|
|
الدولة المغربية والأمازيغية: استئصال المنحى النضالي وتسييد الطابع الفلكلوري بقلم: حساين عبودد قد لا يكون من باب المبالغة اعتبار المغرب أكبر الدول بشمال إفريقيا من حيث تجذر البعد الأمازيغي، الكثافة الديموغرافية للساكنة المحتفظة بالأمازيغية كلغة المعيش اليومي، ولقوة حضورها في الحياة العامة من عادات وتقاليد وعمران... إلا أن الدولة المغربية، بدل توجيه رعايتها واهتمامها صوب هذه الخاصية وتجسيدها وتكثيف شروط ديمومتها تعتمد تهميشا ممنهجا لكل ما يبوح بأمازيغيته. وليس بخافٍ أن الأمازيغية تجابه نزيفا من التآكل والتلاشي، نزيف يعرف وتيرة التسريع من جراء احتقار الذات المغربية والاستخفاف بما هو كامن فيها، والانبهار بما هو لدى الغير ولو كان من سفاسف الأمور، وبخسا غير جدير بأية التفاتة. والجهات الرسمية تبارك هذا وتنخرط في إنتاجه. والأدهى من هذا أنها أسيرة موقف شاذ يجمع بين سلوكين حيال الأمازيغية، وهما محاصرة وتطويق وإبطال مفعول الدينامية ذات المنحى النضالي وإنهاكهما بمنع بالجملة يغطي الخريطة الوطنية. ومسعاها اجتثاث كل حس يرجى منه أن يكون بذرة وعي تليه مطالبة مستميتة. أما السلوك الثاني فيتمثل في تسييد الطابع الفولكلوري من خلال مهرجانات للبهرجة لا طعم لها إلا تسويق المسخ وطمس معالم أمازيغية المغرب وتدجين الذوق العام، وحمله على فقدان الذاكرة وقطع الصلة الوجدانية بتعابير فنية شعبية ذات مستوى رفيع من حيث الشكل والإيقاع والمضمون، دون أن توازيه المساءلة والاهتمام الواعي. أسوق هنا مثالين يعكسان بجلاء موقف الدولة المغربية: أولا: منع جمعية "تامازغا" بأغبالة. يعرف الأطلس المتوسط بوجه عام منذ الاستقلال قحولة ثقافية تجعله في غفوة وخارج الزمن. غير أن حماسة وهمة بعض الشباب دفعتهم إلى الإقدام على تأسيس جمعيات ذات إمكانيات محدودة للاهتمام بالثقافة، مواكبة للمد النضالي للحركة الثقافية الأمازيغية. أغلب هذه الجمعيات عرف ولادة قيصرية بعد مسلسل من المنع والتظلمات والاجتجاجات. في ذات السياق، مبادرة تأسيس جمعية تامازغا بأغبالة. لكن بعد عقد الجمع العام التأسيسي بترخيص وحضور السلطة المحلية، يفاجأ أعضاء مكتبها عند إيداع الملف لدى قائد المنطقة بأسلوب بائد قروسطي، يعتمد الوعيد والتهديد والاتهام بالعنصرية بين المغاربة. هؤلاء الذين تحملوا مبادرة التأسيس قيل لهم بأن أسماءهم موجودة لدى إدارة مراقبة التراب الوطني D.S..T، وأن بإمكانهم إنشاء لجنة للاهتمام بفلكلور المنطقة مقابل إغرائهم بالحصول على الدعم بسخاء، أما تأسيس جمعية أمازيغية فغير ممكن. ثانيا: مهرجان أحيديوس بعين اللوح: أحيدوس واحد من التعابير الفنية ذات المكانة الخاصة لدى الأمازيغ، له طقوسه، إلا أنه عاش عقودا من التحنيط والتمييع ورموزه منها التي قضت نحبها في صمت وسكون، ومنها أخرى تواجه حياة الضنك في وقت تصرف فيه ميزانية الدعم المكتنزة لتفاهات لا ترقى إلى مصاف الفن الذي يروق ذوقيا. للمرة الثانية يعقد مهرجان لأحيديوس بمنطقة عين اللوح بحضور مناطق الأطلس المتوسط دون أن تصاحبه ندوات علمية تجعله موضوعا للتقصي والتأصيل، مما سيكرس رغبة تسييد الطابع الفولكلوري والمزيد من الاستخفاف بتراثنا، وإقامة فواصل شاسعة من الاغتراب بيننا وفنوننا.
|
|