|
خطابات محمد السادس يفهمها فقط 30% من المغاربة! بقلم: مبارك بلقاسم حسب أرقام الحكومة المغربية الرسمية لا يعرف 43% من المغاربة القراءة والكتابة بأية لغة كانت. وحسب تقديرات أخرى تتجاوز هذه النسبة ال50%. ولاشك أننا جميعا نملك فكرة لا بأس بها عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي يتواجد فيها بلد لا يعرف نصف سكانه كتابة اسمهم ولا قراءة لافتة معلقة على باب إدارة عمومية أو مدرسة أو متجر. فما بالك بقراءة الجرائد والمجلات والكتب ومتابعة السياسة والأحداث؟ وما بالك بالتعامل مع عالم الإنترنت والوعي البيئي والإصلاح الاجتماعي...إلخ ؟! أما إذا وصلنا إلى مجال الإعلام السمعي-البصري وهو أقوى نفوذا وتأثيرا من المدرسة والجامعة والمسجد والمقهى، فنجد أن الأمي المغربي يقف أمامه مثلما يقف البطريق القطبي أمام صحراء ورزازات! فالتلفزة المغربية تخاطب المغاربة بلغتين غريبتين عنهم وهما اللغة العربية الفصيحة المشكّلة واللغة الفرنسية المستقيمة المنمقة. وكلتا اللغتين تستعصيان كل الاستعصاء على أغلبية المغاربة. ولا يفهم إحدى هاتين اللغتين بشكل كاف إلا من ساعدته الظروف على دخول المدرسة وإتمام التعليم الثانوي. أما اللغة الأمازيغية التي يتكلمها ويفهمها 75% من المغاربة فمغيبة عن التلفيزيون (باستثناء نشرة ال10 دقائق اليومية). ومن المؤكد طبعا أن خطابات الملك محمد السادس المتلفزة تستمع إليها نسبة كبيرة من المغاربة في البيوت والمقاهي. ويأتي ذلك من كون الملك هو الذي يرسم الخطوط العريضة لسياسة البلاد في كل المجالات، وهو الذي يشمل برعايته السامية كل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية من تحفيز للاستثمار الأجنبي في السياحة، وتدشين للمشاريع السكنية، ورعاية للتظاهرات الرياضية والفنية والثقافية. إلا أنه تجدر، على الأقل، الإشارة إلى حقيقة هامة وهي أن معظم المغاربة لا يفهمون ما يقوله الملك في خطاباته السامية. والسبب بكل بساطة هو أنهم لا يعرفون اللغة العربية. ولكن أليست نسبة 30%، المذكورة في عنوان هذا المقال، منخفضة جدا ولا تعبر عن الواقع؟! بل إن نسبة 30% قد تكون مرتفعة جدا ومبالغا فيها! كيف ذلك؟ إذا أخذنا نسبة ال 43% من المغاربة الذين تقول الحكومة المغربية بأنهم أميون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة وحذفناها من 100% فستبقى لنا نسبة 57%. في هذه ال 57% يوجد خليط كبير من المغاربة ذوو درجات مختلفة من التعليم والإلمام باللغات والمعرفة. وكمثال بسيط: المواطن المغربي الذي لم يكمل التعليم الابتدائي لا يعتبر أميا في نظر الحكومة المغربية. كما أنه لا يمكن أن ننسى أن نسبة كبيرة (ربما الكبرى) من المغاربة المتعلمين والمهنيين وحتى المثقفين قد تلقت تعليما مغربيا أو فرنسيا باللغة الفرنسية فلا يلمون باللغة العربية إلا قليلا جدا. وهؤلاء المغاربة المخضرمون الذين تكونوا باللغة الفرنسية في الستينات والسبعينات والثمانينات ويعاصرون اليوم عصر التعريب هم الذين مازالوا إلى الآن يشغلون معظم المناصب في المؤسسات الإدارية والمدرسية والأمنية والعسكرية في البلاد. وجدير بالذكر أن النسبة العظمى من المغاربة العاملين بالقطاع الاقتصادي الخاص والعام يستعملون اللغة الفرنسية بشكل يومي في الاجتماعات والمناقشات وصياغة المشاريع والتقارير. كما أن التعاملات الاقتصادية من بيع وشراء ومفاوضات واتصالات وإشهارات وأسهم وتحويلات تتم كلها بالفرنسية على جميع المستويات. وبجانب ذلك، كلنا يعلم الصعوبات الجمة التي يلقاها التلاميذ والطلبة المغاربة في تعلم اللغة العربية الفصحى، أولا بسبب كونها لغة غريبة عن الوسط الاجتماعي، وثانيا لصعوبة قواعدها وتضاربها أحيانا كثيرة مع اللغة الأمازيغية والعربية الدارجة الشعبية، وثالثا لأن الطالب يعرف أن الفرنسية تنتظره في التعليم العالي. كما أن أي متابع للتلفزة المغربية بقنواتها سيلاحظ بمنتهى البساطة العذابات المؤلمة والسقطات اللغوية المثيرة للشفقة والضحك أحيانا، والتي يمر بها معظم المغاربة الذين يحاولون التحدث أمام الكاميرا باللغة العربية الفصحى من صحفيين وسياسيين واقتصاديين وناس عاديين. في حين أنني شخصيا أندهش في كل مرة، مثل كثير من المغاربة، أمام الإتقان والتلقائية الكبيرة التي يتفرنس بها الصحفيون والوزراء والسياسيون ورجال الاقتصاد والشباب وحتى بعض الأطفال المغاربة على شاشة التلفزة المغربية، وهذا يدل على أن هؤلاء يشاهدون في الغالب التلفزة الفرنسية ولا يقرأون إلا بالفرنسية. وإذا قدرنا بأن كل هؤلاء الذين استعرضناهم لا يشكلون سوى 27% من المغاربة فستبقى لدينا نسبة تقريبية هي 30% من المغاربة تمتلك أغلبيتها، على الأرجح، مهارات مقبولة أو كافية في اللغة العربية الفصحى. وهؤلاء منهم السياسيون والمثقفون والموظفون والمهنيون والطلبة والصحفيون والمتعلمون الأمازيغ مزدوجو أو ثلاثيو أو رباعيو اللغة وغيرهم. وبالتالي فسنجد أنفسنا أمام الحقيقة الكبرى وهي أن أكثر من 70% من المغاربة لا يفهمون معظم ما يقوله الملك محمد السادس في خطاباته، التي يلقيها بالعربية الفصحى، ولا يفهمون ما يقوله المذيع حول الملك والمغرب والعالم. ولا يبقى في هذه الحالة للسيد "موحماد" إلا خيار واحد وهو أن يسأل الموظف الجالس بجانبه في المقهى قائلا: "Min inna ugllid nnegh? " (ماذا قال ملكنا؟). أما السيد "الشقروني" فسيضطر على الأرجح إلى انتظار نشرة الأخبار المسائية الفرنسية على 2M أو TVM حتى يتبين بالضبط ما قاله الملك في خطابه. ومن أجل فهم أعمق لتفاصيل الخطاب الملكي السامي، سيحرص "مسيو الشقروني" على قراءة صحف الغد الصادرة بالفرنسية. هذه هي الحالة اللغوية بالمملكة المغربية.
|
|