|
تونفيت... تذكرة نحوالجحيم بقلم: أوشن محمد (تونفيت) إن الذي دعاني إلى تحرير هذا المقال هوالتحقيق الذي بثته القناة الثانية يوم الخميس 22 مارس 2007 على الساعة 22.15، حول الظروف المناخية والاجتماعية القاسية التي تعيشها منطقة أنفكو ومعها كل الجماعات والمداشر التابعة لقيادة تونفيت، حيث اتضح لكل من شاهد هذا التحقيق زيف الشعارات التي يرفعها المخزن المغربي من قبيل: فك العزلة عن العالم القروي، تطوير البنية الاقتصادية والاجتماعية للقرية المغربية... وغيرها من الجمل الطوباوية التي صارت تلج بيوتنا دون استئذان عبر نشرات الأخبار المتتالية والمملة أيضا. لقد كشف هذا التحقيق بالصوت والصورة عن الواقع الحقيقي والمرير للمغرب العميق الذي لطالما حاولت الحكومة المغربية تزيين واجهاته طلبا للسياح. هدفي إذن من وراء هذا المقال هو التعليق على مجموعة من القضايا التي جاءت في التحقيق، مع إضافة بعض المعطيات التي أرى أنها ضرورية حتى تكتمل الصورة الكارثية لهذه الربوع الأطلسية المهمشة. تعليق: إن أول ما يمكن ملاحظته حول التحقيق هو أنه فعلا تمكن من نقل معاناة سكان هذه المناطق النائية، مع الإشارة طبعا إلى أن ترجمة بعض التصريحات الأمازيغية إلى العربية قد اعتراها بعض التحريف والحذف حتى تحتفظ القناة الثانية بعلاقاتها الطيبة مع الحكومة، ومن ذلك مثلا عدم ترجمة ما قالته المرأة العجوز التي كانت تحمل الحطب فوق ظهرها، عندما طلب منها معد البرنامج ومرافقه مساعدتها على حمل الحطب فوق ظهرها قالت: "لا شكرا على مساعدتكم، فقط انقلوا معاناتي إلى الملك". إن هذه العبارة تحمل مغزى عميقا وتختصر صورة الإنسان المحلي إلى الحكومة وممثليه المحليين. لقد فقد الثقة فيهم ولم يعد يشفي غليله سوى زيارة ملكية لهذه المناطق وهذا ما أكدته غير ما مرة جمعيات المنطقة التي وقعت على عريضة تطالب فيها بمطلبين لا ثالث لهما: ـ زيارة ملكية. ـ محاسبة المسؤولين عن نهب المال العام. الملاحظة الثانية تتعلق بتعقيبات الوزير الهاروشي على تساؤلات معد البرنامج، قال: "لقد أرسلنا مساعدات على سبيل التضامن (والتشديد على كلمة التضامن من السيد الوزير من خلال حركة أصبعه أثناء الكلام) إلى أنفكو... " وكأنه يقول نتوما ما تاتسالو والو هادوك المساعدات راه غير صدقة من عندنا. هذا التصريح الخطير ينم عن تجاهل كبير لقيمة هذا الإنسان الذي يقبع وراء أسوار جبال الأطلس الكبير الشرقي الشاهقة. نقول للسيد الوزير نحن لا نحتاج إلى صدقاتك،نطالب بحقنا في العيش باعتبارنا مواطنين مغاربة يكفل لهم الدستور مجموعة من الحقوق، ونطالب كذلك بالاستفادة من خيراتنا المحلية، لا أقل ولا أكثر، لا نقبل أن تمر أمام أعيننا يوميا أطنان الذهب الأخضر "الأرز"، وتبقى دواويرنا قابعة تحت فقرها المدقع. أما الملاحظة الثالثة فتخص توقيت البرنامج، لقد جاء متأخرا أكثر من شهرين على وقوع الوفيات، هذا في الوقت الذي أنجزت فيه القنوات الإسبانية برامج مطولة مباشرة بعد وقوع الكارثة. إضافات: تقع قيادة تونفيت ضمن المجال الجغرافي لإقليم خنيفرة ودائرة ميدلت، تتميز المنطقة بمناخها البارد والجاف مع تساقطات ثلجية كثيفة تمتد من أكتوبر إلى مايو في حالة المواسم الفلاحية الجيدة. تعيش أغلبية سكان القيادة على الفلاحة المعيشية (زراعة الحبوب والبطاطس والبرسيم) ومؤخرا انتبه البعض إلى غرس التفاح بعد النجاح الذي حققه بمنطقة أيت عياش. تحتوي القيادة (حوالي 25000 نسمة) على ثانوية واحدة، ومستوصف وحيد – نستثني هنا بعض المستوصفات الصغيرة كتلك الموجودة بسيدي يحيى أويوسف – ودار للولادة جهزتها الوكالة اليابانية للتنمية (لا تشتغل لعدم وجود الممرضين والأطباء)، ثم سوق أسبوعي ليوم الأحد يحج إليه الناس من كل المداشر لشراء الحاجيات الغذائية والعلف. تتسم البنية الطرقية بالهشاشة، إذ أن الطريق الرئيسي غير صالح للمرور بسبب ضيقه وكثرة حفره، كما أن الطريق المؤدية إلى بومية، المنفذ الوحيد لتونفيت على العالم الخارجي أسوء من سابقتها، أما سكان المداشر التي يبعد بعضها ب 70 كلم (نموذج أنفكو) فيعتمدون على الشاحنات للتنقل، مع الإشارة إلى أنهم يختلطون بالبغال والأبقار والأغنام في صورة تراجيدية تعود بالمغرب مئات السنين نحو الوراء. من الناحية السياسية تنتشر بعض الأحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والحركة الشعبية... وأغلبها تعتمد على الإمكانات الذاتية لمناضليها، ولا تعرف حركة ذؤوبة إلا مع اقتراب الانتخابات حيث تفتح المقرات أو تكترى لمدة شهر ثم تختفي بعد انتهاء الانتخابات... واقتسام الوليمة. ثقافيا، نلاحظ غياب دار للشباب ومكتبة محلية، اللهم جهود بعض الجمعيات التي يؤطرها طلبة معطلون، لكن سرعان ما تموت هذه المبادرات بسبب الإكراهات المادية، ويضطر معطلونا إلى الهجرة نحو تطوان أو طنجة، ولا تستغرب إذا دخلت إلى مقهى القدس بتطوان بحي كويلمة، ستجد أن أغلبية زبنائه من أبناء تونفيت والمداشر التابعة لها، كما أن الكثيرين استقروا هناك نهائيا وتزوجوا، ولم نعد نراهم إلا في بعض المناسبات. ومن بقي في تونفيت فهو يفترش حائط سيدي محند الشريف يوميا في انتظار المجهول، وهذا ما شجع على انتشار المخدرات والسكر والفساد. الراقصون على جراحنا: بعد كل هذا لا يتوانى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عن تقديم دعم سخي لبعض الجمعيات لإحضار الشيخات والشيوخ والرقص على جراح آلاف المهمشين والفقراء، وفي تاريخ كتابة هذا المقال تنظم بعض الجمعيات، بشراكة مع المعهد، مهرجانا تحضر فيه فرق أمازيغية مشهورة، وقبل ذلك وخلال شهر رمضان قبل ليلة القدر بيوم واحد، مول أمسية بمبالغ مالية طائلة، كما نظم مهرجانين آخرين في الصيف الماضي وما قبل الماضي. وهنا التساؤل: لماذا هذا الوقت بالذات؟ إن الجواب على هذا يحتاج إلى تحليل سيرورة إنشاء المعهد والمهام الإيديولوجية المحددة... إنها إيديولوجيا الإخماد والتنويم... ونحن نظن أن هذا يحتاج لمقام آخر لفصل المقال فيه. (أوشن محمد، تونفيت، المغرب، ouchenmoha@gmail.com)
|
|