|
مسألة اللغة في الإحصاء العام للسكان والسكنى 2004 بقلم: محمد بودهان تضمنت الاستمارة الخاصة بالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004 عمودا بعنوان "اللغات المحلية المستعملة"، والذي يضم: 1 ـ العربية الدارجة، 2 ـ تشلحيت، 3 ـ تمزيغت، 4 ـ تريفيت، 5 ـ الحسانية. ربما هذه أول مرة تدرج فيها أسئلة صريحة ومباشرة حول "اللغات المحلية" المستعملة بالمغرب. ولذلك فهذه مبادرة مشكورة لأنها تعني الاعتراف بهذه اللغات وترمي، بالتالي إلى جمع المعطيات حول استعمال هذه اللغات وتداولها. لكن التقسيم الذي وردت به هذه "اللغات المحلية" والألفاظ المستعملة لتسميتها تخفي وراءها أحكاما مسبقة وقناعات راسخة وقرارات سياسية رسمية حول السياسة اللغوية بالمغرب. ولهذا فهي تثير مجموعة من الملاحظات وتطرح عددا من الأسئلة والاستفهامات حول مدلول الصيغة المستعملة وأهدافها وخلفياتها. 1 ـ عبارة "اللغات المحلية المستعلمة" تحمل في ذاتها تناقضا واضحا وبينا: فبما أن هذه اللغات "محلية"، فهي إذن لهجات وليست لغات. أو بما أنها "لغات" فهي إذن ليست محلية، بل وطنية مثل العربية الدارجة والأمازيغية المستعملتين بكافة أرجاء الوطن. لماذا إذن لم تسمّ ورقة المعلومات الإحصائية هذه "اللغات" بهذا الاسم فقط دون إضافة نعت "محلية" الذي يتناقض مع وضعها الوطني كحالة الأمازيغية والعربية الدارجة، كما أشرت؟ أو لماذا لم تسمّها "لهجات" مادام اعتبرت استعمالها محليا فقط؟ إذا كان في العمود الخاص باللغات، كما يبدو لنا نحن المغفلين، لبس وتناقض، فإنه في الحقيقة يعبر عن تصور واضح، لا لبس فيه ولا تناقض، من المسألة اللغوية بالمغرب بالنسبة للمسؤولين أصحاب القرار السياسي. سنشرح ذلك فيما بعد. 2 ـ قُسّمت الأمازيغية إلى "تشلحيت"، "تمزيغت" و"تريفيت": أ ـ لماذا إذن لم يتم الاكتفاء بمصطلح "الأمازيغية" التي تنتمي إليها تلك الفروع الجهوية الثلاثة، واعتبار كل من يستعمل أحد تلك الفروع مستعملا للأمازيغية، مثل حالة العربية الدارجة التي تتوزع إلى لهجات "جبلية" و"فاسية" وشاوية" و"حوزية" و"صحراوية"... لكن الورقة استعملت "العربية الدارجة" ولم تذكر فروعها الجهوية؟ سنرى الجواب فيما بعد. ب ـ إن استعمال تسميات "تشلحيت" و"تمزيغت" و"تريفيت" سيؤدي إلى معطيات مغلوطة وبعيدة عن حقيقة وواقع مدى استعمال هذه اللهجة الأمازيغية أو تلك: فعندما يسأل مثلا مواطن من الريف عن اللغة التي يستعملها داخل أسرته، سيكون جوابه البديهي: "تمازيغت"، وليس "تريفيت". فلا أحد في الريف إطلاقا يسمي لغته الأمازيغية بـ"تريفيت"، الذي هو اسم يطلق في الريف على المرأة الريفية. وعليه، فإن مستعملي الأمازيغية بالريف سيجيبون بأنهم يستعملون "تمازيغت"، وهو ما سيحتسب فرعا من الأمازيغية المستعلمة بالأطلس المتوسط، أي "تمزيغت" التي وردت في الورقة والتي يقصد بها لهجة المغرب الأوسط. وهذا ما سيعطي نتائج مغلوطة وغير صحيحة، اللهم إذا كان المسؤولون أرادوا ذلك وخطّطوا له. هذا الخطأ سبق أن وقعت فيه وزارة التربية الوطنية عندما وزعت استمارة لاختيار معلمي الأمازيغية تتضمن ثلاث خانات: تشلحيت، تمازيغت، تريفيت. فأعدت خريطة المدارس التي تدرس بها الأمازيغية على هذا الأساس الخاطئ حيث لم يحظ الريف إلا بعدد قليل جدا من هذه المدارس ومن مدرسي الأمازيغية. ولما انتبه أعضاء من المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى أن توزيع تلك المدارس غير سليم ولا متوزازن وطرحوا ذلك على الوزارة المعنية، اعترف الجميع، بعد البحث والمراجعة، أن مصدر الخطأ هو الاستمارة التي تضمنت خانات "تشلحيت"، "تمزيغت" و"تريفيت" حيث ملأ غالبية المعلمين الريفيين الخانة الخاصة بـ"تمزيغت" وليس تلك الخاصة بـ"تريفيت" التي تعني عندهم المرأة وليس اللغة. وقد تم تدارك هذا الخطأ وتصحيحه من طرف وزارة التربية الوطنية. لقد كان على المسؤولين، الذين أعدوا هذا العمود الخاص باللغات، أن يستشيروا، تجنبا لمثل هذه الأخطاء، باحثين يتقنون أمازيغية المناطق الثلاث، بدل استعمال مصطلحات وضعها الاستعمار ولا تحمل نفس المعنى عند السكان. 3 ـ "العربية الفصحى" غير مدرجة ضمن العمود الخاص باللغات. قد يبدو غيابها اعترافا بأنها ليست لغة وطنية لأن لا أحد يستعملها داخل أسرته بالمغرب. أ ـ إن العكس هو الصحيح بالنسبة للذين أعدّوا الورقة الإحصائية: فغياب العربية الفصحى لا يعني أنها استبعدت لأنها ليست لغة وطنية، بل يعني، على العكس من ذلك، أنها "لغة وطنية" بالتقابل مع ما سمته الورقة "اللغات المحلية". وهنا نجد الجواب عن السؤال الذي طرحناه سابقا: لماذا نعتت هذه اللغات بالمحلية وليس بالوطنية؟ لأن صفة "الوطنية" خاصة بصاحبة الشرف والسمو اللغة العربية، والتي لا ينبغي أن تشاركها في هذه الصفة (أليست هي لغة أهل الجنة؟؟!!) اللغات المغربية الأخرى. ب ـ وهذا ما يعطينا كذلك الجواب عن السؤال الآخر الذي طرحناه أعلاه: لماذا قسمت الأمازيغية إلى ثلاث "لغات" اعتبرت "محلية" رغم أن استعمالها يغطي مجموع التراب الوطني؟ الجواب: لتبقى صفة الوطنية مقصورة على العربية وحدها كما سبق أن أشرنا. وحتى يكون الأمر مقبولا وطبيعيا ولا حيف فيه بالنسبة للأمازيغية، قسمت هذه إلى ثلاث لغات محلية لتنتفي عنها صفة الوطنية: فأية لغة ستعتبر وطنية، تشلحيت، أم تمازيغت أم تريفيت؟ ج ـ ما هو موقف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من هذا التقسيم للأمازيغية إلى ثلاث ”لغات محلية“؟ فهذا التقسيم يتنافى مع ما شرع فيه هذا المعهد من توحيد ومعيرة للأمازيغية كلغة وطنية واحدة موحدة ذات فروع جهوية ثلاثة. فهل سيرفع تنبيها تصحيحيا إلى الجهات المعنية، أم يكتفي بالأمازيغية الوطنية داخل بنايته الزجاجية ويتغاضى عن استمرار السلطة في التعامل معها خارج المعهد ”كلغات محلية“؟ د ـ تضمنت الورقة خمس لغات دون العربية الفصحى؟ لماذا؟ الغرض من هذا ”التعدد اللغوي“، الذي لم نكن نسمع به قبل أن تفرض الأمازيغية بعضا من مطالبها، هو منافسة الأمازيغية والتضييق عليها وخلق ضرات مفتعلة لها قد تطالب هي أيضا أن تتمتع بنفس الحقوق التي قد تمنح للأمازيغية، مثل التدريس والإعلام وحتى الترسيم الدستوري. فيكون من حق هذه "اللغات" أن تستفيد بكل ما قد تستفيد منه الأمازيغية ما دامت هي أيضا "لغات محلية" مثلها مثل الأمازيغية التي اعتبرت "محلية" لتتساوى مكانتها مع اللهجات العربية العامية. وهذا ما يثبط المطالبة بترسيم الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية لأن ذلك سيؤدي إلى أن تصبح للمغرب ست لغات رسمية: اللغات المحلية الخمس زائد العربية!! ولهذا لم تذكر العربية الفصحى ضمن لغات الورقة الإحصائية لأنها تعلو وتسمو على هذه اللغات لأنها وطنية في حين أن تلك اللغات محلية. 4 ـ إن هذه الاستمارة المتعلقة باللغات، رغم أنها تبدو كمجرد صيغة تقنية لجمع المعطيات حول سكان المغرب، إلا أنها تتضمن تصورا ـ التصور الرسمي للسلطة ـ واضحا لما يجب أن يكون عليه الوضع اللغوي بالمغرب، هذا التصور الذي يصب في إقصاء الأمازيغية من الترسيم الدستوري، ليس كلغة رسمية فحسب، بل ربما يتم الإعداد لإقصائها حتى من أن تكون لغة وطنية، مع تعزيز المكانة الدستورية للعربية، ليس كلغة رسمية كما هي في الدستور الحالي، بل كلغة وطنية أيضا. 5 ـ إذا ربطنا بين استعمال استمارة الإحصاء لعبارة "اللغات المحلية" وبين ما جاء في الخطاب الملكي لـ20 غشت 2004 حول «ترسيخ الوحدة الوطنية، لغة وثقافة، وتحديثهما، مع النهوض بكافة الروافد اللغوية الأخرى وثقافاتها» (انظر مقال "الأمازيغية بين التقدم البطيء والاعتراف الرسمي الناقص والمتردد" بهذا العدد)، سندرك أن عبارتي "اللغات المحلية" و"الروافد اللغوية الأخرى" تعبيران يعنيان نفس الشيء. ليس هناك إذن شيء يحدث صدفة. فكل شيء هو نتيجة تفكير وتقدير وإعداد وتخطيط. لكن حذار أن ينقلب السحر على الساحر!!
|
|