| |
"الإيركــــــام"
أو نهاية الوهم
بقلم: ابن الأطلس
يتكاثر الكلام... الخبطة في السياسة اللغوية، سوء في التدبير
الإداري والمالي، انقطاع عن الفعاليات النضالية وتهميش للباحثين الجادين...،
تعاقدات مشبوهة مع وزارة أو هيئة معينة... وأخيرا استقالات بالجملة وكلام على أن
الأمور في حاجة لإعادة نظر... تجري رياح الأخبار بما لا تشتهي سفينة شفيق التي
سلمها لقبطان آخر بعد نقل (وليس انتقال) السلطة في "أمبراطورية الأمازيغ" تحت شعار
"الاستمرارية"... طبعا استمرارية في مضيعة الوقت والتسويف الذي أنشئ لأجله الإيركام
...
مناسبة للإعراب لأصحاب المعهد أن عليهم مراجعة كل شيء أو بالأحرى عليهم أن يشدوا
الأرض ويعلنوا التوبة بعد أن تبين أن عجزهم كبير لاستكشاف الأمازيغية أو تقديم شيء
يليق بالهالة وبالسبع مليارات المتان... عجزوا حتى أصبحوا يفكرون في تشكيلها من
جديد بواسطة أشكال سخيفة من "لعب الدراري" عوض إعلان القصور والإفلاس... والسؤال
الكبير هو: هل هناك في المعهد نخبة تمتلك حقا من الثقافة الأمازيغية لغة وحكمة
وأعرافا ومنهجا وسلوكا ما يؤهلها لتدعي، وعلى وزن الأسطورة المؤسسة للبيان الشفيقي
الذي أريد له أن يكون البيان الأمازيغي بتجاوز لا تقبله الأعراف الأمازيغية، أنها
قادرة على إبداع "إعادة النهضة الحضارية للأمازيغية" باسم الأمازيغ؟؟؟... فالأمازيغ
لا يطالبون بلغة يبتدعها الإيركام، بل بإيركام تبتدعه اللغة الأمازيغية فنحس أننا
فعلا أمام مؤسسة أمازيغية... أما الواقع فهو كون الإيركام بحكم القانون ذو هوية "عربية"
وهو هبة نظام، أي لا يمكنه أن يدعي أنه ديمقراطي كمؤسسة... والحال أن الأمازيغية لا
يمكنها أن تنمو وتترعرع إلا في إطار ديموقراطي... والمعهد على هذا الأساس يبدو
بالنسبة لبعض الأمازيغ فرصة ثمينة لممارسة الارتزاق على حساب أشياء تيموزغا
النفيسة، والتي يبيعونها بخسة ولمن لا يستحق إلا الضرب على القفا... فقديما كانت
الأرض فأصبحت مغربا عربيا، ثم غزوا حتى الإنسان حيث أصبح أكثر عروبية حتى من العرب
أفسهم... والآن يريد أصحابنا في المعهد أن نقبل منهم أن يبيعوا أمام أعيننا،
وبالتقسيط الممل، ثقافتنا و هويتنا لتطبيعها كلسان ثانوي زائد ولا حاجة إليه إلا من
أجل الاسترزاق الإيركامي بعد الارتزاق الفلكلوري السياحي...
إن ما يحز في النفس، وخارج كل الاعتبارات والأساطير المؤسسة للإيركام، هو كونه قد
يتحول عاملا سلبيا في تطور الأمازيغية... بل ويمكن القول إن ما يظهر من أعماله
الهزيلة ومن موقف الحركة الأمازيغية منه يدل أن الاستلاب لأنماط ثقافية للغات أخرى
يسم البحث والإنتاج في الإيركام بخطورة سوء تقدير أبعاد الأمازيغية التي هي لغة جد
متميزة بالنسبة لباقي اللغات... تميز تكتسبه من كونها أم هذا البازار من اللهجات
المسماة "لغات"، والمنتشرة من إيران حتى أمريكا... وهذا التميز هو ما كنا ننتظر أن
يعلنه الإيركام ليجعل أفئدة الناس تهفو للغتنا وحضارتنا من كل فج عميق...
والأمازيغية مستعدة لإخراج الدلائل الجينية لكونها هي وحدها اللغة الحقيقية... هي
وحدها الأم... الأم التي تنكرت لها بناتها اللهجات...
والمعهد لم يحدث أي نقلة نوعية في وضعية الأمازيغية رغم "البخ"، والأخطر أن لا شيء
ظهر من بحث وعمل جدي عن إدماج الأمازيغية، ليس في التعليم فحسب، بل في ما هو أوسع
وأبلغ... حياتنا العامة بكل أبعادها... الإيركام كان عليه أن يحقق الكثير وتبين أنه
مضيعة للوقت وللمال العمومي... والأبشع أن الإيركام أقدم على قبول وضعية لا ترضاها
الأمازيغية لنفسها حين أعلن عن "معاهدة الخزيرات" مع وزارة التعليم... إنه وضع شاذ
أن يحتاج أمازيغ المغرب في بلدهم لمعاقدة وزارة من أجل خدمة عامة هي من صميم الخدمة
الواجبة على تلك الوزارة... والأغرب أن نسمع عقدا مع هيئة علها هيئة المصالحة لأجل
استعمال الأمازيغية... هل نحن فعلا في وطننا أم أننا كما يحلم، عملا بالمبدأ النصف
صهيوني "أرض بلا شعب"، خصوم هويتنا وحقنا في الاختلاف، أن نكون قوما لا شيء أو مجرد
أشباح تعرقل عمليات الإحصاء حين تصر أنها موجودة كما هي؟ ..."أشباح أمازيغية"؟...
ليس على الإيركام أن يتدخل في العمل الحكومي بل كان عليه أن يترفع عن أية مقايضات
حول عملية الإدماج التي يطالب بها الشعب الأمازيغي... هل هو تطبيع لمنطق معين يجعل
من الأمازيغية سيدة الدار مجرد "محسن إليها" بعقود عمل محدودة في الزمان والمكان؟...
كل هذا يجعل الإيركام دون طموحاتنا كأمازيغ بعد أن خيب كل الآمال...
إذن ما العمل؟
السؤال هنا غير موجه للإيركام لأن فاقد الشيء لا يعطيه... وقد طرح عند بداية القصة
حين طرح البيان المؤسس لكل هذه المسرحية المؤطرة للالتفاف على المطلب الحقيقي
للأمازيغ ألا وهو رد الاعتبار كاملا غير منقوص للثقافة والهوية الأمازيغية لتصبح
سيدة في وطنها معززة بين العالمين... بل هو سؤال للجميع ... ما العمل لإنقاذ
الأمازيغية؟...
لقد حان الوقت لقول الصراحة الواجبة ووضع كل الافتراضات الممكنة لإخراج الأمازيغية
من عنق "زجاجة الإيركام" وإطلاق سراحها لمنطق السوق حتى تعرف ثمنها الحقيقي عند
شعبها...
أولا: فرضية العودة للتنسيق وطنيا ودوليا في إطار الكونجرس العالمي وغيره، مع
محاصرة الإيركام داخليا لحمل النظام على دمقرطته... هذا المطلب يكتسب شرعيته من كون
الأمازيغية أريد لها على ما يبدو ـ بخلاف مطالب ومؤشرات الإصلاح العام ـ إدخالها
لكواليس منغلقة بين هذا الإيركام وبعض من مؤسسات الدولة السلبية التوجهات ضدا على
الأمازيغية...
ثانيا: إطلاق المواجهة المدنية والسياسية عبر القيام بمسيرة "تاودا" المؤجلة مع
تكوين لجنة مؤقتة تحضر لأجل إنشاء "مجلس وطني للأمازيغ في المغرب" يتكون من ممثلين
يتم انتدابهم حسب التقسيم الإداري للمملكة بطرق ديمقراطية ممكنة قانونا... مع فرضية
التوجه لإنشاء حزب قومي أمازيغي أو منظمة سياسية تطرح أمازيغية شمال أفريقيا في
الإطار الجغرافي لتامزغا الأصلية وتعمل للوصول إلى مركز القرار الذي يمكنها من
تحقيق البرنامج الأمازيغي... كل هذا مع إعلان الطلاق الثلاث مع مقولة "الأمازيغية
قضية الجميع" التي يكذبها واقع العنصرية العدوانية السارية في عروق أعراب هذا
البلد، بل هي قضية الأمازيغ وحدهم حتى يظهر الخيط الأبيض من الأسود من طول ليل
السذاجة والنية الحسنة التي عصفت بالأمازيغ عبر التاريخ...
ثالثا: إنشاء "هيئة حكماء أمازيغ" وطنية غير منحازة إلا للعلم وحقوق الإنسان تكون
مرجعية للحركة الأمازيغية وتراقب كل التجاوزات والأخطاء الممكنة في تعامل المؤسسات
والجمعيات والأفراد مع الأمازيغية علميا وفنيا وسياسيا... هذه الهيئة عليها أن تعمل
بشكل تنال به المصداقية وطنيا ودوليا ويمكنها اعتماد خبراء أو مستشارين دوليين،
ومنفتحة على الفاعلية في إطار حوار الحضارات، وفي إطار مواجهة التعتيم على المطالب
المشروعة للأمازيغ في وطنهم وللأمازيغية في سلم الحضارة الإنسانية...
لقد صبر الأمازيغ بما يكفي وأعطوا كل الفرص للنظام العروبي بتامزغا قصد مراجعة نفسه
والاعتراف أنه على أرض تتكلم الأمازيغية... لكن لم يرد في التاريخ أن العروبيين
انصاعوا يوما ما للحق دون أن يهزموا في ساحة الوغى... لم يرد في التاريخ عن
العروبيين سوى العجرفة والاستبداد والعنصرية والتحايل على الحقائق... لم يرد في
تعاملهم مع الأمازيغ في وطنهم إلا التهميش والدونية وحال مناطق المغرب الأمازيغي
دليل صارخ أن سبب التخلف في شمال أفريقيا هو الوجود العروبي الذي حمل معه من الشرق
حضارة الرداءة والعنف... وقد يقول قائل "والإسلام ؟ والقرآن؟" نجيبه ببساطة وصراحة
أن ليس في العروبيين من الإسلام سوى تراتيل يرددونها من كتاب القرآن... أما في
الواقع فهم يستعملون الإسلام كأداة سياسية لدعم سلطتهم وسيطرتهم على الشعوب الأخرى...
ألم يكتشف العالم أن بعض العرب كلما شبعوا في بطونهم أصبحوا إرهابيين... قديما حين
استولوا على طريق الحرير الممتدة من بكين إلى الصويرة (موكادور التي لازال صحفيو
قنواتنا يرجعون اسمها للفينيقيين كدليل آخر على حال تجاهل الحقائق الواضحة، والحمد
أن الاسم لم يصلح للتعريب فترجم... وعلى أهلها أن يكسروا كل علامات هذه الترجمة
البشعة لأن "ام أكادور" تعني ذات الحائط الدائري وعليها أن تحتفظ باسمها الجميل
لأنه يدل على أنها أولى المدن التي تميزت بصور حولها)، فامتلأت خزائنهم بعد أن
انتقلوا من شعاب "واد غير ذي زرع" إلى الهلال الخصيب منكلين بشعوبه، كان همهم
الوحيد هو الغزو والسبي والغنائم فارتحلوا في الأصقاع يستولون على كنوز أمم لم
يعرفوا مثلها ويدمرون مدائن لم يشهدوا مثلها في جزيرتهم وإن سمعوا من القرآن أن
هناك إرما "ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" –ألاحظ هنا أن الخطاب لو كان
موجها للأمازيغ أو لأية أمة متحضرة لما احتاج لشرح "إرم" بـ"ذات العماد" لأن
الأمازيغ يعرفون أن كل الإرم لها أعمدة...
بالغزو والسطو والغدر وصل العروبيون الحاملون للإيديولوجية الأموية العنصرية إلى
"أم وورتان" ثم الأندلس حيث مارسوا كاستعماريين كل أساليب القمع والتدمير فحرقت
المدن وعلى رأسها "المدينة المغدورة" التي تحكي أطلالها عن رائحة الغدر والنار
"أوليلي"... ولئن جعل نفاذ المغانم وانقطاع طريق الحرير بعد اكتشاف طريق التجارة
البحرية هؤلاء العروبيين الأمويين ينكمشون في تخلفهم بعد أن حرموا الشعوب المستعمرة
من طرفهم من نشاطها الحضاري ومنعوها من التقدم مسلطين عليها ما تبقى من عشائر بدوية
لو كانت تعرف مثل الوطنية لما هاجمت أفريقيا الشمالية في القرن السادس عشر مسببة ما
يسببه الجراد (كما نقل عياش عن ابن خلدون) من تخلف جاف يعلو الغبار والذباب على
ضحيته فتتفسخ وتصبح رميما... لكن ها هو التاريخ يعيد نفسه، فمنذ أن ظهر بترول
الجزيرة بدأ يظهر معه الإرهاب والعجرفة من جديد بشعارات لا تخلو من نازية عروبية
أموية ومن فاشية دينية لم تقهرها إلا زاوية "آل بوش و آل إليزابيت"... أما خليلة
العروبيين، التي لو كان "يوغرتن" بيننا اليوم لقال عنها: "باريس، أيتها المعروضة
للبيع"، فهي لا تزال في تواطئها الآتي من العصر الوسيط تغمض العين عما اكتشفته من
عورات العروبيين الأندلسيين في شمال أفريقيا، ضاربة عرض الحائط بكل ما تدعيه من مثل
الحرية والمساواة وحقوق الإنسان... لقد استعمرتنا فرنسا ورأت بأم عينها أن خلف
الشجيرة العربية المجتثة من أرض غير تامزغا غابات شاسعة عريضة من الشعب الأمازيغي
الأصيل... ولكنها عوض أن تقوم بالواجب الذي تمليه المبادئ سلمت المفاتيح لغير أهلها
مدللة أنها هي أيضا لم ترحل وإنما وجدت لها وكلاء قال عنهم أحد فقهاء مكناس للمقيم
العام: "إن على فرنسا أن ترحل لأنها أوجدت في المغرب من يخافون ويحافظون على مصالح
فرنسا أكثر من الفرنسيين" (المرجع: المهدي المنجرة)...
إن العالم، وخاصة منه الأمازيغ، عليهم أن يتذكروا أن العنف والإرهاب والاستعباد
متجذر في النفسية المعقدة لأصحاب النزعة العروبية الأموية، أصحاب "الموؤودة"... تلك
التي لو سئلت بأي ذنب قتلت لرأيت الشمس كورت والنجوم انكدرت والجبال كشطت والجحيم
سعرت...
وعليه أيها الأمازيغ الواقفون مثل ذاك الطائر التعس ينتظر المستحيل، اعلموا أن عين
الثور لن تسقط من ذاتها...
|