| |
تدريس الأمازيغية: سنتان من
الإفشال، من المسؤول؟
بقلم: الحسين أدي
جاء في جريدة الشرق الأوسط، الجريدة الخليجية التي تصدر
بلندن، في العدد الصادر يوم 19 أبريل 2005، أن وزير التربية الوطنية المغربي عقد
لقاء مع الصحافة، ومن جملة القضايا التي أثيرت مسألة إفشال مسؤولي وزارة التربية "الوطنية"
لعملية إدماج اللغة الأمازيغية بالمنظومة التربوية المغربية. وقد نفى الوزير
الاتحادي وجود أزمة بين وزارته وبين منشأة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ولم
يكتف بذلك فقط، بل ادعى وجود يد خارجية وراء كل الأصوات التي تنتقد وترفض الوضع غير
الطبيعي الذي تعرفه قضية تدريس اللغة الأمازيغية حاليا بمختلف المدارس المغربية دون
استثناء يذكر، وذلك لما تحدث الوزير عن وجود بعض الفعاليات الأمازيغية من "الذين
يريدون الركوب فوق الحصان الأجنبي لإنجاح تجربة تدريس الأمازيغية في المؤسسات
التعليمية المغربية"، كما جاء في تصريحه للصحافيين الحاضرين في ذلك اللقاء ووفق ما
أوردته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها المذكور. وهذا الأمر (المؤامرة الخارجية التي
تحركها اليد الخارجية) يذكرنا بالطريقة التي يعتمدها كل من أحفاد "الحركة الوطنية"،
وكل المحسوبين على التيار القومجي المنهار، وعلى الأحزاب المغربية بمختلف تلاوينها
في تعاملهم مع القضية الأمازيغية بالمغرب وتناولهم لها.
لقد نفى الوزير أن يكون هناك مشكل بين وزارة التربية الوطنية ومنشأة المعهد
الأمازيغي. ومن الطبيعي أن يكون الجواب بالنفي، حيث إن المشكل الكبير موجود بين
الأمازيغية كلغة وثقافة وحضارة، وأكثر من ذلك كمنظومة قيم وأفكار أصيلة وكنمط
تفكير، وبين الذهنية المشرقية العروبية العنصرية الإقصائية التي يدبر ويسير بها
مسؤولو التربية "الوطنية" كبارا وصغارا ـ على حد سواء ـ قضايا التربية والتعليم
ببلادنا وملف تدريس اللغة الأمازيغية بالدرجة الأولى وعلى وجه الخصوص، هذه الذهنية
أو العقلية يميزها ولاء أعمى ووفاء لا حد له لقضايا المشرق العربي على حساب قضايا
المغرب، وعلى رأسها قضية اللغة والثقافة الأمازيغيتان، هذا المغرب الذي يعيش هؤلاء
المسؤولون على تربته ويتقاضون أجورهمـ على ما يبدو اللهم إن كان هناك شيء آخر يأتي
من مكان آخر غير المغرب ـ من ميزانيته... لقد سبق لنفس الوزير أن قال شخصيا في
برنامج "أقواس"، الذي كانت تقدمه القناة المغربية الأولى، أنه منحدر من عائلة قادمة
من المشرق العربي، كما أن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه، إضافة إلى كونه مرتبطا
ارتباطا عاطفيا وعضويا وأيديولوجيا بأحزاب البعث العربي الاشتراكي المتواجدة بكل من
سوريا والعراق وبحركة القومية العربية بصفة أعم. وللتأكد أكثر يرجى الرجوع إلى
الوثائق الأيديولوجية والتقارير السياسية والأوراق التي تقدم إلى مؤتمر هذا الحزب،
إضافة إلى ذلك، فهو (أي الاتحاد الاشتراكي) حزب يمثل النخبة المدينية بامتياز، وهو
ذو توجه عروبي صرف، وفاء منه لإيديولوجيته التي ترتبط بالحركة القومية العربية كما
سبق أن أسلفنا الذكر، وهو كذلك حزب سلفي باعتبار انشقاقه السابق عن حزب الاستقلال،
ومن خلال هذه الروح السلفية التي يتصف بها وارتباطه كذلك بموقف "الحركة الوطنية"
التي أقصت الأمازيغية منذ بداياتها، وعمليا فإن هذا الحزب بقي وفيا لكل هذه المواقف
الأيديولوجية الإقصائية من الأمازيغية، وعمل على تصريفها، سواء لما كان في المعارضة
أو لما تولى الحكم في إطار ما يطلق عليه "التناوب" عبر مختلف الحقائب الوزارية التي
يتولاها.
من خلال المرجعية التي يتخذها هذا الحزب، والقريبة جدا من الأفكار العروبية
والسلفية والبعيدة جدا عن التقدمية والاشتراكية، اللتين ليستا سوى شعارات فضفاضة
يتم رفعها مناسباتيا، ولا علاقة لها إطلاقا بممارسات هذا الحزب والمسؤولين المنتمين
إليه، على الأقل فيما يتعلق بتدبيرهم لملف الأمازيغية... من خلال ذلك، لا تشكل
الأمازيغية بالنسبة إليه سوى مسألة أناس "برابرة ومتوحشين" قادمين من الجبل، غير
متحضرين...الخ. ولهذا فمن الطبيعي جدا، ومن المفهوم والواضح، أن لا يسعى الوزير
الذي يتولى حقيبة التربية الوطنية إلى إنجاح عملية إدماج اللغة الأمازيغية بالمدرسة
المغربية، ذلك أنه، وبكل بساطة، لا يريد أن يسجل عليه التاريخ ذلك، لأن الأمر ليس
بالهين عليه وهو سليل العائلة الشريفة القادمة من الحجاز، والمنتمي إلى حزب يطمح ـ
على غرار حزب البعث الاشتراكي ـ إلى قيام الوحدة العربية ذات يوم.
إنه لأمر عجيب وغريب، بل وهزلي، أن يكون هناك إفشال لعملية تدريس اللغة الأمازيغية،
فكل الشروط والظروف العامة متوفرة لإدماج الأمازيغية في جميع مناحي الحياة وليس
بالمدرسة فحسب، بما في ذلك الاعتراف الدستوري بها، كل ما هنالك تصرفات معممة على
نطاق واسع ـ مما يوحي بأن أمر الإفشال مدروس ومخطط له سلفا ـ لمسؤولين غايتهم
الأولى والأخيرة هي عرقلة الوصول إلى اعتراف دستوري قادم وتحركهم في ذلك انتماءاتهم
القومية العروبية وليس الغيرة الوطنية، ومن بين هذه الشروط هناك أولا اعتراف ملكي
رفيع المستوى بأمازيغية المغرب، وقد ورد هذا الاعتراف في أكثر من خطاب واحد، هناك
خطاب الملك الحسن الثاني لـ 20 غشت 1994، وهناك خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد
العرش لـ 30 يوليوز 2001، وهناك أيضا خطاب الملك محمد السادس لـ 17 أكتوبر 2001،
المعروف بخطاب أجدير، والذي أعلن فيه عن تأسيس منشأة المعهد الأمازيغي. إن هذا
الاعتراف الملكي يتجسد بالخصوص، وفي إطار ما جاء أساسا في خطاب الملك محمد السادس
لـ 31 يوليوز 2001، في:
ـ حرص الملك الجديد على احترام تنوع الخصوصيات الثقافية الجهوية وإعطائها الفضاء
الملائم للاستمرار،
ـ ترسيخ بعد ثقافي للمفهوم الجديد للسلطة،
ـ إعطاء دفعة جديدة لثقافتنا الأمازيغية التي تشكل ثروة وطنية لتمكينها من وسائل
المحافظة عليها والنهوض بها وتنميتها،
ـ العناية الخاصة بالأمازيغية في المشروع الديمقراطي الحداثي القائم على تأكيد
الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية،
ـ اعتبار النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية،
هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية، هناك الرعاية الملكية المتميزة المباشرة لملف
الأمازيغية والمتجسدة في احتضان الملك لأنشطة المعهد الأمازيغي الذي يتمتع، بأمر من
الملك، بميزانية سنوية مهمة تقتطع مباشرة من الميزانية المخصصة للقصر الملكي، إضافة
إلى تخصيص هذه المؤسسة بظهير يمنحها مجموعة من الاختصاصات والصلاحيات، ويبقى على
المسؤولين المشرفين على عمله القيام بها وتفعيلها بدل أن تبقى حبيسة الظهير نفسه.
هذا الاعتراف وهذه العناية الملكيان، لا يجوز لأحد ـ من منظورنا الشخصي ـ المزايدة
عليهما، وعلى الجميع، وزراء ومسؤولين ومؤسسات وأحزابا وجمعيات ومنظمات... السير على
خطى هذه الإرادة الملكية الواضحة التي لا غبار عليها وتنفيذ ما جاء في الخطابات
والتوجيهات الملكية الخاصة بإعادة الاعتبار لأمازيغية المغرب.
على ضوء كل ما سبق، وباعتبار التعليم والإعلام بمثابة البوابة الأولى وليس الأخيرة
لإعادة الاعتبار لأمازيغية المغرب، نتساءل: من يحاول التقليل من الاحترام الواجب
للخصوصيات اللغوية والثقافية بالمغرب؟ من يعرقل المبادرات الرامية إلى إعطائها
الفضاء الملائم للديمومة والانتعاش؟ من يسعى يوما عن يوم لتجاوز البعد الثقافي ـ
الذي أكد عليه جلالة الملك ـ للمفهوم الجديد للسلطة؟ من يقف سدا أمام المبادرات
والمشاريع الهادفة إلى المحافظة على الأمازيغية وتنميتها والنهوض بها؟ من يعرقل،
بلامبالاته، عملية إدماج الأمازيغية في المشروع الديمقراطي الحداثي لبلادنا؟ إنه
بالعودة إلى الوضع الهزيل والمهزوز جدا للأمازيغية بكافة تجلياتها اللغوية
والثقافية والحضارية بكل من المدرسة العمومية ووسائل الإعلام التابعة للدولة بمختلف
أصنافها وبمناحي الحياة العامة ككل، وعلى ضوء هذا الاعتراف والاهتمام الملكيين
اللذين وازاهما بالمقابل صمت مطبق للأحزاب السياسية "المغربية" التي كثيرا ما تآمرت
على الأمازيغية، وتشهد على ذلك بياناتها ووثائقها المقدمة إلى مؤتمراتها الصورية
والشكلية ليس إلا، لنا أن نستنتج ونستخلص أن عدم قيام المسؤولين ـ وعلى رأسهم وزير
التربية الوطنية الذي أفشلت في عهده عملية إدماج اللغة الأمازيغية في النظام
التربوي وكذلك وزير الاتصال في موضوع الإعلام ـ بالمجهود اللازم والكافي والضروري،
وهم المنتمون إلى أحزاب تواطأت وإلى الأمس القريب على الأمازيغية والأمازيغ، إنما
بذلك يعاكسون ويقفون في وجه إرادة الملك الجديد محمد السادس في حل مشكل الأمازيغية
بالمغرب، ويعرقلون حل قضية الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بالمغرب التي يعتبر
حلها دعامة أساسية لتحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي بالبلاد.
إن العودة إلى الميدان، والاطلاع عن كثب على الواقع الذي تعرفه اللغة الأمازيغية
بالمدرسة المغربية ومنذ سنتين، يجعلنا نحار فعلا في من سنصدق: هل تصريحات السيد
الوزير للصحفيين؟ أم الواقع المرير الذي تعرفه عملية إدماج الأمازيغية بالنظام
التربوي بمعطياته الدقيقة والمفصلة بالتفصيل الممل؟ إنه لعمري تناقض صارخ ما فوقه
تناقض !
وعلى كل حال، ماذا يقول هذا الواقع؟ وأين وجه المرارة في كل ما يحدث؟
ـ نهجت وزارة التربية الوطنية سياسة تخطيط عنوانها "السنوات البيض" في تعاملها مع
عملية إدماج اللغة الأمازيغية بالمدرسة العمومية، مطبقة بذلك ما جاء بالكتاب الأبيض
وميثاق التربية والتكوين، وخصوصا في مادته 115 التي تقول بالحرف الواحد: "يمكن
للسلطات التربوية الجهوية اختيار استعمال الأمازيغية أو أية لهجة محلية للاستئناس
وتسهيل الشروع في تعلم اللغة الرسمية في التعليم الأولي وفي السلك الأول من التعليم
الابتدائي". رغم أن هذه المادة، وكذا مضمون الكتاب الأبيض بخصوص الأمازيغية، أصبحا
متجاوزين بفعل ما ورد في الخطابين الملكين السالفي الذكر، كل ذلك والوزارة تعمل
بمنطق "هاد الشيء التي اعطى الله" الذي اعتاد مسؤولوها المركزيون والمحليون على
توظيفه لتدبير شؤون التربية والتعليم بالبلاد.
ـ عرقلت وزارة التربية الوطنية عمل اللجنة المشتركة بينها وبين المعهد الأمازيغي
والمكلفة بتتبع عملية إدماج الأمازيغية بالمنظومة المدرسية، هذه اللجنة تفاجأ دائما
كلما استجد مشكل ما بعدم حضور مسؤولي التربية الوطنية بمكاتبهم بالرباط، ولعلم
القراء فإنها لم تجتمع منذ يوليوز 2004 إلى حين الانسحاب الأخير من منشأة المعهد
الأمازيغي (أواخر فبراير 2005). ويمكن هنا مقارنة المدة الزمنية لمعرفة مدى
الاهتمام الذي يوليه مسؤولونا الحكوميون وغيرهم للأمازيغية.
ـ ألغت وزارة التربية الوطنية العديد من الدورات التكوينية التي برمجها المعهد
الأمازيغي للموسم الدراسي 2003ـ2004 بفعل حملة الانتخابات التشريعية.
ـ ألغت وزارة التربية الوطنية العديد من الدورات التكوينية التي برمجها المعهد
الأمازيغي للموسم الدراسي 2004ـ2005 بفعل الإحصاء الوطني للسكان والسكنى. رغم أن
المعلمين الذين اقترحتهم إداراتهم لتدريس الأمازيغية منعوا من المشاركة في عملية
الإحصاء. وربما ستلغي الوزارة بقية الدورات المقبلة بفعل عملية المغادرة الطوعية أو
الانشغال باتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية أو محاربة الجراد
الجوال إن وجد... هذه الدورات التكوينية، وفي الوقت الذي برمجت فيه على مدى أسبوعين
إثنين بالتمام والكمال، ستنجز فيما بعد في مدة ثلاثة أيام لا أقل ولا أكثر، مما جعل
أمور التكوين تمر في رمشة عين ولم تتحقق الأهداف المنتظرة. فنعم الاهتمام ونعم
التكوين!
ـ قام العديد من نواب الوزارة بإلغاء عملية تدريس الأمازيغية في العديد من المدارس
التي كانت مبرمجة في إطار اللائحة الأولى، أي لائحة الثلاثمئة المعلومة، وذلك
لأسباب واهية يكون من بينها تارة انتقال المدرس إلى مدرسة أخرى، وتارة أخرى تغيير
المدرس للمستوى الدراسي، وتارة أخرى بحكم انتقال المدرس للتدريس بالإعدادي أو
الثانوي، أو تارة أخرى نظرا لتفرغ المدرس للعمل النقابي في صفوف إطاره النقابي...
ـ لم تقم الوزارة بإدراج الأمازيغية في المؤسسات التعليمية التي وردت باللائحة
الثانية وذلك لنفس الأسباب أعلاه، فالأمر كثيرا ما يخضع لمزاج السادة النواب
المحترمين، ويكفي للتأكد من ذلك زيارة بعض المؤسسات.
ـ قامت الوزارة في بعض المناطق بإسناد عملية التكوين الأساسي للمعلمين في
الأمازيغية لبعض المؤطرين الذين لا قبل لهم باللغة الأمازيغية، لا نطقا ولا معرفة
ولا تخصصا، ولا تربطهم بها أية علاقة بها، ولم يكن غرضهم سوى الاستفادة من
التعويضات الخاصة بالتأطير، فكانت النتيجة: تكوين مرتجل لم يف بأغراضه.
ـ تقاعست مصالح الكثير من النيابات التعليمية، والتي تخضع لمراقبة الوزارة، عن
إخبار المعلمين المقترحين للتكوين قصد تدريس الأمازيغية، إذ لم يتوصل هؤلاء
باستدعاءات الحضور إلا بعد مرور أسابيع عدة من مرور التكوين المرتجل.
ـ رغم الشروط التي أنجز فيها الكتاب المدرسي الخاص باللغة الأمازيغية، قامت الوزارة
بنهج سياسة التضييق على الكتاب المدرسي "تيفاوين أ تمازيغت" للسنتين الأولى
والثانية، حيث إن الوزير نفسه صرح في برنامج تلفزي أن الوزارة ستقتنيه وستوزعه
مجانا على التلاميذ، لكن ما وقع فيما بعد هو أن الوزارة لم تقتن الكتاب لتوزعه كما
أنها لم تترك أصحاب المطبعة يوزعونه، وهذه كانت مناورة غير خافية على أحد تستهدف
محاصرة الكتاب المذكور والحد من انتشاره.
ـ غضت وزارة التربية الوطنية الطرف إزاء تملص أطرها التربوية التي استفادت من
التكوين المرتجل والسريع من مسؤولية تدريس الأمازيغية، وهذا ينم عن سوء وغياب عمل
المراقبة التربوية، سواء من طرف الإدارة وهيئة التفتيش المشرفة على عملية تدريس
اللغة الأمازيغية، أي أن هناك تقصيرا في أداء الواجب.
ـ في الوقت الذي بدأ فيه المغر بـ ولو بخطوات خجولة ـ مسلسل المصالحة مع
الأمازيغية، سمحت وزارة التربية الوطنية لرواج مقررات دراسية، وبالخصوص في مادتي
التاريخ والعربية، تزور الحقائق التاريخية الخاصة بالأمازيغ، وتنشر المغالطات
التاريخية زارعة في نفوس ناشئتنا أوهاما وخرافات من مثل: الوحدة العربية، المصير
العربي المشترك، العالم العربي، المغرب العربي...
ـ تعاملت وزارة التربية الوطنية تعاملا استثنائيا غير لائق مع مادة اللغة
الأمازيغية بقناة المعرفة المسماة "الرابعة"، والخاضعة لإشراف وزارة الاتصال. ففي
الوقت الذي تقدم فيه دروس نموذجية وعلى المقاس المقبول ـ على الأقل تربويا ـ في شتى
المواد الدراسية واللغات الأجنبية، أضحت دروس الأمازيغية عبارة عن حكاية جامدة
يليها تقديم حرف مع كلمتين لا أكثر. والأدهى والأمر أن ذلك يتم وفق الأساس اللهجي
المرفوض من قبل الحركة الثقافية الأمازيغية. والمؤسف كله، أن كل ذلك يتم بإعداد من
صحافيين أحدهما يعمل بجريدة الاتحاد الاشتراكي والأخر بجريدة بيان اليوم، ويتم الكل
بمباركة من مدير لأحد المراكز التابعة للمعهد الأمازيغي تحت غطاء ما سمي في
الجنيريك "الإدارة العلمية". إنه الضحك على ذقون الأمازيغ بامتياز!
ـ تعاملت وزارة التربية الوطنية باستخفاف كبير وبلامبالاة واضحة مع كل المشاريع
التي قدمت لها والهادفة إلى تحسين وتطوير وضعية تدريس الأمازيغية، ومنها على سبيل
المثال لا الحصر: مشروع إدماج الأمازيغية في المدارس العليا للتكوين، مشروع خلق
وسائط الملتيميديا بالأمازيغية، مشروع محاربة الأمية والتربية غير النظامية
بالأمازيغية...
كل ما سبق ذكره من خروقات ارتكبت في حق عملية تدريس اللغة الأمازيغية ليس سوى غيضا
من فيض، حيث إن الواقع يعج بتناقضات وهو ملئي بانتهاكات أخرى يندى لها الجبين.
ولكن، وحتى لا نقف عند ويل للمصلين، نقول إن للنخبة المولوية الأمازيغية ـ ممثلة في
منشأة المعهد الأمازيغي ـ دورها في عملية الإفشال تلك، وبرهان ذلك في المؤشرين
التاليين:
ـ غياب تصور ورؤية واضحين لدى النخبة المولوية الأمازيغية بشأن إدراج الأمازيغية في
القطاع التعليمي، أي لم تنضج لديها نظرة لما ستكون الأمور عليه في المدى البعيد،
وكانت الذريعة آنذاك أنها ما زالت في البدايات، ويشهد على ذلك الارتباك الذي رافق
اختيار بضع مئات من المدارس الابتدائية، كما أن تجاوز تلك النخبة لمبدأ إجبارية
الأمازيغية برفعها لشعار "كل ممنوع مرغوب وكل مفروض مرفوض" منح الفرصة لمسؤولي
الوزارة ـ وخصوصا القوميين منهم ـ لتقويض العملية ككل.
ـ تهرب النخبة المولوية الأمازيغية عن أي تقييم موضوعي للعملية، إذ كلما سئلوا من
قبل الصحافة والمهتمين عن واقع التدريس من وجهة نظر تقييمية، قالوا بإن أي تقويم هو
سابق لأوانه.
أما بعد، وحتى لا نكون عدميين أو بكائيين على الأطلال، نرى ضرورة إيجاد حلول لجميع
هذه المشكلات والصعوبات، هذه الحلول ستكون نتيجة حوار ونقاش ـ ينبغي فتحه ـ يكون
مطبوعا بالجدية والبنائية، مغلفا بالنوايا الحسنة بين كل من وزارة التربية الوطنية
ومنشأة المعهد الأمازيغي، حوار تراجع فيه كل صغيرة وكبيرة حتى وإن اقتضى الحال
البداية من جديد.
|