| |
افتتاحية:
دخلنا إلى المعهد من أجل الأمازيغية،
وانسحبنا منه من أجل الأمازيغية
بقلم: محمد بودهان
أفضل ما كتب، في تقديري، عن حدث الانسحابات من مجلس إدارة
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هو تعليق موجز جدا قرأته على شبكة amazigh-net
يقول: «هؤلاء المنسحبون ذوو شجاعة كبيرة نادرة، ليس لأنهم انسحبوا من المعهد، بل
لأنهم قبلوا منذ سنتين أن يكونوا أعضاء بمؤسسة مخزنية».
نعم صحيح، كانت لدينا الشجاعة لقبول العمل بمؤسسة مخزنية، ليس لأننا تنازلنا عن
مبادئنا وقناعاتنا، وتحولنا بسهولة إلى مخزنيين كما قيل عنا، بل لأننا راهنا على
التحول الإيجابي لموقف المخزن نفسه من الأمازيغية. وفي هذه الحالة كنا مستعدين أن
نصبح مخزنيين وخداما للمخزن شريطة أن يصبح هذا الأخير هو نفسه خادما للأمازيغية،
يعمل على تنميتها ورد الاعتبار لها والنهوض بها في المجال التعليمي والاجتماعي
والإعلامي والإداري... ظهير أجدير يتضمن كل هذه "الخدمات" لفائدة الأمازيغية. ورغم
المضامين الإيجابية أمازيغيا لهذا الظهير، فلم نكن حالمين أو مثاليين أكثر من
اللازم لأننا نعرف أننا في المغرب. ولكن، حتى لا نكون مثاليين بشكل مضاد ويقال
بأننا عدميون نرفض ما يعطى لنا من أجل الرفض، لبينا الدعوة والتحقنا بمجلس إدارة
المعهد، وكلنا أمل وحماس للمساهمة في النهوض بالأمازيغية طبقا لما ينص عليه ظهير
أجدير. بل لقد اعتبرنا تواجدنا بالمعهد هو بمثابة انتقال من مرحلة النضال الحركي
إلى مرحلة النضال المؤسساتي المعترف به رسميا، مع توفير، لأول مرة، إمكانات مادية
وبشرية لتنمية بالأمازيغية وترقيتها.
إلا أنه، وللأسف الشديد، بعد مرور أزيد من ستنين ونصف ـ وهي مدة كافية ليتحدد
خلالها بوضوح التوجه العام الذي يسير فيه المعهد ومدى توفر إرادة سياسية حقيقية
للنهوض بالأمازيغية ـ على انطلاق برامج ومشاريع وأنشطة المعهد، تبيّن لنا أن
الأمازيغية لا تزال، في واقعها اليومي الملموس، على ما كانت عليه قبل إنشاء هذه
المؤسسة، وذلك لغياب إرادة سياسية جدية لتفعيل مشروع رد الاعتبار للأمازيغية وجعله
واقعا حقيقيا وملموسا. فكل ما أعده المعهد من برامج وخطط، على علاتها، لم تلق آذانا
صاغية عند الجهات الحكومية المسؤولة عن القطاع المعني بإدماج الأمازيغية. فأصبح
شعورنا يزداد يوما بعد يوم بأننا عاجزون عن فعل أي شيء لصالح الأمازيغية فيما يرتبط
بما هو اجتماعي وتعليمي وإعلامي وإداري وجامعي، لأن المهمة التي كلفنا بها تتوقف
على إرادات خارج إرادة المعهد، كوزارة التربية الوطنية والداخلية والإعلام والعدل...
وهذا ما جعلنا نعيش حرجا أمام الأمازيغية أولا، التي لم ننجح، لأسباب خارجة عن
إرادة المعهد كما أشرنا، في تحسين وضعيتها ومكانتها التي بقيت كما كانت قبل إنشاء
مؤسسة المعهد؛ حرجا أما الرأي العام ثانيا الذي يحمّل كل المسؤولية لنا فيما يتعلق
بنجاح أو فشل المشروع الإركامي للنهوض بالأمازيغية؛ حرجا ثالثا أمام أنفسنا
وضمائرنا ومبادئنا حيث أصبح يكبر إحساسنا ـ بل قناعتنا ـ بأننا خدعنا واستعملنا
بسهولة، مع ما يرافق ذلك من شعور بنوع من الإهانة والانتقاص من الكرامة بسبب
استعمالنا لتبرير وتزكية مشروع يرفضه أصحاب القرار السياسي الذين يتوقف إنجاز هذا
المشروع على مساهمتهم وإرادتهم وحسن نيتهم. لقد أصبحنا نتأكد يوما بعد يوم أننا
لسنا في مؤسسة لرد الاعتبار للأمازيغية، بل في معبد للصلاة عليها والدعاء لها.
وعندما نقول بأن وضعية الأمازيغية بقيت كما هي ولم تتغير بعد سنتين على إنشاء
المعهد، فإننا نقصد بذلك طبعا ما يتعلق، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، بإدماجها في
الفضاء الاجتماعي والإداري والإعلامي والقضائي والتربوي ـ وهو ما يتطلب إرادة
سياسية صادقة وشجاعة ـ وليس ما يتعلق بالبحث والدراسة حول الأمازيغية كموضوع، وهو
ما أنجز منه المعهد أعمالا مهمة ـ رغم علاتها ونواقصها ـ في التاريخ والتهيئة
اللغوية وديداكتيك تدريس الأمازيغية مثلا. بل لقد بات واضحا الآن أن المعهد يسير في
هذا الاتجاه الأكاديموي العلموي والثقافوي، أي إنتاج بحوث ودراسات حول اللغة
والثقافة الأمازيغية وتاريخ الأمازيغيين دون أن يؤدي ذلك إلى أي تحسن لوضعية
الأمازيغية والرفع من مكانتها، كإعادة النظر في المقررات المدرسية للتاريخ بناء على
بحوث المعهد في هذا الميدان، أو إدماج الأمازيغية في الشأن المحلي ومراكز التكوين،
أو إنشاء تلفزة أمازيغية، أو تدريس جدي وحقيقي للأمازيغية استنادا إلى ما توصل إليه
المعهد في مجال التهيئة اللغوية وطرق تدريس الأمازيغية. ولهذا فإن مثل هذه
الإنجازات العلمية والأكاديمية، على أهميتها، لن تعيد للأمازيغية مكانتها واعتبارها
داخل مؤسسات الدولة وإداراتها وإعلامها ما لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية وجدية
وواضحة تريد ذلك وتعمل على فرضه بسن قوانين ملزمة للجميع. فحصر المعهد في العمل
الأكاديمي العلمي هو عمل سبقتنا إليه دول أجنبية تتعامل مع الأمازيغية كموضوع للبحث
والدراسة، مثل هولاندا وفرنسا على الخصوص، التي على المعهد أن يشتغل سنين كثيرة حتى
يصل إلى مستوى ما راكمه الفرنسيون من بحوث علمية حول موضوع الأمازيغية.
ونحن لسنا ضد مؤسسة بحثية مثل المعهد، مختصة في موضوع الأمازيغية وإنجاز دراسات
علمية وأكاديمية حولها. فنحن لا نعترض على ذلك، بل نعتبره شيئا مفيدا للأمازيغية،
وإنما الذي نحن ضده ونعترض عليه هو الخلط بين المهمة "العلمية" للمعهد ومهمة "النهوض
بالأمازيغية" التي كُلّف بها كذلك. وهما مهمتان مختلفتان إلى درجة التعارض
والتنافي، ذلك لأن المهمة الثانية تتوقف على القرار السياسي الذي لا سلطة للمعهد
عليه، في حين أن المهمة الأولى قد يقوم بها الباحثون على أحسن وجه دون أن يحتاج ذلك
إلى قرار سياسي خارج المعهد، ودون حتى أن يكون هؤلاء الباحثون مناضلين يدافعون عن
الحقوق الأمازيغية. فالمطلوب هو الوضوح: اعتبار المعهد مؤسسة للبحث العلمي دون أن
يكون لها دور في رد الاعتبار للأمازيغية الذي هو قرار سياسي.
لقد لمسنا منذ البداية هذا الخلط بين المهمة العلمية للمعهد ومهمة النهوض
بالأمازيغية وإدماجها في المجال التربوي والإعلامي والإداري والاجتماعي. لكن
اعتقدنا ـ وكم كنا ساذجين ـ أن الجهات السياسية الحكومية سوف تقوم بمهمتها دون
تقاعس أو تهرب تطبيقا للفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهير أجدير التي تقول: "يشارك
المعهد بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي
تعتمدها جلالتنا الشريفة وتساعد على إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان
إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي". لكن تبين
الآن أن هذه السلطات تتهرب من التزاماتها السياسية تجاه الأمازيغية ليصبح المعهد،
أمام الرأي العام والحركة الأمازيغية، هو المسؤول عن فشل "إدراج الأمازيغية في
المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني
والجهوي والمحلي". ومسؤولية المعهد ترجع طبعا إلى مجلس إدارته الذي يقترح البرامج
ويضع الخطط للنهوض بالأمازيغية. وهذا ما يفسر التوجه الأكاديموي والتقنوي للمعهد،
خصوصا مع العميد الجديد، للابتعاد ما أمكن عن كل ما هو سياسي يتطلب تدخل جهات
سياسية، وذلك لإعفاء هذه الجهات من كل مسؤولية في فشل مشروع النهوض بالأمازيغية
ومحاولة تأويل "النهوض بالأمازيغية" على أنه إنجاز للبحوث والدراسات حولها كموضوع،
وليس كهوية وككينونة حاضرة وذات فاعلة. وإذا كانت مهمة المعهد علمية خالصة، فلا نرى
جدوى تعيين مجلس إداري لتسييره، بل كان يمكن الاكتفاء بالباحثين وذوي الاختصاص
العلمي، أو إلحاقه بالجامعات التي تنجز بها سنويا العشرات من البحوث العلمية
والأطروحات الأكاديمية حول الأمازيغية.
موازاة مع هذا التوجه الأكاديموي والعلموي للمعهد، الذي يسير نحو الفصل النهائي بين
الأمازيغية كموضوع للبحث، والأمازيغية كهوية قائمة وكينونة حاضرة وذات فاعلة،
تراكمت المشاكل الداخلية للمعهد، التنظيمية والهيكلية والتسييرية، انعكست، في جانب
منها، إلى صراعات نفوذ وامتيازات ومصالح. ومما زاد من حدة هذه المشاكل وتفاقمها هي
الميزانية الضخمة المخصصة للمعهد. ميزانية سبعة/ثمانية مليارات سنوية هي مبلغ زهيد
بالنسبة لمؤسسة في حجم وبمهام المعهد. فلماذا إذن هي ضخمة؟ لو كان هناك إدماج حقيقي
للأمازيغية ـ كما اعتقدنا ـ في التعليم والجامعة والإعلام وتكوين الأطر، لكانت مثل
هذه الميزانية زهيدة حقا وغير كافية: فلو أنشئت مثلا قناة تلفزية أمازيغية بأربع
ساعات من البث فقط في اليوم، لامتص ذلك جزء من ميزانية المعهد في إعداد وإنتاج
برامج تلفزية بالأمازيغية؛ ولو فتحت شعبة اللغة الأمازيغية بمراكز تكوين المدرسين
لابتلع ذلك أيضا جزء من الميزانية في تكوين المكونين والإشراف التربوي على شعبة
الأمازيغية بهذه المراكز؛ ولو أدمجت في مؤسسات تكوين الأطر لرصد لذلك جزء من
الميزانية لإعداد برامج التكوين الخاصة بهذه المؤسسات؛ ولو فتحت شعبة للأمازيغية
بالجامعات لأنفق جزء من الميزانية في تكوين الأساتذة وإعداد المقررات والكتب، وهلم
جرا... أما وأن الأمازيغية بقيت حبيسة جدران المعهد ولم تغادره إلى الفضاء الفسيح
للمؤسسات والجامعات والإدارات ومعاهد التكوين وأستوديوهات التلفزة، فإن تلك
الميزانية، مهما كانت متواضعة في مبلغها، فهي في الحقيقة كبيرة بالنسبة لمؤسسة
مغلقة على نفسها ولا تنتج شيئا للاستعمال خارج أسوار برجها الزجاجي، لأن الجهات
المعنية بذلك الإنتاج أغلقت الأبواب في وجهه ولم تُبد أية رغبة في ذلك. أمام غياب
منافذ لصرف الميزانية في إنتاج وإعداد وتنفيذ برامج لفائدة الأمازيغية خارج المعهد،
كان لا بد من إيجاد منافذ استهلاكية لا يحتل فيها الإنتاج إلا مكانة ثانوية وغير
مباشرة. وهكذا فإن جل الميزانية تصرف في أداء الأجور ومختلف التعويضات والمنح
ونفقات المصالح الاجتماعية للمعهد، وما تبقى يصرف في "المهمات" والأسفار والمطويات
ذات الطبع الأنيق، وتنظيم الندوات ثم طبع ما قيل في تلك الندوات... وهذا النوع من
صرف الميزانية، الذي فرضه غياب إنتاج موجه إلى الخارج لغياب الطلب عليه من طرف
القطاعات الوزارية كما شرحنا ذلك، يزيد من حدة الصراعات داخل المعهد، المرتبطة
بالمصالح والامتيازات الفردية والفئوية.
إذا كان المعهد يعرف مثل هذه المشاكل، التنظيمية والهيكلية والتسييرية، فلماذا لم
يذكرها المنسحبون في بيانهم؟
لأن هذه المشاكل، أولا، ليست هي التي حالت دون إدماج حقيقي وجدي للأمازيغية في
التعليم، وفي الإعلام وفي الجامعة، وفي الشأن الجهوي والمحلي، وفي مؤسسات تكوين
الأطر... لأن مثل هذا الإدماج يرتبط بالإرادة السياسية لدى المسؤولين في الحكم،
وليس بإرادة المسؤولين في المعهد الذين لا سلطة لهم على الجهات الحكومية التي يتوقف
عليها تطبيق خطة المعهد في النهوض بالأمازيغية في القطاعات التابعة لها كوزارة
التربية الوطنية والداخلية والإعلام. ولأن هذه المشاكل ليست هي سبب رفض تسجيل
الأسماء الأمازيغية، ولا هي سبب منع كتابة تيفيناغ على علامات المرور في الشوارع.
فهذه المشاكل هي موجودة حقا، ولكنها ثانوية بالنسبة لموضوع رد الاعتبار للأمازيغية
الذي له علاقة مباشرة بتوفر الإرادة السياسية دون أن يكون لهذه المشاكل تأثير يذكر
على ذلك. ولهذا صرحنا لبعض الجرائد أن المعهد لا يعرف أي مشكل لنفي أية علاقة سببية
بين انسحابنا والمشاكل التي يعيشها المعهد.
ولأن هذه المشاكل، من جهة ثانية، هي، في نهاية التحليل، مقصودة ومختلقة، يمكن القول
إن السلطات ساهمت في خلقها أو على الأقل وفرت الظروف الملائمة لظهورها وتفاقمها.
ولهذا فهي لم تتدخل لوقفها أو الحدّ منها عندما شاع أمرها وأصبحت معروفة لدى الجميع.
لماذا سكتت إذن السلطات الوصية على المعهد عن هذه المشاكل ولم تقم بأي شيء لإصلاح
الأمر؟
لأن السلطة بالمغرب، كما تقدم ألف دليل ودليل على ذلك، تنهج دائما سياسة "فرق تسد"
إزاء كل مشروع تستشعر منه الحذر والتحفظ ولو بدون سبب معقول، فبالأحرى إذا كان هذا
المشروع أمازيغيا مثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. فالمشاكل الداخلية للمعهد،
التي ساهمت بعض قرارات السلطة في خلق جزء منها، والتي تفاقمت كذلك بسكوت نفس السلطة
عنها، تدخل إذن في إطار هذا الهدف: سياسة "فرق تسد".
فهذه المشاكل تستقطب جزء كبيرا من مجهودات المعهد واهتماماته لتصبح شغلا شاغلا له،
بدل أن توجه تلك المجهودات والاهتمامات إلى ترسيخ الوعي الهوياتي خارج المعهد. وهذا
ما يتماشى مع رغبة السلطات التي تعمل على جعل الأمازيغية كمجرد موضوع محصور داخل
المعهد دون أن تكون له امتدادات على مستوى الكينونة والهوية كذات حاضرة وفاعلة في
المجتمع.
ثم إن هذه المشاكل الداخلية مفيدة كذلك للسلطات ولكل من لا يكن ودا للأمازيغية،
لأنها "تثبت" لهم "علانية" ما يرددونه سرا، وهو أن الأمازيغيين أعطي لهم معهد
بميزانية محترمة للنهوض بالأمازيغية، فعجزا عن ذلك بسبب صراعاتهم الشخصية و"ميولاتهم
القبلية العشائرية المعروفة". ولا حاجة لأن نكون أذكياء أكثر من اللازم لإدراك أن
السلطة هي التي خلقت، ببعض قراراتها، كما سبقت الإشارة، ظروفا "قبلية وعشائرية"
داخل المعهد ليقال في الأخير إن الأمازيغيين "قبليون وعشائريون" لم يندمجوا بعد في
ثقافة العصر وحداثته!
ومن عادة السلطة عندنا، لاستثمار رأسمالها السياسي والرمزي، أن تتفرج على تفاقم مثل
هذه المشاكل في انتظار أن تستنجد بها الأطراف المعنية تلتمس منها التدخل كحكم،
لتعزز بتدخلها شرعيتها وتقوي من دورها كمنقذ وملجأ أخير، كما فعلت في مسألة مدونة
المرأة، وكما كانت تنتظر أن تفعل في مسألة الحرف بالمعهد نفسه. إذا عرفنا هذه
الخصوصيات التي تميز السلطة بالمغرب، نفهم لماذا لم يكن من مصلحتها أن تتدخل لحل
مشاكل المعهد.
وهذا السكوت للسلطات الممسكة بملف الأمازيغية عن المشاكل التي يعرفها المعهد، يدخل
هو نفسه في إطار تهميش الأمازيغية وغياب أية إرادة جدية في تتبع ملفها ومراقبته.
لقد كانت مفاجأة المسؤولين على هذا الملف كبيرة عند انسحاب سبعة أعضاء من مجلس
إدارة المعهد، ومصدر المفاجأة ليس هو الانسحاب في حد ذاته، بل أسبابه التي كان
هؤلاء المسؤولون ينتظرون أن تتعلق بالشأن الداخلي للمعهد، وليس بالأسباب السياسية
الحقيقية المعرقلة للنهوض بالأمازيغية في التعليم والإعلام ومؤسسات الدولة كلغة
وهوية وثقافة وكينونة. فكانت أسباب الانسحاب المذكورة في بيان المنسحبين بمثابة
تمزيق لكل الأقنعة التي كانت تتستر وراءها الإرادة السياسية الرافضة للأمازيغية.
لهذا ألحّ المنسحبون على ضرورة الحماية القانونية والدستورية للأمازيغية بإصدار
نصوص تشريعية تلزم الحكومة بتنفيذ خطة رد الاعتبار للأمازيغية.
فإذا استمر وضع الأمازيغية السيئ على ما هو عليه دون اتخاذ أية إجراءات جدية سياسية
لتفعيل النهوض بالأمازيغية، فسيكون الانسحاب مبررا. وإذا غيرت الحكومة من تقاعسها
وتماطلها إزاء الأمازيغية وأعطى أصحاب القرار تعليماتهم الصارمة في الموضوع، فسيكون
الانسحاب مفيدا للأمازيغية.
افتتاحية:
دخلنا إلى المعهد من أجل الأمازيغية، وانسحبنا منه من أجل الأمازيغية
بقلم: محمد بودهان
أفضل ما كتب، في تقديري، عن حدث الانسحابات من مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية، هو تعليق موجز جدا قرأته على شبكة amazigh-net يقول: «هؤلاء المنسحبون
ذوو شجاعة كبيرة نادرة، ليس لأنهم انسحبوا من المعهد، بل لأنهم قبلوا منذ سنتين أن
يكونوا أعضاء بمؤسسة مخزنية».
نعم صحيح، كانت لدينا الشجاعة لقبول العمل بمؤسسة مخزنية، ليس لأننا تنازلنا عن
مبادئنا وقناعاتنا، وتحولنا بسهولة إلى مخزنيين كما قيل عنا، بل لأننا راهنا على
التحول الإيجابي لموقف المخزن نفسه من الأمازيغية. وفي هذه الحالة كنا مستعدين أن
نصبح مخزنيين وخداما للمخزن شريطة أن يصبح هذا الأخير هو نفسه خادما للأمازيغية،
يعمل على تنميتها ورد الاعتبار لها والنهوض بها في المجال التعليمي والاجتماعي
والإعلامي والإداري... ظهير أجدير يتضمن كل هذه "الخدمات" لفائدة الأمازيغية. ورغم
المضامين الإيجابية أمازيغيا لهذا الظهير، فلم نكن حالمين أو مثاليين أكثر من
اللازم لأننا نعرف أننا في المغرب. ولكن، حتى لا نكون مثاليين بشكل مضاد ويقال
بأننا عدميون نرفض ما يعطى لنا من أجل الرفض، لبينا الدعوة والتحقنا بمجلس إدارة
المعهد، وكلنا أمل وحماس للمساهمة في النهوض بالأمازيغية طبقا لما ينص عليه ظهير
أجدير. بل لقد اعتبرنا تواجدنا بالمعهد هو بمثابة انتقال من مرحلة النضال الحركي
إلى مرحلة النضال المؤسساتي المعترف به رسميا، مع توفير، لأول مرة، إمكانات مادية
وبشرية لتنمية بالأمازيغية وترقيتها.
إلا أنه، وللأسف الشديد، بعد مرور أزيد من ستنين ونصف ـ وهي مدة كافية ليتحدد
خلالها بوضوح التوجه العام الذي يسير فيه المعهد ومدى توفر إرادة سياسية حقيقية
للنهوض بالأمازيغية ـ على انطلاق برامج ومشاريع وأنشطة المعهد، تبيّن لنا أن
الأمازيغية لا تزال، في واقعها اليومي الملموس، على ما كانت عليه قبل إنشاء هذه
المؤسسة، وذلك لغياب إرادة سياسية جدية لتفعيل مشروع رد الاعتبار للأمازيغية وجعله
واقعا حقيقيا وملموسا. فكل ما أعده المعهد من برامج وخطط، على علاتها، لم تلق آذانا
صاغية عند الجهات الحكومية المسؤولة عن القطاع المعني بإدماج الأمازيغية. فأصبح
شعورنا يزداد يوما بعد يوم بأننا عاجزون عن فعل أي شيء لصالح الأمازيغية فيما يرتبط
بما هو اجتماعي وتعليمي وإعلامي وإداري وجامعي، لأن المهمة التي كلفنا بها تتوقف
على إرادات خارج إرادة المعهد، كوزارة التربية الوطنية والداخلية والإعلام والعدل...
وهذا ما جعلنا نعيش حرجا أمام الأمازيغية أولا، التي لم ننجح، لأسباب خارجة عن
إرادة المعهد كما أشرنا، في تحسين وضعيتها ومكانتها التي بقيت كما كانت قبل إنشاء
مؤسسة المعهد؛ حرجا أما الرأي العام ثانيا الذي يحمّل كل المسؤولية لنا فيما يتعلق
بنجاح أو فشل المشروع الإركامي للنهوض بالأمازيغية؛ حرجا ثالثا أمام أنفسنا
وضمائرنا ومبادئنا حيث أصبح يكبر إحساسنا ـ بل قناعتنا ـ بأننا خدعنا واستعملنا
بسهولة، مع ما يرافق ذلك من شعور بنوع من الإهانة والانتقاص من الكرامة بسبب
استعمالنا لتبرير وتزكية مشروع يرفضه أصحاب القرار السياسي الذين يتوقف إنجاز هذا
المشروع على مساهمتهم وإرادتهم وحسن نيتهم. لقد أصبحنا نتأكد يوما بعد يوم أننا
لسنا في مؤسسة لرد الاعتبار للأمازيغية، بل في معبد للصلاة عليها والدعاء لها.
وعندما نقول بأن وضعية الأمازيغية بقيت كما هي ولم تتغير بعد سنتين على إنشاء
المعهد، فإننا نقصد بذلك طبعا ما يتعلق، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، بإدماجها في
الفضاء الاجتماعي والإداري والإعلامي والقضائي والتربوي ـ وهو ما يتطلب إرادة
سياسية صادقة وشجاعة ـ وليس ما يتعلق بالبحث والدراسة حول الأمازيغية كموضوع، وهو
ما أنجز منه المعهد أعمالا مهمة ـ رغم علاتها ونواقصها ـ في التاريخ والتهيئة
اللغوية وديداكتيك تدريس الأمازيغية مثلا. بل لقد بات واضحا الآن أن المعهد يسير في
هذا الاتجاه الأكاديموي العلموي والثقافوي، أي إنتاج بحوث ودراسات حول اللغة
والثقافة الأمازيغية وتاريخ الأمازيغيين دون أن يؤدي ذلك إلى أي تحسن لوضعية
الأمازيغية والرفع من مكانتها، كإعادة النظر في المقررات المدرسية للتاريخ بناء على
بحوث المعهد في هذا الميدان، أو إدماج الأمازيغية في الشأن المحلي ومراكز التكوين،
أو إنشاء تلفزة أمازيغية، أو تدريس جدي وحقيقي للأمازيغية استنادا إلى ما توصل إليه
المعهد في مجال التهيئة اللغوية وطرق تدريس الأمازيغية. ولهذا فإن مثل هذه
الإنجازات العلمية والأكاديمية، على أهميتها، لن تعيد للأمازيغية مكانتها واعتبارها
داخل مؤسسات الدولة وإداراتها وإعلامها ما لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية وجدية
وواضحة تريد ذلك وتعمل على فرضه بسن قوانين ملزمة للجميع. فحصر المعهد في العمل
الأكاديمي العلمي هو عمل سبقتنا إليه دول أجنبية تتعامل مع الأمازيغية كموضوع للبحث
والدراسة، مثل هولاندا وفرنسا على الخصوص، التي على المعهد أن يشتغل سنين كثيرة حتى
يصل إلى مستوى ما راكمه الفرنسيون من بحوث علمية حول موضوع الأمازيغية.
ونحن لسنا ضد مؤسسة بحثية مثل المعهد، مختصة في موضوع الأمازيغية وإنجاز دراسات
علمية وأكاديمية حولها. فنحن لا نعترض على ذلك، بل نعتبره شيئا مفيدا للأمازيغية،
وإنما الذي نحن ضده ونعترض عليه هو الخلط بين المهمة "العلمية" للمعهد ومهمة "النهوض
بالأمازيغية" التي كُلّف بها كذلك. وهما مهمتان مختلفتان إلى درجة التعارض
والتنافي، ذلك لأن المهمة الثانية تتوقف على القرار السياسي الذي لا سلطة للمعهد
عليه، في حين أن المهمة الأولى قد يقوم بها الباحثون على أحسن وجه دون أن يحتاج ذلك
إلى قرار سياسي خارج المعهد، ودون حتى أن يكون هؤلاء الباحثون مناضلين يدافعون عن
الحقوق الأمازيغية. فالمطلوب هو الوضوح: اعتبار المعهد مؤسسة للبحث العلمي دون أن
يكون لها دور في رد الاعتبار للأمازيغية الذي هو قرار سياسي.
لقد لمسنا منذ البداية هذا الخلط بين المهمة العلمية للمعهد ومهمة النهوض
بالأمازيغية وإدماجها في المجال التربوي والإعلامي والإداري والاجتماعي. لكن
اعتقدنا ـ وكم كنا ساذجين ـ أن الجهات السياسية الحكومية سوف تقوم بمهمتها دون
تقاعس أو تهرب تطبيقا للفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهير أجدير التي تقول: "يشارك
المعهد بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي
تعتمدها جلالتنا الشريفة وتساعد على إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان
إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي". لكن تبين
الآن أن هذه السلطات تتهرب من التزاماتها السياسية تجاه الأمازيغية ليصبح المعهد،
أمام الرأي العام والحركة الأمازيغية، هو المسؤول عن فشل "إدراج الأمازيغية في
المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني
والجهوي والمحلي". ومسؤولية المعهد ترجع طبعا إلى مجلس إدارته الذي يقترح البرامج
ويضع الخطط للنهوض بالأمازيغية. وهذا ما يفسر التوجه الأكاديموي والتقنوي للمعهد،
خصوصا مع العميد الجديد، للابتعاد ما أمكن عن كل ما هو سياسي يتطلب تدخل جهات
سياسية، وذلك لإعفاء هذه الجهات من كل مسؤولية في فشل مشروع النهوض بالأمازيغية
ومحاولة تأويل "النهوض بالأمازيغية" على أنه إنجاز للبحوث والدراسات حولها كموضوع،
وليس كهوية وككينونة حاضرة وذات فاعلة. وإذا كانت مهمة المعهد علمية خالصة، فلا نرى
جدوى تعيين مجلس إداري لتسييره، بل كان يمكن الاكتفاء بالباحثين وذوي الاختصاص
العلمي، أو إلحاقه بالجامعات التي تنجز بها سنويا العشرات من البحوث العلمية
والأطروحات الأكاديمية حول الأمازيغية.
موازاة مع هذا التوجه الأكاديموي والعلموي للمعهد، الذي يسير نحو الفصل النهائي بين
الأمازيغية كموضوع للبحث، والأمازيغية كهوية قائمة وكينونة حاضرة وذات فاعلة،
تراكمت المشاكل الداخلية للمعهد، التنظيمية والهيكلية والتسييرية، انعكست، في جانب
منها، إلى صراعات نفوذ وامتيازات ومصالح. ومما زاد من حدة هذه المشاكل وتفاقمها هي
الميزانية الضخمة المخصصة للمعهد. ميزانية سبعة/ثمانية مليارات سنوية هي مبلغ زهيد
بالنسبة لمؤسسة في حجم وبمهام المعهد. فلماذا إذن هي ضخمة؟ لو كان هناك إدماج حقيقي
للأمازيغية ـ كما اعتقدنا ـ في التعليم والجامعة والإعلام وتكوين الأطر، لكانت مثل
هذه الميزانية زهيدة حقا وغير كافية: فلو أنشئت مثلا قناة تلفزية أمازيغية بأربع
ساعات من البث فقط في اليوم، لامتص ذلك جزء من ميزانية المعهد في إعداد وإنتاج
برامج تلفزية بالأمازيغية؛ ولو فتحت شعبة اللغة الأمازيغية بمراكز تكوين المدرسين
لابتلع ذلك أيضا جزء من الميزانية في تكوين المكونين والإشراف التربوي على شعبة
الأمازيغية بهذه المراكز؛ ولو أدمجت في مؤسسات تكوين الأطر لرصد لذلك جزء من
الميزانية لإعداد برامج التكوين الخاصة بهذه المؤسسات؛ ولو فتحت شعبة للأمازيغية
بالجامعات لأنفق جزء من الميزانية في تكوين الأساتذة وإعداد المقررات والكتب، وهلم
جرا... أما وأن الأمازيغية بقيت حبيسة جدران المعهد ولم تغادره إلى الفضاء الفسيح
للمؤسسات والجامعات والإدارات ومعاهد التكوين وأستوديوهات التلفزة، فإن تلك
الميزانية، مهما كانت متواضعة في مبلغها، فهي في الحقيقة كبيرة بالنسبة لمؤسسة
مغلقة على نفسها ولا تنتج شيئا للاستعمال خارج أسوار برجها الزجاجي، لأن الجهات
المعنية بذلك الإنتاج أغلقت الأبواب في وجهه ولم تُبد أية رغبة في ذلك. أمام غياب
منافذ لصرف الميزانية في إنتاج وإعداد وتنفيذ برامج لفائدة الأمازيغية خارج المعهد،
كان لا بد من إيجاد منافذ استهلاكية لا يحتل فيها الإنتاج إلا مكانة ثانوية وغير
مباشرة. وهكذا فإن جل الميزانية تصرف في أداء الأجور ومختلف التعويضات والمنح
ونفقات المصالح الاجتماعية للمعهد، وما تبقى يصرف في "المهمات" والأسفار والمطويات
ذات الطبع الأنيق، وتنظيم الندوات ثم طبع ما قيل في تلك الندوات... وهذا النوع من
صرف الميزانية، الذي فرضه غياب إنتاج موجه إلى الخارج لغياب الطلب عليه من طرف
القطاعات الوزارية كما شرحنا ذلك، يزيد من حدة الصراعات داخل المعهد، المرتبطة
بالمصالح والامتيازات الفردية والفئوية.
إذا كان المعهد يعرف مثل هذه المشاكل، التنظيمية والهيكلية والتسييرية، فلماذا لم
يذكرها المنسحبون في بيانهم؟
لأن هذه المشاكل، أولا، ليست هي التي حالت دون إدماج حقيقي وجدي للأمازيغية في
التعليم، وفي الإعلام وفي الجامعة، وفي الشأن الجهوي والمحلي، وفي مؤسسات تكوين
الأطر... لأن مثل هذا الإدماج يرتبط بالإرادة السياسية لدى المسؤولين في الحكم،
وليس بإرادة المسؤولين في المعهد الذين لا سلطة لهم على الجهات الحكومية التي يتوقف
عليها تطبيق خطة المعهد في النهوض بالأمازيغية في القطاعات التابعة لها كوزارة
التربية الوطنية والداخلية والإعلام. ولأن هذه المشاكل ليست هي سبب رفض تسجيل
الأسماء الأمازيغية، ولا هي سبب منع كتابة تيفيناغ على علامات المرور في الشوارع.
فهذه المشاكل هي موجودة حقا، ولكنها ثانوية بالنسبة لموضوع رد الاعتبار للأمازيغية
الذي له علاقة مباشرة بتوفر الإرادة السياسية دون أن يكون لهذه المشاكل تأثير يذكر
على ذلك. ولهذا صرحنا لبعض الجرائد أن المعهد لا يعرف أي مشكل لنفي أية علاقة سببية
بين انسحابنا والمشاكل التي يعيشها المعهد.
ولأن هذه المشاكل، من جهة ثانية، هي، في نهاية التحليل، مقصودة ومختلقة، يمكن القول
إن السلطات ساهمت في خلقها أو على الأقل وفرت الظروف الملائمة لظهورها وتفاقمها.
ولهذا فهي لم تتدخل لوقفها أو الحدّ منها عندما شاع أمرها وأصبحت معروفة لدى الجميع.
لماذا سكتت إذن السلطات الوصية على المعهد عن هذه المشاكل ولم تقم بأي شيء لإصلاح
الأمر؟
لأن السلطة بالمغرب، كما تقدم ألف دليل ودليل على ذلك، تنهج دائما سياسة "فرق تسد"
إزاء كل مشروع تستشعر منه الحذر والتحفظ ولو بدون سبب معقول، فبالأحرى إذا كان هذا
المشروع أمازيغيا مثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. فالمشاكل الداخلية للمعهد،
التي ساهمت بعض قرارات السلطة في خلق جزء منها، والتي تفاقمت كذلك بسكوت نفس السلطة
عنها، تدخل إذن في إطار هذا الهدف: سياسة "فرق تسد".
فهذه المشاكل تستقطب جزء كبيرا من مجهودات المعهد واهتماماته لتصبح شغلا شاغلا له،
بدل أن توجه تلك المجهودات والاهتمامات إلى ترسيخ الوعي الهوياتي خارج المعهد. وهذا
ما يتماشى مع رغبة السلطات التي تعمل على جعل الأمازيغية كمجرد موضوع محصور داخل
المعهد دون أن تكون له امتدادات على مستوى الكينونة والهوية كذات حاضرة وفاعلة في
المجتمع.
ثم إن هذه المشاكل الداخلية مفيدة كذلك للسلطات ولكل من لا يكن ودا للأمازيغية،
لأنها "تثبت" لهم "علانية" ما يرددونه سرا، وهو أن الأمازيغيين أعطي لهم معهد
بميزانية محترمة للنهوض بالأمازيغية، فعجزا عن ذلك بسبب صراعاتهم الشخصية و"ميولاتهم
القبلية العشائرية المعروفة". ولا حاجة لأن نكون أذكياء أكثر من اللازم لإدراك أن
السلطة هي التي خلقت، ببعض قراراتها، كما سبقت الإشارة، ظروفا "قبلية وعشائرية"
داخل المعهد ليقال في الأخير إن الأمازيغيين "قبليون وعشائريون" لم يندمجوا بعد في
ثقافة العصر وحداثته!
ومن عادة السلطة عندنا، لاستثمار رأسمالها السياسي والرمزي، أن تتفرج على تفاقم مثل
هذه المشاكل في انتظار أن تستنجد بها الأطراف المعنية تلتمس منها التدخل كحكم،
لتعزز بتدخلها شرعيتها وتقوي من دورها كمنقذ وملجأ أخير، كما فعلت في مسألة مدونة
المرأة، وكما كانت تنتظر أن تفعل في مسألة الحرف بالمعهد نفسه. إذا عرفنا هذه
الخصوصيات التي تميز السلطة بالمغرب، نفهم لماذا لم يكن من مصلحتها أن تتدخل لحل
مشاكل المعهد.
وهذا السكوت للسلطات الممسكة بملف الأمازيغية عن المشاكل التي يعرفها المعهد، يدخل
هو نفسه في إطار تهميش الأمازيغية وغياب أية إرادة جدية في تتبع ملفها ومراقبته.
لقد كانت مفاجأة المسؤولين على هذا الملف كبيرة عند انسحاب سبعة أعضاء من مجلس
إدارة المعهد، ومصدر المفاجأة ليس هو الانسحاب في حد ذاته، بل أسبابه التي كان
هؤلاء المسؤولون ينتظرون أن تتعلق بالشأن الداخلي للمعهد، وليس بالأسباب السياسية
الحقيقية المعرقلة للنهوض بالأمازيغية في التعليم والإعلام ومؤسسات الدولة كلغة
وهوية وثقافة وكينونة. فكانت أسباب الانسحاب المذكورة في بيان المنسحبين بمثابة
تمزيق لكل الأقنعة التي كانت تتستر وراءها الإرادة السياسية الرافضة للأمازيغية.
لهذا ألحّ المنسحبون على ضرورة الحماية القانونية والدستورية للأمازيغية بإصدار
نصوص تشريعية تلزم الحكومة بتنفيذ خطة رد الاعتبار للأمازيغية.
فإذا استمر وضع الأمازيغية السيئ على ما هو عليه دون اتخاذ أية إجراءات جدية سياسية
لتفعيل النهوض بالأمازيغية، فسيكون الانسحاب مبررا. وإذا غيرت الحكومة من تقاعسها
وتماطلها إزاء الأمازيغية وأعطى أصحاب القرار تعليماتهم الصارمة في الموضوع، فسيكون
الانسحاب مفيدا للأمازيغية.
|