| |
الاستنجاد
بالإخوة العرب في الرضاعة!
بقلم: سعيد بلغربي
استنجد صحفي مطرود مؤخرا من إذاعة محلية مغربية بأشقائه العرب في المشرق العربي،
مبررا طرده هذا بقرار اتخذته إدارة المؤسسة يدعوه إلى ضرورة إذاعة نشرة الأخبار
بالدارجة المغربية عوض اللغة العربية الفصحى باعتبار أن هذه الأخيرة لغة خشبية لا
تؤدي رسالتها ووظيفتها التواصلية والإعلامية الكاملة، والتي من الممكن أن تستفيد
منها جميع شرائح الشعب المغربي حسب مسؤولي الإذاعة. وما كان من الصحفي "المضطهد"
إلاّ أن قدم استقالته كرد فعل على هذا القرار الغير اللائق والمجحف في حق إقصاء
اللغة العربية المقدسة لأنها لغة القرآن الكريم كما جاء على لسانه، ونسي الصحفي
الحزين بأن يذكرنا كذلك، وإن الذكرى في مثل هذه المناسبات تنفع العرب والعجم معا،
بأنها قبل أن تكون لغة القرآن كانت لغة الوثنيين في الجاهلية، كانت وما زالت لغة
النفاق والإلحاد ولغة الشر والغناء والشعر الساقط في وصف ماجن للغلمان وغزل فاحش في
ذكر مفاتن ومحاسن الزانيات من عرب الجاهلة الأولى والأخيرة... وخرج الصحفي للعيان
بمرثية يستنجد فيها بإخوانه العرب في المشرق العربي، والتي عنونها ب "أيها العرب
إخوانكم في المغرب مضطهدون" (http://www.hespress.com/print.asp?EgyxpID=1508) ومن
بين ما جاء في بكائيته هاته أن عرب المغرب في خطر، منبها إخوانه المشارقة إلى
التضييق الذي يمارس عليهم وعلى لغتهم العربية الفصحى من طرف "كائنات" أمازيغية
متعصبة، مذكرا إياهم بالخطر الأمازيغي القادم، وبأن الدولة سمحت لهم بإنشاء حزب
عرقي خاص بهم وأنهم على صداقة بالعدوة إسرائيل. ودعا إلى ضرورة التدخل العاجل
لإنقاذ ما تبقى من العروبة المهددة بالانقراض وغيرها من الترهات، وهذا ما يؤكد على
أن مديرية الأخبار في الإذاعة استغنت عن خدمات هذا الصحفي لأسباب أساسية لها علاقة
بمحدودية نضجه الثقافي وبخوائه الفكري...
المهم، وعلى الرغم من ذلك قرأت المقال/الاستنجاد بتأن وتتبع شديدين، وبدا لي من
خلال هذا أن السحر بدأ ينقلب على الساحر، نظرا لأنه ولأول مرة أرى وأسمع فيها عربيا
مغربيا غريقا يعاني من "الاضطهاد" و"العنصرية" من طرف الأمازيغ، فأخذ ينفخ في بوق
العروبة المتهالك والمتآكل بفأس تاريخها الأسود، يستنجد ويستعطف بأشقائه العرب في
الشرق الأوسط، هذه البؤرة الغارقة في محنها وهمومها نتيجة عمائها لقوميتها وعروبتها.
وها هي اليوم تجني ثمارها دمارا وتذمرا وسيارات مفخخة وتفاحات موقوتة وصورا يؤطرها
الألم والدموع والعويل… ولسوء الحظ وتعاسته أن البسطاء والأبرياء من الأطفال
والشيوخ والمستضعفين العزل من هذه الشعوب هم الضحية...
في نظري كان من الأجدر والأفضل أن يستنجد الصحفي المغضوب عليه بالفيلسوف المغربي
عابد الجابري، ليبلغ عنه رسالته على أحسن وجه وبكل أمانة لأنه يعد، وبامتياز، أفضل
سفير متجول ودائم للقومية العربية في المغرب. وهو الذي كرس كل حياته إرضاء لأشقائه
العرب في المشرق والغوص بكل إتقان في خواء جماجم العقل العربي حتى النخاع، إلى جانب
العديد من زملائه المغاربة الذين تفوح من أصابعهم رائحة النفط الزكية، والذين
يعيشون خارج أسوار هويتهم الحقيقية خائفين من أن يجهروا للعامة من الناس بأنهم
أمازيغيون حتى لا يحرموا أنفسهم من الإتاوات والكوبونات التي يجمعونها كأجر على
وفائهم وإخلاصهم لأشقائهم العرب وعلى ما يقومون به من مجهودات جبارة في خدمة الفكر
القومي وتعريب ما استطاعوا إليه تخريبا.
في الحقيقة، وللأمانة السياحية، لا يمكن لنا أن ننكر أبدا تلك العلاقة الأخوية
المتينة التي تجمع المغاربة بأشقائهم العرب في الرضاعة، وللرضاعة هاته قصة أخرى لها
علاقة بالسياحة الجنسية التي يعرفها مغربنا، والتي أبطالها عرب ـ من بينهم من
استنجد بهم الصحفي المذكور ـ والذين يحجون إلينا زرافات وبدون مناسبات، يطبقون في
فنادق مملكتنا الشريفة فتوى رضاعة الكبير بحذافيرها وبكل خشوع وورع، لما لهذه
الفتوى العظيمة من أثر عميق في النفوس التواقة إلى توطيد العلاقات الأخوية الصادقة
والنبيلة بين الشعوب.
إننا أمام أسئلة مغربية مقلقة ومحرجة في زمن الإعلام الفضائي والرقمي، هل جميع
المغاربة يفهمون نشرات الأخبار وقريناتها من النشرات الاقتصادية، الجوية، المحلية
والرياضية...؟ وهل المغاربة يستوعبون مضامين خطابات ملك الدولة المذاعة بالعربية
الفصحى إلى شعبه العزيز الأمي؟
في رأيي أرى أن قرار إدارة المؤسسة كان صائبا وهادفا، وذلك راجع بالأساس إلى أن
اللغة العربية هي لغة خشبية وميتة بشهادة أهلها، لصعوبتها التركيبية والصرفية بحيث
يرفع فيها الفعل في موقع وينصب ويجر في موقع آخر، وبقيت لعدة أسباب ولعدة قرون لغة
مهجورة وفارغة على الرغم من قوة السيف التي فرضت بها على غير العرب نتيجة سطوة سلطة
المقدس الديني والسياسي، فأصبحت اليوم تعيش في مجال ضيق، موقعها سوى كتب مجلدة بورق
مقوى مطوية بإتقان في رفوف الخزانات ومؤتمرات القمم العربية الآيلة للسقوط وأفلام
اللات والعزى، عكس الدارجة المغربية والأمازيغية التي تعد لغة التواصل اليومي، وهي
حال لسان وقلب أهلها في أفراحهم وأقراحهم. ماذا يعني أن تذاع نشرة أخبار بلسان ميت!
هل هذا يدل على أن الدولة مستفيدة من جعل المغاربة أغبياء في عداد الغافلين
والنائمين مع أصحاب الكهف في سلام لكي لا يستوعبوا مضامين الأخبار حتى لا يخرجوا
إلى الشوارع غاضبين منبهين السلطات إلى تدني مستوى الخدمات الاجتماعية للمواطنين
واستمرار مخططات التجويع والتفقير، مطالبين الدولة بإيجاد حلول لغلاء أسعار الخبز
والسكر... ومطالبين وزارة السياحة بوضع حد للسياحة والصداقة الجنسية التي يرضع فيها
عرب وأجانب منحرفين في فنادق مغربية أثداء فتيات قاصرات أنهكهن البؤس والفقر
والأمية.. أم أن الرسالة النبيلة المتوخاة من الإعلام النزيه هي توعية المجتمع
ووضعه في الإطار الحقيقي الغير الممكيج للأحداث المحلية والوطنية والدولية والتي من
حقه كمواطن مغربي أن يستوعبها بخطاب وخط إعلامي مغربي يوجه إليه بلغته الأم.
لحد الآن، وفي "مغرب العهد الجديد"، لم تتجرأ أية إذاعة خاصة أو رسمية أو أية مؤسسة
إعلامية مغربية أخرى على أن تخرج إلى الشارع لتستجوب المواطنين مباشرة بعد أي خطاب
ملكي عن مضامين الخطاب وما مدى درجة استيعابه من طرف الشعب المغربي. ومن المؤكد أن
النتيجة ستمثل بنسبة قليلة من النخبة المتعلمة وهي المستفيدة من استيعاب مضامينها،
وهذا ما يبين ويؤكد على أنه ما زالت هناك فجوة كبيرة تكمن في وجود غياب تواصل لغوي
متكامل يجمع بين الشعب وملكه. من هذا الجانب الحساس فإن المغاربة في حاجة إلى وضع
إستراتيجية واضحة تعمل على تغيير الخطاب الإعلامي التقليدي الذي يحكم المؤسسات
الإعلامية بكل تلاوينيها وأن تعمل بالأساس على وضع برامج تغطي أي خطاب ملكي أو رسمي
بترجمات فورية احترافية راقية تبث مباشرة على أمواج الإذاعات والتلفزات المغربية
بالدارجة والأمازيغية المغربيتين حتى تمنح لجميع المغاربة بدون تمييز وبدون إقصاء
إمكانية الانخراط والاستفادة من جميع المواد الإعلامية الموجهة إليه، والتي تخدم
قضاياه في كل أبعادها. وبما أن جميع المغاربة سواسية في دفع رسوم الضرائب الإعلامية
فإن الجميع كذلك لديهم الحق في الاستفادة من البث التلفزي والإذاعي بلغتهم الأم
التي هي الدارجة المغربية والأمازيغية.
(سعيد بلغربي Amazigh31@hotmail.com)
|