uïïun  98, 

sdyur  2005

(Juin  2005)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

nudf vr lirkam i tmazivt, nffv d zzigs i tmazivt

Akud n izeggilen

Imazighen n umarir amazigh

Amsifadv amma hllu

Aseggûs amaynu

Français

Imazighen et le makhzen

Notre identité est amazighe

Une légende nommée Izenzaren

Tamazight, institutrice de la toponymie

Coup de coeur pou Térence

S'agit-il d'une naissance de la chanson engagée?

Festival amazigh détourné en festival arabe!!

Un legs de l'Ahidous au Sud-est

Izref est toujours d'immunisation

Communiqué du CMA

Je suis le fils de Tamazgha

Tamazight à la radio danoise

La famille Mallal expose

العربية

دخلنا من أجل الأمازيغية وانسحبنا من أجل الأمازيغية

مهرجان عمي سايس لن يذيب جليد الهوان والحكرة

الإهانة الكبرى

لعنة التاريخ وعودة المسكوت عنه

البيئة والمقدس في المنظومة الثقافية الأمازيغية

الأمازيغية والمقاربات الممكنة

وأخيرا نطق العروي

كتاب الأمازيغية للسنة الثانية: من السير نحو التوحيد إلى التراجع نحو التلهيج

تدريس الأمازيغية: سنتان من الإفشال

الاشتقاق في اللغة الأمازيغية

تدريس الأمازيغية بين القبول والرفض

الهرمينوطيقيا والخطاب الأمازيغي

تكزانت في المعتقد الشعبي الأمازيغي بالريف

تناقض الطرح العروبي بشأن عروبة الأمازيغ

الممالك الأمازيغية والحكم الروماني

المدونة: النصوص والواقع والحقوق اللغوية والثقافية

علاقة المسرح باللغة الأمازيغية

حوار مع الفنان بوستاتي عبد العالي

ملتقى تيفسا للمرأة الأمازيغية

إيناون ن تمازيغت

تانوكرا تحتضن

بيان المؤتمر الليبي للأمازيغية

إعلان نتيجة مسابقة أس نغ

بلاغ بخصوص السيد سامي فرحات

بلاغ تامونت ن يفوس

جمعية سلوان الثقافية

بيان الحركة التلاميذية بدادس

اعتقال المناضل المعتصم الغلبزوري

بيان فاتح ماي

بيان بمناسبة فاتح ماي

 

كتاب الأمازيغية للسنة الثانية: من السير نحو التوحيد إلى التراجع نحو التلهيج
بقلم: محمد بودهان

مقدمة:  أين وصلت عملية معيرة اللغة الأمازيغية وتوحيدها؟ ماذا أنجز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول هذا الموضوع؟ ما الجديد الذي أصدره بعد الكتاب الثلاثي للسنة الأولى؟ هل هناك تقدم في أعمال المعهد في ما يخص معيرة وتوحيد الأمازيغية؟ هل لديه تصور واضح للإشكالية مع تحديد دقيق للمراحل والخطوات والوسائل؟
هذه الأسئلة التي أثير بعض منها منذ الشروع في تدريس الأمازيغية مع الموسم الدراسي 2003 ـ 2004، وخصوصا بعد صدور كتاب السنة الأولى في ثلاثة صيغ تبعا للفروع الثلاثة للأمازيغية، والذي فتح نقاشا واسعا حول تصور المعهد وإستراتيجيته المتبعة في معيرة اللغة الأمازيغية وتوحيدها، سرعان ما خَبت واختفت نهائيا من النقاش الدائر حول المعهد، لاسيما بعد الانسحاب الجماعي لسبعة أعضاء من مجلسه الإداري، والذي (الانسحاب) أبعد النقاش والأسئلة عن موضوع توحيد الأمازيغية ومعيرتها، وحوّلها إلى قضايا أخرى تتصل طبعا بالمعهد.
لنذكّر أن موقف المعهد، عكس منتقديه الذين يطالبون بتدريس أمازيغية واحدة وموحدة هنا والآن بدل تدريس ثلاث لهجات بإصدار ثلاثة كتب لذلك، يتلخص في أن معيرة وتوحيد الأمازيغية عملية تنجز على مراحل وبشكل متدرّج، حتى لا تكون هناك قطيعة نهائية مع لغة الأم بخلق لغة "فصحى" غريبة عن الأمازيغية المعروفة والمتداولة. ولهذا كان لابد من الانطلاق في البداية من لغة الأم التي يعرفها التلميذ ويتحدثها الناس، ثم السير تدريجيا نحو التوحيد على مراحل، وهو ما يسميه المختصون بالمعهد بـ Convergence.
وهذا هو الموقف الصائب والسليم الذي يخدم اللغة الأمازيغية ويحافظ عليها كلغة حية ومستعملة في التواصل اليومي، لا لغة نخبة وكتابة فقط، كما هو شأن اللغة العربية الفصحى. ولهذا أيدنا هذا الموقف ودافعنا عنه رغم تحفظنا من تركيز المعهد على الجانب المعجمي في عملية التوحيد.
كتاب السنة الأولى ومبدأ التوحيد المتدرج: وهكذا صدر الكتاب المدرسي الأول في ثلاثة صيغ (كتب) حسب عدد الفروع الثلاثة للأمازيغية (فرع الريف، الأطلس، سوس). ورغم أننا أمام ثلاثة كتب من الناحية العددية، إلا أن مضامينها موحدة بأكثر من 70%، مع اختلاف، طبعا، في الأدوات النحوية والتركيبية أولا والمفردات المعجمية ثانيا. لكن كل شيء في هذه الكتاب/الكتب يؤكد أن هناك سيرا متدرجا في اتجاه المعيرة والتوحيد.
وإذا كان الكتاب المدرسي للسنة الأولى يتضمن هذه النسبة الهامة والملموسة من التدرج على مستوى توحيد الأمازيغية، فمعنى ذلك أن حضور هذا التدرج، في كتاب السنة الثانية، سيكون أقوى وأكبر مما احتوى عليه كتاب السنة الأولى، كما سيكون حضوره بكتاب السنة الثالثة أقوى وأكبر مما كان عليه في كتاب السنة الثانية، وهكذا ترتفع نسبة التوحيد كل سنة، ومع كل مستوى، إلى أن نصل إلى المستوى الذي يقرر فيه كتاب واحد وبلغة معيارية واحدة. هذا التقدم في توحيد الأمازيغية من مستوى إلى الذي يليه هو ما يشكل مضمون مفهوم التوحيد المتدرج للأمازيغية انطلاقا من فروعها الثلاثة convergence، والذي أعلن المعهد أنه يطبقه في تعاطيه مع عملية معيرة وتوحيد الأمازيغية.
كتاب السنة الثانية والتراجع نحو التلهيج: لكن عندما نطلع على كتاب السنة الثانية ونقرأه من أوله إلى آخره، نصاب بخيبة أمل كبيرة إذ نكتشف أن هذا الكتاب المدرسي الثاني، لا يحتوي على أي تقدم، تطبيقا لمفهوم التوحيد المتدرج، مقارنة مع كتاب المستوى الأول. بل يسجل تراجعا حقيقيا وواضحا على مستوى التوحيد المتدرج الذي لاحظناه في الكتاب الأول. وهذه بعض مظاهر هذا التراجع:
1 ـ فرغم أن "الكفايات" ـ كما يسميها الكتاب ـ المؤطرة للنصوص المقررة واحدة، والموضوعات التي تدور حولها هذه النصوص هي في الغالب واحدة كذلك (السفر، الخريف، السوق، كرة القدم، الصداقة، الرحلة، قانون السير، التعاون)، رغم كل ذلك فإن مضامينها مختلفة ومتباعدة، فضلا عن لغتها ومعجمها طبعا. ولا يتعلق الأمر هنا بالاختلاف الذي يفرضه تكييف النص مع هذا الفرع أو ذاك من الفروع الثلاثة للأمازيغية، كأسماء المدن والأسواق والشواطئ والجبال، بل هو اختلاف أساسي في المحتوى على مستوى الوقائع والأحداث والأفعال والأشخاص، وحتى الصور الموضحة والمصاحبة للنص.
رب قائل يقول: وأين المشكل إذا كانت محتويات نصوص الكتاب مختلفة؟ ألا يشكل ذلك تنوعا وغنى قد يفيدان التلميذ والأمازيغية؟ هذا صحيح لو أن التلميذ سيدرس هذه النصوص بأنواعها الثلاثة ليغتني بمضامينها المتنوعة والمتعددة. وقد افترضتُ هذا الاحتمال عندما لم أجد في الكتاب أثرا للتوحيد المتدرج، كالذي رأيناه، على علاته، في الكتاب الأول. لقد افترضتُ، في غياب المذكرات التوجيهية والتوضيحية وكتاب الأستاذ (سأعود إلى هذا الموضوع في الأخير) أن التلميذ سيتعلم مباشرة الفروع الثلاثة للأمازيغية، وسيصبح، بعد مدة من الدراسة، التواصل والتفاهم بين المتحدثين بأي فرع من الفروع الثلاثة ممكنا. وبذلك يتحقق توحيد الأمازيغية. لكن، في هذه الحالة، سيكون إثنان من النصوص الثلاثة غريبين وأجنبيين عن لغة الأم للتلميذ الذي يتحدث الأمازيغية، وحتى بالنسبة للأستاذ الذي لا يجيد إلا لهجة واحدة من اللهجات الثلاث. وبذلك نسقط في عكس ما يقوم عليه مفهوم التدرج، وهو الارتباط بلغة الأم المتداولة. وقد اضطررت إلى الاتصال بمصادر عليمة فأكّدت لي أن لكل فرع نصوصه المقررة والخاصة به والمعروفة بلون يميّزها: الأزرق أو الأخضر أو الأصفر؛ وليس هناك جمع بين هذه النصوص الثلاثة لتدرّس جميعها لنفس التلميذ.
فلو استعملت إذن نصوص متطابقة وموحدة في مضامينها على شكل ترجمات من فرع لآخر، كما جرى العمل بذلك في الكتاب الأول، لكان ذلك عملا يدخل في صميم منهجية التوحيد المتدرج للأمازيغية، لأنه يبرز أوجه الوحدة والاختلاف داخل تلك النصوص المتطابقة في محتوياتها وأسلوبها، وهو ما يسحسّس التلميذ بما تتحد فيه الفروع الثلاثة وما تختلف فيه. وهذا التحسيس بالاختلافات والائتلافات بين فروع الأمازيغية خطوة مهمة في طريق توحيد تلك الفروع والتقريب فيما بينها. بل إن هذه الطريقة، التي تعتمد على نصوص متطابقة في مضامينها وأسلوبها، قد تساعد على الانفتاح على الفرعين الآخرين للأمازيغية بالمقارنة بين النصوص الثلاثة للوقوف على الاختلافات المعجمية والنحوية والصرفية، ومعرفتها وضبطها، مما يسمح بفهم نصوص الفرعين الآخرين. إنها إذن أداة فعالة لتعلم الأمازيغية الموحدة لكل من يرغب في ذلك، وخصوصا المعلم.
وهذا ما لا تسمح به ولا تساعد عليه الطريقة التي أعدت بها نصوص الكتاب الثاني، الذي يضم نصوصا مختلفة في مضامينها، فضلا عن لغتها وأسلوبها كما قلت. وهو ما لا تمكن معه المقارنة بينها فيما يخص نقطا محددة، مثل: أدوات النفي أو الكثرة أو القلة أو أسماء الإشارة أو ظروف الزمان والمكان... إلخ، أو مفردات معينة لمعرفة مقابلها في هذا الفرع أو ذاك. فهذه الطريقة التي تقدم نصوصا مختلفة وليست متطابقة كترجمات لتلك النصوص فيما بينها، كما يظهر ذلك في الكتاب الأول، تسير في الاتجاه المعاكس divergence للتوحيد المتدرج للأمازيغية، لأنها تباعد بين الفروع الثلاثة بدل التقريب بينها بعرض أوجه الوحدة والاختلاف لإمكان معرفتها وضبطها كما سبق أن قلت.
2 ـ وقد شمل هذا الاختلاف في مضامين النصوص الاختلاف في شكل الأسئلة المصاحبة للنص كذلك: ففيما نجد الأسئلة الخاصة بنصوص تشلحيت والريف تجمع، في ما يخص عنصر الفهم armas، بين أسئلة مباشرة واختيار الأجوبة المناسبة من أجوبة مقترحة، نجد نصوص فرع الأطلس تنفرد بطرح أسئلة مباشرة حول فهم النص، مثل: xf mi msasan inlmadn?, milmi tçil twada g udrar?, max usin inlmadn tiguta nnsn? (صفحة 83 من الكتاب).
3 ـ وقد ذهب الاختلاف بين النصوص الثلاثة وطريقة تناولها إلى حد إعطاء شرحين مختلفين لنفس الكلمة، مثل كلمة amzruy (التاريخ) التي شرحت في النص "الريفي" (صفحة 11) بـ tudard n twarmatin, d min imsarn zikk (الحياة والتجارب(؟) وما جرى قديما). أما فرع الأطلس (صفحة 13) فيشرح نفس الكلمة هكذا: ussan d isgåasn nna ay izrin d ma ay ittugan digsn (الأيام والسنون الماضية وما جرى فيها). كذلك لفظة amwan (الخريف) يشرحها النص "الريفي" (صفحة 35) هكذا: imir di twïïant tfray, ittsuä dags usmmiä (الموعد (الفصل) الذي تسقط فيه الأوراق، وتهب فيه الرياح). أما نص الأطلس (صفحة 37) فيشرحها هكذا: azmz nna da ittasan dffir n unbdu (الوقت الذي يأتي بعد الصيف).
عندما نقارن إذن بين مضامين النصوص والأسئلة التي ذيلت بها وشرح المفردات الذي يرافقها، يبدو كما لو ـ أقول كما لو ـ أن هناك ثلاث لجن مستقلة ألفت كل واحدة منها النصوص الخاصة بفرع واحد من فروع الأمازيغية الثلاثة دون تنسيق ولا تشاور بين تلك اللجن الثلاث، وليس لجنة واحدة تعمل في انسجام وبمشاركة جميع الأعضاء في إعداد كل النصوص، كما يبدو ذلك من خلال قراءة الكتاب الأول. وهذا يعني أن هاجس التوحيد المتدرج للأمازيغية يكاد يكون منعدما عند مؤلفي كتاب المستوى الثاني.
4 ـ حتى الألفاظ القليلة المنتمية إلى أحد الفروع، و"المدمجة" في الشرح الخاص بفرع آخر، وظفت بشكل يجردها من كل فائدة تربوية ولغوية على مستوى الانفتاح على اللهجتين الأخريين. فما الفائدة مثلا من شرح كلمة iffulki (جميل، حسن)، الواردة بالنص "السوسي"، بلفظين من الريف والأطلس: ivuda, icna (صفحة 61)؟ أو شرح كلمة tawjja (الكرة) الواردة في نص تشلحيت بمقابلها في الريف: tcamma (صفحة 85)؟ أو شرح عبارة تشلحيت iga as aäar (ذهب على الأقدام) بعبارة من لهجة الريف irap xf iäarn (صفحة 131)؟ فالتلميذ، بهذا التوظيف السيئ لمفردات من فروع أمازيغية أخرى، لا يتعلم أية ألفاظ معجمية جديدة تنتمي إلى الفرعين الآخرين، رغم استعمال تلك الألفاظ الجديدة في المعجم الملحق بالنص. لماذا؟ أولا، لأنه عندما تشرح ألفاظ يفترض أنها معروفة لأنها تنتمي إلى لغة الأم، بألفاظ جديدة وغير معروفة مأخوذة من لهجات أخرى، فليس هناك ما يدفع التلميذ إلى الاهتمام بذلك الشرح الذي لا يقدم له أي جديد يجهله، بل قد يستغني حتى عن قراءة ذلك الشرح الذي يعرفه مسبقا. ثانيا، المعروف في الشروحات المعجمية أن الكلمة الجديدة والمجهولة تشرح بكلمة معروفة ومستعملة وليس العكس، كما رأينا في الأمثلة التي ذكرناها. فالمطلوب والمفروض، لغويا وتربويا، أن تدمج الألفاظ الجديدة، المأخوذة من الفرعين الآخرين من الأمازيغية، في صلب النص الأصلي كألفاظ جديدة لتشرح بما يقابلها من مفردات معروفة في معجم الفرع الذي ينتمي إليه النص. وهكذا كان ينبغي إدماج مثلا كلمة icna «الريفية» في النص «السوسي» كلفظ جديد غير معروف ثم يُشرح بما يقابله من لفظ «سوسي» معروف وهو iffulki، وإدماج العبارة «الريفية» irap xf iäarn في النص "السوسي" كذلك ثم شرحها بالعبارة التي تقابلها في أمازيغية تشلحيت وهي iga as aäar. بهذه الطريقة يكون هناك انفتاح حقيقي للتلميذ، انطلاقا من الفرع المقرر، على الفرعين الآخرين للأمازيغية.
اللافت أن هذه الطريقة في الانفتاح على مفردات جديدة من اللهجتين الأخريين لم يكن لها سوى حضور ضئيل جدا وفقط في نصوص تريفيت. فنجد مثلا النص "الريفي" (صفحة 126) يستعمل كلمة tadgåat (المساء) الأطلسية ثم يشرحها بـaocci (من أصل عربي) الريفية. وكذلك استعملت في نص «ريفي» (صفحة 10) كلمتا izrin (الذي مضى) و ivrm (المدينة، الدار) المتداولتان بالأطلس وسوس ثم شرحتا بكلمتي iodun و tamdint (ذات أصل عربي) المعروفتين والمتداولتين في لهجة الريف.
5 ـ في إطار هذا الجانب المعجمي، لم نجد تفسيرا لاحتفاظ نصوص الكتاب على كلمات عربية (ولو أنها ممزغة) مع وجود مقابلها الأمازيغي في اللهجتين الأخريين، مثل استعمال takurt (الكرة) في نص لفرع الأطلس (صفحة 104)، مع أن مقابله الأمازيغي موجود ومتداول في فرعي الريف وسوس ومذكور بالصفحتين 80 و 84، وهو tcamma و tawjja. بل نجد الاحتفاظ في أسئلة "ريفية" (صفحة 109) على كلمة vana التي هي gana الإسبانية التي تعني «الرغبة»، وعلى كلمات عربية في نصوص "ريفية" مثل imhlac (من هلك) بالصفحة 190، والتي تعني "المرضى"، مع أن مقابلها الأمازيغي معروف ومستعمل حتى في بعض مناطق الريف، وهو imuäan. وكذلك كلمة twqqart (وقّروا) العربية بالصفحة 172، والتي كان ينبغي تعويضها بالكلمة الأمازيغية المناسبة التي هي zrkkat (احترموا) كما يشرحها معجم محمد شفيق.
ولا يمكن الاعتراض أن استبدال تلك الكلمات "الأجنبية" سيجعلنا أمام لغة غريبة عن التلميذ ولا تمت بصلة إلى لغة الأم التي يحرص التوحيد المتدرج على الحفاظ عليها إلى حين. لكن هذا الاعتراض مردود لأن الكتاب المدرسي، وخصوصا كتاب السنة الأولى، قد استخدم معجما جديدا من المفردات والمصطلحات لا وجود لها في لغة الأم الأمازيغية، مثل الأدوات المدرسية، أسماء الفواكه والخضر، لوازم الحمام، أسماء الأيام... إلخ.
هذه الطريقة في التعاطي مع الجانب المعجمي يسير إذن ضد روح التوحيد المتدرج للأمازيغية، الذي أعلن عنه المعهد، بل يتراجع، مقارنة مع الكتاب الأول، نحو التلهيج بالتعامل مع الفروع الثلاثة كلغات قائمة بذاتها مستقلة بعضها عن بعض.
6 ـ إذا كان هاجس التوحيد والتقريب بين الفروع الثلاثة يكاد يكون غائبا، كما بينتُ، في ما يخص إعداد النصوص والأسئلة وشرح المفردات، فربما لأن المؤلفين اعتبروا أن التوحيد على هذا المستوى وفي هذه المرحلة ليس مهما ولا ضروريا. ولهذا حاولوا، فيما يتعلق بالمسائل النحوية والتركيبية، توحيد الأهداف والكفايات المتوخاة، مثل ظروف الزمان (الصفحات 17، 19، 21)، أسماء الإشارة (41، 43، 45)، أدوات المقارنة والتشبيه (63، 65، 67)، التمييز بين الضمير المنفصل المؤنث والمذكر (87، 89، 91)، أدوات الاستدراك والسببية (109، 111، 113)، أدوات التعجب (133، 135، 137)، أدوات الاستفهام (157، 159، 161)، أدوات الشرط (179، 181، 183)... إلا أن هذا التوحيد ـ الذي يمس الأدوات النحوية والتركيبية، والتي هي شيء أساسي جدا لأنها هي التي تمنع، أكثر من المفردات المعجمية، التواصل والتفاهم بين متحدثين ينتميان إلى لهجتين مختلفتين من اللهجات الثلاث ـ وما يرتبط به من كفايات، لم يتجاوز جانب التنسيق على مستوى الموضوعات المتناولة (أسماء الإشارة، أدوات النفي، الضمير المنفصل، ظروف الزمان... إلخ)، وليس على مستوى الاستعمال الموحد لهذه الأدوات ضمن الإعداد للغة موحدة ومشتركة، والذي هو الهدف النهائي من عملية المعيرة والتوحيد المتدرج للأمازيغية. فالكفايات محددة في جعل التلميذ قادرا مثلا على استعمال أدوات النفي وحروف الاستفهام والتمييز بين الضمير المؤنث والمذكر... إلخ، في لهجته الخاصة دون أن يجعله تمكنه من تلك الكفايات قادرا على استعمال ولا فهم نفس الأدوات النحوية الخاصة بالفرع الآخر من الأمازيغية. ولا يعني هذا أننا نطالب بأن يصبح التلميذ، من خلال درس واحد وأول حول أدوات النفي أو الاستفهام أو الاستدراك أو ظروف الزمان... إلخ، قادرا على فهمها واستعمالها في كل الفروع الثلاثة الأخرى، بل المطلوب إعداد دروس تسير في اتجاه تحقيق هذه الأهداف وإكساب هذه الكفايات بشكل متدرج. هذا التدرج، على مستوى علاقة الفروع الثلاثة فيما بينها، غائب نهائيا في الكتاب، مع حضور تدرج واضح على مستوى كل فرع على حدة. مما يعني أن تدريس هذا الجانب النحوي، كما في الجانب المعجمي الذي سبق ذكره، يقوم، إلى الآن، على التعامل مع الفروع الثلاثة كلغات قائمة بذاتها مستقلة عن بعضها البعض، كما سبق أن قلت.
وهنا نتساءل: أين هو التقدم المتدرج في المعيرة والتوحيد، خصوصا أننا في السنة الثانية من تدريس الأمازيغية؟
عدم تحديد مراحل التدرج: ربما يرى المؤلفون أن سن التلميذ ومستواه لا يسمحان بالشروع منذ الآن في الانفتاح على التراكيب النحوية للفرعين الآخرين. حتى على فرض أن هذا الاعتراض صحيح ومعقول، يبقى أن مفهوم التدرج في التوحيد يتضمن مراحل زمنية تستغرقها عملية التوحيد. والحال أن المسؤولين والباحثين بالمعهد، خصوصا مركز التهيئة اللغوية ومركز البرامج التربوية، لم يحددوا لا المراحل ولا الكفايات التوحيدية لكل مرحلة. فالطريقة التي أُعد بها الكتاب الثاني لا تقدم أية قرينة على أن هناك سيرا نحو التوحيد، لأن كل المجهود انصب فقط على التعامل مع كل فرع كلغة قائمة بذاتها. فالسؤال الذي تطرحه المقاربة المتدرجة في توحيد الأمازيغية هو: متى يكون لدينا كتاب واحد وبنصوص واحدة وموحدة لجميع التلاميذ من نفس المستوى؟ هل عند نهاية المرحلة الابتدائية؟ أم الإعدادية؟ أم الثانوية؟ أم الجامعية؟ فعدم تحديد المراحل الزمنية، التي تنتهي معها عملية التدرج، يعني غيابا لهذا التدرج الذي لمسناه في الكتاب الأول ليختفي نهائيا مع الكتاب الثاني.
فالأهداف المرسومة والكفايات المحددة، كما يقدمها الكتاب الثاني، قد تسمح للتلميذ بتعلم واستعمال أمازيغية معيارية ذات قواعد إملائية ونحوية مضبوطة، لكن داخل فرع واحد من الفروع الثلاثة، ولا تسمح له بأن يتعلم ويستعمل مستقبلا لغة معيارية مشتركة بينه وبين أمثاله من المغاربة من جميع المناطق ومن نفس المستوى الدراسي، وذلك لانعدام شروط التوحيد المتدرج الذي يتجه نحو تعلم واستعمال لغة واحدة مشتركة بعد مدة دراسية معينة.
ويجدر التنبيه هنا، لرفع كل التباس وسوء فهم، أن تحديد المراحل الزمنية والكفاياتية، على المستوى المدرسي والبيداغوجي، لعملية التوحيد المتدرج، لا يتنافى مع الوعي أن عملية التوحيد النهائي للأمازيغية قد تستغرق عشرات السنين، وتتحكم في سرعته أو بطئه، نجاحه أو فشله، الإرادة السياسية وما تخصصه من وظيفة للغة الأمازيغية، وما ينتج عن ذلك من متغيرات اجتماعية واقتصادية وإدارية قد تلعب دورها المساعد أو المعرقل لعملية التوحيد.
توحيد عددي: يبدو أن مؤلفي الكتاب الثاني كان همهم هو التوحيد على المستوى العددي أكثر من شيء آخر: فقد صدر كتاب السنة الأولى في ثلاثة كتب تبعا للفروع الثلاثة للأمازيغية، وهو ما جعل جزء من الحركة الأمازيغية تنتقد المعهد، وبشكل غير مبرر لا تربويا ولا لغويا، وتتهمه بتقسيم الأمازيغية وتلهيجها. ولتلافي هذه المشاكل أصدر المعهد كتابا واحدا للمستوى الثاني كـ"دليل" على براءته من تهمة تلهيج وتقسيم اللغة الأمازيغية، مع الاقتناع أن أولئك المنتقدين للكتاب الأول لم يقرأوا مضمونه وإنما "قرأوا" عدده الذي هو ثلاثة فقط، كما لن يقرأوا من الكتاب الثاني إلا ما يهمهم منه وهو الرقم واحد، وليس مضمونه ولا نصوصه التي ربما لا يعرفون حتى قراءتها. فجاء هذا الكتاب الثاني ليعطي الانطباع بأنه "يوحّد" الأمازيغية التي "فرّقها" الكتاب الأول. إلا أن المقارنة بين الكتابين، كما مر بنا ذلك، تبين أن الكتاب الأول، رغم صدوره في ثلاثة كتب منفصلة حسب الفروع الثلاثة، إلا أنه يتضمن نسبة مهمة من عناصر الوحدة والتدرج نحو التوحيد، وهو ما لا نجد نظيرا له في الكتاب الثاني رغم أنه واحد مفرد، والذي تعامل مع الفروع الثلاثة كلغات قائمة بذاتها ومستقلة عن بعضها البعض، كما شرحنا ذلك. فالكتاب الأول ركز على المشترك والموحد، أما الثاني فركز على الاختلاف والتمايز مع غياب كامل لمنهجية التدرج نحو التوحيد، الحاضرة في الكتاب الأول.
تناقض كبير مع ما كتبه أحد مؤلفي الكتاب: هذه الطريقة التي أعد بها الكتاب الثاني تتناقض تماما مع ما أعلن عنه أحد مؤلفي الكتاب الذي قال: "لقد حرص المؤلفون على تقديم الاختلافات المعجمية والمورفولوجية، ليس كأشكال متنافسة، بل كمترادفات ومقابلات تعبر عن ثراء اللغة الأمازيغية. هذه الطريقة في تقديم الاختلافات داخل الأمازيغية لها هدف بيداغوجي، وهو تقريب وتحسيس المتعلمين بأوجه الاختلاف اللهجي للأمازيغية". هذا ما كان ينبغي أن يكون لو أن النصوص، كما وضحنا ذلك، كانت متطابقة في مضامينها وأسئلتها وشرح مفرداتها، ليسهل إدراك الوحدة والاختلاف والمترادفات. لكن الطريقة التي ألف بها الكتاب تتنافى مع هذا الادعاء بشكل كلي. بل إن الكتاب الأول هو الذي يصدق عليه هذا الوصف الذي لا يتطابق في شيء مع الكتاب الثاني الذي يقدم اللهجات الثلاث كلغات متمايزة قائمة بذاتها. وقد تساءلت: لماذا إصدار هذا الحكم ـ ونشره عبر الصحافة ـ الغير المطابق لحقيقة الكتاب؟ فلم أجد إلا تفسيرا واحدا: صاحب هذا الحكم، وهو من مؤلفي الكتاب المعني، لم يقرأ كل الكتاب الذي شارك في تأليفه، وإنما قرأ فقط النصوص التي تنتمي إلى لهجته ولم يطلع على باقي النصوص الأخرى للفرعين الآخرين للأمازيغية. الشيء الذي جعله غير قادر على إدراك حقيقة العلاقة، داخل الكتاب، بين الفروع الثلاثة، وهي علاقة تقوم على التمايز والاختلاف، كما شرحنا ذلك ووضحناه، وليست كعلاقة "مترادفات ومقابلات" تقرّب وتحسّس "المتعلمين بأوجه الاختلاف اللهجي للأمازيغية" كما يدعي هذا المؤلف الذي شارك في إعدادا الكتاب.
غياب تصور واضح: عندما نقول بأن منهجية التوحيد المتدرج غائبة في الكتاب الثاني، فلا يعني ذلك أن نية المعهد هي تدريس الفروع الثلاثة كواقع لا يمكن تجاوزه نحو لغة موحدة ومشتركة. فالمبدأ الذي يشتغل على أساسه المعهد، في ما يتعلق بتهيئة الأمازيغية وتدريسها، هو الإعداد لأمازيغية معيارية مشتركة وموحدة دون أن تكون مفصولة بشكل كبير عن لغة الأم. فلا تشكيك في هذا المبدأ ولا نقاش حوله. إذن ليس هناك مشكل من حيث المبدأ والهدف. لكن المشكل سيطرح على مستوى تطبيق المبدأ وكيفية الوصول إلى الهدف.
هكذا ستبرز مجموعة من المشاكل ويطرح عدد من الأسئلة ويعرف الإنجاز، من خلال الكتابين الأول والثاني، كثيرا من الارتباكات والاختلالات والترددات. وكل ذلك يرجع، ليس إلى نقص في الإرادة أو غياب للقناعة والمبدأ العام الناظم للعملية أو عدم تحديد للهدف المنشود، بل إلى غياب تصور عملي واضح فيما يخص الإنجاز والمراحل والمنهجية. وأقول غياب "تصور عملي" لأن التصور النظري موجود وحاضر لدى المسؤولين بالمعهد، ويتلخص، كما أعلنوا عن ذلك في عدد من المناسبات، في أن عملية المعيرة والتوحيد المتدرج للأمازيغية تمر من ثلاث مراحل:
ـ التوحيد أولا على مستوى الخط والكتابة والقواعد الإملائية.
ـ التوحيد ثانيا على مستوى معجم أساسي موحد ومشترك.
ـ التوحيد ثالثا على مستوى البنيات النحوية والتركيبية والصرفية (أدوات وحروف المعاني على الخصوص، مثل النفي والاستفهام والظرفية، والغائية، والتشبيه... إلخ)
وإذا كانت المرحلة الأولى قد أنجزت، والمرحلة الثانية قيد الإنجاز، فإن المرحلة الثالثة لم يُشرع فيها بعدُ، وليس هناك ما يدل على الشروع فيها عما قريب. وما لم يشرع في توحيد الأمازيغية على مستوى البنيات النحوية والتركيبية والصرفية، دون أن يقطع ذلك مع لغة الأم، فمعنى ذلك أنه لم يشرع بعد في المعيرة الموحدة للأمازيغية، لأن هذه البنيات، وما تختلف فيه من أدوات نحوية، هي مصدر عدم التواصل والتفاهم، كما سبقت الإشارة، بين متحدثيْن يستعملان لهجتين من اللهجات الثلاث، وليست القواعد الإملائية ولا حتى المفردات المعجمية اللتين (القواعد والمفردات) تهمان المرحلتين الأولى والثانية.
وإذا لم يشرع بعدُ المعهد في المرحلة الثالثة، والتي هي الحاسمة في عملية المعيرة، على مستوى توحيد الأمازيغية، فبسبب غياب تصور عملي ومنهجي لتطبيق التصور النظري والمبدئي للتوحيد المتدرج للأمازيغية، والذي هو تصور سليم بصفة عامة.
هناك أسئلة ثلاث لا بد من الإجابة عنها لإنجاز المعيرة المتوخاة للأمازيغية كلغة موحدة ومشتركة. وهذه الأسئلة لم يطرحها المعهد إلى الآن، وهي:
1 ـ ما معنى أمازيغية معيارية موحدة ومشتركة؟
2 ـ ما معنى توحيد متدرج للأمازيغية؟
3 ـ ما معنى الكفايات في ما يتصل بهذا التوحيد المتدرج؟
ما معنى أمازيغية معيارية موحدة ومشتركة؟ إن كل المشاكل المرتبطة بمعيرة الأمازيغية، كلغة مستعملة بشكل موحد ومشترك، ناتجة عن كون إحدى خصائص هذه الأمازيغية المعيارية الموحدة والمشتركة، ليست فقط أمازيغية لها قواعد إملائية ونحوية وصرفية مضبوطة ومعجم أمازيغي محدد، وهو ما قد يتوفر في كل فرع في استقلال تام عن الفرعين الآخرين، بل بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن تبقى تلك الأمازيغية قريبة جدا من لغة الأم حتى تكون لغة حية ومتداولة تستعمل في التواصل، وليس لغة نخبة متعلمة ومحدودة، وغريبة عن اللغة التي يفهمها ويتكلمها الناس. وبالتالي فالأمازيغية المعيارية الموحدة هي التي تسمح للتلميذ، من أية جهة بالمغرب، وبعد مرحلة دراسية معينة، أن يتواصل بها، كلاما وكتابة، مع أي تلميذ آخر من نفس المستوى، وينتمي إلى أية منطقة كان من المغرب، دون أن يكون ذلك الكلام وذلك التواصل غريبين عن لغة الأم الأمازيغية التي يستعملها ذلك التلميذ داخل أسرته. نلاحظ إذن أن العنصر الرئيسي في هذا التعريف ـ تعريف الأمازيغية المعيارية الموحدة والمشتركة ـ هو التواصل، كلاما كتابة، بين المنتمين إلى مختلف الفروع، وبينهم وبين الذين تعلموها دون أن تكون لغة الأم بالنسبة لهم.
ما معنى توحيد متدرج للأمازيغية؟ فالمنهجية المتدرجة في معيرة وتوحيد الأمازيغية، تبعا لمفهوم الأمازيغية المعيارية الموحدة والمشتركة كما حددناه، تقتضي، ليس التدرج في معرفة القواعد الإملائية والنحوية والألفاظ المعجمية فحسب، بل التدرج أساسا في القدرة على التواصل كتابة وكلاما بهذه اللغة بين المنتمين إلى مختلف المناطق والجهات. هذا النوع الثاني من التدرج ـ التواصلي ـ هو الغائب، إلى حد الآن، في كل ما أعده المعهد في مجال تهيئة اللغة الأمازيغية وإعداد خطط وبرامج لتدريسها. فلا يتضمن الكتاب الثاني أية منهجية متدرجة لتوحيد التواصل، الكتابي والشفهي، الذي هو جوهر توحيد الأمازيغية. فالتدرج الذي يتضمنه الكتاب المدرسي الثاني على الخصوص، هو التدرج الخاص بتعلم كل فرع على حدة، كما سبق شرح ذلك. لماذا؟ لأن المعهد لا يتوفر، إلى الآن، على تصور واضح لمنهجية التوحيد المتدرج، ملائمة للهدف الذي هو تحقق التواصل والتفاهم بأمازيغية يفهمها الجميع دون التخلي عن لغة الأم التي يجب أن تبقى جزء من الأمازيغية المعيارية المشتركة. فعندما يقول المعهد بأن المرحلة الثالثة من عملية المعيرة ستخص الاشتغال على البنيات النحوية والتركيبية والصرفية، يبقى هذا القول مجرد كلام نظري لا يملك المعهد أية خطة لإنجازه. فماذا سيفعل المعهد مثلا بأدوات السببية مثل: acku, minzi, iddv (لأن)؟ والمشكلة ليست: هل سيحتفظ بواحدة أم إثنين أم ثلاثا من هذه الأدوات؟ بل: كيف سيتحقق ذلك على المستوى الديداكتيكي مع مراعاة التدرج والارتباط بلغة الأم. فحتى على فرض أن المعهد سيحتفظ بالتعابير الثلاثة على شكل مترادفات، وهو الحل الأسلم، فلا يتوفر بعدُ على تصور واضح، من ناحية الإنجاز الديداكتيكي والتدرج التوحيدي، للإجابة على مثل هذه الأسئلة التي تدخل في صميم عملية المعيرة والتوحيد المتدرج للأمازيغية. كل ما يردده المعنيون بالموضوع، من الباحثين بالمعهد، حول هذه الإشكالية هو أن التوحيد ينبغي أن يكون متدرجا. أما ما هو مضمون هذا التدرج، فهذا ما لا يعرفه المعهد لأن فاقد الشيء لا يعطيه، كما يقال.
وهنا يجب أن ننبه إلى أن معيرة وتوحيد الأمازيغية عملية لا علاقة لها بالتجارب التي عرفتها لغات أخرى استطاعت أن تنتقل من المستوى اللهجي إلى لغات معيارية موحدة ومشتركة بين كل أبناء الشعب الواحد، كالعربية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية أو الكاطالونية أو الباسكية أو العبرية؟ لماذا؟ لأن هذه اللغات، إما أنها كانت تتكون من لهجة واحدة وتغطي رقعة جغرافية محدودة نسبيا، كالكاطالونية والباسكية مثلا، أو أنها كانت تتكون من أكثر من لهجة، لكن واحدة منها فرضت نفسها لأسباب عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو دينية وأصبحت هي اللغة المعيارية للجميع في البلد الواحد، مثل العربية أو الفرنسية مثلا. أما حالة الأمازيغية فمختلف تماما: أولا، لأنها تتشكل من ثلاث لهجات رئيسية تغطي مساحات شاسعة وتضم هي نفسها لهيجات فرعية. وثانيا، لأن توحيد الأمازيغية، كما تقرر ذلك، عمل توافقي ورضائي وإرادي ينجزه باحثون داخل مؤسسة علمية، وليس عملا مفروضا لأسباب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو دينية، كما عرفت ذلك الكثير من اللهجات التي تحولت إلى لغات موحدة لجميع سكان البلد الواحد. من هذه الناحية تبدو عملية توحيد الأمازيغية تجربة تكاد تكون فريدة من نوعها. ولهذا فإن كل إحالة على تجارب سابقة، كما يشيع ذلك عند المهتمين بالموضوع، تقوم على مقارنة خاطئة، وقد تعطي نتائج خاطئة كذلك. فإذا كان صحيحا أن هناك تشابها في مرحلتي توحيد الكتابة والمعجم، فإن الاختلاف الأساسي يتصل بالموضوع الرئيسي الذي هو توحيد الأدوات النحوية والتركيبية التي هي حالة تكاد تكون فريدة تميز الأمازيغية عن باقي اللغات التي تحولت من لهجات إلى لغات معيارية وموحدة.
ما معنى الكفايات في ما يتصل بالتوحيد المتدرج؟ يعتمد مركز الديداكتيك والبرامج التربوية بالمعهد في إعداد الكتب المدرسية على المقاربة بالكفايات، ليس لأنها الموضة الجديدة في مجال التربية، بل لأنها الأنسب لتعليم وتدريس اللغات كذلك. إلا أن الكفايات، كما يستعملها الكتاب الثاني بالخصوص، تقتصر على معارف ومضامين تخص كل فرع على حدة، كما سبق القول، مع إهمال تام للكفايات التوحيدية التي تخص التدرج في اكتساب معارف ومضامين تتصل باللغة المعيارية الموحدة، مثل تحديد الكفاية الخاصة بأدوات الكثرة (aïïas, bahra, cigan) بجعل التلميذ قادرا، ليس على استعمال كلمة aïïas وفهم من يستعملها داخل فرع تاريفيت فحسب، بل أن يكون قادرا على استعمال الأدوات الثلاث وفهم استعمالها من طرف الآخرين. فهناك إذن مستويان من الكفايات: الكفايات الخاصة بكل فرع على حدة، والكفايات التوحيدية التي تخص كل الفروع الثلاثة مجتمعة، والتي هي أساس المقاربة التدرجية لتوحيد الأمازيغية، التي أعلن عنها المعهد، لكن نظريا ومبدئيا فقط، دون أن يعطينا أي مثال تطبيقي عنها، لأنه لا يملك تصورا عمليا واضحا حول مثل هذه المقاربة التدرجية كما سبق أن لاحظنا. فالنوع الأول من الكفايات، وهي الحاضرة وحدها في الكتاب المدرسي، لن تؤدي إلى توحيد للأمازيغية، بل إلى التمكن من لغة كل فرع في استقلال عن الآخر. أما النوع الثاني من الكفايات التوحيدية، والتي تدخل في صلب عملية التوحيد، فهي غائبة نهائيا من الكتاب.
وكل هذا يدل على غياب تصور واضح، كما قلت، للمقاربة التدرجية، وانعدام تعريف دقيق للمقصود بـ"أمازيغية معيارية"، مع ما يرتبط بذلك من تحديد للأهداف والكفايات.
من له المصلحة في «إخفاء» الكتاب المدرسي: لقد قيل الكثير عن غياب التواصل بين المعهد والعالم الخارجي والرأي العام الذي لا يعرف، في الغالب، ما يجرى وما ينجز داخل البناية الزجاجية. فقد أفادتنا مثلا التلفزة أن المعهد أصدر مجموعة من الكتب مع بداية العام الجديد 2005. لكن أين هي هذه الكتب؟ ولمن هي موجهة إذا لم تكن متاحة للجمهور ومتوفرة بالمكتبات العمومية كغيرها من الكتب التي تباع هناك؟ فقد فتشت عن هذه الكتب بكل مكتبات الناظور فلم أعثر عليها. وفي كل مرة كنت أسأل صاحب المكتبة: هل نفدت أم لم تتوصل بها؟ فيجيب: لم أتوصل بها نهائيا.
لكن لما أعلن المعهد عن صدور الكتاب المدرسي للسنة الثانية في بداية السنة الحالية، كان لابد أن أحصل على نسخة منه بسبب مهنتي وتتبعي لموضوع تدريس الأمازيغية. لقد فتشت عنه هو كذلك في كل مكتبات الناظور، وحتى في الرباط وفاس، فلم أجد له أثرا. ولم أحصل عليه إلا في شهر أبريل بعد شق الأنفس. أما كتاب الأستاذ للسنة الثانية فلا زلت أبحث عنه. وقد كنت في حاجة ماسة لهذا الكتاب لأكتب هذا المقال وفي حوزتي كل المعطيات. ولا زلت أبحث عنه واتصل بكل المكتبات التي حصلت على رقم هاتفها لكن دون جدوى.
فلماذا يضرب مثل هذا الحصار، المقصود أو غير المقصود، على كتب الأمازيغية التي يصدرها المعهد، وخصوصا الكتب المدرسية منها؟ ولماذا لا تصدر هذه الأخيرة إلا في وسط السنة الدراسية بعد أن يكون الآباء قد نسوا الكتب المقررة التي عليهم أن يشتروها لأبنائهم؟
هل لتجنب النقاش الذي قد تثيره تلك الكتب حول عمل المعهد ومنجزاته، خصوصا أذا كانت الحصيلة هزيلة؟ أم لإبقاء تدريس الأمازيغية شأنا خاصا بـ"زاوية" المعهد، ولا ينبغي أن يتحول إلى موضوع عام يناقشه المهتمون والجمهور، وذلك كي لا تكتشف النواقص والهفوات، وخصوصا بعد الضجة الصاخبة التي أثارها كتاب السنة الأولى، والتي لم تكن في مصلحة المعهد؟ أم يتم إخفاء الكتاب المدرسي حتى لا يستعمل في تعلم الأمازيغية لمن يرغب في ذلك، لتبقى سرا لا يفك رموزه إلا الإركامويون؟ أم أن وراء "إخفائه" تخوفا من الإساءة إلى "الأشقاء" العرب، وهم ينظمون مؤتمراتهم واجتماعاتهم داخل "إقليمهم" المغرب، عندما يصادفون كتبا "بربرية"، مكتوبة بحروف "بربرية"، معروضة بالمكتبات العمومية في بلد "عربي"؟
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدم توفر الكتاب المدرسي للعموم لا يشجع على تلعم تيفيناغ واستعمالها في الكتابة. وهذا ما قد يفسر جزئيا أن الحرف اللاتيني، بعد سنتين من ترسيم تيفيناغ، لا زال هو الشائع الاستعمال في نشر النصوص الأمازيغية.
لا نريد أن نحمل المسؤولية على هذا "الحصار" للكتاب المدرسي الأمازيغي للمعهد وحده. بل المسؤولية الكبرى والمباشرة قد تتحملها وزارة التربية التي تشرف على تأليف الكتب المدرسية وتوزيعها، كما قد تكون هناك جهات أخرى مسؤولة عن عدم توزيع الكتاب ليكون في متناول العموم. ومهما كانت الجهات المسؤولة عن عدم توفر الكتاب المدرسي، فالمؤكد أنه هذا "الإخفاء" لكتاب الأمازيغية جزء من تهميشها وحصارها.
 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting