|
الحركة الأمازيغية ومعوقات الخطاب الديني: 2 ـ المرتكزات الأولية لتجاوز الوعي التقليدي بالهوية والتطلع إلى الحداثة: بقلم: عبد الحميد الطاوسي (أكادير) يقول مولود معمري: «لا يمكن أن نبعث الآفاق الضائعة من مرقدها، وما يتوجب علينا هو أن نحدد الآفاق الجديدة». إن أي مرتكز للبناء الذهني والواقعي للدولة والوطن والأمة لا بد أن يتجاوز الوعي التقليدي، وأن يتأسس خارج المرجعية التقليدية (العربية الإسلامية). وبذلك لا بد أن تكون الحركة الأمازيغية حركة تصحيحية منبثقة من صلب المجتمع المغاربي ومتخذة ـ وليس بشكل عفوي ـ من مشروعها الحضاري عناصر هذه الثقافة ذاتها، موثوقة بعناصر الكونية والعالمية كالحداثة والنسبية والاختلاف، أي الاهتداء بالنور المنبعث مني، وانسجاما مع ما أظنه الحق، والـ"كما هو" En tant que tel، وأن أقبل بك كما أنت وأن تقبلني كما أنا. هكذا، على الأقل، يمكن للجماعات الدينية إما أن تشكل أحزابا أو حركات أو هيئات تعتبر الدين مرجعيتها الأولى والقصوى دون أن تعي أنها مثل الحركات القومية الشوفينية العروبية. إنما تسقط في فخ واحد هو تضخيم الذات وإحياء المانوية المتفوقة باسم أشياء مبهمة لا يفسرها العقل "الراشد" التواق إلى الديموقراطية والتحرر والانعتاق من السلط المعقدة. أما حين أتحدث عن كيفية النشأة، فإن ظروف الفكر الحر لا تسعني أن أسرد أحداث جماعات يؤرخ لها التاريخ العام والخاص بكونها تغتال دوما على مداه كل من تسري في دمه قيم النبل والإخاء والتسامح. وقد نجد هذا النوع من العنف أو "الإرهاب الفكري" في كل من يتبنى الفكر الديني كمذهب، يهوديا، كان أو مسيحيا أو مسلما. لكن الحركات الإسلاموية تؤول، بشكل عنيف وخطير، الخطاب الديني الذي لا يخلو بدوره من عنف السؤال وسؤال العنف. لكن أي مجال وجب فيه الرد على من يريدون الاستئناس بمقوماتنا الثقافية والحضارية الأمازيغية داخل "مشروعهم" الديني العنيف؟ إن أي مشروع مجتمعي لبناء الدولة العصرية، وبالتالي الانتقال من الوعي العصري، يفترض وضعه من طرف الحركة الأمازيغية، ينبغي أن يكون مبنيا أساسا على تجاوزات منهجية اضطراريا. وأهم هذه التجاوزات ما أجمله فيما يلي: ـ التجاوز الأول: الانتقال من الوعي بالهوية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري: لكون المرحلة التي قطعتها الحركة الأمازيغية إلى الآن يفرض منهجيا هذا الانتقال، لكون الشرط الموضوعي هو الذي يفرض قيام الحركة بخطاباتها التنويرية بالاستبشار بظهور فكر حداثي، بل ترميزي، بعد مساءلة التراث تم ملء منطقة فراغ بالفكر الحداثي بعدما ظلت الثقافة المغربية سجينة لميتافيزيقيا واعية في الفقه أو علم الكلام، أو في الفلسفة كلها داخل مرجعية واحدة. وبذلك خلخلة الهوية الثقافية والمفاهيم الكلاسيكية القديمة حول الذات(1) أو الجنس وماهية الهوية ـ الثقافية ـ بقيامها بنقد فكري لمفاهيم جاهزة كنتيجة حكم قديم في مختلف الخطابات. وهكذا نحاول أن ندعو إلى هوية ثقافية جديدة تقوم على إقصاء هذه المفاهيم التي تأسست على الثقافة العربية الإسلامية (الخمار العلمي، "المرأة بين الدونية اللغوية والدونية الاجتماعية" في "المرأة والهوية الثقافية بالمغرب")، صفحة 129). ـ أما التجاوز الثاني فهو تجاوز الثقافة الفقهية كوثيقة وحيدة إستراتيجيا داخل اللعبة السياسية وتجاوزها كذلك سوسيولوجيا في مجتمع تغيب فيه أشكال الخطاب الوضعي. وذلك في إطار تجاوز الجاهزية السياسوية(2) بغرض الدخول في المشروع الثقافي العام لصياغة المشروع المجتمعي العام لهيكلة الحركة الأمازيغية كحركة احتجاجية ديموقراطية تؤسس لعقلنة المبادئ ومساءلة المفاهيم وصياغة الأسئلة في مختلف الحقول المعرفية قصد صياغة مشروع مجتمعي كأفق للتفكير. ـ التجاوز الثالث: بناء على التجاوز الأول والثاني يبدو لي أن أية مساءلة ترتبط بتسييس الدين لأية لغة أخرى توجد خارج مرجعيته الفكرية، أو تحويل لغة ما زالت في مرحلتها التكوينية في ميدان الكتابة والتدوين إلى مستوى الخطاب الديني قد لا يسعدها كثيرا في الاندماج الحضاري والحداثي مع مقومات العصر بالقدر الذي ينفر منها المتلقي على الأقل في ميدان نقل الخطاب الديني، مما يحملها (اللغة) مشكلة التعقيد واضطراب المعنى. خلاصة: إن الطرح المنهجي لأي مشروع مجتمعي، من قبيل الطرح الثقافي للحركة الأمازيغية، على ما يبدو لي، يستدعي بالضرورة القطيعة الإبستيمولوجية مع حمولات فكرية جاهزة ومعطاة داخل منظومة دينية ومكرسة بوثيقة فقهية تجاوزها عصر التحولات السريعة. ولذلك لابد من قراءة جديدة للواقع الثقافي والهوياتي المغاربي بأسلوب عقلي حداثي وخلخلة البنى السائدة والأفكار والمفاهيم الكلاسيكية، ليس حول الهوية فحسب، بل حول الديموقراطية والثقافة ومفهوم الهوية الثقافية، ومفهوم الحق الطبيعي والثقافي، والأنية، وعلاقة ذلك بالوثيقة القانونية الدستورية وحق المرأة، والروابط المتحكمة في السيرورة التحولية للبنبة الثقافية السائدة (يتبع) إحالات مرجعية: 1 ـ ذ. الحسين وعزي، "نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب". 2 ـ "المرأة والهوية الثقافية بالمغرب"، الخمار لاعلمي، صفحة 129. ـ "الجاهزية السياسوية": أقصد به الطريقة التي يتم بها تهييء الأحزاب السياسية المغربية (العدالة والتنمية / الحركات الشعبية). ـ المشروع الديني العنيف: أقصد به كل محاولة سياسية تقوم بها الأحزاب التي تتخذ الذاتي مرجعية، وهي أصلا تحمل مشروعا عنيفا سواء عنفا رمزيا أو ماديا، عن طريق الخطاب الإقصائي، أو تبني خطاب ديني يلغي الآخر ويقصيه لكونه لا يدخل مرجعيا في نفس اللعبة. ـ انظر كتاب "الهوية الثقافية المغربية: جدلية الخاص والعام"، مداخلات مجموعة من الأساتذة والباحثين، منشورات الشعلة، الطبعة الأولى 1998.
|
|