| |
"المغرب العربي" بين مطرقة الوهم الميتافيزيقي
وسندان الحقيقة المرة
بقلم: الحسين لركون (تاماينوت أيت ملول)
اجتمع
وزراء خارجية دول ما يسمى بـ"اتحاد المغرب العربي" يوم الخميس 17 فبراير 2005
بالرباط احتفالا بالذكرى السادس عشرة لتأسيسه. وبالمناسبة أعرب هؤلاء الوزراء "العرب"
عن أملهم، المفقود، في تحقيق الأهداف المنشودة من اتحادهم العروبي الذي اعتبره
أحدهم منبرا للتعبير عن مواقفهم بخصوص ما استجد في العالم العربي(1).
لقد تأسس هذا الكيان الأسطوري، الذي نسجته مخيلة من تشبعوا بأفكار القومية العربية،
بتاريخ 17 فبراير 1989 بعد إعلان مراكش، و الذي وضع من بين أهدافه، صيانة الهوية
القومية العربية(2)، في غياب تام لأهم مكون حضاري للمنطقة المغاربية والمتوسطية.
فالأسس التي تأسس عليها هذا الكيان إنما هي لخدمة إيديولوجية عروبية وإسلاموية، إذ
حاول هؤلاء بطريقة تعسفية فرض هوية مستوردة من الشرق العربي على شعب منطقة شمال
أفريقيا، في تجاهل تام لكرامة ومشاعر الملايين من الأمازيغ الذين يقطنون المنطقة
لأزيد من 5000 سنة، وتمثل ذلك انطلاقا من نسب المنطقة إلى العرب تحث اسم "المغرب
العربي" وكأن الشعب الذي كان بالأمس سيد أرضه وفكره وفنه وحضارته، أصبح اليوم ضيفا
عند العرب المغاربيين مستضعفا ومستعبدا، هنا يصدق المثل الأمازيغي: sskecmat n id
aææn ssufevn.
لا يتوانى هؤلاء داخل اتحادهم في الدفاع عن القضايا المشرقية العربية التي، طبعا،
تأسس من أجلها، واعتبارهم "الأمة" العربية أمتهم التي من واجبهم الدفاع عن قضاياها
العليا كما يصرح أمين عام "إتحاد المغرب العروبي" "... بقضايا أمتنا العربية
والإسلامية من وجهة نظرنا ـ نحن العرب ـ في غمرة التظليل والتشويش التي تتعرض لها
قضايانا وثقافتنا وهويتنا من وسائل الإعلام المغرضة..."(3) ويضيف الأمين العربي:
".. إزاء قضايا أمتنا العربية الإسلامية والدفاع عن المصلحة العربية العليا."(4).
رغم ما سطر في معاهدة التأسيس من أن الهدف من ذاك الاتحاد هو تمتين أواصر الأخوة (العربية)
التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها (المعربة)، وتحقيق تقدم ورفاهية والدفاع عن حقوقها
وصيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، إضافة إلى أهداف أخرى اقتصادية كالأمن
الغذائي...(5)، فإنهم يتوخون من تأسيس الاتحاد ضرب الهوية الأمازيغية الإفريقية
وطمس معالمها من خلال تقزيم تاريخ شمال إفريقيا ودعم مشروع التعريب في البلدان
الأعضاء وإيهام شعب شمال إفريقيا أنه عربي، كل هذا تمهيدا لإلحاق شمال إفريقيا
بالمشرق العربي لينضوي بدوره تحث لواء ما يسمى بــ"العالم العربي"، والدليل هو أن
جل الاتفاقيات المبرمة في ميادين مختلفة لا تزال حبرا على ورق. وعمل الاتحاد يقتصر
فقط على نصرة قضايا الشرق، وتناسى ما يجري بإفريقيا جنوب الصحراء من مجاعات، أمراض،
حروب أهلية، انقلابات عسكرية... أضف إلى ذلك قمع الحركات الأمازيغية بكل من المغرب،
الجزائر، ليبيا... وما زاد طين العروبة بللا داخل الاتحاد هو دعم ما يسمى «بالجمهورية
العربية الصحراوية "من طرف كل من ليبيا والجزائر ولو على حساب سيادة أحد الأعضاء
على ترابه الوطني، مما يفسر الشغف الأعمى لهؤلاء العروبيين لخدمة "الهوية" القومية
العربية بالتآمر ضد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والعمل على خلق دولة عربية
عليها.
رغم أن البناء المغاربي يعتبر لبنة أساسية في بناء صرح الوحدة العربية المنشودة(6)
ورغم كل ما قدمه المغاربيون العروبيون من خدمات جليلة لإخوانهم (أسيادهم) في الشرق
من نصرة لقضاياهم القومية، فإن العرب أبدا ليسوا راضين، وغير مقتنعين "بحسن نية"
خدامهم في شمال أفريقيا.
موقف العرب المشارقة من العروبيين المغاربة:
في مقال نشرته صحيفة "الوطن القطرية"(7) تحت عنوان "المغرب العربي والهرولة نحو
التطبيع"، وجه فيه صاحب المقال مجموعة من التهم والانتقادات إلى دول "الاتحاد
العروبي" والتي تصب في خانة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بدأ مقاله هذا بذكر أن ما
سماه بــ"اتحاد المغرب العربي" كان ذات يوم قد أفرز رموزا أمثال عمر المختار، عبد
القادر الجزائري، عبد الكريم الخطابي، في إشارة إلى أن هذا الأخير عربي كابن سينا،
ابن رشد، ابن خلدون...، والقلاع التي أفرزت هؤلاء بدأت تتهاوى الواحدة تلوى الأخرى
أمام المد التطبيعي مع إسرائيل. عوض أن تلجأ هذه الدول إلى بناء جسور قوة مع المشرق
العربي، فإنها راحت مهرولة ومسرعة باتجاه إسرائيل، حسب رأي الصحفي العربي، فأين يا
ترى سنلمس مظاهر التنمية البشرية والاقتصادية وكذا المهارات العلمية؟ هل على مستوى
العلاقات مع إسرائيل؟ أم على مستوى العلاقات مع المشرق العربي الذي ما زالت دوله
تتخبط بين براثين الجهل والتخلف، فعلى سبيل المثال في السعودية ما زالت المرأة
محرومة من حق الترشيح والتصويت في الانتخابات، فمع أي نوع من البشر ستبني جسور قوة؟
تابع الصحفي العربي مقاله بتسجيل أكثر من ملاحظة على دول الاتحاد، من بينها، تخلي
هذه الأخيرة عن كل التزاماتها القومية، العربية طبعا، وأنها (دول المغرب العروبي)
تتحرك من منطلق أنه لا علاقة لها البتة بالقضية الفلسطينية ولا بمظلومية المستضعفين
من الناس في جنوب لبنان أو الجولان المحتلة. وكأن دول "المغرب العروبي" في شمال
أفريقيا فعلا لها التزامات قومية مع الشعب العربي في المشرق، إذا كان الأمر كذلك
فما محل الشعب الأمازيغي وقضاياه، الذي تحكمه أنظمة هذه الدول، من الإعراب؟ من
سيدافع عن قضاياه وهمومه؟ هل سيتولى الصحفي العربي ذلك ودولته؟... وتتناسل الأسئلة
فيما يخص مصير هذا الشعب العريق الذي لا يجد حوله حزبا ولا نظاما يكترث لأمره. من
جهة أخرى ألم تنظم مسيرات مليونية في شوارع الدار البيضاء والرباط، عاصمتي المغرب
الاقتصادية والإدارية، تضامنا مع فلسطين؟ بل تأسست جمعية بالمغرب الأقصى لمساندة
الكفاح الفلسطيني، أسسها وانخرط فيها مجموعة من القومجيين المؤمنين بالفكر القومي
البعثي الكافرين بالفكر الحقوقي التحرري، المغفلين عن قضاياهم الوطنية، لأن الغاية
ليست هي فلسطين كشعب مضطهد، تمارس عليه شتى أنواع الإرهاب العسكري والحرمان من أبسط
الحقوق التي هي كما تعرف في المنظومة الحقوقية الدولية بــ"حق تقرير المصير"، بل
الغاية هي تكريس تلك التبعية للمشرق، ونصرة ذاك الفكر العنصري الإقصائي، الذي كان
سببا في قتل وتشريد الملايين من أبناء الإنسانية في ليبيا، مصر، العراق، فلسطين،
سوريا، إيران... باسم الأمة العربية، القومية العربية، الحضارة العربية، الوطن
العربي.... لأن التضامن مع ضحايا الاختفاء التعسفي الذي عانى منه العديد من أبناء
الشعب المغربي الجبار، واستنكار الجرائم ضد الإنسانية بالريف والأطلس المتوسط،
والتنديد باحتجاز أبناء هذا الوطن العزيز في معتقلات البوليزاريو تحت حماية النظام
العسكري الجزائري، هو الأولى ومن أجله كان على هؤلاء المتضامنين مع فلسطين في
مسيراتهم، تنظيم مسيرات بالملايين في كل أنحاء المغرب، فلماذا ننسى ونتناسى إخواننا
من وطن وجسد واحد ونتذكر الغير؟ لكن لحسن الحظ ولسوء حظ المغفلين فإخوانهم (أسيادهم)
العرب في الشرق لم ولن يعترفوا لهم بالجميل لأنهم عرب من الدرجة الدنيا، ولا يرقون
إلى مستوى العربي "الأصيل" في العرق، لكن في الجهل والتخلف نعم.
اختتم الصحفي العربي مقاله بنهاية تستحق الوقوف عندها ".. في ظل انهيار المصالحة
المغاربية ـ المغاربية ( العربية ـ العربية بطبيعة الحال) فإن المصالحة المغاربية ـ
العبرية آخذت في التحقق وقد يفضي ذلك إلى تحول المغرب العربي إلى المغرب العبري".
ما هذا يا أخي العربي؟ بكاء على الأطلال؟ أطلال القومية العربية المنهارة من قبيل "سنرمي
باليهود في البحر" أم هو إحساس بخطر فقدان فردوس شمال إفريقيا بعد فردوس الأندلس،
فردوس النخبة البترولية المشرقية الذي تجد فيه ما تشتهيه الأنفس وما تلذ الأعين،
فكلا الأمرين يفضيان إلى ظهور بوادر الطلاق بين المشرق العربي والمغرب الأمازيغي.
فتشجعوا يا مسؤولينا وتخلصوا من بقايا وأوهام الماضي لتفعيل خيار الإنصاف والمصالحة
مع دواتكم وشعبكم العظيم، فإن أعظم جريمة ترتكبونها ضد المغاربة هي التحايل على
عقولهم في البرامج الإعلامية والتعليمية، وجعلها تعيش في الشرق، بيد أن أجسادهم في
المغرب. ففي الآية الكريمة (أدعوهم لآبائهم) الأمازيغ. وخير البر عاجله.
الهوامش:
1) عبد العزيز بلخادم وزير خارجية الجزائرـ على هامش اجتماع الرباط بتاريخ 17
فبراير 2005 / جريدة القدس العربي 19/02/2005
2) البند الثالث من المادة الثالثة من معاهدة إنشاء ما يسمى باتحاد المغرب العربي.
3) جريدة العرب 01/06/2001 ـ كلمة أمين عام اتحاد «المغرب العربي» في الذكرى 25
لتأسيس جريدة «العرب»
4) نفس المصدر السابق
5) المادة الثانية من معاهدة إنشاء ما يسمى «بالمغرب العربي»
6) جريدة العرب 01/06/2001 ـ كلمة أمين عام اتحاد «المغرب العربي» في الذكرى 25
لتأسيس جريدة «العرب»
7) يحيى أبو زكرياء ـ صحيفة الوطن القطرية 09/10/2004
|