|
الكرّوج مغربي بالقميص وعربي بالقلب والدم!! بقلم: محمد بودهان إن التعريب ليس مجرد مسألة لغوية تنتهي مهمتها عند تعريب اللسان وفرض وتعميم اللغة العربية بالدستور والمدرسة والإدارة والإعلام، بل هو بالتعريف يتعدى ذلك إلى تعريب الذات والفكر والمشاعر والأحلام والآمال. إنه مسخ للانتماء والهوية عبر مسخ ـ ومسح كذلك ـ اللسان واللغة. إنه غسل حقيقي للدماغ وملؤه من جديد بمشاعر انتماء عروبي أقوى بكثير من مشاعر الانتماء العروبي التي يحملها العرب أنفسهم. وهذا الفرق في درجة مشاعر الانتماء العروبي بين المغاربية والعرب الحقيقيين يرجع إلى الفرق بين المشاعر الطبيعية والصادقة، والمشاعر المصطنعة والزائفة التي خلقتها وصنعتها وضخّمتها عملية التعريب وغسل الدماغ، كما هو شأن كل ما هو اصطناعي وبشري مقارنة مع ما هو طبيعي، الذي لم تغير خصائصَه الأصلية يدُ الإنسان. هذا المسخ الهوياتي الذي كنا نعتقد أنه مقصور على السياسيين (الحكام والأحزاب) والمثقفين (اتحاد كتاب العرب، فرع المغرب، يسمى خطأ "اتحاد كتاب المغرب")، اجتاح، في السنوات الأخيرة، الغناء المغربي ـ أي الغناء العربي بالمغرب ـ حيث أصبح أقصى ما تتمناه مغنية مغربية هو أن تغني بالمصري أو الخليجي وتنجح في حفظ وتقليد الأغاني العربية المشرقية، هذه الأغاني التي تُفرَد لها برامج تلفزيزنية خاصة (برنامج "فاصلة" مثلا) وتنظم لها سهرات خاصة كسهرة ليلة "نجوم العرب" بالدار البيضاء في أواخر يوليوز 2004. وإذا كانت الإنتاجات الثقافية الأدبية والإبداعات الغنائية أصبحت منتوجا عربيا خالصا بسبب المدرسة والإعلام والتلفزيون، فإننا كنا نعتقد أن الرياضة لا تزال في منأى عن هذا المسخ الهوياتي الذي أعدى ثقافتنا وفنونا الغنائية على الخصوص. لكن مناسبة تفوق البطل المغربي هشام الكرّوج في الألعاب الأولمبية 2004 الأخيرة بأثينا، كشفت لنا أن هذا المسخ الهوياتي لم يستثن الرياضة التي كنا نظن أنها لا تزال سالمة من عدوى التعريب الماسخ والماسح لكل ما هو مغربي أمازيغي أصيل. ولا يتعلق الأمر هنا بما أوردته الفضائيات والجرائد العربية التي كتبت أن «الكروج أول عربى يدخل التاريخ بذهبيتين أولمبيتين» (http://www.alarabonline.org بتاريخ 29/08/2004)، أو أن الكرّوج «أول عداء عربي ينال هذا الشرف» (جريدة "العلم" العربية التي تصدر بالمغرب، عدد 30 غشت 2004)، أو أن الكرّوج أصبح«أول رياضي عربي يتمكن من الفوز بميداليتين في دورة أولمبية واحدة» (الشرق الأوسط ليوم 30/08/04). فهذه الجرائد حرة في أن تعتبر الكرّوج عربيا وتفتخر بإنجازاته "العربية". لا يتعلق الأمر بما يكتبه العرب عن الكرّوج إذن، وإنما يتعلق الأمر بما صرّح به البطل الكرّوج نفسه عندما قال في استجواب له مع "الشرق الأوسط" ليوم 28 غشت قبيل مشاركته في سباق 5000 متر: «سأجري اليوم بقميص مغربي ولكن بدم وقلب عربيين». وإذا حللنا كلام الكرّوج سنستنتج أن انتماءه المغربي هو مجرد عرَض ومظهر خارجي يتمثل في القميص الذي يحمل اسم المغرب. أما انتماؤه الحقيقي فهو عربي، هذا الانتماء الذي يمثل الجوهر الذي يرمز إليه الدم والقلب. فهو في الظاهر (القميص / القناع) مغربي، لكنه في الباطن (الدم والقلب)، أي في الحقيقة، عربي. إنه منتهى الاستلاب الهوياتي الذي أوصلتنا إليه خمسون سنة من التعريب الماسخ والماسح لهويتنا وأصالتنا. إن بطلـ"نا" الكرّوج إذن ذو دم وقلب عربيين رغم أن اسمه لفظ أمازيغي أصيل. وهذا ما لا شك أن الكرّوج يجهله ولا يعلمه. فكلمة "الكرّوج" لفظ أمازيغي أدخلت عليه أداة التعريف العربية "ال" لتعطي له شكل كلمة عربية، كما حدث لكثير من الألفاظ الأمازيغية، مثل كلمة "الساروت" التي هي في أصلها الأمازيغي "تاساروت". أما اللفظ في أصله الأمازيغي فهو "أگارّوج"، كما هو متداول بالريف وآيث يزناسن (منطقة هشام الكرّوج)، وكما أورده الأستاذ محمد شفيق في معجمه العربي الأمازيغي في مادة "كنز". ومن عجيب الصدف أن كلمة "أگارّوج" تعني بالأمازيغية في دلالتها الأصلية "الكنز". وهذا من عجيب الصدف لأن هشام الكرّوج هو كنز حقا وصدقا. لهذا طابق الاسم المسمى ووافق اللفظ المعنى فيما يتعلق باسمه "الكرّوج". أما المعنى الفرعي فيعني الجرة أو جزء من جرة مكسرة. والعلاقة بين المعنى الأصلي "الكنز" والمعنى الفرعي "الجرة" هو أن هذه الأخيرة كانت تستعمل كـ“خابية“ تُحفظ وتُخفى بها الكنوز والنفائس. إن الكرّوج هو إذن كنز اسما ومعنى، لفظا ودلالة. لكنه كنز أراد أن يهبه للعرب عندما قال بأن هذا الكنز يتحرك «بدم وقلب عربيين». إن العرب تعوّدوا أن يأخذوا منا أحسن ما عندنا: لقد سطوا على ابن رشد، واستحوذوا على ابن خلدون، وملكوا الجابري (لكن عن رضا وطواعية). وهاهم اليوم يستولون على هشام الكرّوج بكل سهولة ويسر ويفخرون به في جرائدهم وقنواتهم التلفزية كأول عربي يحصل على ميداليتين ذهبيتين. إننا دائما نهب مجهوداتنا وإنجازاتنا خدمة وهدية للعرب والعروبة. وهذا ما وعد به الكرّوج الذين يجري بدمهم وقلبهم: «...معاهدا العرب أن يبذل اليوم قصارى جهده ليحقق آمالهم ويكمل فرحتهم» ("الشرق الأوسط"، 28 غشت 2004-08-2004). وهذه هي نتيجة التبعية والاستلاب وغسل الدماغ الذي خضعنا له منذ نصف قرن كما سبق أن أشرت. فكم كان الكرّوج ظالما لنفسه ولأمازيغيته التي سمته بـ"الكنز"، ولإفريقيا التي ينتمي إليها، وذلك عندما قال بأنه يسجري «بقميص مغربي ولكن بدم وقلب عربيين». فلو قال بأنه "سيجري بقميص مغربي ولكن بدم وقلب إفريقيين" لكان منصفا لنفسه ولانتمائه. أما لو قال بأنه "سيجري بقميص مغربي ولكن بدم وقلب أمازيغيين" لكان ناطقا بالحق والحقيقة. هنا تطرح بإلحاح مسألة الانتماء الهوياتي للمغرب، والتي ينبغي أن يوضّحها الدستور ويزيل الغموض الذي يحيط بها، وذلك بالتنصيص على أن المغرب بلد أمازيغي حتى لا يلتبس الأمر على فنانينا ومثقفينا وأبطالنا الرياضيين فيقولون بأن دمهم وقلبهم عربيان وفقط لباسهم مغربي. إن المواطن المغربي يدنّس في الحقيقة كرامته ويخون ذاته عندما ينسب هويته إلى العروبة والمشرق. ليس لأن الانتماء إلى العروبة فيه تدنيس للكرامة، بل لأن تغيير الهوية هو الذي يعتبر تدنيسا للكرامة. فلو كان المغاربة عربا لكان اعترافهم بذلك يزيدهم كرامة واعتزازا بذلك الانتماء. لكن أن يتنكروا لهويتهم الأمازيغية ويختلقوا هوية أخرى مزورة وغير موجودة إلا في أكاذيب المقررات المدرسية، فهذا ما يمس الكرامة ويدنسها. سيسترد المغاربة هويتهم كاملة في اليوم الذي سيعتبرون فيه أن أسوأ شتم يمكن أن يوجه إليهم هو أن ينسبوا إلى غير هويتهم الأمازيغية وانتمائهم الإفريقي.
|
|