|
شعر يـوم القيامة والشعـر الفلمي... حقيقة شعر يحتضر بقلم: صريح (الناظور) هل لديك مشكلة مع الشعر؟ لا تيأس ولا تستعمل شامبوان بالفيتامين... خذ كلمات من القاموس الأمازيغي، رقدها في ماء مقطر من مادة اسمها الجهل، واتركها تغلي على نار نظرات جدتك مدة أسبوع كامل، أضف لها قافية مدفونة في مقابر رمال صحراء أهل الشام منذ الجاهلية ما قبل الأولى. قليل من الاسمنت. قضيبان ضد الزلازل ولغو كثير. ضع كل الخليط في اللاشيء وتناوله قبل الصرخة الأولى لولادتك... ستولد، بلا محالة، بدون مركب نقص مع الشعر... أي ستصبح شاعرا بالفطرة، وأي شاعر؛ شاعر أمازيغي "أميس نرحرام"، على يديك سينطلق قطار الأدب الأمازيغي نحو المجد والخلود... ستكتب شعرا كثيرا وتنظم قصائد خالدة بقوافي خافضة ورافعة وأبيات صامدة لا يهزها ريح ولا يهدها تسطيح... ستتزاحم حولك الكلمات وتتسابق إلى قريحتك المفردات، وبرمشة عين وهزة شفة ستنطق بكلام موزون، سهل الوقع على طبلة الأذن، يدغدغ العاطفة في شجون، سهل الهضم ولا تنتفخ به البطون... هذا هو الشعر عندنا في الريف بفعل الوصفة العجيبة أعلاه. اسمحوا لي، أنا لا أنطق على الهوى... لكن أتكلم بقلب انكوى... ولكل امرئ ما نوى... ولكم أنتم أن تسألوا إلى أن تتبينوا. لقد جربت هده الطريقة ونجحت مع كثير من شعرائنا إلى الحد الذي أصبح فيه الشارع بالناظور يعج بأصحاب الكلمة المعسولة والقصيدة الموزونة وهو ما دفع بالمعهد الملكي الأمازيغي لعقد ملتقاه الشعري بهاته المدينة في يوليو من السنة الحالية. لا تقولوا ما هذا الهراء؟ تمهلوا... فمن لا شاهد له على صحة ما يقول كمن يشطح على بندير مثقوب.. فتعالوا معي إلى الغرفة التجارية بالناظور، مكان عقد الملتقى، وارجعوا معي إلى بداية شهر يوليو... ادخلوا.. أدخلوا لا تترددوا.. فالدعوة عامة.. ومن"دعا" عليه أحد فلا ينفعه فقيه ولا محكمة.. لكن، وكما لكل دواء مضاعفات، لوصفتنا كذلك آثارا جانبية، قد تكون بفعل سوء التحكم في المقادير، كما قد تكون نتيجة سوء الاستعمال، فيحدث ما لا يكون في الحسبان... كما حصل داخل الغرفة المشار إليها سابقا أثناء ذلك الملتقي، إذ أن كل شعرائنا الريفيين، باستثناء الشاعر سعيد الموساوي، الذين شاركوا بطبيعة الحال، جرعوا على نحو غير صحيح ذلك الخليط فتفننوا وعبروا بالكلمة الراقية عن حس شعري كالدفلة؛ منهم من قرض القصيدة كما "يقرض" الدرهم في الحانوت، ومنهم من رتل شعره بحنجرة يابسة، مقلدا إخوانا لنا في الأطلس، وتاه بين "ازران" الماضي وشعر الحاضر فاختلط عليه اللاهوت بالناسوت، ومنهم من اجتهد وتدرب على المسافات الطويلة ليكسب نفسا أطول فأنتج فيلما شعريا أو شعرا فلميا تمنيت لو رزقني الرب الصبر والسلوان حتى أتمكن من متابعته إلى نهايته دون أن تغفو عيني. أما أقصى الحالات الشاذة التي قد تترتب عن الاستعمال العشوائي للوصفة أعلاه فهي الحالة التي يتحول فيها شعرك إلى خطبة جمعة أو خطبة وداع، عفوا قصيدة عن يوم القيامة؟؟؟ فيبكي من يبكى من فرط تأثره ويندم من يندم على ذنوبه ويسلم من كان في الأمس ملحدا، ويحن قلب من كان البارحة جحودا. ورفعت أنا يداي في سري لخالق هدا الكون داعيا أن يهدينا إلى الطريق المستقيم ويقينا من شرور أنفسنا وكبرت وهللت في نفسي لشعرنا وشعرائنا الأعزاء وتمنيت لهم الصحة والسلامة وطول العمر. إلا أن دمعة سرقت مني انتباهي وتدحرجت على خدي وهي تلعنني جهرا على تفاهة زمني وضياع وقتي بين من لغا فقيل شعر وصدق ونفاق من تحسر وصفق. هذا هو حالنا... هذا هو شعرنا... مهشم ومشوه، وكلما أراد شعراؤنا، إن تسامحنا وسميناهم كذلك، أن يثبتوا وجودهم كلما وجدناهم يقتلون ذاتهم، يبنون كيانا معوقا لا هو من صلبهم ولا هو من غيرهم... يتفننون في اختيار القوافي وينسون المعنى وسحر الكلمة... هل لدينا شعراء؟ سؤال بقدر ما هو بسيط بقدر ما الجواب عليه أبسط... ودعوني أقولها بصراحة وجرأة غير زائدتين: إن شعراءنا خانوا الشعر عندنا ومن ثم خانوا ثقافتنا... فأي شعر يمكن أن يفرزه دماغ لا يقرأ؟ أو بصيغة أخرى هل شعراؤنا يقرأون؟ وإن قرأوا، أي شعر يقرأون؟ من أي التجارب الشعرية تأثروا؟ شعر أمريكا اللاتينية وشعر أروبا أم شعر أهل الشام والخيام؟؟ أم هم هائمون في استنساخ الشعر الشفهي القديم "ازران" ويعيدون نحته بصورة مشوهة؟؟ قال أحمد الزياني شعرا في كثير من قصائده وكتب سعيد الموساوي شعرا في ديوانه الوحيد... وقد استبشرنا خيرا، وقلنا ورددنا كما يفعل مهووسو كرة القدم، هذه هي البداية لتأسيس شعر حديث ومازال مازال... لكن في الوقت الذي لمسنا تطور الوعي بالثقافة والهوية الأمازيغيتين لمسنا بالمقابل اندحار الشعر وتراجعه إلى حيث لا يدري كائن. حان الوقت للنظر في المرآة ووقف هذه التفاهة... فلغتنا الأمازيغية لا تستحق مثل هذا ”الإبداع“... إنها أكبر من أن تختزل في أوزان دون أبدان وتقزم في قافية حافية دون روح... إن لم نستطع أن نجعل منها عروسا فلماذا نفتض بكارتها ونسرق عفتها... مأساة الإبداع عندنا لا تقتصر على ما قيل من قصائد في الملتقى بل يتعداه إلى ما صدر من دواوين وإلى ما ينشر على صفحات الجرائد وما يذاع في الراديو... لن نخدع أنفسنا بعدد الدواوين المطروحة في الأسواق، ولست بحاجة للقول إن العبرة ليست بالكم بل بالكيف... ولا ننفخ في ذواتنا أكثر من اللازم حتى لا ”تتفرقع“ أمامنا و“تتزلع“ مصاريننا... ولنقل الحقيقة وإن كانت علقما. إن ما يُلقى ويكتب على أنه شعر ليس بشعر ولا يشبه الشعر حتى... ولنكن صادقين ونعترف أن ما هو موجود هو استمرار "لازران" مودروس وميمونت نسروان لا غير وإن بثياب مختلفة... وحتى نضع الخطوة الصحيحة نحو الأحسن علينا أن نقرأ، أن نقرأ كثيرا ونستفيد من التجارب الشعرية العالمية... فالكتابة أو الإبداع الحقيقيان لن ولن يكونا بدون القراءة... فاقرأوا يا شعراءنا الأعزاء ما طاب لكم ثلاث ورباع وألف وما لا نهاية... والى أن يتفتق الشعر الحقيقي بيننا وينمو، يرجى من مسؤولي المعهد الملكي الأمازيغي أن يستبدلوا ملتقى الشعر بملتقى القراءة والتكوين في الشعر.
|
|