| |
لاتسامح "حفل
التسامح"
بقلم: عبدالله بوزنداك-أكادير
بتنظيم حفل التسامح بمدينة أكادير من طرف
القناة الأولى الفرنسية وشركائها تفاءلنا خيرا على اعتبار أن هذا الحفل سيلفت أنظار
العالم إلى مدينة أمازيغية معروفة بطبيعتها الجميلة وسكانها الكرماء المحبين
للتسامح وهويتها الأمازيغية... وازداد تفاؤلنا باستدعاء المغني الأمازيغي المشهور
أكليد في الدورة الأولى.. وقد عرفت الدورة الأولى بأكادير نجاحا كبيرا بعد فشل نفس
الفكرة بتونس، إلا أن تفاؤلنا اصطدم بالواقع حين اكتشفنا أن هؤلاء الفرنسيين
وشركاءهم المغاربة لا يريدون من أكادير سوى أموالها وثرواتها ولا يريدون من
الأمازيغ سوى أجسادهم كجماهير لملأ شاشة التلفزيون ليقولوا أن الحفل نجح بحضور
الآلاف من الجماهير التي لا تلعب هنا سوى دور "البيدق" Figurant المجاني. وكأننا
بالفرنسيين يقولون "أيها الأمازيغ، نعم نريد أجسادكم سينجح الحفل بحضور الآلاف منكم..
نعم نريد أموالكم لتنظيم حفل التسامح بأرضكم، لكن لا تتجرؤوا لتقولوا إن فنكم يستحق
أن تشاهده الملايين من الجماهير في العالم عبر شاشتنا، ففنكم لا يمكن أن يتعدى كونه
فلكلورا لملء الفراغ أو لإلهاء السياح كلما دعت الضرورة..." هذه هي الرسالة التي
أرسلها الفرنسيون وشركاؤهم بمدينة أكادير يوم السبت 27 أكتوبر الماضي عندما أقامت
القناة الفرنسية الأولى بشراكة مع القناة المغربية الثانية والمجلس الجهوي للسياحة
وآخرين حفلا أطلقوا عليه إسم "حفل التسامح"، عن أي تسامح يتحدثون وقد أهانوا جزءا
كبيرا من الهوية الوطنية ببرمجتهم لبلاطو لا يحترم الهوية الأمازيغية ولا يحمل أية
إحالة على المنطقة التي ينظم فيها. أكثر من ذلك، وبعد أن أصدرت مجموعة من الجمعيات
الأمازيغية بيانا تندد فيه بهذا الإقصاء لم يغير المنظمون من برنامجهم شيئا، بل
أوصدت جميع الأبواب أمام هذه الجمعيات للتعبير عن رأيها أو للتحاور قصد تجاوز هذا
المس الفظيع بهوية المنطقة. فتصورا معي أن كل لغات العالم ممثلة في بلاطو "حفل
التسامح" إلا لغة الأرض التي نظم عليها، ويا لها من مفارقة. ورغم دعوة هذه الجمعيات
الجهات المنظمة إلى الحوار إلا أن دعواتها لم تلق أية إجابة رسمية مما حدا بها إلى
التصعيد من وتيرة احتجاجاتها بالطرق السلمية ودعت "لجنة متابعة بيان الجمعيات
الأمازيغية" إلى وقفة احتجاجية ضد تحقير الهوية الأمازيغية من خلال هذا الحفل
لنتفاجأ بعد ذلك بمنع السلطات الكتابي لهذه الوقفة، ونكون بذلك أمام خرقين سافرين
لحقوق الإنسان الأول الحق في الهوية الثقافية والثاني الحق في حرية التعبير
والاحتجاج السلمي. بعد أن وصل الأمر إلى المنع الكتابي الصريح وبعد أن وصلت أصداء
الاحتجاجات إلى بعض "الآذان" أخيرا تحرك المنظمون وأضافوا إلى البرنامج مجوعة تخلط
بين الأمازيغية والدارجة والفرنسية، لكن الحقيقة التي لا غبار عليها هي أن هؤلاء
المستخفين بحضارة المغرب وهويته يضحكون على ذقوننا Ils se foutent de nos gueules
ففي عرض مسرحي يخرج خلال الحفل الصحفي المقدم ليعلن بداية الحفل ويقدم بعض "نجوم
ستوديو دوزيم" بالإضافة إلى فرقة من سوس، لكن سرعان ما يستدرك ليقول إنه فقط الجزء
الأول من الحفل، "لتهدئة البعض" والمثير للانتباه أن المشاركين في هذا "الجزء الأول"
من الحفل أبانوا أنهم على علم بأن الحفل الحقيقي لم يبدأ بعد لذلك غنوا ببرودة
كبيرة.. حتى أن إحدى المغنيات غنت أغنية قامت بإعدادها خلال يومين فقط حسب تعبيرها
(يا سلام) كأنها تحيلنا على المغني المصري الذي جاء إلى المغرب وغنى أغنية قال عنها:
"لحنتها ونا جاي في الطيارة"، أما ستيل سوس فقد غنت خليطا بين الأمازيغية والدارجة
والفرنسية بألحان أمازيغية، رغم احترامي لفن الراب إلا أنني لا أستسيغ أن يتم
اختيار أغنية تخلط بين اللغات الثلاث عوض أغنية أمازيغية، ولا نستسيغ أيضا أن يتم
اختيار مجوعة واحدة لتمثيل الأمازيغية. خلاصة القول إن هذه المسرحية أعدت لضرب
عصفورين بحجر واحد: إسكات الجمعيات الأمازيغية الغاضبة، وفي نفس الوقت عدم إدراج
أية "كلمة" أمازيغية في الحفل الرسمي الذي تنقله القناة الفرنسية للملايين من
المشاهدين عبر العالم. وفعلا بدأ الحفل الحقيقي الذي لم يظهر فيه لا صامد الصحفي
ولا حليمة ولا ستيل سوس... ظهر فقط من ربح رضى من التلفزيون الفرنسي..
ومر الحفل كما أعد له بدون "أهازيج الأمازيغ" التي لا تصلح إلا كفلكلور لجلب السواح...
قد يقول قائل إن القناة الفرنسية هي المسؤولة عن جلب المادة الفنية من فرنسا وأنها
لم تجد مجوعة أمازيغية في مستوى أن يشاهدها الملايين عبر شاشة القناة الفرنسية. ألا
تعج الساحة الفنية بفرنسا بمجوعات وفنانين أثبتوا كفاءتهم عالميا، كإيدير،
تاكفاريناس، ومنهم مغاربة مثل يوبا، إيدباسعيد، الرايس تيجاني... وغيرهم كثير، أكثر
من ذلك ألا تعج الساحة الفنية بأكادير بنجوم أثبتوا كفاءتهم ويستحقون رتبة النجم
العالمي كالفنان المقتدر عموري مبارك ومجموعة أمارك فيزيون.. لقد أهان هؤلاء الهوية
الأمازيغية في عقر دارها، وأهانت السلطة الجمعيات الأمازيغية بمنعها كتابيا لوقفتها
السلمية الاحتجاجية كأننا نحمل قنابل في حناجرنا.
|