|
|
هل منكم من يتذكر رباز ن ارريف؟ بقلم: أنديش شاهد إيدير
بعيدا عن التقاليد البائدة المستوردة من الشرق، بعيدا عن أفكار تناسلت بين ثنايا بقعة صحراوية قاحلة من هذا الكون لتفرز فيما بعد تزمتا يبطل العقل من مردوديته وإنتاجه الأدبي الفني، بعيدا عن نظرات مفعمة بالغريزة الجنسية وبالمتعة اللحظية تجاه كائن رقيق يسمى بالمرأة، بعيدا عن ثورة التكنولوجيا وموجات العولمة الشرقية والغربية التي اكتسحت مدن المروك، حتى جردتها من خصوصياتها الثقاقية، فصرنا نتحدث عن مدن بدون معالم خاصة (وهذا موضوع أخر) بعيدا عن هذا وذاك... وفي قرية ريفية أمازيغية، وفي يوم من أيام العقود الوسطى من القرن الماضي كتب لنقطتنا المحورية أن تعيش حياة لم تختلف عن حياة ذلك الريفي الفلاح الذي أعطى لأرضه، من عرقه ودمائه لتهب له بركة الحياة وليستمد منها كينونته وهويته وشجاعته التي قل نظيرها في العالم، تلك الأرض التي غنى لها رباز تعبيرا عن ارتباطه الوثيق بها mani memma ghad rahegh war yepni wur inu tafarsit ،ay arrif wenni d amcan inu ذلك الريفي العامل الذي تجرع من مآسي هذا الواقع المر، فأدرك منذ نعومة أظافره أنه يعيش في بلد يسيره أناس يريدون له الإبادة الثقافية، إنه الريفي الشاعر أمذياز الذي ألف قصائد و"إزران" تتغنى لتاريخه المجيد ولمحبوبته التي عشقها بصدق. هذه هي كانت حياة رباز ن ارريف، التي اختلطت فيها الدموع بأنشودة أررازيق والمعاناة بالدماء ليشكل بهذه العناصر المتناقضة شخصية كارزماتية عرف بها بين تخوم جبال وقرى أيث ثوزين .... ترعرع عشقهما لبعضهما البعض، حين كانا يلعبان معا" ثانوفرا" و"بيسو"، وحين كانا يجلبان الماء من "ثارا ن أيث يوسف" إلى أن بلغا رشديهما، حينئذ أصبح ذلك الرابط المقدس الذي يجمع بينهما أكثر قوة من ذي قبل، وفي نفس الآن ما فتئت تظهر خلافات طفت على السطح بين عائلتي المحبوبين. وفي هذه الظروف الصعبة توالت اللقاءات السرية بينهما، إلى أن علم والد الفتاة أو"ثاحنجيرث" كما كان يحلو لرباز أن يطلق عليها في أغانيه. لتصبح اللقاءات شبه مستحيلة فلم يبق لرباز سوى اختلاس نظرات اطمئنانية تتباعد زمانيا ليتولد الشوق في نفس رباز ن ارريف حاول كثيرا أن يتقدم لخطبتها إلا أن نار الحقد والكراهية أذابت ثلج حبهما، فكان مع كل محاولة يرجع بخفي حنين. في خضم فشله لجأ إلى حنجرته التي اختزلت موهبته الفذة فأبدع ست أغان خالدة... وبعد كل هذه السنوات لا زال من يتذكر رباز بكثير من الحنين إلى أيام "مسرقيغ أكذ وعشيق" التي صور فيها نفسه في قالب تراجيدي رائع: msrqigh akd weociq ittrun imettawen imettawen x thenjirt isruban urawen tugha ten di temzi tirarn teghannajen am sbeh am uoecci nitni rebda munen yuss d ijjen nhar xsen ad msemracen ugin lwalidin ntni zi zman tmsodawen aociq itnus x idmarwen tahenjirt ihebbes it baba s deg ixammen هذه الأغاني التي أبدع فيها رباز ن ارريف كانت كلها رسائل معاناة وصرخات استغاثة، لعل من خلالها تلقى أذانا صاغية إلا أنه وكما يقال لا حياة لمن تنادي، فبعد أن سدت في وجهه كل الأبواب تقدم لخطبة "ع " أحد أثرياء المنطقة طمعا في جمالها الخارق... مرت الأيام وبدأت الاستعدادات لحفل الزفاف. وفي ليلة العرس، وفي الوقت الذي كان فيه أهل العروس يحتفلون ويغنون ويمرحون ...كان رباز وحيدا يناجي ليله الطويل ليخلص في نهاية الأمر إلى أنه لا جدوى من هذه الحياة والعاشق يحيى بعيدا عن محبوبته، هل سيعيش ليرى"ثانيبوت نس" بين أحضان رجل غيره؟ بدون وعي، رباز اختار الموت ليترك الآثمون يفرحون لإثمهم، ليرحل في صمت تاركا الأب يرقص لوسخ الدنيا. مات رباز ن ارريف على حافة إحدى الوديان... حقيقة لا تقبل الدحض... لكن أن تموت أغانيه تلك هي المشكلة بعينها فما ذنب جمهور رباز ان يحرم من عندليب الريف؟ هل يجوز منا نحن كمثقفين مهتمين وطلاب باحثين ...أن نتفرج على رباز وهو يدفن بين دهاليز النسيان المظلمة؟ هل يجوز أن نتفرج على إرثه الفني فريسة لأعداء الحياة والفن؟ تلك كانت أسئلة مشروعة في انتظار أن تقوم على الأقل المواقع الإلكترونية المهتمة بالأغنية الأمازيغية بإضافة أغانيه إلى قائمتها، وإلى ذلك يبقى رباز ن ارريف شهيد الحب كما وصفه أحد الشعراء الأمازيغ، أسطورة تنهل من أحداث حقيقة تسمو على أسطورة إملشيل وعلى قصة روميو وجولييت، لأن الأولى أتت لتفسر ظاهرة طبيعية، أما الثانية فهي نتاج نسج خيال خصب لكاتب كبير. فمتى سيحين الوقت لرد الاعتبار لربازن ارريف وللفنان الأمازيغي عامة؟ (أنديش شاهد إيدير amazigh_2958@hotmail.com)
|
|