|
|
افتتاحية: قوة الحركة الأمازيغية في تعدديتها بقلم: محمد بودهان قَلِقَ بعض مناضلي الحركة الأمازيغية وتشاءموا إلى حد اليأس بسبب التطورات الأخيرة داخل لجنة "البيان الأمازيغي" بعد منع لقاء "بوزنيقة 2"، هذه التطورات التي اعتبروها عودة سيزيفية إلى نقطة الصفر. فهل الحركة الأمازيغية ضعيفة إلى درجة أن أي خلاف قد يظهر بين بعض عناصرها يعطي الشعور بأن كارثة ومصيبة كبيرة حلت بالحركة الأمازيغية؟ أعتقد ان أن ضعف الحركة الأمازيغية هو أن تكون ذات انسجام تام ومطلق لا تعرف صراعات ولا اختلافات. وهذه حالة تعبر عن السكون والجمود واللافعل، وعن الفكر الواحد والرأي الواحد كذلك. وهو شيء نرفضه، بل نحاربه، لأن الحركة الأمازيغية حركة بديناميتها وفعلها ونقاشاتها وتعدديتها واختلافاتها، حتى إذا كانت تتحول في بعض الأحيان إلى شبه خلافات وصراعات قد تسبب ضياعا للوقت وتعيق مؤقتا تقدم الحركة إلى الأمام. كيف لحركة تزداد كل يوم تناميا وتوسعا ـ فيتنامى ويتوسع معها إزعاجها لأطراف كثيرة ـ أن لا تعرف اختلافات في وجهات النظر حول أساليب العمل بين بعض مكوناتها؟ يكفي أن نعرف أن حزب "الاتحاد الاشتراكي" مثلا، وهو حزب حاكم وفي يده السلطة، يعرف تصدعات وصراعات رئيسية عاصفة لا مجال لمقارنتها بالخلافات البسيطة الثانوية والهامشية داخل الحركة الأمازيغية، ليبدو طبيعيا أن حركة كالحركة الأمازيغية ـ ليست لها سلطة كالاتحاد الاشتراكي، بل السلطة تحاصرها وتقف ضدها، وتزعج أكثر من طرف ـ تعرف اختلافات في وجهات النظر حول أساليب العمل بين بعض مكوناتها. المهم ـ وهو ما نعتز به ـ أن الخلافات لا تمس أبدا الأهداف والغايات التي هي موضوع إجماع كل فعاليات الحركة الأمازيغية. فالأمر عادي إذن أن يكون بيننا من يدعو إلى تأسيس حزب يدافع عن الأمازيغية، وآخرون يفضلون مواصلة النضال الجمعوي، وفئة أخرى تقترح خلق تيارات أمازيغية ضاغطة داخل الأحزاب العروبية… ويكون عاديا جدا كذلك أن نجد من ينتقد، انطلاقا من الموقع الذي يوجد فيه ويناضل منه، من يناضل من مواقع أخرى غير موقعه هو. إذن لا داعي للتهويل والتغويل بسبب خلافات قد تظهر هنا أو هناك داخل الحركة الأمازيغية. ومن جهة أخرى، يجب ان نعرف ونعترف أننا لسنا ملائكة أولا يوجد بيننا "شياطين" لأننا أمازيغيون وضحايا. فوجود عناصر أمازيغية قد تعرقل مسيرة الحركة الأمازيغية، عن طيش أو سوء تقدير أو خدمة لجهات معادية، أمر عادي كذلك، موجود في كل حركة وداخل كل تنظيم. كما يجب أن نعرف أن توظيف الأمازيغيين ضد الأمازيغيين ليس شيئا جديدا، بل هو شيء قديم قدم الأمازيغيين أنفسهم. إذن فلا مناص من النضال من أجل الأمازيغية في ظل هذه الإكراهات والظروف المثبطة. إن ما حصل بعد منع لقاء "بوزنيقة 2" من ظهور خلافات بين أطراف من داخل لجنة "البيان الأمازيغي" يؤكد أن هدف السلطة من المنع لم يكن هو المنع في ذاته، بل ما سيؤدي إليه من بلبلة وتشكيك وتبادل للتهم. هكذا تكون السلطة قد ضربت عصفورين بحجر واحد: منع لقاء الأمازيغيين ببوزنيقة، والتسبب في أزمة على مستوى لجنة "البيان الأمازيغي" لشل اتخاذ القرارات فيما يخص ما بعد المنع. وهذا تاكتيك معروف يستعمله المخزن مع كل التنظيمات التي لا يكنّ ـ المخزن ـ لها ودّا، تاكتيك يقوم على المزاوجة بين التدخل القمعي المباشر من الخارج، والعمل على زرع التفرقة وأسباب التصادم بين العناصر القيادية من الداخل. إذا كانت السلطة، بهذا التكتيك المزدوج، تنجح مؤقتا في عرقلة العمل الأمازيغي الموّحد، فإن نتائج ذلك غالبا ما تكون عكس ما كانت تنتظره وتخطط له هذه السلطة، ذلك انه كلما اعتقدت السلطة أنها أفشلت مشروع قيام تنظيم أمازيغي موحد، إلا وظهر مشروع تنظيم أمازيغي أكثر أهمية وتعبئة وتوحيدا للأمازيغيين. لنعط أمثلة: لقد اعتقدت السلطة أنها نجحت ـ بأساليبها المعروفة ـ في وضع حد للمجلس الوطني للتنسيق الذي كان يتجه إلى أن يصبح تنظيما أمازيغيا موحدا على الصعيد الوطني، لكنها فوجئت بـ"البيان الأمازيغي" ـ وهو شيء لم تضرب له حسابا ـ الذي استطاع أن يخلق إجماعا ووحدة وتعبئة وحماسا حول القضية الأمازيغية بشكل لا سابق له. وهذا ما جعل السلطة تلجأ، وبشكل قمعي مباشر، إلى منع لقاء "بوزنيقة 2"، فضلا عن تدخلاتها الاستعلاماتية التخريبية لزرع الشقاق وخلق شبه أزمة داخل لجنة "البيان الأمازيغي". لكن، ما كادت السلطة تستمرئ حلاوة منع "يوزنيقة 2" حتى انبثقت، بسبب المنع نفسه، لجان محلية لموقعي البيان تمثل مختلف مناطق المغرب، لجان مهمتها إيصال القضية الأمازيغية إلى السكان بالمداشر والقرى. وهذا الشكل الجديد من النضال والتنظيم هو ما كان ينقص الحركة الأمازيغية التي كانت إحدى نقاط ضعفها أنها لم تكن متغلغة في الشارع ولدى مختلف شرائح السكان بالقدر الذي يجب. وقد تحقق هذا الوصول والنزول بالقضية الأمازيغية إلى كل الجماهير والمساكن بفضل المنع!! وهي خطوة هامة على مستوى التنظيم والتعبئة. لنتذكر أن وراء نجاح انتفاضة الأمازيغيين بالجزائر لجن القرى والمداشر. هكذا إذن، كلما أغلقت السلطة دربا ضيقا أمام الحركة الأمازيغية إلا وفتحت هذه الأخيرة طريقا واسعا لها، وكلما سدت السلطة لها طريقا واسعا شقت الحركة طريقا سيارا أوسع لنفسها، ذلك ان الحركة الأمازيغية غنية بمبادراتها وأشكال تنظيمها التي تتحدى المنع والقمع. لقد أصبحت القضية الأمازيغة، منذ صدور "البيان الأمازيغي"، موضوع إجماع كل الأمازيغيين، بل أصبح لها متعاطفون كانوا بالأمس القريب يعلنون عداءهم للمطالب الأمازيغية. فكل ما تحتاجه اليوم الحركة الأمازيغية هي قيادة قوية وموحدة. وهذا ما يفسر أن خصوم الأمازيغية، الرسميين وغير الرسميين، لا يألون جهدا من أجل "زعزعة الاستقرار" على مستوى قيادة الحركة الأمازيغية، سواء على صعيد الجمعيات أو الفيديراليات أو الموقعين على "البيان الأمازيغي". لكن كل هذه العراقيل والحوادث الصغيرة Incidents وما يرافقها من منع ضد الأمازيغية، لن توقف الزحف الأمازيغي المتقدم إلى الأمام بانتظام واضطراد. |
|