدى هذه الجرائد [...]تحمل اسم "تاويزا"...». هل هذه القلة القليلة من الصحف الأمازيغية تخيف السيد نيني إلى درجة دعوته وزير الاتصال إلى حظرها وإيقافها؟ وماذا كان سيقول ويفعل لو كانت هناك عشرات من الصحف الأمازيغية التي تصدر يوميا وبالألوان مثل يومية "المساء"؟ ربما كان سيستنجد، ليس بوزير الاتصال، بل بالجيش للتدخل بالمدافع والدبابات والطائرات الحربية! وهذا التحريض موجه ضمنيا حتى إلى المواطنين «الذين يصرفون الإعانات من أموال دافعي الضرائب لبعض هذه المنابر التي تدعي الدفاع عن الثقافة الأمازيغية، بينما هي في العمق تدافع عن "استقلال" المغرب من الاحتلال العربي». من يقرأ هذا الكلام يعتقد أن "تاويزا" تستفيد من دعم الدولة كالكثير من الجرائد العروبية بالمغرب. وهذا طبعا غير صحيح إطلاقا.إن هذا الموقف الذي يحرض فيه السيد نيني الدولة لمنع المنابر الأمازيغية التي يختلف خطها التحريري عن اختيارات وقناعات السيد نيني، يبزّ ويفوق كل المواقف الأمازيغوفوبية المعروفة. هذا التحريض للسلطات ـ ولدافعي الضرائب كذلك ـ ضد المنابر الأمازيغية، طرح علي أسئلة محيرة: كيف يصدر هذا التحريض، لمنع جرائد أمازيغية، عن كاتب صحفي نادرا ما يخلو عموده اليومي من التنديد بالتضييق على حرية الرأي والكتابة والصحافة، واستنكار ما تتعرض له بعض الصحف من مضايقات ومتابعات قضائية بغرض إسكات صوتها وتكسير أقلامها، وشجب ما يواجهه بعض الصحفيين من اعتقالات ومحاكمات لأنهم عبروا عن رأي مخالف أو اتخذوا مواقف خارج "الإجماع" المخزني الرسمي؟ كيف يصدر هذا الموقف عن مدير جريدة هي نفسها ضحية الرغبة في إسكاتها ومنعها وذلك بتعريضها للإفلاس والتوقف، إذ يطالبها البعض أمام المحاكم بأداء ما مجموعه 650 مليونا ـ نتمنى أن تخرج منتصرة من هذه المعركة القضائية المفروضة عليها؟ كيف يصدر هذا الموقف، الداعي إلى التدخل لمنع الجرائد الأمازيغية، عن كاتب صحفي هو نفسه هدف لهذا المنع حيث يطالب مدّعوه من القضاء أن يمنعه من الكتابة لمدة عشر سنوات، وهو ما يعني حكم "الإعدام" بالنسبة لكاتب مثل السيد نيني، الذي نصّب عددا من المحامين لمنع حصول المنع في حقه، لكن، وياللمفارقة، يريد ويطلب هذا المنع للجرائد الأمازيغية؟ لم أجد إلا تفسيرا واحدا لهذه الازدواجية الغريبة والعجيبة في موقف السيد نيني: الأمازيغوفوبيا تُصمّ العقل فلا يسمع صرير التناقض، وتعمي التفكير فلا يرى حفر المفارقات إلى أن يقع فيها. |
|