|
الأطلس المتوسط بين الاستلاب والانسلاخ الهوياتي بقلم: الحسين أماسين (مميس ن الأطلس) إن سكان مدن الأطلس المتوسط كيفما كان حجمها كخنيفرة، أزرو، نيموزار، الحاجب، صفرو ميدلت، أيت إسحاق، تيغسالين، بوميا أكلموس وهلم جرا، قد انتهى بهم الأمر في السنوات الأخيرة، منذ تولي عمي إدريس منصب أم الوزارات، إلى التصديق بالصورة الفظيعة التي ألصقت بهم من طرف اللوبي الإعلامي العنصري والمهيمن على الوسائل السمعية البصرية بمؤسسة البريهي وخارجها. مما جعل "بربر“(1) الأطلس المستلبين والمنسلخين هوياتيا يصابون بثلاثة أمراض يصعب علاجها هي السكيزوفرينيا والميتومانيا والاستلاب أو الانفصام في الشخصية، وبدأوا يمارسون نوعا من الرقابة الذاتية على أصلهم، لغتهم، ثقافتهم وحضارتهم مستسلمين للانسلاخ الهوياتي وممارسة "الدعارة الهوياتية" إلى جانب "النخاسة اللغوية" ويعملون على محو ماضيهم وطمس القيم الإنسانية والشهامة والأنفة الموروثة عن أسلافهم الذين تركوا بصماتهم على مر العصور في تاريخ المغرب خاصة، وتاريخ البحر الأبيض المتوسط عامة، والذين عرفوا بالإقدام والبسالة وحب وطنهم(2)، هذه الخصال والقيم التي يتحلى بها نشطاء الحركة الأمازيغية وسكان القرى والمداشر والشعراء وبعض الفنانين. الأفظع من هذا، منهم من تصل به الوقاحة إلى التستر تحت نسب من الأنساب مانحا لنفسه شرفا ولو داخل سلالة بني هلال وبني سليم الذين أتوا كالجراد يأتون على الأخضر واليابس كما أجمع المؤرخون على ذلك. منهم كذلك فئة عريضة بدأت تغير أسماءها مما هو معلوم إلى ما هو مجهول. قصد التأكد أيها القارئ، فلتزر كل المناطق التي ذكرتها بأطلس المنهارين حين أصبحت الأمازيغية في خبر كان وكأنك أمام هجرة ثانية من الجراد لإبادة الأمازيغية وإتلاف غابات الأرز لأن ثمة مدنا أو تجمعات سكنية بلغ فيها الاستعراب و"التشمكير" ذروتهما حاملين معهما الإقصاء والتهميش المقصودين والمجحفين. لقد تغيرت ملامح الأطلس و تبهدل منظره وأصبح مرتعا لمن هب ودب إلى حد اختلاط الحابل بالنابل وسيطرة الدخيل على الأصيل وذلك هو شعار الاستسلام والانهيار. جاءت الفترة التي يخجل فيها أبناء الأطلس الحضريون الذين يعيشون داخل مقابر الأمازيغية من الإفصاح عن هويتهم والاعتزاز بأصلهم، والحفاظ على لغتهم وفنهم، ويفضلون تقديم أنفسهم كمستعربين غرباء عن المنطقة رغم عدم إتقانهم لأية لغة. لقد استقيت ذلك من شهادات حية واستجوابات وإحصاءات ميدانية، وذلك خلال زياراتي لهذه المدن على هامش أنشطة ملتقى عين اللوح، إفران، أجدير، حيث استجوبت حوالي 40 شابا ويافعا فتبين لي أنهم ينحدرون من قرى خنيفرة ولكنهم يتنكرون للأمازيغية ويتحدثون بأسلوب "التشمكير" ولا يعرفون عن بلدتهم أدنى شيء. واستمرت النقاشات لزيارات مطولة استطعت أن أخرج البعض من قوقعتهم، ولكن اليد الواحدة لا تصفق. مثال آخر يخص الفنانين إذ حوالي 70% يعيشون ظاهرة الاستلاب واهمين أنفسهم أنهم يبحثون عن جمهور عريض، لكنهم لم يتساءلوا عن الفرق الحاصل بين أثمنة أشرطة الأطلس من جهة وأشرطة الجنوب والشمال من جهة أخرى، إذ لا زالت أشرطة الأطلس تباع بأبخس ثمن نظرا للتقهقر الفني على صعيد اللغة واللحن والنبرات... إنشادن ن كروان يتحدثون بفصاحة بالأمازيغية ولا أحد يجرؤ على تقليدهم أو منازلتهم شعريا، لكن أثناء الحديث بالدارجة تحدث الكارثة ويصبحون محل استهزاء نظرا لتلعثمهم ودغدغة الكلام. وآخر مثال دون الحصر، من خلال المحاضرات نلاحظ الارتباك اللغوي لدى مستلبي الأطلس وعزوفهم عن حضور الملتقيات الثقافية هروبا من الحقيقة المرة والسؤال الهوياتي المحرج. لقد ظلت المدينة في المغرب تمثل مقبرة للأمازيغية. وكيفما كان حجم هذه المدينة التي تفتقد إلى مدينتها، وأينما كان موقعها بدرجات متفاوتة نتيجة التذويب الهوياتي والانسلاخ اللذين بلغا ذروتهما بمدن الأطلس أكثر مما هو الحال بمدن الجنوب وأكثر كذلك مما عليه في مدن الريف الصامد، في حين نجد مدينة تيزي وزو مدينة الأمازيغية بامتياز على كل الأصعدة إذ يتحدث بها كل أهاليها من صغار وكبار، شيوخ وشباب، نساء ورجال إلا الوافد الذي سيغادرها. وفي المقابل لا يمكن لك التحدث إلى سكان مدينة خنيفرة، آزرو، إفران بالأمازيغية إلا من رحم ربك. يبقى السؤال المطروح لماذا الاستلاب أو الانسلاخ أو الانتحار الهوياتي؟ سأترك الإجابة عنه للمستلبين فقط لأن أهل مكة أدرى بشعابها. ولكن هذا لا يمنع أن أشير إلى ما استنتجته رغم أنني لست باحثا أو مختصا سوسيولوجيا وألخصه في كون هذا الانسلاخ جاء كمحاولة يائسة وفاشلة للتخلص من أوهام عقد نفسية ـ اجتماعية لا محل لها أصلا في الواقع والتي ما لبثت وسائل الإعلام العنصري، سواء المكتوب منه والسمعي ـ بصري تعمل على ترسيخها في أذهان المغتربين والمستلبين حتى النخاع. ولهذا ينتحلون "هويات" تجلب لهم الاحترام في نظرهم، ولو كانت الهوية الجديدة المنتحلة منبوذة عالميا إلا أن ذلك غالبا ما يجعلهم عرضة لأفظع ازدراء واحتقار عندما تنكشف اللعبة، خاصة بالمقارنة مع أمازيغ القبايل Imazighen de qualité ، الريف وأرگان الذين تنامى لديهم وعي ذاتي يتطور يوما بعد يوم ويتباهون ويعتزون بلغتهم وثقافتهم في كل الميادين إلى حد تقديم أرواح وشهداء في سبيل "أكال وأوال"، خاصة في تيزي وزو معقل النضال والصمود. فمناطق القبايل بما فيها الكبرى والصغرى بأهم مدنها تيزي وزو، بجاية، بومرداس، تيكزيرت، كلها مناطق مناضلة عبر القرون وهي دائما بؤرة الثورات ومعقل الثوار ومنها تنحدر الشخصيات الأمازيغية من العيار الثقيل كمسينسا، يوركتن، القديس أغسطين، دونات، تاكفريناس إلى عهد لوناس معتوب، مسينيسا كرماح.... لعل خير مثال في المغرب هو المجال الفني إذ لا يمكن مقارنة الأطلس المخرب مع أمازيغ الجنوب الذين فاقت إنتاجاتهم في المجال السمعي البصري فقط 60 شريطا في حين لا يزال الأطلس عاجزا عن تسجيل إصابة الشرف بفيلم واحد، بل مما يثير التقزز والامتعاض هو أن السيد رويشة سأله ”بربري“ آخر هو رشيد نيني عن إمكانية دخوله العمل السينمائي فأجابه بلغة مستوردة بشكل سلبي، وانتظرنا إلى مجيء نرجسية النجار لتخدش في كرامة سكان الأطلس ولم يحركوا ساكنا، حتى المعنيون بالأمر في أغبالو نايت سخمان وتزي ن يلسي. غير بعيد من هذه المنطقة حل أحد أبناء الأطلس المستلب ضيفا على اتحاد كتاب بدون اتحاد وبدون كتابة ووجه صفعة وضربة قاضية للأمازيغية حيث قال نكتته الوحدوية، ولم لا يجرؤ على ذلك كما يقول المثل الأمازيغي "yaghul muha nex g lmexzen" يعني لقد أصبح موحانا في المخزن وبالتالي أصبح حسن أورْياد "Uryad" وأتمنى أن أكون مخطئا أو يخيب ظني لأنه مستبعد أن يكره الابن أمه، اللهم إن اقتربت الساعة التي لا يعلمها إلا الله ولكن من علاماتها: "عندما تلد الأمة ربتها". أي وحدة يتحدث عنها السيد حسن الذي كنت أكن له أكبر احترام وأتمنى ألا ينقلب إلى اصتدام، ربما هي الوحدة التي طالما حلم بها الناصريون والقذافيون والخشميون والبعثيون إلى حين إثبات همجيتهم وديكتاتورياتهم وإلى حين انهيار الإمبراطورية الوهمية التي بنيت وفق المثل الأمازيغي "" da- tbennum s lgwra" إنكم تبنون بالضفادع إذ تبحث عن الثاني فتجد الأول قد اختفى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لعل الشريحة الأكثر مساسا بهذا الوباء أو المرض الذي يسببه فيروس "Anti- Tamagit" هم الفنانون الذين ينقسمون إلى قسمين: القسم الأول لا زال يحمل مشعل الفن في خدمة اللغة والثقافة الأمازيغتين، والقسم الثاني يتحمل مسؤولية في تفشي ظاهرتي "الرق الهوياتي" والنخاسة اللغوية" والرداءة الفنية نظرا للأهمية التي يحتله الفن في سوق الممتلكات الثقافية، ونظرا للسرعة التي يمرر بها الفن حمولاته إلى داخل البيوت وأوساط المجتمع. إن ما حققه الفنانون بالقبايل كالمرحوم لوناس معتوب، بيدير، دجور جورا، لوناس أيت مانكلات، ماسا، طاوس عمروش...لم تحققه المحاضرات داخل القاعات حسب رأيي. ملحق 1- أعني بهذا المصطلح كل ما هو خارج عن الأمازيغية لغة، ثقافة، وحضارة وأقصد به هنا أولائك المستلبين والمنسلخين الذين يرضون بهذا الوصف غير واعين هوياتا وأغلبهم لا يتحدثون الأمازيغية أو يتنكرون لها ولا يلقنونها لأبنائهم مرتكبين خيانة هوياتية. أما سكان الأرياف والجبال ونشطاء الحركة الأمازيغية فهم أمازيغيون أحرار و“البربر“ معروفون بخدمة الدخلاء والغزاة ويعتبرونهم أسيادا وأشرافا ولو كانوا أقواما دخلاء كالوندال والبزنطيين وغيرهم ممن لا علاقة لهم بتامزغا جملة وتفصيلا ولأن هوية الأرض قبل هوية الفرد و هذا موضوع آخر. 2- سكان شمال إفريقيا ينقسمون إلى قسمين: قسم واع هوياتيا يثور ضد المحتل والغازي والنازي ويناضل من أجل أرضه وثقافته وحضارته وقسم ثاني يضم المستلبين العملاء للدخلاء والذين يتبوأون مناصب تحت أسماء مستعارة مقابل النخاسة اللغوية والهوياتية بداية من سلالة سيفروس الذين حكموا روما إلى يومنا هذا. - جاء في تاريخ بن خلدون الجزء السادس عن عرب بني هلال وبني سليم: "....وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف العراق والشام، فيغيرون على الضواحي ويفسدون السابلة..."، "... وتقارعوا على البلاد فحصل لسليم الشرق ولهلال الغرب وخربوا المدينة الحمراء و أوجدانية وأسمرا وسرت..."، ”وسارت قبائل ذياب وعوف وزغب وجميع بطون هلال إلى إفريقية كالجراد المنتشر، لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه... فعاثوا في البلاد وأظهروا الفساد في الأرض"، "وانتهت العرب من جمع م خلفه من المال والمتاع والذخيرة والفساطيط والرايات وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى. يقال إن القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف وثلاثة مائة". "واضطرب أمر إفريقية وخرب عمرانها وفسدت سابلتها". تاريخ ابن خلدون ج VI ص: 16-18-19. "Nceekcem t id, iga anebyi, issufegh-ax seg uxam"
|
|