|
|
حول الضجيج اليهودي الأمازيغي بقلم: مبارك بلقاسم
عادت ضجة جمعية الصداقة الأمازيغية اليهودية، أو الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية كما يحب معارضوها تسميتها، إلى الواجهة لتسيل الكثير من المداد والجدال. فالقائمون على الجمعية المذكورة وآخرون يخبروننا من حين لآخر بأن «الرافد» اليهودي هو «جزء» من الهوية الأمازيغية باعتبار قدم الهجرة العبرية اليهودية إلى تامازغا. ووصلت بعض الأصوات إلى درجة المطالبة بترسيم اللغة العبرية في الدستور. أما أصحاب الجانب الآخر وهم الإسلاميون والعروبيون ومنابرهم الصحفية فلم يقصروا طبعا في ما اعتدناه منهم من الشتائم والتخوينات والصهينة والإرهاب الفكري والابتزاز باستخدام دماء الفلسطينيين. ولكنني لاحظت أن هؤلاء الذين يتبنون مشروع الصداقة الأمازيغية اليهودية قد انزلقوا في اعتبار اليهودية جزءا من الهوية الأمازيغية أو معادلا وشريكا لها!! وهذا شيء خطير. لأنه يعني أنهم قبلوا باليهود (بهويتهم اليهودية العبرية) شركاء لنا في ملكية الوطن الأمازيغي بصفتهم يهودا لا بصفتهم أمازيغيين ذوي أصل يهودي أو ثقافة يهودية. وهو الشيء الذي لم يطالب به حتى اليهود الأمازيغ أنفسهم! ما أريد أن أقوله هو أن هؤلاء الأمازيغ يرفضون الهوية العربية بينما يقبلون بالهوية اليهودية، في حين أن هاتين الهويتين أجنبيتان عن بلادنا الأمازيغية. وهذا تناقض فظيع يجب على الأصوات الأمازيغية المسموعة الوقوف ضده والتنبيه له للدفاع عن الهوية الأمازيغية ومنع استفحال الأمر فيصبح المروك أرضا مشاعا للطامعين التوسعيين الأجانب أو ساحة جديدة للصراعات العربية اليهودية-الإسرائيلية التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.فوضى المصطلحات واختلاط الهوية والثقافة والعرق من بين أفظع المشاكل التي تطرحها هذه النازلة هي فوضى المصطلحات التي نعيش فيها والتي تتسبب في كم هائل من سوء الفهم ومن الضياع الهوياتي. فالهوية تصبح ثقافة عند البعض ودينا عند البعض الآخر ولغة عند آخرين. والعرق يصبح محددا للهوية فتجد المناقشات تزيغ عن مسارها وتدخل في أصول الشعوب والقبائل، ومن سبق من، ومن هم أجداد من، ومن هاجر إلى من. وتختلط الهوية الشخصية (كالأصل العائلي السلالي أو القناعات الشخصية) بالهوية الجماعية المجتمعية. فلا يجد العقل مكانا في هذه المعمعة لأن كل واحد متحصن في قلعته العرقية أو الدينية أو اللغوية المنيعة ظانا ومعتقدا أنه نقي العرق صفي الدين سامي اللغة بينما الآخرون هم الرعاع الأخلاط الهجينون الذين يجب استتباعهم وإلحاقهم بالعرق الأسمى أو بالدين الحق أو باللغة الفصحى. أما الهوية الأمازيغية اللاعرقية واللالغوية فهي (ياحسرة) ضائعة مهملة حتى من طرف المثقفين والمناضلين الأمازيغيين. ضرورة التمييز بين الثقافة اليهودية والهوية اليهودية إن التمييز بين الثقافة اليهودية والهوية اليهودية ضروري من أجل الخروج من هذا المأزق دون أن يلحق هويتنا الأمازيغية والقضية الأمازيغية عموما أي أذى أو تشويش. فاليهود العبريون القدامى الذين هاجروا إلى بلاد الأمازيغ لسبب أو لآخر قد اختاروا وطنا جديدا لأنفسهم هو الأرض الأمازيغية، عوضا عن وطنهم الأصلي إسرائيل. وبالتالي فإن هجرتهم واستقرارهم بتامازغا قد جعلهم مواطنين أمازيغيين أتوماتيكيا، رغم أصلهم العرقي الإسرائيلي العبري القديم، ورغم احتفاظهم بلغتهم العبرية ودينهم اليهودي. إن لغتهم العبرية ودينهم اليهودي يشكلان ثقافتهم اليهودية التي يحق لهم الاحتفاظ بها طبعا في أي زمان ومكان. وهذه الثقافة اليهودية لا تتعارض مع هويتهم الأمازيغية الجديدة التي يستمدونها من الوطن الأمازيغي الذي هو وطنهم الجديد. وهكذا يمكنهم أن يورثوا لغتهم ودينهم وتقاليدهم لأبنائهم بجانب تعلمهم اللغة الأمازيغية وتصرفهم كأمازيغ في بلادهم ومجتمعهم الأمازيغي. وبالفعل فهذا هو الذي حدث عبر التاريخ. فاليهود الأمازيغ تصرفوا دائما كمواطنين أمازيغ بهوية وولاء أمازيغي بجانب احتفاظهم بلغتهم العبرية لأغراض التعبد وبثقافتهم وتقاليدهم في حياتهم اليومية. وما ينطبق على اليهود المهاجرين إلى بلاد الأمازيغ ينطبق بحذافيره على اليهود الذين هاجروا إلى أوروبا وأميريكا. فقد اندمجوا هناك أيضا وتبنوا هوية البلد المضيف وتعلموا لغته واحتفظوا بلغتهم العبرية (لأغراض العبادة غالبا) واحتفظوا بدينهم وبعض تقاليدهم وثقافتهم. أما في الحياة العامة فهم مواطنون أمريكيون أو هولنديون أو فرنسيون لا فرق بينهم وبين إخوانهم المواطنين الآخرين، يتقنون اللغة المحلية ويساهمون في البناء والإعمار. ولم نسمع يوما عن هوية يهودية في أوروبا ولا عن ولاية يهودية في أميريكا. وغني عن البيان والشرح أن ضرورة التمييز بين الثقافة اليهودية والهوية اليهودية هي نفس ضرورة التمييز بين الثقافة العربية والهوية العربية. فالهوية العربية مكانها بلاد العرب في آسيا فقط ، أما الثقافة العربية فهي موجودة أيضا (بشكلها المغاربي) في بلاد الأمازيغ وهي لا تتعارض مع الهوية الأمازيغية.وبالتالي فالهوية الجماعية للمواطنين الأمازيغ ذوي الأصل العرقي العبري هي الهوية الأمازيغية لا غير. أما الثقافة اليهودية فيمكنها أن تتعايش مع ثقافات العالم الأمازيغي الأخرى كالثقافة الأمازيغية الأصلية والإسلام والثقافة العربية المغاربية والتأثيرات الثقافية الأفريقية والأوروبية وغيرها. أما الهوية العبرية اليهودية (بمعناها المجتمعي والحضاري والسياسي) فمكانها ليس هنا، بل مكانها في إسرائيل التي هي الأرض الأصلية لليهود العبريين. أما هنا فلا مكان لغير الهوية الأمازيغية. لا الهوية العربية ولا الهوية اليهودية ولا الهوية الفرنسية لها مكان في أرض الأمازيغ. ومن يريد فرض هويات أجنبية على البلاد الأمازيغية فهو إما مستعمر غاصب أو هو خائن أو هو جاهل. نعم للصداقة مع اليهود والعرب.. لا لقتل الهوية الأمازيغية نحن نعلم بأن معظم التقاليد اليهودية لا تختلف كثيرا عن التقاليد العربية حينما يتعلق الأمر بالنسب والعرق. وخلافا لتقاليد الشعب الأمازيغي، تعطي هاتان الثقافتان الآسيويتان أهمية غير عادية لقضية العرق والنسب وحماية النسل من «التلوث» بأعراق أخرى عن طريق الاختلاط، مما ينتج عنه ربط «صفاء» واستمرار هوية الشعب (العبري أو العربي) بالعرق والسلالة وشجرة العائلة. وحسب الثيولوجيا الإسلامية واليهودية، يرى الشعبان العربي واليهودي أنفسهما منحدرين من النبي إبراهيم، عبر ابنيه إسماعيل (أبو العرب) وإسحاق (أبو اليهود العبريين). وبالتالي فهذه الهوية العرقية تبلغ أهميتها أبعادا دينية وعقائدية لديهم. ولكن هذا لا يهمنا نحن الأمازيغ ولا يجب أن يصرفنا عن ثوابتنا وعن هويتنا الأمازيغية. فتلك القوانين العرقية العربية واليهودية سارية المفعول لدى الشعوب العربية واليهودية في بلدانهم الأصلية الآسيوية فقط. أما حينما يهاجرون إلى وطننا الأمازيغي فلا يحق لهم «ضم» هذا الوطن الأمازيغي إلى ممتلكاتهم أو ادعاء التعدد الهوياتي على أساس العرق أو «الروافد» أو «المكونات» وغيره من ذلك الكلام الفارغ. على المهاجر أن يقبل بهوية البلد المضيف وأن يندمج فيها. وعليه أن يتعلم لغة البلد المضيف ويحترم سيادته وتاريخه لا أن يضم هذا البلد المضيف إلى عالمه العرقي الدخيل أو أن «يخلق» تعددا هوياتا مصطنعا ثم يجعل نفسه أحد أركان هذا التعدد الكاذب والمزيف. إن التعدد الثقافي مقبول بل وله منافع معرفية أيضا. ولكن التعدد الهوياتي مرفوض لأنه شكل من أشكال الإحتلال والاستعمار.
|
|