|
الأمازيغية ورهان التنمية البشرية محمد آيت بود، باحث (تارودانت) "الحرية ليست في ذاتها مسألة اختيار، إنها لزوم ما يلزم، إنها ما لا يمكن اجتنابه، وهي جوهر وجود الإنسان" _جون بول سارتر) يشكل سؤال الأمازيغية والتنمية السؤال المركزي للمرحلة الراهنة في مسار الحركة الأمازيغية. فبالإضافة إلى كون الأمازيغية تشكل بعدا هوياتيا للشخصية المغربية، غير أن البعض يتساءل عن القيمة المضافة التي يمكن للأمازيغية، لغة وثقافة، أن تقدمه للأنسان المغربي كمستهدف أول وأخير من عملية التنمية. لا يبدو هذا السؤال سهلا للوهلة الأولى، نظرا لارتباط مفهوم التنمية بمجالات متعددة،من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وبحقول معرفية كثيرة، من الناحية العلمية،غير أنه يمكن ولوج عالمه المتشعب من وجهة نظر السوسيولوجية، من نافذة التأثير المتبادل بين المعرفة والتطور من جهة، وكذا بين المعرفة والتنمية من جهة أخرى، ومدى مساهتهما في الأندماج الاجتماعي. من هذه الزاوية فقط، يكاد يجمع أغلب الباحثين أن للمعرفة الأثر المباشر على نماء ورقي الإنسان، فالمجتمعات الأكثر معرفة اليوم هي المجتمعات الأكثر رقيا والأكثر نماء وتقدما، الأكثر اندماجا وانسجاما مع الذات،وفي هذا السياق استحضر المقولة التالية للفيلسوف الماركسي ألبير كامي: "من دون ثقافة وما تعنيه ويقترن بها من حريات يغدو المجتمع غابة،حتى إن بدت صورته كاملة، لذلك فالإبداع الأصيل هبة للمستقبل." فهل ستساهم الأمازيغية لغة وثقافة في جعل الإنسان المغربي أكثر معرفة وبالتالي أكثر نماء ورقيا وتقدما واندماجا؟ سأحاول الإجابة عن هذا السؤال الفرعي، المرتبط بالإشكالية المركزية، الأمازيغية والتنمية، في إطارها الموضوعي، باعتبار أن للأدلجة إسهاما في إضفاء بعض الحسنات على دور اللغة في التنمية بشكل عام وليس إزاء الأمازيغية وحسب، وذلك من خلال مقاربته السوسيولوجية ذات المنحى المعرفي، متبعا الخطوات التالية: I - دور اللغة الأمازيغية في التنمية الاجتماعية: لاشك أن للغة الأمازيغية الدور المحوري في الدفع بالإنسان المغربي نحو آفاق الأنفتاح والتقدم، فجملة من الأبحاث العلمية تؤكد على الدور الايجابي الذي تلعبه اللغة خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل في تكوين شخصيته، ومساهمتها في الأندماج في مجتمعه، ذلك الأندماج الذي يؤول في نهاية المطاف إلى العطاء في مرحلة الرشد والنضج العمريين، والمعرفيين، ذلك أن المجتمعات التي يتلقى أبناؤها التعليم الأولى بلغاتها الأم، أكثر اندماجا وعطاء من المجتمعات التي لايتلقى أبناؤها التعليم الأولى بلغاتها الأم، لننظر إلى الوضع لدينا في المغرب، الذي يمثل الأندماج الاجتماعي فيه مستويات متفاوتة، بين الأطفال الناشئين في العاصمة والذين يتلقون تعليمهم الأولى باللغة العربية التي لها ارتباط بالدارجة المغربية إلى حد ما، والأطفال الناشئين في المناطق النائية خاصة المناطق التي يقطنها الناطقون بالأمازيغية، سوف نلاحظ أن العينة الأولى أكثر اندماجا، وأكثر انسجاما مع الذات من العينة الثانية، لما تشكله عملية التلقين الأولى باللغة الأم من أثر حميد على العملية التلقينية، وعندما نقول الأندماج فإننا نريد أن نرصد كل ما له صلة به، من طرائق التفكير، والمخيال، والتوظيفات السيكولوجية للموضوعات والأشياء، في بناء الشخصية، مما يؤثر في النهاية على محصلة الأندماج ويجعل الشخص الأمازيغي الناشئ في المناطق البعيدة عن العاصمة ليست لديه نفس الاهتمامات والأنتظارات التي للشخص الذي نشأ في العاصمة، ليست لديه نفس التطلعات أيضا، وليست لديه القدرة على التعامل مع الطرف الآخر في إطار من الثقة المتبادلة، الشيء الذي يؤزم العلاقة الثنائية ويساهم في خلق نوع من الشرخ الاجتماعي على المدى المتوسط، هذا الشرخ الاجتماعي يؤثر على النسيج السوسيولوجي ويعمق الفكرة الرائجة، بل ويزيد من تأجيجها، هذا رباطي، هذا شلح...الخ وهذا التحليل لا يقود في النهاية إلى نوع من الدوغمائية، لأن الموضوعات المرتبطة بهذا الموضوع متراكبة، ومتداخلة، ومتشابكة، غير أن عدم القدرة على الاندماج، بالبرهان بالخلف هو الذي يدعم مقولة أن للأمازيغية دورا ما في تنمية الإنسان المغربي، كلغة حاملة لمجموعة من التصورات القيمية عن الأشياء، والموضوعات، تساهم في ردم الهوة إلى حد ما ومد جسور التفاهم مع الطرف الآخر، الذي يشكل الشق الآخر من الذات بالطبع، والمحصلة النهائية هي خلق مجتمع متفاهم ومنسجم مع ذاته له نفس التطلعات، نفس الأهداف، نفس التحديات، نفس الانتظارات، ونفس التصورات، وهذا لا يجب أن يفهم على انه دعوة إلى التوحيد القسري، أو دوغماتية زائدة، لأن المجتمعات المتقدمة اليوم، لا يعني أنها توحدت بالمفهوم النازي للوحدة، أي نقاء وصفاء العرق الآري، بل توحدت بالانصهار في بوتقة الماضي، الحاضر، والمستقبل المشترك، مع أن هذه العناصر، ونظرا لما أضحت تشكله من أهمية في تقدم المجتمعات غير أنها تبقى مساهمتها نسبية إلى جانب أشياء أخرى تساهم في جعل المجتمع متماسكا ومتقدما، بعض هذه الأشياء لها صلة مباشرة بالعامل الاقتصادي. II- دور اللغة والثقافة الأمازيغيتين في التنمية الاقتصادية: لاشك أن أي شخص سوف يتساءل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمازيغية لغة وثقافة في التنمية الاقتصادية بالمغرب كمرجعية فكرية وثقافية وهوياتية للإنسان المغربي، وهو تساؤل مشروع أملته التحديات الجسيمة التي أضحت مطروحة أمام التنمية ،ببلادنا. الأمازيغية بحكم أنها مغيبة من البرامج التنموية والمخططات الاقتصادية، يجعل من الصعب الحكم على دورها التنموي بشكل مسبق في غياب أية إحصائيات وأرقام دقيقة، يمكن أن يستند إليها الدارس أو الباحث للتأكيد على دورها التنموي، هذه الفرضية تعتبر صحيحة من الناحية الاقتصادية البحتة، غير أن التحليل الاقتصادي الذي يعتمد منهج الاستقراء او الاستنباط كما يؤكد على ذلك كبار منظري الاقتصاد السياسي، لاشك لا يفصل بين الأرقام والإحصائيات الاقتصادية وعالم البورصة وأسواق المال والنقد وبين العوامل المحركة لها، المرتبطة بالكائن البشري بحكم كونه حيوانا اجتماعيا بالدرجة الأولى، إذ هو الذي يؤثر في الاقتصاد من خلال تأثيره في البواعث السياسية والاجتماعية، التي تشكل الخلفية الأساسية لأي عمل اقتصادي، وبالتالي تنموي، من حيث كون النتيجة النهائية هي تحقيق رفاه هذا الكائن البشري، وباعتماد البرهان بالخلف نطرح هذا السؤال: ماذا حقق الاقتصاد للإنسان ككائن اجتماعي، وكحيوان ناطق، ومفكر؟ لنجرد هذا الإنسان من لغته وثقافته ثم نمنحه التنمية اللائقة، هل يتسنى لنا ذلك؟ الآن أستطيع القول إنه من الصعب التفكير في فصل التنمية والاقتصاد عن حياة الكائن البشري أيا كان هذا المخلوق البشري، وإلى أية لغة وثقافة ينتمي، ذلك لأن التنمية الاقتصادية يصنعها الإنسان انطلاقا من خلفيات ثقافية، بواسطة أدوات لسنية هي بالضرورة اللغة، فالمجموعة البشرية التي لم تستطع النهوض بلغتها وثقافتها إلى مستوى فرض احترامهما، لايمكن أن تحقق التقدم الاقتصادي، لذا فالإنسان الغربي عندما طور لغته واعتنى بثقافته، تحسنت وضعيته المادية، بما حقق له تنمية وازدهارا وتقدما اقتصاديا هائلا، بيد أن اللغة في المحصلة النهائية هي الوعاء اللساني الذي استوعب ذلك التقدم، أرجع إلى الاندماج الاجتماعي رابطا إياه بالتنمية الاقتصادية لأقول إن المجموعة البشرية التي لم تحقق الاندماج الاجتماعي لوجود خلل في وظائفها اللغوية والثقافية، لا تستطيع أن تحقق تنمية اقتصادية، مما يؤثر سلبا على التنمية بشكل عام، وحتى المجهودات التنموية التي تبذل في هذا الإطار تكون محدودة الأثر، لأن الانزواء وشيوع التوجس وغياب الثقة في المجتمع يعمق الهوة أمام الإقلاع الاقتصادي، الذي يحتاج أكثر ما يحتاج إليه إلى زيادة الثقة بين المتعاملين والقضاء على التوترات السياسية ذات الانعكاسات الاجتماعية السلبية. لنأخذ حالة المغرب حيث ارتكاز أيديولوجية الحكم على الولاء لأيديولوجية شرقية، تم تغييب ممنهج للغة الأمازيغية في البرامج التعليمية، والصحافة المقروءة والمكتوبة،والإعلام السمعي البصري، والإدارة والقضاء، وإدارة الأعمال، والحياة العامة، كان له الانعكاس السلبي على التنمية، ذلك أن اعتماد اللغة العربية لوحدها كلغة ليست لغة السواد الأعظم من المغاربة يكرس أزمة لسنية تفضي إلى زعزعة ثقة الناطقين بالأمازيغية في ذاتهم وقدراتهم، ويجردهم بالتالي من وطنيتهم ويحولهم إلى مجرد كائنات بشرية مسلوبة الإرادة، أمام احد أمرين إما الانخراط في تعلم اللغة العربية مع مايشكله ذلك من تحدٍ لغوي بالنسبة للطفل الأمازيغي خاصة في البادية، أو الانكفاء على الذات والشعور بالعزلة والتهميش وبالتالي عدم الاندماج الاجتماعي، دون الحديث عن تعلم اللغات الأجنبية. إن عملية تحويل المشاعر والأحاسيس والأفكار من لغة إلى أخرى، يصحبها مجهود فكري كبير، هذا دون الحديث عن آثارها النفسية العميقة، ذلك أن التفكير في إطار لغة، والتعبير بلغة أخرى يجعل عملية التواصل لاتتحقق بالنسب المطلوبة، وتخلف وراءها جبالا من عدم الثقة والريبة في التعامل مع الآخرين، وكل ذلك يؤثر على الترابط الاجتماعي الذي يفترض فيه الانسجام اللغوي والثقافي لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، وبالتالي خلق فرص التنمية المستدامة.
|
|