|
زيلو : حكاية الإرهاب قبل الإرهاب بقلم: عيناني ابراهيم (War ir n dads) سبق لي أن كتبت هذا الموضوع باللغة الانجليزية تحت عنوان (What Terror Their Tate Tells ). لكن الترجمة من لغة خامسة ( الانجليزية هنا) إلى لغة ثالثة (العربية) لن تلعب دور اللغة الأولى - لغة أمي (الأمازيغية) ـ خاصة إذا كان الموضوع يتعلق بالمثاقفة Acculturation. وصراع اللغات موضوع يستهدف بالدرجة الأولى ذلك القارئ الأمازيغي الذي تقاسمه كل شيء إلا اللغة التي تكتب بها. سأكتب إذن عن إرهاب لغوي وفكري عانت منه ثقافة أمي، مارسته لغة ليست لغة أم أحد، بل لغة جماعة مثالية قد تنتمي إلى عالم الخيال اللسني - لغة أصبح "حديثها" حكاية إرهاب تتغنى بها الأمهات الأمازيغيات لأطفالهن قبل النوم . لن أتوقع تقويما أو تقييما أكاديميا من طرف نقاد غير الأمازيغ، وذلك لانعدام دراسات وبحوث عربية تهتم باللسانيات أو الانتربلوجيا الأمازيغية. فعلى الرغم من هيمنتها منذ زمن بعيد (15 قرنا) فإن الثقافة الوافدة ما فتئت تمتطي صهوة لغة تعتبرها أقدس اللغات فعملت على تعريب كل شيء إلا لسان الأم التي احتفظت بالحكاية التالية: Lahdijt A Lahdijt - Lahdijt Iqsn Awurdu Talj Aflla Nudrar Artnagaz Taruibja Manzak Ababa N Tghanimt Is Taga Zillu "حكاية ياحكاية - تلك الحكاية التي لسعت البرغوت وتسلقت فوق الجبل لتبحث عن "تروبيا" ابنك يصاحب قطعة القصب إنها اصبحت "زيلو" تنتشر هذه الحكاية (حسب معرفتي) في الجنوب الشرقي للمغرب وترددها الأمهات لأولادهن كلما رغبوا في الاستماع إلى تلك الحكايات أو الأساطير الشعبية الأمازيغية، وذلك مخافة أن يصاب الأولاد بمرض القرع (تمجوط) - مرض جلدي يؤدي إلى سقوط الشعر وفقدانه - فعوض أن يستمع الطفل إلى أسطورة "تتبيرت توراغت" أو حكاية حمو و كذلك "مليلجا" "اوترير" كسرد علاج -Narrativetherapy ينام وهو يردد حكاية "زيلو" وتبدأ أحلام الإرهاب- لم يعد الطفل يستمع إلى أمه وهي تلاعبه وتتغنى بتلك العبارة المشهورة - "اعرينو" Aarinu " كتعبير عن الشكر والامتنان لإله الفرح والسرور - آري Aari (لاحظ التشابه الصوتي باله الشمس عند الفراعنة Ré بل أصبح الطفل مع تقدمه في السن يخاف أن يفقد شعره كلما أراد معرفة تاريخ أجداده . ومن كثرة التحذير والخوف تعلم من أمه كيف ينطق بكلمة "أحنو" Ahinnu/ يتوسل بها اله الحزن والأسى " آحي / Ahhi/ أن تخفف من معاناة أسطورة فقدان الشعر . تحليل الحكاية: تبدأ الحكاية (وقد تكون أسطورة أو خرافة) بكلمة عربية (ممزغة مرفولوجيا) - لحديث Lhdijt لتدل على الحكاية في الثقافة الأمازيغية وهي عملية أو ظاهرة أنتربلوجية يخلقها الاحتكاك بين الثقافات أو المثاقفة Acculturation حيث يتم فيها استبدال أو استئصال كلمة من ثقافة وافدة أو مهيمنة لتؤدي معنى آخر في الثقافة الأصلية تسمى أيضا بالتأصيل Origination وهي بالخصوص سلوك نفساني يتم فيه إعطاء علاقة جديدة لفكرتين مختلفتين من قبل وتمكن صاحبها بالخروج بفكرة جديدة يوظفها داخل ثقافته (عادة ما تكون الدوافع سيكلوجية محضة). في هذه الحكاية تم استبدال أو تعويض الكلمة الأمازيغية التي تعني الحكاية أو القصة بالأمازيغية بالكلمة العربية "الحديث" لتدل على كل ما يثير الانتباه أو الاستماع. وهذا لا يعني أن الثقافة تفتقر إلى قاموس الحكايات وإنما هناك دوافع نفسية - بيولوجية محضة: ما من أم تريد أن يصاب طفلها بالقرع. ومن جهة أخرى فقد يتضح أن عملية المثاقفة في استيرادها لكلمات جديدة لا يعني بالضرورة الزيادة في الوعي أو الإدراك أو حتى تصحيح الاعوجاج، وإنما تهدف بالأساس إلى تأمين البقاء البيولوجي والنفساني لذلك المستهلك وهو يواجه الإرهاب الفكري الذي تمارسه الثقافة المهيمنة. سيتطور مسلسل الإرهاب من "حديث" يحرم الاستماع إلى تاريخ الأجداد إلى "حديث" تربوي جديد: "أيها الطفل الأمازيغي، سلام عليك اقرأ بلساني" Peace be upon you, recite in my tongue . حكايتنا تحمل ذلك السر الذي طالما تسترت عليه أجيال متتالية - إنها قصة حكاية لسعت البرغوتة وهربت غالى الجبال - وقد تعني العكس لأن البرغوت هو الذي يلسع و يثير الاشمئزاز ، "أوردان "جمع "أوردو" يحمل عدة معاني، إنه فصيلة جنس مغاير وتعني ”الفاتحون“ أو ”الغزاة“ لكثرة التنقل والوثب وقد تعني خليطا من الغبرة والسواد كما يزكي هذا المثل الأمازيغي: Urilli umnal Gwuran / No White in flees. / عملية الاحتكاك الوجيز أو المفاجئ نموذج أصلي Archetype يتكرر في جميع الحكايات الشعبية الأمازيغية وتعلن القطيعة المادية بين الثقافة الوافدة والثقافة الأصلية. فعملية اللسع - اقوس ـ يتبعها الهروب وتسلق الجبال وكلها مقاطع فكرية موجودة في اللاوعي الجماعي Collective unconsciousness / تعبر عن تجارب الانتقال من عالم هادئ - عالم القصبة إلى عالم الفوضى السائدة في فترة معينة من تاريخ تمزغا. بعد الهروب وتسلق الجبال يبدأ البحث عن «تروبيا» وهي عبارة عن عروق نبات توجد عادة في المناطق السهلية أو على جنبات الأودية وتستعمل عادة كدواء لإمراض الكبد والصدمات النفسية. هذا تناقض آخر يزكي سرعة الانقلاب والهجوم . ولشدة الصدمة أصبح الإنسان الأمازيغي يبحث عن «تروبيا» في مكان لا يوجد فيه هذا النوع من النبات - نحن أمام تجربة باطنية وعميقة لأم فقدت زوجها في ظروف غامضة ومتناقضة فوجدت نفسها وسط الجبال والكهوف تنادي زوجها: "أينك ياصاحب القصبة" Manzak Abab n tghanimt إنه نفس السؤال الذي طرحه الطفل لأمه قبل سرد الحكاية وقبل بداية الإرهاب. إنه سؤال حول الهوية الأمازيغية وثقافته. فقطعة القصب هنا ترمز إلى الناي أو المزمار لما لهما من علاقة بالرفاهية والاطمئنان. وقد ترمز إلى القصبة نفسها - "تغرمت" - لما لها من علاقة بالحضارة الأمازيغية. لماذا لم تسمه صاحب السيف والرماح؟ الجواب عن هذا السؤال يأتي من الشق الأخير من الحكاية: "لقد اصبحت زيلو " / Tgazillu/ / . تعددت معاني هذه الكلمة حسب الروايات الشفاهية لكنه على العموم يتعلق بالتجميل عند النساء. "فزيلو" Zillu حجرة صغيرة متميزة عن باقي الأحجار الأخرى بلونها وشكلها وتوجد عادة وسط مياه النهر وبسبب جمالها تستعملها النساء في التزيين إما على شكل عنقود حول العنق أو على شكل غبرة لتزيين الوجه. وهنا نطرح السؤال لمن يعود ضمير التأنيث حتى تصبح "زيلو"؟ قد تكون الحكاية أو لحديث (Lhdijt) نفسه، وبالتالي فإن التاريخ أو الإرث الثقافي الذي يريد أن يعرفه الطفل أصبح في حالة "زيلو" أي أنه تحت رحمة المياه Kan Ghifs Waman / / - هيمنت عليه الثقافة الجديدة، قد يعود الضمير إلى "تروبيا" كعروق نبات كانت في مأمن تحت التراب ولأسباب غامضة أصبحت مهددة بالانقراض. إن هذه الكلمة توفر الجو الغير السليم لكي ينام به الطفل لأن الأمهات لا يشرحن هذه الكلمة لأولادهن. وهذا ما يجسد تغيير البنية اللسنية بإدخال مفاهيم جديدة إلى الثقافة الأمازيغية - أخيرا يمكن القول إن هذه الكلمة - "زيلو " تعكس صورة امرأة وضعت أو تزينت بهذه المادة وهي تنتظر رجوع زوجها. تمثل هذه الحكاية نموذجا منطقيا للذاكرة الشعبية لكونها تشبه قطعة موسيقية يعرفها الصغار والكبار فتوارثتها الأجيال حتى أصبحت المرجع الوحيد لتاريخ المناطق التي تنشر فيها (لا أستبعد أن تنشر هذه الحكاية في المناطق الجبلية لتمزغا) فبنيتها الشكلانية والمرفوجية تتماشى مع وظيفتها الاجتماعية والنفسية: علاقات منطقية بين إيحاءات رمزية في إيقاع درامي وحنين إلى الذات المقبورة . Lahdijt a Lahdijt Lhdijt iqsm awurdu Talj a fella n udrar Ar tnqe tarubia Manzak ababn tghanimt Is tga zillu : تذكرني هذه الحكاية بمسرحة الكاتب الانجليزي W.Becket "في انتظار كودو" Waiting for Godot" نهايتها بدايتها وبدايتها نهايتها. يبدو أن شيئا لم يقع لكنه في الوقت نفسه وقع الكثير، فالطفل الأمازيغي، كشخصيات Becket محكوم عليه بالانتظار وبدون جدوى ينتقل من "الحديث" Lhdijt " إلى "Zillu "دون أن يفهم العلاقة بينهما، إنه الانتظار بين الحياة والموت، بين الجنة والعذاب (Limbolife)، بين تلك المفاهيم ينتظر الطفل الأمازيغي نهاية تلك "الجمعة الطويلة"، وقد يطول الانتظار أكثر من القرون التي مرت ولن تصبح كلمة zillu أكثر من ثقافة أمه ولسان أمه . هكذا تكلمت الامازيشت (الأم الأمازيغية) حيث لخصت لنا تاريخ تمزغا في جملة واحدة: فكلما تقدم الزحف العربي وكلما هرب الأمازيغ إلى الجبال والكهوف. إنها القطيعة التي تفسر صمود وبقاء الأمازيغية لهذه المدة الطويلة، وبالتالي تم الاحتفاظ على أمثال هذه الحكاية كالمرجع الوحيد لتاريخ هذه المنطقة (لمدة قرون عديدة لم تكتب ولو قصة واحدة عن التقاء الحضارتين، أو فقط قصة عن "رقصة مع الغزلان" ولن نقول الذئاب أو الأسد مقارنة مع الفيلم الامريكي المشهور : رقصة مع الذئاب "Dance with wolves " لأم الأمازيغ عاشروا هذه الحيوانات فأصبحت أليفة. فعندما قدم حامل الرايات البيضاء فإنهم وبدون وعي حملوا معهم علما يقضي على التسامح والتعايش، علما يدل على الخوف والإرهاب الفكري، فاتخذت الإبادة العرقية شكل الهروب إلى الجبال والعيش مع الوحوش فانطلق التاريخ الرسمي: قصة عادية لحضارة معروفة لها تاريخ عريق تلتقي بأناس متوحشين في حاجة ماسة إلى من يردهم إلى الصراط المستقيم. لم يكن الإرهاب آنذاك يعتمد على التفجيرات أو العمليات الانتحارية، بل كان إرهابا بتحكم عن بعد، لم يكن إرهابا في شكل رحلة إلى الجنة " A trip to heaven " فقط لأن منفذي العمليات وجدوا أنفسهم وسط الجنة يتمتعون بثروات وخيرات تمزغا كأهداف مادية محضة، وليس نشر المعرفة والعلوم (لحسن حظ الثقافة الأمازيغية). ومن ثم بدأ السلام الذي أنهى السلام (Peace thar ends all peace ). تعكس البنية اللغوية لهذه الحكاية الشكل الطبوغرافي أو المعماري لمنطقة الجنوب الشرقي للمغرب: مجموعة من قبائل أمازيغية تتحلق حول زاوية أو ضريح تختلف عن باقي القصبات في شكلها المعماري أو الهندسي تماما كما تختلف كلمة " Lhdijt " عن باقي الكلمات الأخرى في هذه الحكاية وهي أيضا تشبه أو تؤدي دور الزاوية في إعلانها القطيعة بين الطفل و تاريخ أجداده، حيث تم تغيير مفهوم التواصل بالطريقة التي عملت بها الزاوية وهي تلعب دور الوساطة بين القبائل الأمازيغية نفسها. فلم يعد هناك تواصل مباشر بينهم، مما أدى بالتالي إلى تدهور الأعراف والقوانين الموروثة التي كانت تنظم الحياة اليومية لهاته القبائل. ستتطور هذه الظاهرة اللسنية - غياب التواصل المباشر بين الأمازيغ - إلى ظهور ظاهرة سيميائية تسمى "الرشوة"، وهي سلوك حركي فعال وسريع عوض تواصل لسني، لأن القوانين أو الأعراف الجديدة تطبق بلسان غير لسان الأمازيغ (وتماشيا مع هذه الأطروحة يجب ترجمة القانون وفصوله إلى الأمازيغية من أجل محاربة الرشوة عوض إثارة الضجة حول ترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية فقط لأن الأمازيغ مسلمون قدم الإسلام ). سنعود مرة أخرى إلى الحكاية لتبين لنا درجة الاحتكاك والتفاعل بين الحضارة الأمازيغية والعربية، فعدد الكلمات العربية في الحكاية واحدة (Lhdijt) وهي موزعة على أربعة عشر كلمة أمازيغية. وهذا يوحي إلى قصر مدة المثاقفة أو الاحتكاك. وهذا أيضا ما يفسر تأجيل التعريب إلى أواخر هذا القرن (خاصة بعد أن عبد الاستعمار الطرق إلى الجبال). وقد نفهم من ذلك أنهم كانوا ولمدة قرون يخربون وليس يعربون. نستنتج من هذه الأمثلة اللسنية أن أغلبية عرقية أصبحت في يوم من الأيام أقلية لسنية وفرضت عليها لغة ليست لغة أم أحد، بل لغة تحلم في الرجوع إلى الماضي البعيد لجماعة مثالية تتكلم عربية فصحى كلغة أمها. حلم يتحقق فقط على مستوى النسب الشريف أو عن طريق أفلام سنيمائية حديثة تصور أشخاصا يحملون أسماء وأزياء أمازيغية لكنهم يتكلمون لغة خيالية لم يسبق للمنتج نفسه أن تكلمها مع أولاده أو حتى في حياته. إنه علم الخيال اللسني في اتجاه معكوس حيث يستمر الحلم ليشمل استعمال هذه اللغة في محاربة الأمية في الجبال والقرى (تخيل نساء أمازيغيات يتكلمن لغة لم يسبق أن تكلمتها نساء المشرق العربي). وقد يتخطى الحلم الحدود الجغرافية حينما يحاولون تدريس اللغة العربية لأبناء الجالية في الخارج ونسوا أن روح الوطنية أو المواطنة لا تعلمها اللغة بل تكتسب عن طريق الضمان الاجتماعي وتوفير العيش الرغيد. إن روح الوطنية أو المواطنة لا تتخطي الحدود الجغرافية ولن نتكلم عن وطنية واحدة وإثنيات مختلفة إلا إذا وقع الاحتكاك المباشر بين الثقافات المختلفة. ومن أجل الاستئناس والمقارنة سأورد هنا نموذجا لروح وطنية اكتسبها أمازيغيو جزر الكناري - "جرز اكنراي" نتيجة انصهارهم وانسجامهم مع الثقافة المهيمنة الإسبانية. هؤلاء الأمازيغيون لا يتكلمون الأمازيغية لكنهم اكتسبوا روحا وطنية عن طريق لغة مكنتهم من تقنين ثورات جزرهم وعلمتهم كيف ينعمون بخيرات جزر هرو Herro عكس الأمازيغ في المغرب ظلوا يتغنون باله الخصب Herro ( اهرو بورو Ahrirru nwrru) في أعراسهم يتوسلون ويدعون اله الخصب لاسترجاع ثرواتهم المفقودة وروحهم الوطنية المتجهة نحو المشرق العربي (فأصبح هرو Herro فلكلورا وتجارة مربحة لغير الأمازيغ في تمزغا). كيف كان يعاني الطفل الأمازيغي؟ لا أحد يعلم إلا الطفل نفسه، فهو محكوم عليه ومند ولادته بفك الألغاز الموجودة في حكاية أهله، محكوم عليه أن ينتظر دون أن يعرف الأسباب. فهو يشبه حالة زيلو Zillu تحت رحمة الأمطار والفيضانات دائما في تغيير وحركة، لكن لا شيء يحدث مادام وسط المياه Plus ça change plus c’est rien فقد يريد أن يتقدم أو يمشي إلى الأمام لكن التيارات الثقافية السائدة ترده إلى الوراء ليتعلم لغة ليست لغة أم أحد، ويدافع عن قضايا خارج حدوده أو يحمل وطنية ليست وطنيته. إنه تقدم إلى الوراء مثل قصة ذلك الشيخ الذي اعتاد أن يجر زوجاته الثلاث ويتقدمهن قبل اندلاع الحرب ثم أصبح يمشي وراءهن بعد انتهاء الحرب فاستغرب الناس لتقدم عقليته لكنهم لا يعلمون أن الطريق مملوءة بالألغام لهذا فضّل السير في الخلف.
|
|