| |
على هامش تعيين حكومة
عباس الفاسي:
انتباه! الأمازيغية في خطر
بقلم: ميمون أمسبريذ
خرجت ثريا جبران، وزيرة الثقافة الجديدة، من مراسيم تنصيب حكومة عباس الفاسي وقد
فقدت لاتينيتها (أو فصحاها) من السعادة؛ فجعلت تهرف أمام كاميرا "الأولى" بكلام غير
متمفصل، تتخلله عبارات تشي بمزيج من الشعبوية والشعوبية هو كاف بذاته للتدليل على
المنحدر الجديد الذي ينتظر أن تتدحرج عليه السياسة الثقافية للمغرب "الجديد".
اعتبرت ثريا جبران تعيينها وزيرة "تكريما للمرأة العربية". نعم، إن قراءتكم صحيحة:
المرأة العربية: لا المغربية. هكذا تعلن وزيرة الثقافة الجديدة عن اللون، كما
يقولون، منذ أول تصريح لها. إن المرأة الأمازيغية المغربية لا يشملها هذا التكريم
باعتبارها ليست امرأة عربية (بمقتضى مبدأ الثالث المرفوع!). وبمقتضى مبدأ منطقي آخر
هو مبدأ التبعية، فإن وزيرة الثقافة الجديدة ستكون وزيرة للثقافة العربية دون
سواها، ما دامت هي امرأة عربية وتعيينها جاء تكريما للمرأة العربية. بتعبير آخر: لن
يكون للثقافة الأمازيغية نصيب في السياسة الثقافية التي ستنتهجها ثريا جبران (اللهم
إلا نصيب الخنق والإقصاء الذي نالته مع الحكومات السابقة، لكن هذه المرة مع فارق
بيان السبب: وزيرة الثقافة امرأة عربية وفخورة بأنها كذلك، ومن ثمة فهي لن تكون
مسؤولة إلا على ثقافتها التي هي الثقافة العربية – لا المغربية).
لكن هل كان ينتظر غير ذلك من عضوة في حكومة يرأسها وزير أول هو أمين عام لحزب جعل
من محاربة الأمازيغية علة وجوده (sa raison d'être)؟! لنقرأ هذا التصريح لعلال
الفاسي سنة 1965 "إنني أؤاخذ أسلافنا العرب الأماجد قبل غيرهم على أن خلفوا لوطننا
معضلات اجتماعية يستحيل علينا تجاهلها إذا أردنا تشخيص الداء الذي نعاني منه ونجد
له علاجا" . الداء المقصود هنا هو الأمازيغية طبعا باعتبارها مرادفا للتخلف. إن "الزعيم"
يؤاخذ أسلافه العظام من عرب بني سليم وبني معقل، الذين قال فيهم ابن خلدون ما لم
يقله مالك في الخمر ("إذا عربت خربت")، (يؤاخذهم) على أن لم يتموا إنجاز رسالتهم
الحضارية، أي تصفية الحضارة الأمازيغية.
لكن ليطمئن "الزعيم" في قبره؛ فلئن كان سلفه "العظام" قد قصروا في أداء الواجب، فان
خلفه النجباء لم يخذلوه. لقد آلوا على أنفسهم تصفية ما خلفه لهم أسلافهم من بقايا
الأمازيغية. وهم يفعلون ذلك بوسائل العصر، التي هي أنجع من الوسائل الجانجاويدية
لأسلافهم. ففيما يتم تكثيف حملة التعريب عبر التعليم والإعلام والإدارة والقضاء،
تتواصل محاربة الأمازيغية بكل الأساليب والتعلات (les alibis)، بدءا بالحرب
الإيديولوجية التي يخوضها دهاقنة معاداة الأمازيغية ضد الأمازيغيين الذين اختاروا
أن يظلوا أوفياء لأمازيغيتهم وانتهاء بذريعة "محو الأمية"، مرورا بالتعليم والإعلام
وسائر المرافق العمومية، مع ما يرافق ذلك من ضغط سيكولوجي على الحلقات الضعيفة من
سلسلة التناقل/التوارث اللغوي-الثقافي: أعني الأطفال والمراهقين والأميين – ضغط
يجعلهم ينزعون إلى "التخلص" من أمازيغيتهم كوسيلة وحيدة للتخلص من عقدة الدونية
التي تعمل الدولة عبر مرافقها العمومية على ترسيخها لديهم (وما العبارة الأمرية
الاستعلائية المتداولة "اهدر بالعربية"، التي لم تسلم أذن أمازيغية واحدة من
إصابتها، إلا إحدى تجليات هذه الحرب النفسية التي تخاض على الأمازيغية؛ وما خفي من
أساليب الترهيب والترغيب أعظم).
توجد الأمازيغية اليوم بإزاء الوضعية التالية: حكومة يقودها حزب تميز بعدائه
التاريخي للأمازيغية؛ حزب جعل من تصفية الأمازيغية مشروعه المجتمعي، باعتبار أن
القضاء على الأمازيغية قضاء على التخلف، وهو أيضا تحقيق للوحدة الوطنية تحت راية
العروبة. على رأس هذه الحكومة رجل (عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال) عارض
إدماج الأمازيغية في التعليم في حينه، وتعهد حديثا "بالكفاح ضد ترسيم الأمازيغية"؛
وفي عضويتها وزراء ينتمون إلى/ أو يتعاطفون مع إحدى مشتقات حزب الاستقلال التاريخي؛
أعني الاتحاد الاشتراكي، الذي عرف مؤسسه المهدي بن بركة بتعريفه للإنسان الأمازيغي
بأنه ذلك الشخص الذي لم يذهب إلى المدرسة (لم يتمدرس في المدرسة العروبية). المشهد
واضح إذن: لم نعد إزاء حكومة تقنوقراطية أو شبه تقنوقراطية، لا أدرية إيديولوجيا،
كما كان الشأن في بعض فترات تاريخ مغرب الاستقلال، بل نحن بإزاء حكومة سياسية، ذات
مرجعية إيديولوجية واضحة تقوم، فيما يتصل بالهوية المغربية، على إقصاء المكون
الأمازيغي واعتبار المغرب – بلدا وشعبا ودولة – عربي الهوية حصرا. الأمازيغية لا
تحضر في خطاب "الأحزاب الإيديولوجية" (مقابل ما عرف بالأحزاب الإدارية) المكونة
لهذه الحكومة إلا بصفتها إرثا سلبيا نجب تصفيته (عامل معيق للتقدم والتنمية، عنصر
مهدد للوحدة الوطنية، الخ.). من نافل القول إذن ألجزم بأن حكومة هذه إيديولوجيتها
المهيمنة لا يمكن أن ينتظر منها الأمازيغيون العمل على إعادة الاعتبار للهوية
الأمازيغية للمغرب ولا خدمة الأمازيغية والنهوض بها لغة وثقافة وحضارة. ما ينبغي أن
ننتظره – نحن الأمازيغيين – هو أن تتسارع وتيرة تصفية الأمازيغية أكثر من ذي قبل.
فهذه التصفية التي كانت إلى الآن تتم بكيفية قطاعية، حسب درجة حماس المسؤول عن
القطاع (التعليم، الثقافة، الاتصال...) ستتمتع (التصفية) من الآن فصاعدا بشروط مثلى
للتحقق الشامل: حكومة سياسية ("إيديولوجية") منسجمة، يرأسها وزير أول متحمس في
عدائه للأمازيغية، سيحرص على تأمين التضامن الحكومي وتنسيق الجهود القطاعية في
اتجاه الهدف المرصود: القضاء على "البربرية" عبر تحقيق البرنامج الاستقلالي الذي
التزم به الأمين العام لحزب الاستقلال بخصوص الأمازيغية: حظر تدريس الأمازيغية
تمشيا مع موقفه المبدئي المعارض لهذا التدريس (أو على الأقل عرقلته عن طريق اختزاله
في الحد الأدنى لتحققه، بعد أن أصبح قرار التدريس أمرا واقعا ما دام موضوع إرادة
ملكية معلنة) ثم "الكفاح ضد ترسيم الأمازيغية".
لكن رب قائل يقول: إن هذه الحكومة خرجت من صناديق الاقتراع بعد انتخابات أجمع على
أنها كانت انتخابات حرة ونزيهة، وأن الشعب قال كلمته الفصل، فلا مجال بعد للأخذ
والرد...
لكن رويدا! إن الحكومة التي ستتولى تصفية الوجود الأمازيغي ذي آلاف السنين من
العراقة هي حكومة انبثقت عن انتخابات قاطعها 76 في المائة (%76) من الناخبين
المسجلين، إما عن طريق عدم سحب بطائقهم الانتخابية أو عدم المشاركة في التصويت أو
الإدلاء بأوراق ملغية (ولم نحتسب المغاربة غير المسجلين أصلا: تقدر المصادر
الحكومية المختصة أن نحو خمسة ملايين من المغاربة غير مسجلين في الحالة المدنية
!!). نصيب حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي معا من الأصوات المعبر عنها (أي % 24
من المسجلين) هو ما مجموعه % 27 من الأصوات. هذا يعني أن عدد الناخبين الذين ستعتمد
عليهم حكومة عباس الفاسي لإنجاز مهمة إقبار ما تبقى من الأمازيغية لا يكاد يبلغ
المليون ناخبا!! باسم المليون أو يكاد من المغاربة (من أصل ما يقدر بخمسة وثلاثين
مليونا، مسجلين وغير مسجلين) سيكون علينا - نحن الأمازيغيين - أن نقبل الحكم
بالإعدام على وجودنا الحضاري الضارب في العراقة والقدم فوق الأرض المغربية!!
إن الصمت علامة الرضا كما قرر الفقهاء. وصمت الأمازيغيين في الشروط الراهنة فعل
انتحاري، لأنه يعني الرضا بالمخطط الاستقلالي الطويل النفس لإبادة الأمازيغية.
إن الشعوب أيضا تنتحر؛ وانتحارها قبولها التخلي عن هويتها في أي ظرف من الظروف.
والتاريخ حافل بالمقابر الجماعية للشعوب المنتحرة، وليس المبادة فحسب. فهل نرضى –
نحن الأمازيغيين – بزوال الحضارة العريقة التي نحن مؤتمنون عليها على يد حكومة
أقلية الأقلية هذه التي تولدت عن انتخابات قاطعها المغاربة عن وعي وتبصر، تعبيرا عن
رفضهم لطبقة سياسية لم تفتأ منذ ما يربو عن خمسين سنة تمارس لعبة أدوار سخيفة
وأليمة (en vases communicant) في غياب الشعب المغربي الذي سرق منه استقلاله وأجبر
على الصمت تحت طائلة العقاب الجماعي الذي يرد به المخزن على كل حركة مطلبية شعبية
حقا.
إنه لقليل أن نقول إن هذا الجيل من الأمازيغيين مطوق بمسؤولية تاريخية: مسؤولية
بقاء أو زوال حضارة. فماذا نحن فاعلون؟ هل نسلم أمر مصير حضارتنا إلى حكومة أقلية
الأقلية تقرر فيه ما تشاء، بعد أن صمدت عبر التاريخ في وجه أعتى الغزاة؟!
إن هذه الحكومة تفتقر إلى الحد الأدنى من الشرعية التمثيلية. فهل سنرضخ لما ستقرره
في شأن مصير حضارتنا ووجودنا الرمزي، كأمازيغيين، والشعوب المهددة حضاراتها تقاوم
من أجل البقاء حتى في أكمل الديموقراطيات وأعرقها، ما دامت هويات الشعوب ليست موضوع
استفتاءت أو انتخابات؟!. قد يقال إن ملف الأمازيغية يخرج عن اختصاصات الحكومات أيا
كان لونها، وأنه بين يدي السلطات العليا للبلاد. لكن أليست تشكيلة هذه الحكومة
("حكومة المستشارين" باعتراف رئيسها) التي حرص فيها على استبعاد حتى ذلك الحد
الأدنى من "التمثيلية الأمازيغية" في شكلها البيولوجي: أعني الحركة الشعبية – أليست
رسالة واضحة إلى الأمازيغيين؟ وبغض النظر عن وجود هذه الرسالة ومضمونها، فقد رأينا
كم هو حاسم دور الحكومة، باعتبارها جهازا تنفيذيا، في عرقلة إنجاز التعهدات المعلنة
للسلطات العليا برد الاعتبار للأمازيغية على عهد الحكومتين السابقتين تحت ذرائع
شتى، ظاهرها تقني وباطنها إيديولوجي عقيدي.
إن المعول علينا نحن الأمازيغيين أن نقرر المصير الذي نريده لحضارتنا: أن تكون أو
لا تكون. أن تبقى وتزدهر أو تضمحل وتنقرض. وكل ما عدا ذلك تعلات.
لكن أكثر ما يثير القلق – وقد تحدثت من قبل عن انتحار الحضارات – هي هذه الآفة
المنتشرة بين الأمازيغيين: آفة التمخزن. ففي مجتمع يعتبر "الوجود في المخزن" أو
الاقتراب منه أرقى صور النجاح الاجتماعي،نجد فئة غير قليلة من النخبة الأمازيغية
تتكالب على الانخراط في سلك المخزن بدون قيد ولا شرط؛ وربما دفعها الحماس له إلى أن
تصير أكثر مخزنية من المخزن! نجد من هؤلاء من لا يكتفي باتخاذ موقف الامبالاة أو
السلبية من هويته الأمازيغية، بل يتجاوزه إلى إعلان الحرب على هذه الهوية، كاريا
حنكه للخطاب الأكثر تطرفا في معاداتها؛ فيصح بذلك قول القائل: أصل الحقد، الحقد على
الأصل (l'origine de la haine est la haine des origines). بإزاء هذه الطينة من
"الأمازيغيين" لا يستطيع المرء مقاومة شعور فريد هو مزيج من الشفقة والغثيان. غني
عن البيان أني لا أقصد بالتمخزن الانخراط في سلك الوظيفة العمومية، سامية كانت أو
متواضعة، أو خدمة المواطنين وقضاياهم من خلال أية مؤسسة من مؤسسات الدولة؛ فهذا حق
بل واجب كل مواطن مؤهل! المتمخزنون الأمازيغيون، بمعنى المتبنين للايدولوجيا
المخزنية حول هوية المغرب، هم الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمازيغية؛ اذ أنهم،
بتموقفاتهم المعادية لها، يطعنونها من الخلف، مضفين مصداقية ثمينة على خطاب
المعادين للأمازيغية من غير الأمازيغيين (من باب "وشهد شاهد شاهد من أهلها").
لكن ليست هذه الفئة من النخبة الأمازيغية هي وحدها التي تنخر الأمازيغية من الداخل؛
بل توجد طائفة أخرى من الأمازيغيين يعتقدون أن أمازيغيتهم حالة طبيعية لا تحتاج إلى
البرهنة! ومثل هؤلاء يرون أن لا موجب للنضال من أجل الأمازيغية! بل ربما عدوا
الدفاع عنها تعصبا لا يليق بإنسان متنور! هؤلاء الأمازيغيون يصدرون عن حسن نية في
غير موضعها؛ والطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة كما قال القائل! إنهم من
غفلتهم لا يدركون كيف أنهم وأهليهم يعيشون غرباء أجانب في بلادهم. يسامون الهوان
كلما تخطوا عتبة بناية عمومية، وينظر إليهم نظرة الاحتقار والدونية باعتبارهم
"بشرا-لم-يصيروا-عربا-بعد"، أي بشرا ناقصي الإنسانية، ولن نتحدث عن المواطنة!.
(أتذكر أنني في العطلة الماضية ركبت سيارة أجرة إلى جانب موظفين في الإدارة
والتعليم؛ فكانا يتجاذبان أطراف الحديث؛ فذكرا فيما ذكرا واقعة تعرض فيها بعض سكان
المنطقة التي يشتغلان بها لعملية نصب واحتيال واسعة كان ضحيتها كثير منهم. ثم عقب
المدرس متنهدا: "إنهم شلوح مساكين لا يعرفون الكلام" (كذا !). إن هؤلاء "الشلوح" لا
يعرفون الكلام – مطلق الكلام، ما داموا لا يعرفون العربية. إنهم أعاجم: تماما
كالحيوان الأعجم في كلام العرب!). هذه هي صورة الأمازيغي كما رسختها الدولة
المغربية من خلال أجهزتها في أذهان قطاعات واسعة من المغاربة الذين حالفهم حظ
الانتماء إلى الشعب المختار. فهل يرضى بها أمازيغيونا "المتسامحون" صورة لهم؟!
ليعذروني، لكن الطيبوبة قد تتحول بلادة إذا زادت عن حدها! إن هذه الصورة ليست بنت
اليوم: ولا هي من صنع متهور لا يعني ما يقول. إن ما قاله المدرس المذكور (وغيره
كثير) إن هو إلا تحيين للصورة القديمة-الجديدة للأمازيغي كما تتعهدها الفرشاة
المسمومة "للحركة الوطنية" ومشتقاتها. لقد ذكرت، أول هذه الأسطر، بتصور رأسي حزب
الاستقلال التاريخي، علال الفاسي والمهدي بن بركة، للأمازيغيين. لنقرأ ما كتبه وجه
آخر من وجوه الحركة الوطنية (هو محمد حسن الوزاني) في وصف اللغة الأمازيغية: "إنها
في الواقع رطانة رعاة، قوم متأخرين، وليست لغة تحرر يتكلمها أناس عارفون، متحضرون
كأولئك الذين يستعملون العربية الكلاسيكية" (الترجمة مني؛ بدون تعليق!). ومن أراد
تحيينا لهذه الصورة التبخيسية للأمازيغية إنسانا وحضارة، فليقرأ هذا الكلام للفتى
النجيب فؤاد العروي (كتبه بعد أن كان أخرج لتوه كتابا عن التسامح يمكن أن يعتبر حقا
دليلا (un manuel) في هذا المجال؛ أعني كتابه الموسوم ب:
De l'islamisme. Une réfutation personnelle du totalitarisme religieux, Robert
Laffont
Paris, 2006
يقول في عدد 30 أبريل من Jeune Afrique L'Intelligent :
« Quand j'entends le mot «Berbères», je propose gentiment à mon interlocuteur de
le raccompagner jusqu'à la porte de sa maison de retraite. En effet, depuis 1930
et le fameux Dahir berbère que le protectorat français tenta d'utiliser pour
diviser les Marocains, on ne parle plus de Berbères au pays de l'argan. Quand
j'entends le mot "Arabes", je pense à la Bagdad des Abbassides, à l'Andalousie,
à la poésie; je pense à une langue belle et souple parlée par trois cents
millions de personnes et qui est l'une des langues officielles de l'ONU »
هكذا ليس على الأمازيغي المغربي أن يعاني الإنكار والتنكر والازدراء والتنقيص من
إنسانيته ومواطنته فحسب، بل عليه أن يتحمل تبعات الاستعمار الذي كان الأمازيعيون
أول وآخر من حاربه، وبالسلاح (لا بالأناشيد)! إن الواقعة الأمازيغية تبدأ وتنتهي،
في رأي فؤاد العروي وقبيله، مع الاستعمار: الأمازيغيون جاء بهم الاستعمار عندما جاء
وحملهم معه عندما ذهب! أما العرب – قبيلته – فهم بغداد والأندلس والشعر واللغة
الجميلة المرنة التي يتكلمها ثلاثمائة شخص (باستثناء فؤاد العروي نفسه الذي يكتب
بالفرنسية!)... بكلمة واحدة: العرب هم الحضارة والأمازيغيون ساكنة بدائية انقرضت
(كالهنود الحمر ربما!: عنوان مقال العروي هو : Berbères, Apaches et Nez-percés ).
هذا مبلغ استحكام نزعة معاداة الأمازيغية من العروبيين: استحكام يجعل أكثرهم تنورا
لا يرى تناقضا بين أن يخرج، وفي وقت واحد (2006)، كتابا ينصب فيه نفسه نبيا للتسامح
والتعارف والاعتراف المتبادل بين الأفراد والجماعات والشعوب، وبين أن يكتب مقالا
يتهجم فيه على مواطنيه الأمازيغيين، متهما إياهم في وطنيتهم (عن طريق الربط بينهم
وبين الاستعمار)، ومحتقرا لهم باعتبارهم في نظره جماعة بدائية من هذه الجماعات التي
وصفها في عنوان مقاله، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تقارن بالجنس العربي الذي ينتمي
إليه. فاعتبروا أيها "المتسامحون" الأمازيغيون! والواقع أن "تسامح" فؤاد العروي لا
يختلف عن ذلك "التسامح" الذي تعودنا عليه من العروبيين المغاربة في الحكم؛ هؤلاء
الذين لا يمضي أسبوع واحد دون أن يستضيفوا مؤتمرا دوليا عن التسامح أو يقيموا
مهرجانا عالميا عن التعارف بين الشعوب... لكن ما إن يتعلق الأمر بمواطنيهم
الأمازيغيين حتى يكشروا عن أسنان الحقد العرقي الأكثر بدائية. (اطلعت على مقال فؤاد
العروي في الحط من قدر الأمازيغيين بعد أن كنت انتهيت لتوي من قراءة كتابه عن دحض
التطرف والطوطاليتارية. قصر المدة بين القراءتين زاد من شدة التعارض (le contraste)
بين مضموني النصين. وكانت صدمتي مما جاء في المقال على قدر استحساني لما ورد في
الكتاب. وإني الآن أعتذر لنفسي عن الثمن الذي دفعته في الكتاب والوقت الذي أنفقته
في قراءته).
قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.
وإنما عرجت على ذكر بعض تجليات معاداة الأمازيغية في مخيال وخطاب العروبيين لأذكر
بالخلفية الإيديولوجية التي يصدر عنها الذين أوكل إليهم أمر تدبير شأن الأمازيغية و
الأمازيغيين اليوم: أعني حكومة عباس الفاسي. بهذا التذكير سيفهم القارئ أن الأمر لا
يتعلق بمحاكمة النوايا.
إن مصير الأمازيغية يدعو إلى القلق؛ فهل سنتحمل – نحن الأمازيغيين – مسؤوليتنا نحو
هويتنا ووجودنا الحضاري المهددين بالزوال؟
تذييل
لم يكن الوزير الأول الجديد قد ألقى تصريحه الحكومي عند كتابتي هذا المقال. وقد حال
عطب تقني دون التقاط القناة الفضائية يوم قراءة التصريح، الشيء الذي جعلني لم أطلع
بعد على مضمونه كاملا. لكن يبدو من الشذرات التي اقتطعت من التصريح خلال نشرات
الأخبار أن حظ الأمازيغية في البرنامج الحكومي لم يتجاوز إشارة واحدة تدخل ضمن ما
أصبح يشكل ضربا من "قانون النوع" (la loi du genre) في الخطاب السياسي المغربي منذ
قرار الاعتراف الصوري بالأمازيغية. مقابل ذلك: (أستشهد) "ستعمل الحكومة على تقوية
الهوية الوطنية وحس الانتماء إلى الأمة عن طريق الرفع من شأن اللغة العربية".
فهنيئا للعروبة بحكومتها، وهنيئا للمرأة العربية بوزيرتها.
|