| |
حكومة
الفاسيين تشن حربا على الأمازيغ بالمغرب: التصريح الحكومي نموذجا.
بقلم: أنغير بوبكر
انتهى مسلسل تشكيل الحكومة بالمغرب بتعيين حكومة محتكرة من طرف أبناء العائلات
الفاسية المشهورة والمتوارثة، وعرف إقصاء ممنهجا لكل المناطق الأخرى، وهذه ملاحظة
ليست جديدة إنما تداولتها صحف ومجلات مختلفة، سجلت غياب الأمازيغ وأهل الصحراء عن
الحكومة المغربية.
إلا أن الموضوع الذي سأتناوله لا يخص تشكيلة الحكومة رغم أهمية ذلك، إنما يتعلق
بمكانة الأمازيغ والأمازيغية في التصريح الحكومي الذي قدمه الوزير الأول السيد عباس
الفاسي أمام أنظار وأسماع مجلس النواب يوم 24 أكتوبر 2007 .
في البداية لا بد أن نسجل بأن التصريح الحكومي لهذه الحكومة العتيدة تم انتقاده من
طرف جميع التوجهات السياسية والنقابية وعابت عليه غياب الدقة والأرقام والاجندات
المحددة للتنفيذ، كما سجلت عليه طابع الإنشائية والتكرار وميوعة المفاهيم المستعملة
إلى حدود الميوعة والابتذال. إلا أن نفس هذه التوجهات وللأسف الشديد اقتصرت في
نقدها على المسائل الاقتصادية والاجتماعية -وهي بلا شك مهمة- وتحاشت الحديث عن
الجوانب الثقافية وعن التوجهات الخارجية الإستراتيجية وخصوصا ما يتعلق منها بالمحيط
الإقليمي للمغرب.
التصريح الحكومي لحكومة الفاسي في موضوع الأمازيغية نسجل عليه ثلاث اختلالات جوهرية:
يقول السيد عباس الفاسي:
وستعمل الحكومة على اعتماد سياسة ثقافية متشبعة بالإنسية المغربية في تعددها
الثقافي واللغوي والحضاري. وستولي الحكومة في برنامج عملها، عناية خاصة للرفع من
شأن اللغة العربية وحضارتها، خاصة في الإدارة والحياة العامة، وكذا للأمازيغية
باعتبارها من العناصر الرئيسية للشخصية المغربية ومن مكونات الحضارة والثقافة
والإنسية المغربية. وستسترشد في هذا الشأن بتوجيهات جلالة الملك، خصوصا التوجيهات
السامية الواردة في الخطاب الملكي بمناسبة إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
بأجدير بتاريخ 17 يبراير 2001. هذا وسنواصل دعمنا للمكونات الأساسية للهوية الوطنية
من خلال تعزيز حضورها في البرامج التعليمية والثقافية والإعلامية
1 ـ الخلل الجوهري الأول: التصريح الحكومي ذكر اللغة العربية باللغة لكنه تجاهل ربط
الأمازيغية باللغة، وهذا التمييز في المصطلح له دلالة خاصة ودفينة أصلا في العقل
الباطن لصانع التوجهات العامة للتصريح تتعلق أساسا بالالتزامات العلمية والسياسية
عن إقرار الأمازيغية لغة كاملة المقومات والشروط . أي أن عباس الفاسي ومن ورائه من
مهندسو هذه الفقرة من التقرير لم يلزموا أنفسهم سوى بالدفاع عن اللغة العربية في كل
مناحي الحياة بشكل واضح وتفصيلي في التصريح في الإدارة والقضاء والتعليم وغيرها من
المجالات، مقابل إعادة النظر في الشق المتعلق بإسهام الأمازيغية (بدون ربطها باللغة)
في تعزيز الشخصية المغربية، السؤال المطروح هو: لماذا لم يلزم التصريح نفسه بذكر
المجالات التي سيقوم فيها بتطوير الأمازيغية على غرار ذكره للمجالات المتعلقة
باللغة العربية؟ السؤال الثاني: ما ذا يقصد مدبلج التصريح الحكومي بالشخصية
المغربية، أليس من الأفضل أن يكتفي التصريح بتطوير اللغة العربية وتنميتها وتوفير
الميزانيات الكافية لها ـ وهذه هي الحقيقة الحقيقية- بدل إلصاق الحديث عن
الأمازيغية بحديث إنشائي عن الشخصية والإنسية والحضارة الهدف منه أساسا هو تمييع
الأمازيغية لغة وحضارة وثقافة بين ثنايا هذه المفاهيم وتحجب نوايا التصريح المبيتة
ضد الأمازيغية.
2 ـ الخلل الجوهري الثاني: التصريح الحكومي مناف بشكل قاطع للتوجيهات الملكية
ولخطاب أجدير تحديدا على أساس أن خطاب أجدير تكلم بشكل واضح وصريح عن المعالم
الرئيسية لتطوير الأمازيغية في الإعلام والتعليم على الأقل. فارتكاز التصريح
الحكومي على الخطاب الملكي استرزاق سياسي لا أقل ولا أكثر لأنه يستند على إرادة
ملكية واضحة في دعم الأمازيغية في كل مناحي الحياة مقابل إنكار حكومي واضح في تفعيل
التوجيهات الملكية. فحري بالسيد الوزير الأول إذا كان يريد حقيقة أن يستند على
الخطاب الملكي لأجدير أن يعطينا معطيات مفصلة عن خطته لتسريع إدماج الأمازيغية في
المدرسة العمومية، وأن يعطينا اجندة قارة وموثوق بها لإعطاء الأمازيغية ما تستحقه
في البرامج التلفزية وأن يكون سندا حقيقيا للقناة الأمازيغية، هذه بداية النوايا في
ترجمة الخطاب الملكي إلى وقائع، لكن يبدو أن حزب الاستقلال ومعه الوزير الأول
محرجون في حل معادلة مستجدة وهي الإرادة الملكية في إنصاف الأمازيغية والقومية
العربية المعششة في أذهانهم وقلوبهم، فكان منهج التصريح الحكومي بطبيعة الحال مدح
الخطاب الملكي بخصوص الأمازيغية علنا ودون التفريط في إقبار الأمازيغية سرا.
3 ـ الخلل الجوهري الثالث: مقتطف من التصريح الحكومي
ـ بناء مغرب عربي قوي ومتجانس: فعلى المستوى المغاربي، ستواصل بلادنا جهودها لتفعيل
بناء اتحاد المغرب العربي وتنشيط دور أجهزته ومؤسساته على أسس صلبة وفق روح ونص
معاهدة مراكش، باعتباره من الخيارات الإستراتيجية للمغرب.
- مساندة القضايا العربية والإسلامية: وعلى الصعيد العربي، ستنكب الحكومة على تعزيز
علاقاتنا الثنائية مع الدول العربية الشقيقة، والعمل العربي المشترك، وخاصة في
الجانب الاقتصادي، ومواصلة مساندة المغرب المعهودة والدائمة للقضايا العربية
المصيرية...
الملاحظة الأولى والسريعة على هذه الفقرة من التصريح هي أن المغرب تمت خندقته ضمن
الدول العربية، وأن مصالحه الإستراتيجية مرتبطة مع العرب دون غيرهم، وهذه معطيات
يفندها التاريخ والعقل والمنطق.
المغرب بلد متعدد لغويا ودينيا سكانه هم الأمازيغ في التاريخ والحاضر فكيف يمكن أن
نسميه عربيا؟ فهل المطلوب أن نرمي الأمازيغ في البحر أو نبيدهم؟ إن الحقائق
الموضوعية تثبت بشكل قاطع أن المغرب تربطه علاقات تاريخية وحضارية واقتصادية
بأوروبا أكثر مما تربطه بدول المشرق العربي، ولعل الرجوع إلى التاريخ يعفينا عن ذكر
التفاصيل.
لكن لدي اقتراح بسيط للسيد الوزير الأول لكي نبين صدقية تصريحه الحكومي وانسجامه مع
الحقيقة، هو أن نخير المغاربة في استفتاء أو أي شكل آخر بين المشرق وأوروبا أي
الوجهتين يفضلون، إنني جد مقتنع بأن الجواب سيكون في غير صالح إيديولوجية الوزير
وبهتان تصريحه.
إن ذكر الاختلالات الجوهرية التي تمكنت من تسجيلها على تصريح السيد عباس الفاسي
جعلتني أشد الاقتناع بأن الأمازيغية ستعيش مرحلة صعبة في ظل هذه الحكومة، وأن
الأمازيغ جمعيات وأحزابا وفاعلين مطالبين برص صفوفهم والتيقظ حتى لا يكونوا لقمة
سائغة في أيدي المفترسين الجدد القدامى لتاريخنا ولحضارتنا ولهويتنا، لكي لا نجبر
أن نعيش في ما أسماه الدكتور المهدي المنجرة زمن الذلقراطية.
|