| |
وأخيرا نطق العروي
بقلم: تاكني حميد (إنزكان)
لقد كان المفكر المغربي عبد الله العروي أكثر جرأة وشجاعة وهو
يستضيف في بيته الصحافية بديعة الراضي وبرنامجها "وجوه وقضايا"، وكاد اللقاء سيكون
روتينيا ولا جديد فيه لولا ملاحظته الأخيرة التي أكد فيها أن المغرب يفصله عن
المشرق أكثر من ثمانية ألف كيلومتر ومع ذلك فهو يظهر تعاطفا كبيرا ومبالغا فيه لا
يوظفه حتى في قضاياه المحلية المزمنة. وزاد السيد العروي على هذا أن المغرب شبه
قارة معزولة تحيق بها الأخطار من كل جانب.
طبعا هذا الرأي الجريء والشجاع كان دائما الشعار الذي تنادي به الصحافة والجمعيات
وكل المناضلين الأمازيغيين، وهو بكل تأكيد رأي المغاربة الأحرار الذين يغارون على
هويتهم الضاربة في القدم ضدا على الذين يحملوننا وزر الدفاع عن قضايا لاتهمنا لا من
بعيد ولا من قريب، وقد كنا في أيام الدراسة الجامعية نناقش في الحلقات الطلابية
الأزمة الإيرانية والأفغانية والفلسطينية واللبنانية ولم نحظ في يومها بأية دردشة
ولو صغيرة عن القضايا المحلية الغارقة في التعقيد، ولو حدث وحاول أحدهم فتح النقاش
حول قضية محلية فحتما سيتهم بأنه قد فضل المصلحة المحلية على العربية، وهذه خيانة
للفكر القومي العربي... بل الأدهى من هذا كله أنه قدر لنا أن نزور بعضا من أقطار
المشرق العربي، وتأكدنا من أن هؤلاء المشارفة الذين تألمنا لهم وجمعنا لهم ما نملك
من دريهمات قصد مناصرتهم في قضاياهم وأزماتهم يجهلون بأن هناك دعما ومساعدات
مغربية، بل ويذهبون إلى القول بأن القيادة المغربية هي التي ضيعت فلسطين.
ملاحظة العروي جد مهمة، وربما قد تكون مؤثرة خصوصا في بعض الأصوات الشاذة التي لم
تكن تأبه بما كان يكتبه إخواننا الوطنيون الأمازيغيون، خصوصا في جريدة "تاويزا"
التي رغم التضييق والرقابة الغير المباشرة على نصوصها إلا أنها حاولت الكتابة في
هذا الموضوع مرارا وتكرارا، مؤمنة بأنه سيجيء يوم لا محالة يعرف فيه المغاربة أن
مغربهم لا يعدو أن يكون في نظر المشرقي عبارة عن مواخير ومخازن للحشيش.
مساكين هؤلاء المغاربة، فهم يملكون قلوبا حساسة ومشاعر رقيقة وإيثارا مبالغا فيه،
في حين أن هذا الشرق الذي يريد فقط أن يعربنا ويمشرقنا ويرمي بنا إلى الشارع حتى
تنهشنا كلاب القومية والأصولية ،لا يكلف نفسه الوقوف مع المغرب في قضاياه، ولكم أن
تشاهدوا نشرة الأخبار على أية قناة عربية لتتأكدوا أن أي خبر عن المغرب يكون في
غالبيته مدعوما بخريطة مغربية مبتورة من الصحراء المغربية. أما سبتة ومليلية فلا
أحد يستطيع الكلام عنها بحجة الحفاظ على علاقات جيدة مع المستعمر الإسباني
في هذا المغرب العجيب الغريب، تدافع حكومته بجميع سلطها عن اللغة العربية، ومع ذلك
فهم يرسلون فلذات أكبادهم للدراسة باللغة الفرنسية والإنجليزية ليحكمونا، نحن الذين
غصبنا قهرا على تعلم العربية، وفي هذا المغرب الذي يقول مسؤولوه بأنهم يدافعون عن
هويته المغربية تجد معظمهم يصطفون أمام السفارات قصد تقديم طلب التجنيس، مؤمنين بأن
الحال قد يتبدل وأن الهروب أفضل وسيلة لتفادي أية محاكمة في أية جنحة قد يكونوا
يخططون لها وهم مازالوا على مقاعد الدراسة.
تفتح موقع "التجديد" على الإنترنت فتتفاجأ أن الموقع يعج بنداءات التبرع لفائدة
الأسرى والمناضلين من فلسطين وغيرها في حين أن أمهات المغاربة "الحراكة" الثكلى لا
تجد من يمسح دمعها، وفقراء المغرب الذين يفترشون قطع الكراطين في المحطات الطرقية
لا تجد معينا ولا معيلا، والعمال الذين تمت مصادرة حقوقهم في مناجم ومعامل المغرب
لا يجدون مناديا يعرف بقضاياهم فاضطروا بعدما طردوا من بيوتهم المؤجرة إلى أن
يسكنوا أماكن عملهم، بل منهم من يسكن نفس الحافلة الحضرية التي كان يشتغل فيها...
هذا هو حال الأحزاب القومجية التي تناضل من أجل المشارقة وتنسى آهات وأنين بلدها،
هذا هو حال الجرائد المغربية التي تنشر أخبار المشارقة بالبند العريض وعلى الصفحة
الأولى، أما أخبار المغاربة ومعاناتهم مع شطط السلطات فترميها في قلب الجريدة غير
مهتمة بها.
لقد حان الوقت ليعرف المغاربة بأن لا أحد يهتم بمشاكلهم، ولا أحد عنده أي استعداد
لأن يضيع وقته في مناصرة شعب أو وطن اسمه المغرب، والأحسن له أن يهتم بأبنائه
وينتبه لمعاناتهم وصرخاتهم. أما نحن فقد آمنا كما آمن الكثير من إخواننا
الأمازيغيين بأن الحفاظ على الهوية والذود عنها سيكون من أولوياتنا، ولن يكون هناك
أي تساهل مع أية إيديولوجية قد تحاول إزاحاتنا عن هذا الرهان الرئيسي والحتمي.
|